أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نادية محمود - كلمة حول الزيارة الاربعينية: طقس ديني ام عمل سياسي صرف؟ (3)















المزيد.....


كلمة حول الزيارة الاربعينية: طقس ديني ام عمل سياسي صرف؟ (3)


نادية محمود

الحوار المتمدن-العدد: 4676 - 2014 / 12 / 29 - 19:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الجزء الثالث
حين كتبت الجزئين الاول والثاني من هذه المقالة، ولما ازل لم انهي ما كان لدي من سوق الادلة بان ما يجري من مراسيم عاشوراء والزيارة الاربعينية هو عمل سياسي، ولم اكن قد وصلت بعد الى الاجابة على مسالة مصالح اية طبقة تخدم تلك المراسيم وضد اية طبقة؟ لم يخطر في بالي ان من سيرد حانقا على مقالتي هو احد العمال في نقابات عمال النفط، الذي كتب يقول بان علي "اتوقف عن المس بمقدسات الشيعية لانها خط احمر".
هذا الرد جعل مهمة مقالتي اسهل لتوضيح فكرتي التالية وهي ان الخطر الكامن خلف الطقوس هي انها تخدم بالدرجة الاساس بقاء الطبقة الحاكمة الرأسمالية في العراق، حيث انها تسهم في تثبيتها وتكريس هيمنتها الايديولوجية، عبر ظهور الاخيرة كمعبر وحامل و مدافع عن الهوية "الشيعية". الامر الذي يجد فيه المواطن المؤمن الشيعي، ما هو مشترك سياسيا وايديولوجيا مع تلك الطبقة. ان ما ارمي توضيحه في هذه المقالة هو ان "الشيعية" التي اتحدث عنها هي ليست "دين" او "طائفة" وكأنها امر متعلق بايمان الافراد لجمع او طيف من الناس في اطار مجتمع اوسع. بل "الشيعية" هي حركة سياسية محددة. انها احزاب سياسية تأسست على اساس "شيعي"، انها مؤسسات مالية ضخمة، وطبقة تتكون من افراد "شيعة" سواء اكانوا منضمين الى احزاب "شيعية" او ان لم ينتموا يتحركون ويعملون باشكال مختلفة رسمية وغير رسمية في اطار حركة سياسية اشمل واوسع من الأحزاب. ان الشيعية هي ايديولوجية سياسية لطبقة محددة تركن الى مئات المليارات من الدولارات جنتها بفعل وجودها على رأس سلطة "شيعية"، مؤلفة حكومة "شيعية" "منتخبة" بانتخابات روجت للمشاركة لها المرجعية الدينية الشيعية قبل اي احد كان، وروجت لها قنوات شيعية.

"الشيعية" راية سياسية تحملها وتدافع عنها ليست الاحزاب الشيعية ولا الحكومة الشيعية فحسب، بل حتى منظمات المجتمع المدني "الشيعية" ووسائل اعلام شيعية. ان هذا الامر واضح للعيان حين تنظر الى العديد من القنوات الفضائية التلفزيونية كالفرات والمهدي والمعارف وكربلاء وغيرها المرتبطة باحزاب وفرق شيعية تروج للطقوس ليلا ونهار. انها شركات وبزنس معقود لراسماليين "شيعة". اننا ازاء طبقة حاكمة رأسمالها يقدر بعشرات ومئات المليارات، لديها يد وسيطرة على ثروات النفط، ولديها شبكات من المنتفعين والملتفين حولها لتامين معيشتهم، كما كان الحال في النظام السابق، حيث كان المنتفعون يقدمون ولائهم مقابل تحقيق لمصالحهم الاخيرون هم مدافعين ألداء عن اولياء نعمتهم، واحد اهم مظاهر الدفاع عن "اولياء النعمة" هو الدفاع عن الايديولوجية والهوية الشيعية، وترويج الخطاب السياسي الشيعي. انا هنا لا اقصد المواطن الشيعي المؤمن الذي يحركه ايمانه طلبا للشفاعة بممارسة الطقوس، بل اتحدث عن مؤسسة باكملها تعمل ليلا ونهار، وعلى راسها الدولة. ان المؤسسة الشيعية في العراق لا تعمل في العراق فحسب، بل تريد تقوية الشيعة على صعيد عالمي، الامر الذي ساتطرق له في مقالات قادمة. كيف نفسر ان المالكي اسس نقابة للـ"ملايات" باسم"المبلغات الدينيات" ولماذا تسهل السفارات العراقية سفرهن الى اوربا؟ انها تقوية "الشيعية" كحركة سياسية على صعيد عالمي. الدين هو سلاح في المعركة، المعركة الناشبة والجارية بين اولئك اصحاب المليارات ازاء الاخرين.
هذه الطبقة لديها مصلحة هائلة في الدين وفي الطائفة. لهذا السبب، تركزت ومنذ اللحظة الاولى النقاشات عشية كتابة الدستور على امر تثبيت الاسلام كدين للدولة، علما ان الدستور العراقي السابق لم ينص على خلاف ذلك. بل، والاكثر من هذا، مضى الدستور الجديد للتاكيد على تثبيت ممارسة الشعائر للطوائف الدينية كقانون في الدستور. لان هذه الشعائر تشكل المجال الحي والحيوي لنشر عقيدة سياسية وايديولوجية سياسية محدد هي "الشيعية". أن هؤلاء لا يقومون بالترويج لممارسة طقس ديني خارج نطاق السياسة، بل انها تصب في مصلحة السياسة الشيعية للطبقة السياسية الجديدة الحاكمة في العراق. لذلك اي كشف لسياسة هذه الحكومة، يجب ان يتصدى لامر حقيقة استخدامها لتلك الطقوس لتثبيت سلطتها. ان اهمية الدين والطقوس لتلك القوى الدينية، جعلت من مطلب فصل الدين عن الدولة مطلبا هجوميا هائلا وغير مقبولا من قبل تلك الاحزاب على تلك الطبقة الرأسمالية ذات الايديولوجية الشيعية الحاكمة في العراق. لان الدين يوفر لتلك الطبقة السائدة فرصة هائلة لسوق الناس بالملايين لمعسكرها الايديولوجي، للقبول بها، للخضوع لها، لترديد عباراتها وقيمها وافكارها وخطابها. حيث ان شعار فصل الدين عن الدولة يسحب البساط من تحت تلك الاقدام التي لا تجد ما تقف عليه ايديولوجيا غير الدين والطائفة. انها تتغذى عليها، وتكرس وجودها عبرهما وبواسطتهما. لذلك هذه الطقوس، حيث انها تخدم اهدافها، هي في غاية الاهمية لها.
ان الاحزاب الشيعية، ولاجل اكتساب الشرعية ولتسويق وجودهم كممثلين للشيعة، يوجهون خطاباتهم الى "الشيعة" بمناسبة معركة الطف، مقدمين انفهسم على انهم الخلف الصالح لـ"اهل البيت"، وانهم امتداد لهم، وان معركتهم اليوم هي معركة الاخير قبل 1400 عام. وان اي اخر سياتي للسلطة، سيحرم الشيعة من ممارسة طقوسهم. الدعاية الانتخابية التي طالما رددتها قنواتهم الفضائية في ايام الانتخابات. ان هذا الترويج هو لابقاء تلك الطبقة في السلطة. انهم يصرفون الاف الساعات عبر مختلف المنابر الاعلامية، القنوات الفضائية، الجلسات في الحسينيات والجوامع، في الندوات في الجامعات، في مختلف المناسبات، في الانتخابات وفي الشعائر الدينية التي تتواصل طوال العام، على نقل انتباه المستمع "الشيعي" الى التاريخ البعيد والمعارك التي جرت على ارض العراق قبل 1400 عاما، ليقنعوا "الشيعي" بانهم "كشيعة" كانوا على حق انذاك، وانهم على حق الان. وبهذا، يجلبوا النار لطبيخهم، يديموا وجودهم، يزيدوا ملياراتهم. ويواصلون حكمهم.
من ناحية اخرى، في هذه الطقوس يجري صرف انظار الناس تماما عن امكانية بناء "الجنة" في الارض، اي الحياة المرفهة والامنة والسعيدة. انها تنقل أذهانهم، وتصرفهم عن التفكير بحاضرهم، بمطاليبهم وبحاجاتهم اليوم الى واقع اخر، ليعقدوا امالهم على "أهل البيت" و"شفاعة الائمة" بتحقيق امنياتهم. في هذه الطقوس يجري الترويج على ان السير في تلك الطقوس مشيا على الاقدام الى الاضرحة في كربلاء سيمكن المواطن الشيعي من ان ينال مرادة، وان امنياته ستستجاب. ان وسائل اعلامهم تصرف مئات الساعات لاقناع الماشي على الاقدام في تلك الطقوس بان الغبار الذي على قدميه سيوصلهم الى "الجنة".
بناء عليه، انها تسلب المواطن ارادته في التدخل الواعي لتغيير حاله، اوضاعه، التدخل في تحقيق امانية، تنظيمه، الدفاع عن تحقيق الاماني والرفاه والخير، حيث ان الرفاه ليس معقودا فقط لاصحاب المليارات من المالكي والاعرجي وغيرهم. ان تلك الطبقة، بترويجها لتلك الطقوس ليست غافلة او يدفعها دافع ديني ايماني للوفاء الى "اهل البيت" بعيدا وخارج نطاق السياسة. ان هدفهم الاساسي والاصلي لمصالحهم اليوم: هنا والان.
لذلك فان دعم الطقوس من قبل الطبقة الحاكمة هي احد الاستراتيجيات البالغة الاهمية للتعبئة السياسية وايصال هذا التاثير الى كل شخص "شيعي". انه خطاب تروج له لتسمعه كل اذن، من اجل يجري تبنيه والدفاع عنه كمقدسات، "كخطوط حمراء"، من اجل ان يأتي شخص من الطبقة العاملة ، الذي لا ناقة له ولا جمل مع مصالح الطبقة الحاكمة، يردد عباراتهم و"تحذيراتهم" بان يجب ان "لا تمس المقدسات". ان هذا بالضبط هو ما يهدفوا اليه: جعل الناس تتبنى ايديولوجيتهم، وخطابهم السياسي باسم "الدفاع عن الشيعة". ان اماطة اللثام عن استثمار تلك المراسيم والطقوس والشعائر لاغراض سياسية لهي عمل سياسي، مثلما يجري استخدام المراسيم لاغراض سياسية. ليس هنالك ما هو مقدس في هذا الامر، وليس هنالك خطوط حمراء.

احزاب الاسلام السياسي لها تاريخ في كل دول المنطقة في الشرق الاوسط. من ايران والسودان والسعودية وانتهاءا بالعراق. ان لها خطابا واحدا موحدا، وان اختلفت في التفاصيل. ان الخطاب الاسلامي الشيعي، هو خطاب سياسي في المقام الاول.

واعني بهذا سياسيا، ان خطاب الاسلام السياسي يدور حول ألاستحواذ على السلطة السياسية واقامة دولة اسلامية او دولة تسير على قانون لا يتناقض مع الاسلام. الحالة الاولى تجد تعبيرها في ايران والسودان والحالة الثانية تجد تعبيرها في العراق. الخطاب الاسلام السياسي- الشيعي يدعو الى نفس الشيء، ينادي بتدخل رجال الدين بالدولة سواء بشكل مباشر، كما هو في ايران عبر ولاية الفقيه، او عبر الطريق غير المباشر الذي يتبناه السيستاني في العراق، عبر "ولاية الامة على نفسها". من هنا، وكالاواني المستطرقة تطبق كل القوانين المنسجمة مع الاسلام بنسختها الشيعية وتفسيرها الشيعي على حياة المجتمع.
ان شيوع الحجاب بشكل مطلق في المناطق المحكومة بالاحزاب الشيعية في وسط وجنوب العراق، ليس صدفة، ليس خيارا للنساء، ولا للاسرة العراقية، التي عاشت لسنوات دون ان ترتدي نساءها وبناتها الحجاب. اشاعة الحجاب عمل سياسي. قيام مجلس محافظة البصرة بعمل حفل التكليف الشرعي لبنات بلغن سن التاسعة من العمر والذي يفرض عليهن ارتداء الحجاب وقيامهن بمسؤوليات دينية هو عمل سياسي، تنظيم المراسيم الشيعية في المدارس عمل سياسي، مساعي الفصل بين الجنسين في الجامعات هو مسعى سياسي. قتل الطلبة في سفرة جامعية في مدينة البصرة في اذار 2003 من قبل الميلشيات الشيعية هو اول عمل " تبشيري سياسي" لنشر الرسالة وفرض الهوية "الشيعية" على المجتمع. ان هذه كلها ليست اعمال "دينية" بل اعمال سياسية صرفة، كلها تصب صوب هدف واستراتجية واحدة هي تصنيع مجتمع شيعي، تستمد منه الاحزاب الشيعية الحاكمة، وافرادها ذوي مليارات الدولارات، سببا وذريعة لحكم المجتمع باعتباره مجتمع "شيعي".
متى ما انفصل الدين عن الدولة، ومتى ما حذفت كل العبارات المتعلقة بالدين والطائفة من قوانين الدولة، ومتى ما كفت الاحزاب ان تتشكل على اساس ديني وطائفي، ومتى ما كف العمل بالقوانين الدينية، ناهيك عن طرح القوانين الشيعية كالقانون الجعفري لتنظيم الحياة المدنية، يمكن الحديث حينها عن ان الدين وممارسة الطقوس هي امور"شخصية"، وانها لا تخضع الامر الشخصي الى النظام و التقليد الديني. كما هو الحال في الغرب، فصل الدين عن الدولة، يجعل بالفعل من ممارسة الطقوس الدينية امرا شخصيا.
في العراق، وفي الشرق الاوسط، الدين والطائفة هما سياسة، وليست امرا متعلقا بايمان الفرد بـ"خالق"ه. في دول تنص قانونا ودستوريا وتعمل ليلا نهار على اسلمة وتشييع سلوك الافراد وتصرفاتهم، يلغى الفارق بين الشخصي والسياسي، في الحقيقة، يتلاشى الخط الفاصل بين ما هو شخصي وسياسي. يصبح الشخصي امر سياسي صرف. لذلك ما الذي ترتديه المرأة، حجاب او سفور، يعتبر امرا سياسيا يمكن ان يهدد حياة امرأة كما تتعرض له مؤخرا مرشحة البرلمان من مدينة الناصرية هيفاء الامين المرأة السياسية التي تمارس حقا سياسيا بالترشيح للانتخابات، لكن يسلب منها حقها "الشخصي" بعدم ارتداء الحجاب، الامر الذي يوضح نقطتي ان الترشيح للانتخابات عمل سياسي مسموح به لهيفاء الامين، لكن ان تقرر هيفاء الامين ان لا ترتدي الحجاب، فهذا عمل غير مقبول. لماذا، لانه امر سياسي، وليس شخصي. عدم ارتداء الحجاب يعني عدم القبول باسلمة السلوك واسلمة الملبس. له معنى سياسي وان كان الامر يقع في حيز الشخصي والخاص.
فصل الدين عن الدولة، يعيد تلك الممارسات الى حيزها الطبيعي، الحيز الشخصي، وليس الحيز العام. بوجود الدين في قانون و نظام الدولة، يصبح كل سلوك من سلوكيات الافراد هو عمل ذو معنى سياسي ويعبر عن اتجاه سياسي. فصل الدين عن الدولة يجعل الدين فعلا امرا شخصيا، ويحرر الافراد من قانون الدين كقانون سياسي يوجب عقوبات ويشكل تهديدات، كما يهدد صاحبنا بان مناقشة الطقوس هي "خطوط حمراء"!!!. والمستفيد الوحيد من نظرية "الخطوط الحمراء" و "المقدسات" هي الطبقة ذات المليارات، التي سمح لها دينها، ودينها فقط ان يكون لها القدرة على مراكمة المليارات من حكم الحكومة الشيعية. هذه الطبقة التي تماطل اشهر مديدة من اجل اكل حقوق عمال النفط في الأرباح والأراضي وغيرها وممارسة سياسة التسويف والمماطلة بحقهم، وهي نفسها التي تمارس التضييق على قادة عمال النفط وممارسة إجراءات تعسفية بالتهديد بالطرد وقانون 4 إرهاب وغيرها بحق قادة عمال النفط وامام انظار صاحبنا ومن قبل حكومة "الشيعة"!!
انها مصالح الطبقة الراسمالية الجديدة الحاكمة في العراق التي قررت اتخاذ المنهج الشيعي كايديولوجية لها. واحد مستلزمات هذا المنهج هو ممارسة الطقوس. ان هذه الطبقة المكونة من المالكي والصدر، والحكيم، والاعرجي وعادل عبد المهدي، وغيرهم طبقة تمتلك مئات المليارات. ان هذه الطبقة تمكنت في غضون عقد من الزمن على ان تثبت سلطتها وتجلس بشكل مريح تماما على مئات المليارات تمكنت من ذلك لانها تتصرف كطبقة لها مصالح مشتركة، تساوم، تتصالح، وتحاصص، وتوزع الكوميشنات (على حد تعبير النائبة حنان الفتلاوي)، يشارك اعضائها في ركضة طويريج وتوجه خطاباتها في مراسيم عاشوراء الى انهم حسينيون، ويلطمون مع اللاطمين، يرتدون السواد في عاشوراء، يمشون مع المشاية، يوزعون طعاما بايديهم للزوار طلبا لشفاعة الائمة، ويضعون كل هذا على شاشات التلفزة. لأنهم يمارسون ويكرسون ايديولوجيتهم وعقيدتهم، ومن ثم وجودهم وشرعيتهم عبر تأدية طقوسهم.
لذلك اكرر ان هذا الخطاب السياسي "الشيعي" لهو في خدمة الاحزاب الشيعية الحاكمة، وان ما يجنية المواطن من خطابات تلك الاحزاب هي التالي، ان يعلق اماله على المشي للاستجابة لمطاليبه، وانه اذا مشى فان الغبار الذي على قدمية سيوصله الى الجنة. ولكن ماذا عن اليوم، عن التعليم، والامهات مبتلاة بتعليم اولادهن كل يوم، ماذا عن الخدمات؟ مالذي تقدمه تلك الاحزاب والمدن غارقة في قذاراتها، وماذا عن اكثر من 40% من المجتمع الذين يرسفون تحت خط الفقر؟! ماذا عن مئات الالاف من الارامل ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم المجهول؟ وهم يتخمون البنوك العالمية بحساباتهم المصرفية الخرافية؟!!! ان ما يجنيه المواطن "الشيعي" في مدن العراق، في الوسط او في الجنوب هو الغبار على الاقدام، وان يتطلع الى خلاصه وجنته في "الاخرة"، وليس في الدنيا.
لقد جلبت مرحلة ما بعد الحرب طبقة جديدة، واحزاب جديدة الى السلطة، هذه الاحزاب جرى تمكينها من الوصول الى السلطة، من الوصول الى مصادر الثروة في المجتمع. هذه الاحزاب ماكان لها اجندة اقتصادية، حتى في ايام المعارضة تختلف عن الاجندة الاقتصادية لنظام البعث نفسه. اي اقتصاديا، الاحزاب الحاكمة الان من الناحية الطبقية تشترك بدفاعها عن نمط يتراوح بين رأسمالية الدولة ورأسمالية السوق الحر، ولا تتعدى اقتصاديا هذين النمطين. لكن لتبرير وجودها، واكتساب "شرعية" لتكون على سدة الحكم، روج لها، من الغرب، قبل اي كان، انها تمثل "الشيعة" واصبح "اضطهاد الشيعة"، ورقة سياسية رابحة للوصول الى السلطة، وللبقاء في السلطة.
الا ان هذا كله قد يكون مفهوما، ولكن ما يتوجب الوقوف عنده هو ان ينبري عاملا لا يمتلك والطبقة الرأسمالية الشيعية الحاكمة مصلحة ما، للاعتراض على التحليل السياسي لتلك الطقوس من حيث كونها استراتيجية سياسية تعبوية للاحزاب الشيعية بالقول بانها "مقدسات" و"خطوط حمراء".
ان هذا العامل يقف ضد سياسات اقتصاد السوق الحر او النيولبرالية التي تبنتها الاحزاب الشيعية كجزء من سياستها المنسجمة مع الراسمال العالمي، والذي تروج لها منظمة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بابعاد الدولة عن التدخل في حياة المواطن اقتصاديا وتركه فريسة للسوق ولقوانين السوق. مؤتمر الصدريين الاخير يقدم لنا نموذج عن البديل الاقتصادي الذي تقدمه الاحزاب الشيعية والتي لا تختلف بشيء عن نظيراتها الاحزاب السنية في المنطقة ولا الشيعية في ايران. الا ان هذا العامل نفسه يقف ايديولوجيا وسياسيا مع تلك الطبقة التي يعارضها اقتصاديا. وهذا لتناقض صارخ وهو يشكل خطر حقيقي على الطبقة العاملة حين تبدأ بدلا من استنباط موقفها الايديولوجي والسياسي المستقل والمعبر عن مصالحها بان تطرح لائحة مطاليبها اليوم وان ترفض ان تحول مطاليبها الى "الاخرة"، وبدلا من ان تكون واعية الى حقيقة كيف تستثمر هذه الطبقة الحاكمة المراسيم والطقوس لادامة وتبرير وجودها، وبدلا من ان تمارس ضغطها على ان يكون هنالك حيز اعلامي كافي للتعبير عن مصالحها بدلا من وجود، او على الاقل جنبا الى جنب وجود، ما لا يقل عن سبع قنوات فضائية تتحدث عن التاريخ وعن صراعات ما قبل 1400 عام، تجد عمالا يتماهون ويتحدثون عن حروب وقصص جرت قبل 1400 عام. بدلا من ان يقوموا ، اي العمال، بجلب انظارهم وتضغط عليهم للحديث عن صراع العمال اليوم في هذا الوقت في عام 2014 ، يرددون ذات العبارات التي يسمعوها يوما بعد يوم، ساعة بعد ساعة، ليلا ونهارا، 24 ساعة في اليوم، وعلى امتداد ايام السنة، ومنذ شروع الحكومة الشيعية في الحكم بعد اول انتخابات في عام 2005. لماذا هذا التاريخ يحتاج الى كل هذا الضخ الاعلامي ان لم يكن خلف الاكمة ماوراءها؟
ان الطبقة الراسمالية في غاية الذكاء لتبرير وجودها ولتقديم نفسها على انها صاحبة شرعية في الحكم. وهي تستخدم الطقوس لانها تدغدغ وتداعب المشاعر الدينية لاولئك العمال، الا ان الامر بالنسبة للطبقة الحاكمة ليست مشاعر دينية تدغدغ او تلاعب، بل انها مصالح مادية حقيقية، من مليارات من الدولارات، محمية بميشليات مسلحة، مدعومة بقنوات فضائية، تتنافس وتتصارع حول السلطة بالحديد والنار.
انه امر معلوم، انه كان النظام السابق يضايق الذين يمارسون طقوسهم الدينية، ولكن النظام السابق، كان يضايق اي عمل، واي تحرك لا ياتي من النظام السابق نفسه. على سبيل المثال طبيب يتبرع بعلاج المرضى بشكل مجاني في ايام الحصار الاقتصادي، وزميله الصيدلي يبيع الادوية باسعار مخفضة اعتبر انه عمل سياسي يتحدى الدولة. وجرى اعدام الطبيب والصيدلي. ان ممارسة الطقوس الدينية، عوملت كسلوك سياسي وليس ديني من قبل النظام السابق، واليوم، النظام الحالي، ايضا يستخدم الممارسات والطقوس الدينية، كاستراتيجية لتقوية وتبرير واعطاء "الشرعية" لوجوده كاحزاب "شيعية"، وكأنها تعبر عن مصالح "الشيعة".
ولكن "الشيعة" انفسهم، بما فيهم صاحبنا عامل النفط، من الساخطين على الاحزاب الشيعية الحاكمة، وعلى الحكومة، وعلى الدولة، وهم يشتمون الدولة جهارا ليلا ونهارا، على انها دولة فساد ونهب قل نظيره. ان العراق يحتل احد المواقع الثلاثة الاخيرة في الدول الاكثر فسادا في العالم. فما الذي يحدث، لماذا المجتمع الساخط على الدولة اقتصاديا، وهو واع تماما بعمليات النهب والفساد والمحسوبيات والوساطات وغيرها، يسهم في تكريس وجود هذه الدولة أيديولوجيا وعقائديا؟
ان الجواب على هذا السؤال يعود الى حقيقة واحدة بنظري هي "عملية التصنيع الشيعي" عملية "التشييع" الايديولوجي التي تشتغل ليل نهار من قبل مؤسسات الدولة والمؤسسات غير الحكومية، كوسائل الاعلام لتثبيت اركان هذه الدولة، لجعل ايديولوجية الدولة، التي هي شيعية كـ"مقدسات" يجب عدم مسها. لانها من تلك المقدسات، تتغذى، وعليها تعيش، وتريد ابقاءها، واستمرارها وتوسيعها.
ان الدولة لا مانع لديها على الاطلاق للاحتفال دينيا بولادة وممات 12 اماما شيعيا، باعطاء الاجازات لايام لمراسيم عاشوراء. ان وسائل الاعلام وقبل ان تضع زيارة الاربعين اوزارها، حتى بدأت تتحدث عن احياء مراسم الحر الرياحي، والمولد النبوي، وزيارة الرضا. بحيث تتحول السنة، الى سلسلة من المناسبات الدينية الشيعية التي ترعاها الدولة، وتعطي موظفيها اجازات تلو الاجازات مرة من رئاسة مجلس الوزراء، اضافة الى الاجازات من قبل مجالس المحافظات، والتلاميذ فرحين، كثرة العطل امر يبتهج له الاطفال والموظفون.

الى اي حد يتضرر منه الاقتصاد العراقي كاقتصاد ريعي يعتمد على النفط في ظل عدم وجود انتاج صناعي او زراعي جاد. الى اي حد تتضرر مصالح الناس من كثرة ايقاف العمل نتيجة كثرة الاجازات لاحياء المناسبات الدينية، امر لا يبدو انه يعني الدولة كثيرا. حيث ان كل ما يشغل الاحزاب الشيعية الحاكمة في العراق ومعها المؤسسة الدينية الشيعية، هو بقاءها في السلطة الان هو امر حاسم الاهمية بالنسبة لها، الاقتصاد لا يشكل هما حقيقيا لها الامر الذي يفسر عدم اقرار ميزانية 2014 على سبيل المثال رغم اننا سندخل عام 2015 بعد ايام قليلة.



#نادية_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من زيارة الاربعين : هل ممارسة الطقس الديني امر ديني ام سياسي ...
- كلمة حول الزيارة الاربعينية: طقس ديني ام عمل سياسي صرف؟
- داعش، مشهد اجرامي جديد في مسرح الصراع -الشيعي- السني-!
- القانون الجعفري و استذكار - الشيوعية كفر و الحاد-!
- قانون الاحوال الشخصية الجعفري.. هجمة جديدة لاسلمة المجتمع في ...
- الى رفيقي الحبيب ازاد احمد
- مطالب الجماهير في الدول الراسمالية الانتاجية ، و الراسمالية ...
- علياء ماجدة المهدي: امرأة تتحدى!
- من انتصر في ليبيا؟ ومن المنتصر في الثورات في المنطقة؟
- بيان حول اجتماع ممثلي عدد من الاحزاب و المنظمات المشاركة على ...
- عالم و احد و طبقتان*
- حول ضرورة ألعمل المشترك لتقوية الاحتجاجات الجماهيرية في العر ...
- حركة طبقية جديدة تعلن عن ولادتها في تونس و مصر
- سياسة -اللاتسييس-... سياسة مغرضة!
- الهجوم على دولة الرفاه في اوربا و ضرورة تشكيل أحزاب شيوعية ع ...
- التحزب، ضرورة ملحة تطرح نفسها امام الطبقة العاملة في العراق!
- كيف جسدت منى علي( ليلى محمد) فحوى الشيوعية العمالية بالكلمة ...
- الى موون.. الحديث الاخير ...
- ما هي وظيفة منظمات المجتمع المدني في الوضع الراهن في العراق- ...
- أسترح ايها الرب، بامكاننا ان نقوم بعملك الان!


المزيد.....




- “من غير زن وصداع مع” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على نا ...
- فيديو خاص:كيف تسير رحلة أهالي الضفة إلى المسجد الأقصى؟
- الشريعة والحياة في رمضان- سمات المنافقين ودورهم الهدّام من ع ...
- أول مرة في التاريخ.. رفع الأذان في بيت هذا الوزير!
- أول مرة في تاريخ الـ-بوت هاوس-.. رفع الأذان في بيت الوزير ال ...
- قصة تعود إلى 2015.. علاقة -داعش- و-الإخوان- بهجوم موسكو
- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نادية محمود - كلمة حول الزيارة الاربعينية: طقس ديني ام عمل سياسي صرف؟ (3)