أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - رفيق عبد الكريم الخطابي - سنة 2014 ..وختامها قتل .















المزيد.....


سنة 2014 ..وختامها قتل .


رفيق عبد الكريم الخطابي

الحوار المتمدن-العدد: 4675 - 2014 / 12 / 28 - 17:22
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    



"إنني أشعر أكثر من أي وقت مضى أن قيمة كلماتي كانت في أنها تعويض صفيق تافه لغياب السلاح ، وأنها تنحدر الآن أمام شروق الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شيء أحترمه ، وذلك كله يشعرني بغربة تُشبه الموت وبسعادة المحتضر بعد طول إيمان وعذاب ، ولكن أيضاً بذل من طراز صاعق ...!!" الشهيد غسان كنفاني


1 ـ تقديم لا بد منه :

" إن الموت لا يخيف المناضل ، بل هو واجب يستعد لتأديته كل ما كان ذلك ضروريا "
من وثيقة – الوضع الراهن و المهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينية – و بمساهمة من الشهيد القائد عبد اللطيف زروال

هي سنة أخرى تمضي ، و سنة أخرى ستحل محلها .
سيتحدث الإعلام الرسمي والشبه رسمي ، قنوات تلفزية و جرائد و مواقع إلكترونية ، عن إنجازات هنا وهناك ، سوف تحصي منجزات / معجزات البرجوازية في مراكمة الثروات ونهب خيرات الوطن وعرق منتجيه ، ستتحدث عن أوراش كبرى وصغرى ولن تترك لا كازينوهات ولا فنادق ولا ملاعب ، لا طرق ولا جدران مدرسة أو مستشفى ولن يتركوا شيئا ولو على الورق دون إحصاء ودون تطبيل .
سيتحدث الرجعي عن نعمة " الأمن " في هذا البلد السعيد المسمى مغربا ، وعن أرقام بالملايير ، دخلت إلى خزينة الدولة بعبقرية وببركة الظلامي قائد أركسترا الحكومة ، يعجز أمثالي عن تخيل كيفية عدها عدا عن صرفها ، سيتحدث عن الترامواي والتي جي في ( القطار فائق السرعة) في بلد متوقف ، وعن قفف رمضان وعن صدقات للأرامل ، سيتحدث عن الصناديق الصفراء دون السوداء ، سيتحدث الرجعي عن أعراس الأمراء والأميرات الباذخة التي صرفت فيها ميزانيات ضخمة وفرض فيها على من يمارس عليهم التقشف والتجويع ، إبداء السعادة والفرح أمام ميكروفونات تلفزتهم ، سيتحدثون عن احترام أهل الكتاب عندما صوت نواب الحزب المتأسلم في برلمان الرجعية ضد منع التبادل التجاري مع الكيان الصهيوني! سيتحدث الرجعي عن موت فلان وعلان في نفس المكان / القنطرة سيتحدثون عن موت خدم النظام وسينسون بالطبع من قتل بتواطء وصمت من طرف هؤلاء الخدم الأموات .
سيتحدث الرجعي دون حياء عن إنجاز تجديد حظيرة سيارات الوزراء بسيارات من نوع مرسيديس فخمة قرابة 3 مليار و 276 مليون سنتيم دون احتساب المصاريف الأخرى من بنزين وصيانة وتأمين سيتحدث عن ثقة و شهادات حسن السيرة والسلوك التي ترسع جبين العملاء من طرف أسيادهم الإمبرياليين في بنك باريس وصندوق النقد الدولي وغيرهما.
سيتحدثون ويتحدثون ..ولن ننتظر منهم طبعا أن يتحدثوا عن انهيار الأنظمة ولا عن انتظار المحكمة .. وأنا بدوري سأتحدث دون أن أستمع لخطاب له من العمر أزيد من 58 سنة ولم نجن منه كشعب سوى المصائب ، سأتحدث بما يعتبره الرجعي لغة الخشب ( وأعترف أني لا أجيد غيرها ) ، سأتحدث بدوري لكن من واقع الألم الشخصي هذه المرة ، من واقع المرارة الإنسانية ومن خلال المشاهدة العيانية .
سأختار بدوري أرقامي الخاصة و شخصياتي الخاصة ورؤيتي الخاصة وأحداثي الخاصة .
سنة 2014 ، كانت بامتياز سنة الشهداء ، سنة البطولة والشجاعة والعطاء ونكران الذات من جانب الأحرار ، وسنة الانبطاح التام وانكشاف الأقنعة نهائيا عن الزمرة التحريفية الانتهازية بمختلف دكاكينها التنظيمية ومسمياتها . كانت سنة للأبطال الحقيقيين الشامخين والمبدئيين وسنة للصراعات المريرة من جهة الأحرار دائما ، وسنة للزعامات الكارتونية المهترئة والصراعات الدونكيشوتية والصبيانية التي لا ولن تخدم سوى النقيض ولن تكرس سوى الميوعة والانحلال السياسيين من جانب الأشباه ( أشباه المناضلين) في بازار السياسة .
2014 شهدت استشهاد الرفاق مصطفى المزياني ونور الدين عبد الوهاب وأحمد بنعمار الذين التحقوا بقافلة شهداء الوطن والتي لن تحط الرحال دون أن يتحرر الوطن و ينعم أبناؤه بالحرية والاشتراكية ، استشهد الأبطال وسقت دماؤهم تراب الوطن على امتداد جغرافيته : من مدينة تانديت شرقا إلى محاميد الغزلان بالجنوب الشرقي مرورا بالقلعة الحمراء مراكش وبلدة زمران بقلعة السراغنة ، وفي كل هذه المدن الصغيرة والدواوير والمداشر لعلعل الشعار الثوري من حناجر رفاق هؤلاء الشهداء الثلاثة ورفعت راية الماركسية اللينينية في جنازاتهم أو كتبت على القبور ..شهادة الرفاق الثلاثة هو تأكيد آخر على إصرار شعبنا على مواصلة الطريق الثوري الذي كرسه الرعيل الأول من الشهداء القادة عبد الطيف زروال وسعيدة المنبهي ..وغيرهما ، إصرار شعب على نيل استقلاله كاملا وتقرير مصيره بمعزل عمن نصبهم الاستعمار الامبريالي المباشر خدما له وبالتالي إنجاز مهامه التاريخية مهام الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية .
2014 هي كذلك السنة التي عرضت فيها صور شهداء شعبنا على شاشات تلفزيونات الرجعية والعمالة كسلعة إشهارية للاسترزاق السياسي ، على يد قيادة حزب النهج " الديمقراطي" الحزب الذي أعلن رسميا ونهائيا التحاقه الجبان بالنظام الديكتاتوري الرجعي بعدما قطع أشواطا من الخيانة والردة .
سنة 2014 وذات يوم أحد حزين في التاسع من شهر نونبر ، احتضن تراب مدينة مراكش رفات أمنا فخيتة الهيلالي أم الشهيدة سعيدة المنبهي أيقونة الشهداء والتي فارقت الحياة لتنضاف إلى من ودعناهم من نفس المدينة الشهيد أحمد بنعمار و الرفيق رشيد كبير . هذا الأخير فقدناه في أواخر سنة 2013 . هو رفيقنا الغالي رشيد كبير المعروف برشيد القصبة ، موته ترك حرقة في قلوب رفاقه ، له طفلين صغيرين ورفيقة عمره : " نقف وقفة إجلال وتقدير واحترام أمام هذا المناضل الذي غادرنا في صمت ، رشيد المناضل كان رمزا للتضحية من اجل القضية يكفي انه كان فاتحاً بيت أسرته بالقصبة ملجأ لجميع الرفاق ، رشيد ، إنسان بكل ما في الكلمة من معنى ، يعمل في الظل بهدوء ، تجده في الخطوط الأمامية في زمن يتوارى فيه الجميع ، تجده واضحا في فترات الغموض الأيديولوجي او التحريفي او السياسوي ، تجده يبني ويربط ويتصل في زمن الردة والخيانة لا يعرف اليأس او الإحباط لا يمل المحاولات .. " ، هكذا وصفه احد الرفاق وأنا شاهد على هذا وأكثر من هذا .
سنة 2014 ستسجل الانفضاح التام للوجه اللصوصي للنظام القائم بالمغرب وخدمه من كل لون ، كما انفضحت بشكل تام طبيعته اللاوطنية اللاديمقراطية اللاشعبية عقب انتفاضة 1959 بمدن الشمال وانتفاضة 1965 ، كما انكشف خدمه من الطبقات الوسطى ( اليسار الإصلاحي) ممن تآمروا على النضال التحرري لشعبنا في محطتين أساسيتين : اتفاقية إيكس ليبان الخيانية وزواجهم النهائي مع البرجوازية الكمبرادورية والملاكين العقاريين وبقايا الإقطاع عبر انغماسهم المذل ، في بداية السبعينيات ، في مستنقع " الإجماع الوطني " و" السلم الاجتماعي " و تأثيث " المسلسل الديمقراطي" الذي ما زالت تكتوي بناره جماهير شعبنا .
سنة 2014 هي كذلك سنة تبادل الرسائل الغرامية بين حزب النهج " الديمقراطي " التحريفي الذي يدعي زورا وبهتانا انتماءه للماركسية وبين النظام القائم في شخص وزارة داخليته ورئيس الحكومة الظلامي المتأسلم الذي ستقود جحافله غزوة " ظهر المهراز " ضد الطلبة من ابناء شعبنا بمدينة فاس أسابيع بعد الرسالة ، ولينظم الهجوم بعد ذلك على الحركة الطلابية بموقع وجدة والذي ما زالت فصوله جارية .
وهي سنة لشهر العسل الطويل بين هذا الحزب الانتهازي وجماعة الغذر والإجرام ( جماعة العدل والإحسان الظلامية المتأسلمة ) ذات الباع الطويل في تقتيل مناضلي شعبنا الماركسيين اللينينيين . بل إن أحد قادة هذا الحزب التحريفي جعل من الدفاع عن موقع لتلك الجماعة الظلامية المجرمة ضمن القوى " المناضلة " من أجل التغيير الديمقراطي ، وشرطا لأي تغيير لموازين القوى لصالح ما يعتبره عبد الله الحريف " عزل المخزن " وإرساء " الديمقراطية " ودولة الحق والقانون وغيرها من مفردات البضاعة التحريفية في زمن تفسخها وانحطاطها عالميا ومحليا ( أنظر مداخلة الحريف كممثل لحزب النهج ضمن الندوة التي نظمها الاشتراكي الموحد بمقره بالبيضاء حول حركة 20 فبراير) .
سنة 2014 هي سنة أخرى من سنوات الفرز الطبقي وانفضاح أوهام البرجوازية الصغيرة وسنة أخرى من سنوات المراكمة النضالية والمزيد من توضح الرؤى والتصورات والمهام من جانب المناضلين الماركسيين اللينينيين ، وترسيخ للقناعات والمواقع من جانب الثوريين المبدئيين ، سنة 2014 قد تشكل الإرهاص الأولي لاقتراب انبلاج الحلم الكبير ، حلم الذين أقسموا على الوفاء لخط وفكر ودماء عبد اللطيف زروال وسعيدة المنبهي وجبيهة ودهكون وشباظة وبلهواري والمعطي ..وكل شهداء شعبنا .
هي سنة مميزة بانتصاراتها الصغيرة ، وفواجعها الكبيرة ، سنة القبض على الجمر والصمود من جهة والانبطاح ولعق الأحذية من الجانب الآخر .

2 ـ رحلتي الموت والحياة : التعليم والتطبيب .

هنا أقف لأستسمح القارئ ، عما قد يعتبره خروجا عن مسار المقال ، وإن كنت أعتقد اني ضمنه ، لأتناول واقعتين محددتين طبعت الشهر الأخير من هذه السنة انطلاقا من حدثين واكبت أطوارهما .
اللوحة الأولى :
في هذا الشهر ، شهر دجنبر ، تم الاعتداء على أو اغتيال أحد الباعة المتجولين رضوان الدقوني ، أثناء مطاردته من طرف أحد أعوان السلطة ـ سلطة القمع ـ وقائد إحدى المقاطعات بالمدينة ، لمنعه بالقوة من مزاولة تجارته مساء يوم الخميس 04/12/2014 . وهو شاب بائع متجول ، يبلغ من العمر 23 سنة تاركا وراءه أسرة مكلومة وزوجة حامل لم تتم سنة من زواجها . قتل رضوان بدم بارد ، ويبدو أن قضيته في طريقها نحو الطي ولربما النسيان .
اللوحة الثانية :
قبل أيام ، توفي أحد أفراد أسرتنا " ع . صلاح الدين" ، إبن اخينا الأكبر يعمل كبناء وأمه عاملة سابقة في إحدى الشركات الصناعية ، نتحدث هنا عن نموذج حي لأحد أبناء الطبقة العاملة بالمغرب ، تلميذ في 18 من العمر يدرس بمستوى الباكلوريا ، وهو الوحيد من بين أخويه الذي استطاع الوصول إلى هذا المستوى التعليمي . لا أريد التطرق هنا إلى خصال وأخلاق من كان يناديني بالأمس القريب بعمي ، لكن ما أود الإشارة إليه ، هو أن هذا الصبي لا يختلف في شيء عن كل شباب وشابات وطننا ممن قتل ويقتل يوميا نتيجة إجرام نظام ما زال مصرا على النظر إلى أبناء شعبنا كخدم عنده ورعايا لديه .
هو صبي لا يختلف كثيرا عمن يقتل أو يطارد يوميا بهراوات أجهزة القمع ورصاصه ( لنتذكر جميعا الإعدامات بالرصاص الحي مع بداية إنتفاضة 20 فبراير 2011 لشباب في عمر الزهور و الذين تم رمي جثتهم بإحدى المؤسسات بمدينة الحسيمة وإشعال النار فيهم لإخفاء معالم الجريمة بعد إغتيالهم ، لنتذكر فقط أسماء عماد وجمال ونبيل وغيرهم . لنتذكر جميعا الشهيد كريم الشايب الذي اغتيل يوم 20 فبراير 2011 بمدينة صفرو ) ، ولا يختلف كثيرا عمن جرفتهم سيول الأمطار وفيضانات الأودية في بلد نظامه بنى كل سياساته وشعاراته أو مخططات نهبه على بناء السدود ، أو عمن قتلوا جراء انهيار القناطر والمنازل وحوادث سير في طرقات تشبه الطرق بالإسم فقط لأن البرجوازية لا تستعملها في تنقلها وفي نقل بضائعها .
هو صبي بسيط جدا مثل كل أبنائنا ، ترك موته المفاجئ حرقة كبيرة في نفس أسرته الصغيرة وفي نفس زملائه التلاميذ .
المشكل هنا ليس مشكل الموت في حد ذاته ، موت فرد ما ، في زمن ما وفي مكان ما ، ليس هنا المشكل . قد يموت صاحب هذا المقال في التو ، وقد يموت أحد اطفاله الصغار لآلئ حياته ، لا مشكل في الأمر ، نحن شعب متصالح مع الموت عموما ، خصوصا بالنسبة لمن عرف أو انتسب يوما للمدرسة التي كتب فيها أحد شهدائها ، الموت لا يخيف إلا قلب الجبان ، وشعارها : نعم سنموت ولكننا سنقتلع القمع من أرضنا . أريد تسليط الضوء فقط على جانب واحد من المأساة / الملهاة ، وللآباء أن يتخيلوا للحظة مدى الجهد الذي تتطلبه تنشئة ورعاية طفل إلى حدود سن 18 سنة ، ثم يموت مجانا وفجأة ، أريد ان أسلط الضوء على نوع آخر من القتل يمارس يوميا في حقنا وفي حق ابنائنا دون أن يعيره الكثيرون الاهتمام اللازم .
لنا أن نتخيل جميعا ، طواف أسرة بصبي مريض على أطباء ( طب عام ومتخصص) ، تحاليل وفحوصات بالأشعة ومستشفيات وأدوية وأدوية مضادة للآثار التي خلفتها الأدوية السابقة عنها ، وفي الأخير نكتشف أن بعد أزيد من أسبوع أن أسرته كانت تعالج الصبي من أمراض لا يعاني منها أصلا ، وأن الأمر كان يتطلب منذ البداية فحصا بجهاز السكانير قبل أن يتفاقم المرض الذي لم يعرف حتى بعد موت الصبي ، وأن المدينة التي يقطن بها الصبي والتي يتجاوز سكانها 150 ألف نسمة وهي عمالة لا يتواجد بها هذا الجهاز اللعين بالمطلق ، وبعد السفر إلى البيضاء ، ربما بعد فوات الأوان ، وبعد خضوع الأسرة لمساومة رخيصة لسائق سيارة إسعاف خاصة 500 درهم بعد مفاوضات عسيرة ، سيحدد للصبي يوم 7 يناير 2015 كموعد لإجراء ذاك الفحض في مستشفى عمومي برغم أن ذاك الفحص سيدفع ثمنه وليس مجانا ( 1200 درهم ) وستضطر الأسرة مرة أخرى إلى إجرائه في القطاع الخاص ودفع 500 درهم أخرى كفارق للسعر بين القطاعين ، في بلد لا وجود فيه بالمطلق قطاع صحي . بعد كل هذه المعاناة الطويلة سيتوقف قلب الصبي على الخفقان يوم 18 دجنبر 2014 . وكما كل جرائم القتل المباشرة والغير مباشرة لم يعرف سبب الوفاة ، أهو جشع الطبيب المختص الذي أشرف على العلاج منذ البداية وأضاع وقتا ثمينا كان الصبي في أمس الحاجة إليه والذي استنزف الأسرة ماديا ؟ أهو عدم تواجد مستشفى فعلي ومتعدد الاختصاص وبأجهزة متطورة ؟ أو لأنه إبن لعامل وعاملة ؟ أو لكل الواقع الصحي أو الطبي بالبلاد ونظرة البرجوازية ونظامها العميل إلى شعبنا ؟ أم كل ذلك مضاف إليه الجهل الذي يعمل النظام جاهدا على تكريسه والذي يربط كل مآسينا بقدر لعين لا يصيب إلا فلذات أكبادنا ؟ .
ضمن تلك المأساة هناك وجه آخر مشرق ، فطيلة الأسبوع الذي أعقب جنازة الصبي ، كان منزل أسرته قبلة لزملائه التلاميذ والتلميذات لا يبرحوه إلا في ساعات متأخرة من كل ليلة ، لوحات من التضامن الحسي لا نظير له ولم يسبق لي أن شاهدت مثله . أطفال و صبية كالورد كانوا يتساقطون أمامنا بانهيارات عصبية ونفسية يوميا ، شاركونا الدموع ولوعة الفراق ، والأكثر من ذلك كانوا ينظمون تحركاتهم بأشكال رائعة وراقية جدا . لقد اقنتوا حافلة بإمكاناتهم الخاصة لنقلهم إلى المقبرة في اليوم الأول ، وفي اليوم الثالث انتقلوا إلى المقبرة سيرا على الأقدام لكيلوميترات عديدة وفي وقت باكر رغم الطقس البارد جدا ، وعند وصول الأسرة بعد ساعتين من وصول هؤلاء الصبية ، وجدناهم متحلقين حول القبر يحملون مصحفا يقرؤون منه ما يريدون وبالتناوب فيما بينهم ، لم يكونوا في حاجة إلى تجار الدين الصغار ( ما يعرف عندنا بفقهاء المقابر) ، نشروا صور زميلهم على صفحات التواصل الاجتماعي ووضعوها على هواتفهم ، ولم ينتظروا من فقيه الدعاء لزميلهم ، شخصيا لا استطيع التعبير عما رأيته من طاقة وتنظيم وتحابب وتآزر بين هؤلاء الصبية ، لكني على عكس كثيرين أرى أن هذا الجيل من أبنائنا الذين ولدوا بعد انهيار جدار برلين بسنوات ، جيل السيبيرنيت ( بتعبير الجابري) أي جيل العالم المتحكم فيه عن بعد ، جيل الفيسبوك وتويتر ويوتوب ..قادر على حمل المشعل وعلى تحقيق الحلم/ حلمنا جميعا ، قادر لو توفر الشرط الذاتي له ، على عكس ما سبقه من أجيال ، أجيال القبرانية ، الذين يعرفون عن القبر وتفاصيل عالم الميتافيزيقا أكثر مما يعرفون عن واقعهم الفعلي .
هنا نصل إلى الوجه الثاني من رحلة شعبنا في مواجهة واقع التقتيل وفكر الموت ، تلك الرحلة التي ابتدأها شعبنا منذ 1965 وهو يواجه رصاص النظام وقمعه دفاعا عن حق أبنائه في التعليم . رحلة شعبنا من أجل تعليم شعبي ديمقراطي علمي وموحد ، هي رحلته في مواجهة نظام القتل ( المادي في الصحة والمعنوي في التعليم) ، من أجل الحياة ، فلا حياة دون كرامة ولا كرامة دون تعليم وحرية .
للنظام أن يرتعب ويقلق ولخدمه الظلاميين المتأسلمين في حكومته وخارجها أن ترتجف مفاصلهم ذعرا ، للإصلاحيين والتحريفيين أن يقاوموا ما شاؤوا المزبلة التي تنتظرهم وأن يهنؤوا لبعض الوقت بلعق أحذية البرجوازية في المستنقع الآسن الذي ألفوه ، ولنا أن نضاعف الجهد الواعي ونراكم نضاليا بصبر وأنات وأن نراهن على عمالنا الأبطال وأبنائهم وعلى تاريخ الحركة الماركسية اللينينية المغربية ونبني ونراكم على إنجازاتها ، ولنا أن نثق كل الثقة في أن أحفاد عبد الكريم الخطابي وأبناء عبد اللطيف زروال ورفاق عبد الحق شباضة لن تسمح ولن تقبل بالتقتيل المجاني لأبنائها إما تجهيلا ونشرا للأمية وتكريسا للضحالة وثقافة الاستسلام أو منعا من التطبيب ورميا على أرصفة الفقر والذل وامتهان الكرامة ، ابدا لن يسمح شعبنا أن ترمى جثت أبنائه الذين قتلهم الإهمال والتهميش وجشع الكمبرادور في شاحنات القمامة ولا أن تلد نساؤنا على الأرصفة أمام أبواب المستشفيات ، أبدا لن ينتصر الرصاص على إرادة شعب احب الحياة .
النظام يريد ان يجعل من رحلة شعبنا و أبنائنا في التعليم والتطبيب رحلة نحو الموت ، وشعبنا سيحولها حتما إلى رحلة نحو الحياة ..حياة الكرامة والحرية.
المجد لشهداء شعبنا .
الحرية لمعتقلي الحرية.
النصر حليف شعبنا .
أبناؤنا صانعوا غدنا الآتي مهما جوعوا مهما قتلوا ..يا شعب ما يهزك ريح .

3 ـ خلاصة ضمن وخارج كل سياق :

بدأنا مقالنا هذا بالحديث قليلا عن الشهداء ، وسننهيه بمقولات لهؤلاء الشهداء ، وستبقى كلماتهم جميعا نبراسا للثوريين
أحمد بنعمار الذي اغتيل في بداية سنة 2014 في بداية شهر مارس ، إن لم تخنني الذاكرة ، كان يقول :" إن الباعوض يلسع ظهر الجواد الأصيل ، ويبقى الباعوض باعوض ..ويبقى الجواد الأصيل أصيل " .
ولرفيقه في الشهادة الشهيد مصطفى كلمة خالدة مسجلة صوتا وصورة أثناء معركة الإضراب عن الطعام التي خاضها دفاعا عن حقه في التعليم يقول بلغة شعبنا : "

يعتاقلوا لي يعتاقلوا ..
ويغتالوا لي يغتالوا ..
ويعقدوا من مجالس ما يعقدوا ..
ويفبركوا من مؤامرات ما يفبركوا ..
ويديروا من الدسائس ما يديروا ..
وينشروا من التسميمات ما ينشروا ..
ولكن سننتصر ..
سننتصر أو نموت ..
سننتصر ..
لأننا نسير على درب بلهواري والدريدي والمعطي ..
سننتصر ..
لأننا نسير على درب الجماهير ..
ولأننا في وسط الجماهير ..
سننتصر ..
لأن الجماهير ستصنع التاريخ ..
سننتصر ..
لأن الجماهير ستنتصر".
أما الرفيق الشهيد نور الدين عبد الوهاب ، الذي استشهد في غياهب السجن المحلي بورزازات السيء الذكر فجر يوم الثلاثاء 01 أبريل 2014 ليبقى اسمه شاهدا على جريمة نكراء ارتكبت في حق أحد مناضلي الشعب المغربي ، فقد صرح أثناء محاكمته التي أذهلت القريب والبعيد معا :" إنني اذا ما مت أو استشهدت سأحرض اهل القبور و اشعلها ثورة تحت التراب "
بهذه الكلمات استهل الرفيق كلمته من داخل محكمة الذل و العار بمدينة وارزازات و هو في قفص الاتهام . و بعد النطق بالحكم الجائر بسنتين سجنا نافذة ، رفع صوته في وجه القاضي مبتسما و مستهزئا ( سنتين سجنا في حق مناضل ثوري ، يؤمن بالثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية ، و بمبادئ الماركسية اللينينية ، ليست الا لا شيء ) .



رفيق عبد الكريم الخطابي : البيضاء 26 دجنبر 2014



#رفيق_عبد_الكريم_الخطابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب السرية ضد روسيا السوفياتية..بعيون أخرى
- - وصية لينين - ... قراءة أخرى
- رد أولي على اخر مقالات الشمري
- من تانديت إلى البيضاء ..رحلة التساؤلات
- حول مؤسسة ابن رشد وجائزتها الأخيرة
- أكاذيب حول تاريخ الاتحاد السوفياتي ..الجزء الأخير
- أكاذيب حول تاريخ الاتحاد السوفياتي ..الجزء 3
- أكاذيب حول تاريخ الاتحاد السوفياتي... الجزء 2
- أكاذيب حول تاريخ الاتحاد السوفياتي..الجزء 1
- الثورة والثورة المضادة لن يوجد في بيتنا أي تروتسكاوي
- 11 شتنبر من وجهة نظر أخرى
- من فؤاد السنيورة إلى فؤاد النمري.. طوبى للحريري الجزء 3
- من فؤاد السنيورة إلى فؤاد النمري.. طوبى للحريري الجزء 2
- من فؤاد السنيورة إلى فؤاد النمري.. طوبى للحريري
- المنظمة الإرهابية الأكثر دموية في العالم
- الأورو: أداة إمبريالية
- اغتيال مصطفى مزياني ..شهيد آخر، جريمة أخرى
- التحريفي الأول يعانق الظلامي الأول بالمغرب
- لهم قبلهم ..ولنا قبلنا
- لنجسد تضامننا مع الرفيق المناضل محمد المسعودي دعوة للرفاق في ...


المزيد.....




- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - رفيق عبد الكريم الخطابي - سنة 2014 ..وختامها قتل .