أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد علي خليل - رساله عابره لالاف السنين















المزيد.....

رساله عابره لالاف السنين


محمد علي خليل

الحوار المتمدن-العدد: 4677 - 2014 / 12 / 30 - 22:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


رأيت على مقربة من الاهرام اكواما من الحجارة، وقد وضعت من غير ترتيب. سألت عنها، فأجابني الدليل، انها قبور جماعية عميقة، حفرت ليدفن فيها من هلك من العبيد اثناء العمل الشاق في بناء الاهرام. فقد نقل ثلاثون الف رقيق حجارة الاهرام في ثلاثين عاما وكان مئات منهم يسقطون كل يوم من الاعياء ويلفظون انفاسهم الاخيرة، فيأمر الفرعون بدفنهم في حفر تحيط بالاهرام، ليظلوا يحيطون به في موته، لتخدمه ارواحهم في الموت كما خدمته اجسادهم في الحياة.
ثم نظرت الى الاهرام مرة أخرى فشعرت بالغربة عنها، بل شعرت بنوع من الحقد عليها فهي.. وكل الآثار والقصور الشاهقة التي بقيت من التاريخ، انما قامت على دماء واشلاء اجدادي واسلافي، فهذا هو سور الصين العظيم مثلا، بناه آلاف من اجدادي المستعبدين، ومن سقط في العمل تحت عبئ الاحجار..دفن في شقوق الحائط واستمر العمل بعده.
هكذا كدت ارى منجزات الحضارات.. وكأنها تراكم للمظالم عبر آلاف السنين، طوت في ثناياها اجساد اجدادي.. لذلك بقيت بين هذه القبور لحظات تأمل عميقة وانا احس وكأنني جالس بين اخوة لي.
بدأت بكتابة رسالة الى احد اولئك الاخوة، الى مجهول من هؤلاء الرقيق، اسرد له فيها ما جرى لاخوته من البشر في الخمسة آلاف سنة التي انقضت على غيابه عن الارض، في هذه الفترة الطويلة.. لم يكن هو موجودا، ولكن الرق والرقيق كانوا موجودين باستمرار بأشكال وصور مختلفة على مر المراحل.
قلت في رسالتي:

قد رحلت عنا، ونحن لم نزل نبني الحضارات العريقة ونعد العدة من أجل فتوحات ومآثر جديدة. كانوا يأتون الى قرانا وضياعنا فيجروننا وراءهم كالبهائم الى حيث نصنع قبورهم، وعندما كنا ننتهي من بناء الصرح كان المجد لهم وحدهم، أما نحن.. فعندما كانت تخور قوانا، بعد ذلك الجهد الجهيد كنا ندفن هناك بين صخور المقبرة.
كانوا يسوقوننا احيانا الى الحرب، لحرب اناس لم نعرفهم ولم نكرههم من قبل، بل وربما لحرب اناس من مواطنينا ورفاقنا وأقرب الناس الينا، كنا نحن نساق للحرب، بينما ينتظر آباؤنا وامهاتنا المسنون عودتنا بفارغ الصبر، انتظارا من دون جدوى ولا نتيجة.

هذه الحروب - على حد قول احد المفكرين - كانت حربا بين فريقين، لا يعرف احدهما الآخر، لحساب فريقين يعرف احدهما الآخر، ولكنهما لا يتقاتلان بأنفسهما.

كنا نبيد بعضنا بعضا، اذا كنا مضطرين اما لنفتل ونقييم المذابح للآخرين، او نواجه الهزيمة، وعند الهزائم كان الخراب والمدن المهدمة والمزارع المحروقة الجرداء تبقى لنا ولآبائنا وامهاتنا. أما عند النصر، فقد كان المجد والعز يسجلان لغيرنا. هكذا كنا نحن ادوات فقط.. مهزومين في النصر كما في الهزيمة، لكن يا أخي حدث بعدك تحول كبير فقد بدأ الفراعنة والقياصرة وطواغيت العالم يتغيرون في تفكيرهم، فتركوا عقائدهم عن الموت وبناء القبور كي تبقى الارواح فيها حية، وقد فرحنا لذلك التحول كثيرا، اذ لاحت لنا نهاية المسيرات المرهقة والمهلكة التي جلبنا بها ملايين الاحجار من مسافة ألف كيلومتر، ورصفناها على بعض كي نصنع قبرا خالدا.
لكن الفرحة لم تعمر طويلا، فقد اغاروا على قرانا وضياعنا مرة أخرى، وساقونا عبيدا ليحملونا الصخور مرة أخرى، لا لبناء القبور وانما لبناء قصورهم واسوارهم، تلك القصور والاسوار التي قامت بدمائنا وعلى اشلائنا.
غرقنا مرة أخرى في لجة اليأس، وكدنا نفقد آخر بصيص من نور الأمل، الى ان جاء بشير الخلاص، عندما بدأت نهضة الانبياء العظام، زرادشت، ماني، بوذا، كنفوشيوس الحكيم، لاوتسو.. فقد كانوا أملنا في الخلاص من العبودية والهوان والظلم، وقد اعتقدنا ان الله بعث هؤلاء رسلا من اجل انقاذنا نحن المحرومين والمستضعفين، ومن اجل احلال الحق والعبادة محل الظلم والرق.
لكن هؤلاء الرسل قصدوا القصور من دون ان يمروا بنا ويأبهوا لما نحن فيه.فذلك الحكيم كنفوشيوس مثلا، كان ينشر تعاليمه عن الانسان والانسانية والمجتمع، وقد صدقنا قوله، الا اننا رأيناه يصبح وزيرا في دولة (لو) ونديما للامراء والحكام.

أما بوذا الذي كان من امراء (بنارس) فقد انقطع عنا واعتزل العالم ليخلوا الى نفسه في محاولة لبلوغ النيرفانا، وقد اعتكف ليخرج للجياع بمنظومة افكار فلسفية ورياضية حول ذاك.. وزرادشت الذي بعث في اذربيجان، لم يتجه نحونا نحن المحرومين والمعذبين، بل توجه نحو مدينة (بلخ) حيث استقر في بلاط الملك كشتاسب، كذلك ماني الذي ركز على مسألة النور والظلام وهو يجمعنا حوله نحن المعذبين واسرى الظلام، فتوسمنا فيه خيرا ونورا واعتبرناه المنقذ المنتظر. لكنه ما لبث ان لملم وعوده العريضة وعبر عن حقيقة توجهه في كتاب اهداه الى الملك الساساني شاهبور، ثم بارك حفل تتويجه، وكان له شرف مرافقته الموكب الملكي الى سرنديب، والهند وبلخ، وبعد ذلك كله بدأ يبرز هزيمتنا بهذه الانشودة: (كل من يهزم ويندحر فهو من طينة الظلام، وكل من ينتصر ويتفوق فهو من ذات النور)
لقد كان هذا هو كل ما انشده لنا.. نحن المهزومين عبر التاريخ.
لقد ذهبت انت يا أخي ضحية بناء قبور الفراعنة، بينما جعلت انا فداء لقصور الحكام وقلاعهم الشاهقة. ووجدت نفسي مكبلا بقيود خلفاء فرعون وقارون الذين استرقونا وسخرونا لخدمتهم. لقد شكل هؤلاء الخلفاء طبقة رجال الدين الرسميين (الكهنة)، التي اصبحت طبقة فوقية متنفذة ومستكبرة، وقد كتب علي ان اخدم هؤلاء وابني لهم القصور والمعابد الفخمة، في ايران وفلسطين ومصر والصين، وفي كل مكان يوجد فيه محروم مغلوب على امره ومستعبد. ان هؤلاء القيمين الرسميين على الدين الذين ادعوا تمثيل الله وخلافة انبيائه نهبونا الزكاة وساقونا للقتال باسم الجهاد، بل انهم اجبرونا على تقديم فلذات اكبادنا على مذبح الاصنام قربانا للآلهة، حتى اصبحت المعابد تسقى باستمرار من دماء ابنائنا وبناتنا الابرياء.

لقد اصبحنا نعاني اسوء انواع الاستغلال باسم الآلهة،وذلك على ايدي فرعون وقارون وخلفائهما والقيمين الرسميين على دينهما.لقد اغتصب مؤيدوا الاهواز (كهنة المجوس) ثلاثة اخماس اراضينا، وجعلونا اشباه عبيد. كذلك فعل كهنة المسيحية، حيث استولوا باسم الكنيسة على اموال واراضي الناس.
في آلاف السنين، بنينا المعابد والقصور في روما والتماثيل الضخمة في الصين، كنا نحن نهلك بصمت اما المجد فكان يبقى نصيب الكهنة والقساوسة والمقيمين والمتاجرين به، وارثي قارون وفرعون.
انا الذي عشت بعدك بالآلف السنين، وتتبعت ما جرى في هذه السنين، وصلت الى نتيجة هي ان الآلهة ايضا تكره العبيد وان هذه الاديان ما هي الا قيود جديدة ارسلت الينا وان الكهنة والقائمين على امر الدين انما استخدموا تلك القيود لاسترقاقنا ولتبرير سيطرة اصحاب القصور.
ثم عرف عالمنا فلاسفة وحكماء، كان فهمهم عميقا وعلمهم غزيرا، ولكن حتى هؤلاء لم يجدونا نفعا، فارسطو مثلا، اعتقد بأن من الناس من ولد ليكون عبدا، ومنهم من ولد نبيلا وسيدا، لذلك رأى من الطبيعي ان نبقى في الطبقة الدنيا من المجتمع نُسام العناء ونعامل بالسوط، فلذلك كان قدرنا حسب رأي اولئك الفلاسفة.
لكن العالم شهد مفاجأة جديدة،عندما ظهر نبي جديد، وقد نزل من الجبل متجها للناس، قائلا لهم (اني رسول الله اليكم جميعا). كتمت انفاسي وانا بين الدهشة والشك، فلعل في الامر خدعة جديدة لكنه استمر في الكلام (اني بعثت من قبل الله القائل: ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين). عجبا، كيف يحدث الله العبيد والمستضعفين فيبشرهم بالنجاة ويجعلهم وارثي الارض وسادة العالم، كدت لا اصدق، اذ اعتقدته كأنبياء آخرين، جاءونا من ايران والهند والصين، او ربما كان اميرا ادعى النبوة، كي يعب الناس ضد أمير آخر، فيبلغ مناله من خلال الدين.

قالوا: لا.. انه يتيم، شاهده الناس جميعا وهو يرعى الغنم في سفح الجبل فتعجبت اكثر: كيف يصطفي الله رسولا بين الرعاة. فقالوا لي بل انه آخر واحد من سلسلة الانبياء - الرعاة -، وقد كان اجداده الانبياء أيضاً هم من الرعاة والفقراء، فارتجفت اوصالي، وشعرت برعشة امتزج فيها الارتباك والخوف والرجاء.. فهذا نبي يبعث منا وفينا، وزال ترددي عندما رأيت حولي اخواني من الفقراء والعبيد: بلال.. ذلك العبد الحبشي.. سلمان.. أسير حرب ايران ثم مستعبد، ابوذر.. اعرابي معدم من الصحراء.. سالم.. مولى زوجة ابي حذيفة وآخرون غيرهم هم من العبيد والفقراء، التفوا حول النبي ثم اصبحوا سادة قومهم.

آمنت بذلك النبي، لان (قصره) كان بضع غرف من الطين بناها، بعد الحاح الناس وقد ساهم هو في بنائها، و(بلاطه) كان خشبة ثبتت على سعف النخيل، هكذا كان كل متاعه في الدنيا.. وقد رحل عنها وهو لا يملك أكثر.
.هربت الى مدينة النبي واعتصمت بها الى جانب رفاقي من العبيد والمظلومين والمستضعفين في الارض، وبقيت الى جانبه الى ان وافاه الاجل وتركنا، ولازالت قضية رسالته محفوفة بالمخاطر والاحتمالات المختلفة.
يئست من جديد وشعرت اني مغلوب على امري، فها هي سلطة جديدة تستتر برداء التوحيد، وهي تنشر الكذب في المساجد وتحارب الله باسم الله.. وعرفنا مرة أخرى وجوها فرعونية وقارونية تحكم بصوت الدين، وتستغلنا من اجل بناء معابد وقصور في دمشق، وهكذا بدأنا ببناء الصروح الضخمة، جامع دمشق الكبير، القصر الأخضر، دار الخلافة ببغداد حيث حياة الف ليلة وليلة.
ولقد بني كل ذلك على اكتافنا، واعطينا لها دما وحياة.. فقد كان يفرض علينا كل ذلك باسم الله وخلافة رسول الله. وكدت اعتقد بأن الخلاص مستحيل وان العبودية انما كتبت علينا. من كان ذلك النبي، هل جاءنا برسالة مزيفة، هل خدعنا ونظم صفوفنا لكني نسخر في ما بعد لخدمة فئة من الناس، هل انه عرف بأننا سنسبى ونضطهد باسمه؟ كلا.. فقد كان هو مثلنا ضحية لما حدث بعده. والآن.. اين المفر، أي طريق اسلك للنجاة؟ هل ارجع الى الجاهلية الى كهنة مجوس، ام الى معابد قامت على اساس الظلم والتزييف؟
ام تراني ارجع الى قادة شعبي الذين يعملون من اجل تحررها، أي الى الذين خسروا سلطانهم في ثورة الاسلام فيحاولون العودة اليوم الى تراثهم البالي وجاهليتهم الاولى بعد ان جاءتهم البينات، أم التج للمساجد.. ولكن ما الفرق بين المساجد الجديدة والمعابد القديمة؟.. وقد رأيت المتلبسين لباس الخلافة والمدعين السير على نهج الرسول، وسيوفا كتب على حدها (الجهاد)، ومآذن ارتفعت باسم التوحيد.. رأيت ذلك كله يستخدم مرة أخرى لاستغلالي وجري الى ساحات الحروب والدمار والتكفير.






#محمد_علي_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وحدة الفن و الدين
- دعوه لاعادة قراءة ثورة الحسين


المزيد.....




- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا ...
- بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي ...
- أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا ...
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- المتطرف -بن غفير- يعد خطة لتغيير الوضع القائم بالمسجد الأقصى ...
- فيديو/المقاومة ‏الإسلامية تستهدف قاعدة ميرون -الاسرئيلية- با ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد علي خليل - رساله عابره لالاف السنين