أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد حياوي المبارك - خرابة بارتي















المزيد.....

خرابة بارتي


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4675 - 2014 / 12 / 28 - 19:09
المحور: كتابات ساخرة
    


مجرد الكلام في المساهمة أدناه، هو فعلاً مجرد كلام ليس منه فائدة أي (لا نفع فيه ولا دفع)!

خَرابة بارتي

في حياتنا وعملنا في العراق، كل أسبوع يمر يكون حافلاً بالأحداث وكأننا نخوض معركة، نقضي نصف طول النهار (نلهث) في محلاتنا ومصالحنا، نتسابق مع الزمن حتى يأتي المساء. حتى يوم الراحة (الجُمعة) يكون بين متطلبات البيت والزوجة والأطفال والمسواك و(زيان) الجهال وتصليح السيارة وإدامة الأثاث وزيارة الأهل و(النسابة) و و و ...
إذاً كان من حقنا أن نأخذ سويعات فيها نخلدُ (لاستراحة مقاتل).
كان لنا نحن ـ مجموعة الأصدقاء ـ مشتركات عديدة تجمعنا، منها أننا جميعاً خريجين وصيّاغ ومتزوجين، فنلتقي بعيداً عن أجواء العمل والبيت، وذلك حول نار نوقدها بين جدران بيت قديم أشتراه أحد المعارف بانتظار (تحسُّن) الوضع لاستثماره !
كان ذلك من عشرين سنة مضت ـ في بداية التسعينات ـ حين كنا شباب ...
× × ×
تقع هذه الأطلال بقطعة أرض مُسيجة في موقع ممتاز على شارع أبو نؤاس قرب فندق الشيراتون ومجاورة للمركز الثقافي الفرنسي، ولكونها متروكة فقد طالتها أيادي أبناء الحلال بحكم الجيرة و(الميانة) ولم يبقَ منها سوى الجدران، فقد سُرقت وعلى مراحل الأبواب ثم التأسيسات الكهربائية فالصحية والبلاطات وأخيراً خلعوا الشبابيك !
فقط بقي صنبور ماء يتيم جادت أيادي (الكرماء) به لنا، أو ربما لأنه عصى عليهم وأبى إلا الاحتفاء معنا، وصمدت أيضاً باب صدئة (مزنجرة) بوجههم كونها (مَ تسوة) شيء.

في هذا البيت المهجور والذي تملأهُ الحشرات والادغال، ويلفه السكون والكآبة والظلام، كنا نلتقي عزّابي (بدون عنصر نسوي) غير مبالين بشيء، نأخذ راحتنا بإطلاق النكات ونبتهج ونحتفل ونغني ونعزف ونشرب لتتحول الأجواء الكئيبة لفرح وبهجة كاسرة بذلك (جدار) الصمت الرتيب.
احتفالنا في متنفسنا الجميل هذا بين جدرانه وأحراشه أسميناه الـ ... (خرابة بارتي).

كانت (الشـَّدّة) تلتئم بسرعة وبمجرد اقتراح في يوم خميس دون موعد مُسبق، الكل يُجلب من السوق ما يرغب أكله أو شربه، لتُذبح على محراب (الخرابة) قناني كحوليات لرهانات خسرانة ويسيل على أرضه (حليب سباع) وتُفترس (معاليك) تُشوى على اللهب إضافة لكل ما يمكن أو (لا يمكن) شيَّه، دجاج وحَمام وتكة وكباب وبطاطا وبصل وطماطة، كل شيء يُشوى حتى الكـُبب، وكله يجد طريقه إلى أفواه شرهة وبطون جائعة تسحق حتى (الحجر) !
كنا نستبدل دفأ نار ليالي الشتاء في العراء بترطيب الأرض برشها بالماء في الصيف، وكان لدينا (طشت) نُغرق بمياهه الضحلة (فريدة وشهرزاد ولؤلؤة) ليطفو فوقهُنَّ الثلج، نشرب القناني ونعيد إغراقها، ومع مرور الوقت تذهب الأيادي تبحث بعناء في الماء البارد عمّن لا يزال منها (باكر) !
أحدنا لا يأتي من الكرادة إلا وعدة رؤوس (سبيشل) من الخس معه، فهو يعشق أكل المادة الخضراء في الشتاء، وآخر يعشق الكبّة (الجمبو)، وثالث يأتي مُحمّل بشيء آخر، أحدث النكات (الساخنة) والآلات الموسيقية (نص عمر).
وهكذا فالكل يتجمع بهذا اليوم دون أي تحضيرات أو تنسيق، فتعم الفوضى حول النار التي نتوجه إليها ونتجمع حولها.
نقوم أولاً بنقع الخس بالماء ثم نأكله برغبة وشهية وشغف، حتى نجد الديدان بداخله وقد تسللت في الظلام لأفواهنا أو أن يقع أحدنا فريسة عظم ظالم داخل قطعة لحم أو أن (ينصدم) ببطل بيرة فاسد !
وشيئاً فشيئاً يزيد الطلب على الثلج حين يذوب ولن يتبقَ منه شيء،.
ولما يقترب نص الليل، تبدأ الكلثوميات والدندنة على العود (أبو صوت المبحوح) والكيتار الهوائي وننتقل من أرقى الكلمات والألحان الخالدة وبثوانٍ إلى أتفهها وأسخفها، وهكذا ترتفع الوتيرة خصوصاً حين نُشكل فريقين لنتبارى مرة بالشعر ومرة بالغناء، ولا يخلُ مجلسنا هذا من نقاشات جدية بعيدة عن العمل، في السياسة والعلم والثقافة وحتى ... المغامرات !
× × ×
جرى الاتفاق على مباراة شعرية بيننا، لكن كانت أمامنا مشكلة لم تُحل، كيف ننقسم لفريقين كي يبدأ التنافس والمطاردة والتحدي ... وحتى (النصب) كل فريق ضد الآخر، فلو قلنا فريق الخريجين، يكون معظمنا فيه، ولو قلنا صياغ أيضاً سيضم الأكثرية، كل أعمارنا وثقافاتنا وشهاداتنا لا يمكنها أن تشطرنا ... لجزئين.
كانت هنالك قطة تترقبنا بفضولها المعروف، هذه القطة غالباً ما تجالسنا السهرات وتشاركنا الطعام، ونجدها وكأنها بأنتظار (لمّتنا) تشاركنا الطعام والحركة وحتى الغناء ... ولأنها اجتماعية فقد أسميناها (ثِقة) لثقتها بنا !
وبينما كانا نُجري عليها التجارب ونقيس مدى استجابتها بأن نناولها لحمة مشوية وأخرى نيئة، أو قطعة دجاج إلى جانب لحمة غنم ... ثم نحاول بشتى الطرق أن نخدعها بأن تأكل قطعة نباتية كشريحة خيار مثلاً بأن نمسحها (بالزفر) لكنها تأبى بشكل مباشر، وكنا نلاحظ أن ميولها لا تتغير بتفضيلها نفس قطعة اللحم الأحمر على الأبيض، والمشوي على النيئ ...
وفي ليلة احتدم النقاش حول سبب ذلك وتطرقنا لعلم التصنيف وما تحمله هذه القطة من مزايا كحيوان، فهي من المملكة الحيوانية وهي من الفقريات آكلة اللحوم وهي من الثدييات ...
المشكلة التي واجهتنا، كيف لنا ترتيب تلك الصفات؟
فلدينا الجنس والنوع والعائلة والفصيلة والشعبة، أختلفنا في الترتيب، ثم ألتفتنا لنفسنا نحن البشر كمثال، وتساءلنا من منا يعرف بدقة كيف هو تصنيفنا ...
لم نتوصل سوى أننا من المملكة الحيوانية، شعبة الفقريات ـ الحبليات، طائفة الثديات ـ اللبائن ... لكن لا تفاصيل أكثر!
قال أحد الجلوس: لو لم تكن المخلوقات بهذه الكثرة لسهل علينا تصنيفها.
أجابه آخر: لنتحدث إذاً عن أفضل طرق الحد من زيادة عدد أفراد الأسرة الواحدة، أي تحديد النسل وعدم إنجاب أطفال أكثر ... أي الطرق هي أسلم وائمن.
وهنا أدلى كلاً بدلوه مقدماً رأياً ومشورة لمن حوله، وأخذ النقاش منحى الجد، ورغم أن الجميع متفق على مبدأ تحديد النسل، إلا أنهم انقسموا بين مؤيد لتتبع جدول أيام لتجنب الحمل، بينما آخرون وجدوا ضرورة توخي الحذر أكثر وأن يكون الزوجان أكثر في السليم، باستخدام وسائل منع الحمل الحديثة، وذهبوا لتحديد أياً منها الأفضل!
ولما كنا (كشرقيين) محافظين بطبعنا، كان كل واحد يتكلم بشكل عام، لكن لسان حاله يقول أنه هو المعني، وفي خضم النقاش والجدال حول أي من الوسائل أفضل، طرحوا أحدى وسائل منع الحمل الحديثة وقالوا أنها خالية من المخاطرة وليس فيها أعراض جانبية، فالعلم يتطور والطب يتقدم، وهنا بدا أننا أصبحنا فريقين بين المؤيد والرافض!
ألتفت أحد الأصدقاء لأمر آخر لا علاقة له بالموضوع، فصاح ....
ـ وجدتُ خير ما يقسمنا لقسمين كي نبدأ المطاردة الشعرية ... لقد جاءت من حيث لا ندري.
قال آخر: فعلاً نحن على هذا الأمر أصبحنا نصفين بالضبط، فقد صار نصفنا يؤيد استخدام هذه الوسيلة لمنع الحمل ونصفنا الآخر لا يؤيد ...
ردد الجميع: هذا أحسن تقسيم لنا، شعبة (اللولبيات) ... وشعبة (اللالولبيات) !

عماد حياوي المبارك
شارع أبو نؤاس ـ 1994

لنتذكر معاً ...
علم التصنيف يشتمل على: المملكة ـ الشعبة ـ الطائفة ـ الرتبة ـ الفصيلة ـ الجنس ـ النوع .
صاحبتنا القطة (ثقة): مملكة حيوانية ـ فقاريات حبليات ـ رباعية الأطراف آكلة لحوم ـ لبائن ـ سنوريات ـ القطط ـ أليفة (المنزلية).



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رون وآسو ... والآخرين
- أسماء في الممنوع
- دوامة عمرها مائة عام
- انقلابات لا تنتهِ
- منازلة أم المعارك
- هيتشكوك
- المعادلة المعجزة
- حيتان
- آباء وأمهات
- مجرد كلام يستودَي
- هذا أنا ... عماد
- نوم ... شياطين
- يوم أكتشفتُ أني ... غير مؤمن !
- العتب على ... السمع
- ورقة التوت
- الآنسة ... بابيت
- عملية اغتيال ... بدالة
- مستقيمات
- لواكة لبّي
- حكايا وبغايا


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد حياوي المبارك - خرابة بارتي