أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - أبو الحسن سلام - ذاكرة المسرح في الأقاليم الثقافية















المزيد.....



ذاكرة المسرح في الأقاليم الثقافية


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 4673 - 2014 / 12 / 26 - 22:56
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


ذاكرة المسرح الإقليمى
القسم الأول : الإبداع المسرحى السكندرى
أولاً : الكتاب المسرحيون
أ.د. أبو الحسن سلام
حفلت الإسكندرية بالعديد من كتاب المسرح ، الذين تنوع إنتاجهم المسرحى بين الشعر والفصحى والعامية ، وكان منهم من نشرت له نصوص المسرحية ، ومنهم من لم تنل نصوصه حظها من النشر لأسباب متعددة ، منها : عدم القدرة على ملاحقة المسئولين عن النشر مع ضيق ذات اليد ، ومنها تقليل بعضهم لشأن ما كتب للمسرح ، ومنهم من اكتفى بأن عرضت له مسرحية أو أكثر وشكل ذلك فى نظره نوعاً من النشر التجسيدى – مع كون محدود الأثر قياساً على النشر المطبعى تبعاً لعدد المتلقين للعرض المسرحى فى مقابل عدد المتلقين للنص المسرحى المطبوع مع إختلاف أسلوب التلقى واختلاف عملية التلقى فى العرض المسرحى عنه بواسطة القراءة – وحظى إنتاج بعضهم بالنشر عن طريق الكتاب ، وعن طريق العرض المسرحى معاً.
أما هؤلاء الذين فتحت لهم دور النشر – وخاصة دور النشر الحكومية ذراعيها فمنهم الشاعر مهدى بندق (9-1) الذى يكتب مسرحياته شعراً ، وهو إلى جانب قيمة إنتاجه الشعرى متصل بعدد غير قليل من أصحاب القرار فى حقل الثقافة المصرية ..
ومنهم عبد اللطيف دربالة (10-13) الذى تمسك بالفصحى لغة لمسرحياته الإجتماعية ، وقد نشرت له الهيئة المصرية العامة للكتاب كل ما كتب للمسرح ؛ غير أن المسرحيين قد أحجموا عن إخراجها على خشبة المسرح !! ربما لأن لا يخرج نصاً إجتماعياً بالفصحى فى وقتنا هذا .
ومنهم أنور جعفر (13-18) الذى تناول مسرحه شخصيات تاريخية غالباً وعرج على التراث فى لغة فصيحة أخرجت أغلبها على المسرح السكندرى..
وبالإضافة إلى هؤلاء نشر السيد حافظ مسرحياته على نفقته الخاصة (18-26) وهناك عدد من الكتاب الذين كتبوا للمسرح ثلاثة أو أربع مسرحيات قصيرة ضمها مجلد واحد مثل يوسف عز الدين عيسى(30) الذى تنتمى مسرحياته إلى الخيال العلمى وهى تنسب إلى المسرح أيضاً ، وإن كانت مسرحيته :
(نقطة ماء) وهى أحداها قد عرضت لأكثر من مرة على مدار السنوات العشر الماضية ضمن عروض المسرح المدرسى بالإسكندرية . وكذلك يوجد يوسف البدرى(32-33) كما ترجم مسرحية لفيتراك وهو كاتب مسرحى سيريالى (فرنسى)(34) وترجم كتاب الفان تيجم(35) وله ترجمتين مسرحيتين فرنسيتين تحت الطبع ضمن سلسلة من المسرح العالمى الكويتي ..
ومن الكتاب السكندريين الذين مارسوا الكتابة للمسرح مع الإقلال ممدوح العربى ومنهم جورجى كامل(39-41) الذى عول فى كتابته على معارضة بعض المسرحيات الكلاسيكية مثل أوديب لسوفوكليش ويوليوس قيصر لشكسبير . ومن الكتاب السكندريين المقلين أيضاً مصطفى مشعل .(42)
ومن الشعراء الذين كتبوا للمسرح أحمد السمرا (43-44) وعبد العليم القبانى45 ومحمد مكيوى(46-47) وعبد المنعم الأنصارى(48) ومحجوب موسى49 وهناك من الشباب محمود أبو دومة (50) وصبحى يحيي(51) أيمن فتيحة (52) وهانى أبو الحسن (53) وأخيراً أبو الحسن سلام (57-54) محمد موسى (58) ونبيل سوريال(59) لطفى عبد الوهاب(60).
وإزاء هذا العدد الكبير من الكتابات المسرحية الإبداعية للمسرحيين السكندريين نتوقف عند عدد منهم فى قراءة تحليلية نقدية وذلك فى محورين :
1- كتابات مسرحية غير منشورة
2- كتابات مسرحية منشورة

(1) كتابات مسرحية غير منشورة (مخطوطات مسرحية سكندرية)
(درامة نقدية لمخطوطة مسرحية "تورة للكاتب السكندرية نبيل سوريال)(61)
تتكون المسرحية من أربعة فصول وأربعة عشر مشهداً ، وبها سبع وعشرون شخصية وبها مقدمة افتتاحية أدمجها الكاتب فى المشهد الأول ، وهى عبارة عن جزء من كتابات الجبرى فى تأريخه لهجوم الحملة الفرنسية على مصر.
وتدور المسرحية حول قيام قيام أربعة أشخاص بقيادة المقاومة الشعبية ضد حملة الفرنسيين على مصر .

أولاً : التيمات المضمونية والإتجاهات الفكرية للنص
ليس هناك ما يمكن قوله بإستثناء – تأكيد النص على مقدمة منطقية تقضى بأن الشعب المصرى على إختلاف ملله ودياناته قد ناقض الحملة الفرنسية على مصر.
ثانياً: الصراع
الصراع فى هذه المسرحية لا يحقق دوره الوظيفى والبنائى فى إطار المسرحية وذلك للأسباب الآتية :
1- غياب مقومات التماس الدرامى بين القوى المتصارعة.
2- لا تتحقق ميزة التنوع والمفاجأة فى إطار حركة الصراع وتنميط فكرة الدافع للفعل وإستعراض المقولات التاريخية.
3- الصراع لا يتنامى تصاعدياً مع الخط الدرامى بما لا يتحقق نقاط الأزمة والذروة والإنفراج النهائى.
4- توجيه حركة الصراع يعتمد على السرد التاريخى لمجموعة من الوقائع واقتحام شخصيات المسرحية على هذه الوقائع والأحداث.
5- يفتقد الصراع إلى عنصر التشويق والإثارة بسبب غياب المعالجة الدرامية الإبداعية للوقائع التاريخية والإكتفاء بالسرد التاريخى لها .
6- التبكير بتحقيق نقاط الهجوم فى المسرحية لا يؤدى إلى إستعراض مقدمات التحول فى الفعل وتبريرها درامياً.
7-غياب الصراع الداخلى فيها يتعلق بمفهوم الحركة الداخلية لشخصيات المسرحية يسطح الدوافع عند الشخصيات.
7- الإرهاص بمؤشرات حركة الصراع وتوافقها مع أفق التوقعات لدى القارئ.
9- لا يمكن إشتقاق دلالات مضمونية غير مباشرة من خلال حركة الصراع بحيث يكون لها علاقة بالمقدمات المنطقية للنص.
10- هناك صراعات فرعية تتصل بالتيمات المضمونية للنص ولكنها تنفصل عن الأحداث الرئيسية فى المسرحية.
11- الصراع لا يولد آثاراً شعورية لدى القارئ وهو ما لا يحقق مفهوم الكاثارسيس الأرسطى (التطهير).
12- توافق منظور الكاتب مع منظور إحدى القوانين المتصارعتين على نحو ظاهر.
13- الخلط بين مفهوم الصراع التاريخى والصراع الدرامى فى المسرحية ينشأ عنه عدم تعيين إحدى القوتين المتصارعتين وهو ما يؤدى إلى الإخلال بمفهوم وحدة الموضوع ويؤدى أيضاً إلى تجاوز المقدمة المنطقية الأساسية للمسرحية
14- إبراز الجانب البطولى لإحدى القوتين المتصارعتين فى المسرحية " للثوار الأبعة" يأتى على نحو يتنافى مع ما هو معروف تاريخياً.
ثالثاً : وظيفة الحوار بين فكر المؤلف وفكر الشخصيات
يعمل الحوار فى المسرحية على كشف الشخصيات وعلى نموها كما يعمل على إضارة أبعاد الحدث ويكشف عن العلاقات والتشابك بين الشخصيات ويكشف عن دوافعها ، ويعمل على تنمية ذلك كله . فهل أدى الحوار فى مسرحية (ثورة) هذه الوظائف الدرامية ؟!
1- لا يمضى الحدث إلى الأمام بل يكتفى بسرد بعض الوقائع المنقضية مع التعليق عليها.
2- قصر الحوار عن أداء دوره فى الإفصاح عن الشخصيات.
3- أضعف الطابع الفكه للحوار عن التأثير الدرامى المتناسب مع المواقف الجادة فى المسرحية.
4- لا يرقى الحوار إلى مستوى الطرح التاريخى لوقائع معلومة.
5- تستخدم بعض الشخصيات عدداً من الأساليب الحوارية ذات المستويات اللغوية المتأرجحة ما بين الفصحى واللهجة المصرية حيناً والشامية فى حين آخر ، دون مبرر درامى واضح.
6- أدى الميل إلى إستخدام أسلوب التقرير المباشر إلى افتقاد الكثير من جماليات الحوار المستويين الموضوعى والتصويرى.
7- تبدو المقدمة المنطقية (الفكرة الأساسية للنص) محمولة على الحوار بشكل مباشر ، وذلك يضعف من جماليات هذا النص .
8- أدى حرص المؤلف على صياغة الحوار على شكل مقطوعات إلى قصوره فى مناطق كثيرة من الحدث عن التجميل الإنفعالى الذى يشكل أساسيات التعبير الدرامى حتى وإن كان هدف المؤلف خلق إيقاعات سريعة لعمله.
9- أدى التتابع التقريرى للحوار إلى ضعف التصوير بما لا يرتفع بالحوار إلى مستوى الحدث التمثيلى ، الذى تتحقق عن طريقه عناصر التأثير المغلف بالإمتاع.
10- أدت كثرة الأحداث وتشعبها فى المسرحية إلى تتابع الحوار بشكل يبدو معه لاهئاً دون تعمق الحوار فى تأمل الحدث.
11- أدى إستخدام لغة الحوار فى المستوى الفصيح عند الفرنسيين وفى المستوى العامى عند المصريين إلى خلق تمايز لغوى يخدم ربما فكرة عدم التلاقى بين لغتين أو حضارتين ... وفى نفس الوقت خلق تمايزا ً بين لغة أعلى ولغة أدنى .. الأولى للفرنسيين والثانية للمصريين وهو ما يلمح بفكر أرقى وحضارة أرقى فى مواجهة أدنى – فى فهم آخر غير الذى أراه –
أمثلة تطبيقية : احتفاء الكاتب بالتعبير الشعبى على حساب الشخصية:
قد يؤدى احتفاء كاتب مسرحى بالتعبيرات الشعبية فى مسرحيته إلى تأكيد شخصيته فى الحدث المسرحى ، وقد يؤدى فعله ذلك إلى خلق نوع من الإنفصال أو المسافية – المقصودة فى حالة التأثر بإتجاهات التغريب فى نظرية بريشة عن المسرح الملحمى ، وغير مقصودة حالة غرام المؤلف بالتعبيرات الشعبية يضعها تعسفاً على ألسنة شخصياته.
وهو فى الحالة الأولى يحقق هدفاً رئيسياً من أهداف إتجاه مسرحى بعينه ، لكنه فى الحالة الثانية يحل لغته وذوقه محل لغة الشخصية المجسدة لفكرها هى بأجروميات لغتها هى وصوتها هى فى موقفها هى وبدوافعها هى.
وفى هذا الصدد فقد وفق المؤلف فى جعل الشخصيات الشعبية تؤدى ما تفكر فيه بأصوات وتعبيرات شعبية مثلما فعل مع شخصية " محمود" وشخصية "سامى" وشخصية "كوهين" أما مع شخصيته " شرين" فالأمر يبدو مختلفاً.

لغة الشخصيات بين الملاءمة واللاملاءمة الدرامية:
إن التعبير فى المسرح يخضع لضرورتين إحداهما حياتية تطابق الواقع والثانية فنية تختزل الواقع وتظهر إشكالية التعبير هنا بين مدى التلاؤم بينهما فمثلاً يتكرر عند "محمود" لازمة شعبية فى كل عبارة ينطق بها وهى لازمة "بالصلاتو على النبى" وهو يستخدم تعبيرات شعبية كثيرة :
"محمود" : " أنا لمؤاخذة دست لك على ديل" (النص ص10)
"محمود" : " ياقاعدين يكفيكوا شر الجايين" (النص ص10)
"محمود" : "كلنا لها ومحدش واخد منها حاجة..وحدوه" (النص ص12)
"محمود" : " ..أصله قدر ومكتوب" (النص ص12)
"محمود" : " اللى أوله شرط أخره نور" (النص ص13)
"محمود" : " جات منك يا جامع مجتش منى " (النص ص14)
"محمود" : " نكتب الكتاب ونعلى الجواب" (النص ص16)
"محمود" : " عايزة جنازة تشبعى فيها لطم" (النص ص17)

ويستخدم سامى أيضاً عدداً من التعبيرات الشعبية:
"سامى" : ... على سن ورمح (النص ص11)
"سامى" : ...نتغدى بيهم قبل مايتعشوا بينا (النص ص15)
"سامى" : ...اللى داخل بين البصلة وقشرتها (النص ص75)
وكذلك تفعل شيرين
"شيرين" :...وعد الحر دين عليه (النص ص10)
"شيرين" :...أنا فى حلم ولا علم (النص ص13)
"شيرين" :...من حكم فى ماله فما ظلم (النص ص13)
"شيرين" :... أنا من إيدك دى لأيدك دى (النص ص13)
"شيرين" :... راجلى وتاج راسى (النص ص13)
"شيرين" :... قول ياجملى (النص ص13)
"شيرين" :... ياسبع البرمبة (النص ص14)
"شيرين" :...من برة هلاّ هلاّ ومن جوة يعلم الله (النص ص14)
"شيرين" :...ياحكيم الغبرة (النص ص17)
"شيرين" :... يقطع الحب وسنينه (النص ص12)
ويستخدم كوهين العديد من التعبيرات الشعبية فى جملة ما ينطق به
"كوهين" :...يدى الحلق للى بلا ودان (النص ص12)
"كوهين" :...موش بيقول مراية الحب مصدية (النص ص12)
"كوهين" :...وناس ثانية تقول الحب أعمى (النص ص12)
إن منهج توظيف "التعبير الشعبى" فى الحوار على ألسنة هذه الشخصيات الأربع يعد إيجابية ، كما يعد سلبية أيضاً فى أسلوب الكتابة فى هذا النص المسرحى –خاصة- فهو توظيف إيجابى إذا أريد به الدلالة على توحد هؤلاء (المناضلين الوطنيين) فكراً واسلوباً وهنا تكمن السلبية إذ تتحول الشخصيات تبعاً لذلك إلى أنماط ولا تحسب بوصفها شخصيات نامية من لحم ودم ، ذلك أن الشخصية النامية لها خصوصيتها وذاتيتها فى التفكير والفعل أو التعبير عن دوافعها الخاصة وعلاقتها المتشابكة صوتهاً وحركة وشعوراً وبذلك يختلف المنهج التعبيرى من شخصية إلى شخصية أخرى بالضرورة ويعد توظيف التعبير الشعبى سلبياً أيضاً حالة استخدام شخصين جذورها أرستقراطية له فى كل ما تنطق به مثلما نجد عند شيرين وهى ابنة الباشا التى وقعت فى غرام ابن البلد "محمود"
"شيرين" : والنبى ياسامى يا أخويا ..ابداً ابداً.. ده انا بعزه .. أقول إيه ياخواتى ..بحبه ..بحبك يامنيل .. إنما تقول لمين .. هو الله مش واخد باله وسايبنى أتكوى بنار الحب.. الله يقطع الحب وسنينه (النص ص12)
"شيرين" :..فيه حد مات لك ياخويا؟ (النص ص12)
"شيرين" :موافقة على إيه يا أبو حنفى (النص ص12)
"شيرين" :سيبه ياسامى – بت مين – اتبتيت فى حيطة .. أصلهم بيقولوا وعد الحر دين عليه.. مش كدة برضك.. تعالى قوللى هنا .. فين اللى عليك يا أبو لسان طويل .. يامدوخنى وراك (النص ص10)
"شيرين" : حد يزغرت يا ناس – أنا فى حلم ولا فى علم .. اجرى يا كوهين جيب المأذون حالاً قبل ما أصحى من النوم (النص ص13)
"شيرين" : أشرط يا نور عينى .. أشرط يا مدوخنى .. من حكم فى ماله ما ظلم ..أنا تحت أمرك ..أنا من ايدك دى لأيدك دى ..أنت تؤمر وبس .. وأنا على الطاعة ..فهو أنت حتبقى رجلى وتاج راسى (النص ص13)
"شيرين" : حاضر ياسبعى (النص ص13)
"شيرين" :قول ياجملى (النص ص13)
"شيرين" : فاهم يانور عينى .. يا نن عينى من جوه (النص ص13)
"شيرين" : محمود ..شوف يا أبو حنفى (النص ص13)
انت عارف أد إيه بحبك بس فيه سؤال واكل دماغى ومحيرنى (النص ص13)
"شيرين" : فيه حاجة يامحمود والنبى على قلبك تقوللى (النص ص13)
"شيرين" : يا نصابين يا نور ..إخص عليك يامحمود ..مكنش العشم (النص ص14)
"شيرين" : يفتح الله يا سبع البرمبة (النص ص14)
"شيرين" : ياخسارة الرجالة الجدعان ..حقيقى من برة هلاّ هلاّ ومن جوه يعلم الله (النص ص14)
"شيرين" : .. جرى إيه يافهيم يا حكيم الغبرة (النص ص17)

بين الضرورة الحياتية والضرورة الفنية:
إن هذه اللغة لا تؤدى فكر طبقة (شيرين) ابنه الباشا قدر ما أدت فكر بنت البلد ، فهى لغة لا تلائم ابنة الباشا فى وسطها الإجتماعى بما استخدمت من تعبيرات شعبية لا تلائم وسطها الارستقراطى ولا تبرير درامى لذلك فى النص نفسه ؛ سوى إحتمال لجوئها إلى الحديث بلغة من تحب ؛ فلئن كان ذلك كذلك فتكون عندئذ لغة مصطنعة ومن هنا وجب أن تكون غير متقنة فى تعبيراتها ، ووجب وقوعها فى زال عند إستخدامها بعض التعبيرات الشعبية ، لتثبت أو ليثبت الموقف مدى حبها وتنازلها أو محاولة تقربها إلى بيئة حبيبها ، ولتثبت له أن الحاجز الطبقى غير قائم – على الأقل من ناحيتها – بدون اصطناع إستخدام بعض التعبيرا الشعبية على لسانها تصبح لغتها غير مطابقة لفكرها ولمستواها الطبقى.
ويقال الشئ نفسه حالة ما يكون الهدف من توحد إستخدام التعبيرات الشعبية عن المناضلين الوطنيين – بوجه خص – للتأكيد على وحدة الفكر ووحدة الهدف ووحدة المصير ، لأن التوحد فى التعبير غير قائد عند الناس وان إجتمعوا على شئ واحد ، فكل واحد يؤدى الشئ بأسلوب خاص به – هذا عند الكلام عن الضرورة الحياتية – وعند الكلام عن الضرورة الفنية فإن توحد منهج التعبير الشعبى عند الشخصيات الأربع لا يخلق تنوعاً ، والتنوع من أخص خصائص الفنون والآداب إذ أنه جالب للمتعة أو الإمتاع الذى يغلف موضوعات وصولاً إلى الإقناع.
رسم الشخصيات بين النمطية والنماء
1- تبدو الشخصيات فى هذه المسرحية هيكلية وغير دائرية ، حيث لا يمكن تحقيق أى نوع من التمايز فى بنيانها وذلك بسبب تنميط الأبعاد الأساسية فى إطار تكوينها الإنشائى وهيكلتها.
2- إن الدور الوظيفى الذى تحققه الشخصيات يقتصر على سرد الوقائع المنتهية والتعليق عليها.
3- غياب وجود الشخصية المحورية وإنتفاء وجود شخصية البطل بالمفهوم التراجيدى حيث تتضمن المسرحية عدداً كبيراً من الشخصيات المتوحدة منظورياً وغير الموصفة (المحددة الأبعاد).
4- تنقسم الشخصيات إلى مجموعات أساسية (الفرنسيون – العرب – المماليك) وتتفق كل من هذه المجموعات فيما يأتى :
1- أسلوبية الخطاب والأداء اللغوى والإنفعالى .
2- المنظور العام والموقف الفكرى ( فلكل طرف من هذه المجموعات منظوراً عاماً وموقفاً فكرياً فى مواجهة منظور عام وموقف فكرى)
وهذا ما يضع العمل الإبداعى فى موضع الصنعة على حساب الإبداع ويجعل البناء الدرامى بناءاً هندسياً فى ظاهره.
5- الشخصيات التاريخية لا يتحقق لها عنصر التناسب التصويرى الذى يوائم بين طبيعة هذه الشخصيات "بشكل تاريخى" والأثر الدرامى الذى يحققه تشخيصياً فى ضوء الرؤية التاريخية للمعالجة الدرامية.
6- الأثر الكوميدى الذى تحققه بعض الشخصيات لا يتناسب مع الموقف الدرامى الذى يقوم على الجهاد والدفاع عن الوطن
7- هناك بعض الشخصيات فى المسرحية لا تتورط فى الحدث الأساسى وتأتى دخيلة على الخط الدرامى للمسرحية مثل "سليمان الحلبى وزملائه "
8- الشخصيات لا تتنامى فى إطار تصاعد الخط الدرامى ولا تتغير من حال إلى حال ، فالشخصيات كما قلت تكتفى بالتعليق على الحدث غير المنظور
والشخصيات بهذه الكيفية لا تؤهل للفعل التمثيلى.

الأمثلة التطبيقية
شخصيات المسرحية بين الإطار الفكرى ومنمنمات التصوير الدرامى
يبدو الإطار الفكرى الوطنى للشخصيات منذ الوهلة الأولى من المشهد الأول فى الفصل الأول ، حيث يوزع المؤلف الأدوار الوطنية النضالية على شخصياته واضعاً بذلك الإطار الفكرى الحاكم لتقسيم العمل النضالى والمنظم له ، قبل أن يضع تفاصيل الصورة الدرامة ومنمنماتها.. فهو يوزع الأدوار النضالية على الطوائف الدينية المصرية فى تصديها للإستعمار الفرنسى على النحو التالى :
أولاً : يكل إلى "كوهين" الطرف المصرى اليهودى فى حركة النضال مهمة توزيع الادوار النضالية على طرفى الحركة النضالية المصرية الأخريين (المصرى المسيحى ، والمصرى المسلم)
"كوهين" :..محمود جوزييك مخه يتاقل بالدهب يفكر لنا إزاى نخرب بيتهم ص8.
"كوهين" :.. إنت كل اللى فيك مخ يعنى المفروض يسموك محمود مخ بيك مش جوزبيك (النص ص9)
إذاً فقد جعل مهمة محمود التفكير والتخطيط لحركة النضال وطرقه
"كوهين" :.. يعنى سام بارم ديله غنى ومقتدر ، يدفع الريالات المطلوبة للسلاح (النص ص8)
"كوهين" :..أنا على التنفيذ (النص ص8)

وهكذا فإن المؤلف هنا رسم "كوهين" موجهاً لرمزى النضال الأخرين المشاركين له فى الوطن وفى منافحة غزاته . ولا أدرى هل يطابق ذلك تاريخ النضال المدون فى كتب التاريخ أم يناقضه . والكاتب شأنه على كل حال شأن كل مبدع من حقه الإحتفاء بالحقيقة الفنية دون أن يحفل بالحقيقة التاريخية .. ولنا أن نناقشه فشخصية (بارم ديله) فى كتب التاريخ شخصية مملوك .. وكلنه هنا فى المسرحية مصرى مسيحى قائد لحركة النضال الفدائى ضد الفرنسيين .
قاضى تركى : عزتك إبراهيم بك .. قائد عظيم ولا بد أن تقفوا خلفه فى حرب حقيقية ويمنع بالقوة التهريج الخاص بالمدعو بارم ذيله والمجموعة الله معه (النص ص70)
سامى : ...المماليك ويش نظامى .. إنما احنا عايزين نعمل حرب عصابات .. يعنى نتغدى بيهم قبل ما يتعشوا بينا (ص74)
ولا نرى تلاؤم بعض التعبيرات مع العص (وبش نظامى ) وجيش المماليك اعتمد على المرتزقة تستخدمهم الدولة آنذاك ولا يعنى ذلك أن جيشاً نظامياً قد كان قائما آنذاك وعبير (نظامى) (حرب عصابات) لم يكن معروفاً آنذاك أيضاً.
القيادة الشعبية (لسامى)
ما مدى مطابقة ذلك تاريخياً؟!

قاضى تركى : عزتك إبراهيم بك ..قائد عظيم ولا بد أن تقفوا خلفه فى حرب عصابات حقيقية ويمنع بالقوة التهريج الخاص بالمدعو بارم ذيله والمجموعة التى معه .
ميدو : رجالى يقولون إن المناوشات كانت شديدة جداً بين رجالنا وبين المتمردين من أعوان سامى .. الله يرحمه (بتهكم) واعتقد أنها تنتهى إلى الأبد (70)
نابليون : .. ألم يؤكد لى ميدو أن الإرهابى بارم ذيله قتل فى أسيوط وطافوا بجثته بلاد الصعيد (ص79)

سامى : فاكرة ياست شيرين .. لما كنا فى الإسكندرية عملت فيه الملعوب اللى طالع من عينيه وفرجت عليه العساكر كلهم وخليته مسخه فى وسطهم .. والعيلة .. العيلة فى الحوارى مملوه غنوه وجالوا ..
توت توت .. ديبيوى عمل كتكوت (ص84)
ونخلص من ذلك إلى أن (بارم ذيله) فى المسرحية قائد وطنى بينما على المستوى التاريخى (فبارم ذيله ) هو أحد المماليك.
وليس من عامة الشعب وأن ذلك لا يؤثر فى التاريخ وحقائقه بشئ إنما أخذ المؤلف الإسم من مملوك ووضعه لمصرى وطنى.

تصوير الشخصيات
تظهر الشخصيات فى إطار تقسيم العمل حيث عمل الكاتب على وضع قيادة النضال فى يد كوهين اليهودى.
• تصوير كوهين المنظم للعمل الوطنى (يوزع الأدوار النضالية)
- محمود عليه التفكير والتخطيط :"محمود جوربيك مخه يتاقل بالذهب يفكر لنا" ص8
- سامى عليه التمويل: " يعنى سامى بارم ديله غنى ومقتدر يدفع الريالات المطلوبة للسلام" ص8
- كوهين عليه التنفيذ : " أنا على التنفيذ" ص8
• تصوير محمود إنتهازياً:
" أمر لله –حتجوز شيرين هانم السلحدان وإن كان لسانها طويل حبتين.. يعنى كدة يجى مترين .. بس غنية.. واحنا بالصلاة على النبى محتاجين لفلوسها وأهو كله جهاد ص8-9
شيرين.. (إلى محمود جوزبيك) لازم حتكون عند بارم ديله مهى التكية اللى عايش فيها" ص9

• تصوير محمود وقحاً :
" بالصلاتو على النبى انت بتتكلمى عن مين يا بت أنا لمؤاخذة دست لك على ديل " ص10
"احنا حنلبخ ولا إيه؟"
" ده كان يوم أسود يوم مسلفتينى الميت ريال" ص10.
"بالصلاتو على النبى – إنت موافقة ولا لأ .." ص12
" يعنى حيكون فيه إيه يا ست الحسن والجمال" ص14

• تصويره مدمناً:
" كوهين : جوزبيك.. إيه يا خويا.. جرى إيه ..هو ده الكلام اللى اتفقنا عليه .. فوق بقا الله يخرب بيت الهباب اللى بتتعاطاه" ص11
• تصوير محمود متناقضاً:
(1) " محمود" أمرى لله حتجوز شيرين هانم السلحدار.. وإن طال لسانها حبتين .. يعنى كدة مترين .. س غنية (ص8-9)
" واحنا بالصلاتو على النبى محتاجين فلوسها وأهو كله جهاد"
(2) "شيرين" .... ده أنا عرضت عليه نفسى ومرضاش وقال دخلونى الحبس أرحم من إنى أتجوز واحدة غنية وقال إيه .. بيقول الغنية تذل جوزها بفلوسها (ص11)

• تصويره غير مبال بشئ ومتآمراً مع سامى وكوهين على الفتاة الغينة:
" حتى وإن كان ذلك من أجل الدفاع عن الوطن"
• تصويره مكشوف الوجه : " إسمعى على بلاطة " (ص15)
• تصوير سامى وسيطاً:
" سامى " .. الحجيجة يا شيرين هانم ..محمود راجل زين والله العظيم ..صدجينى ده كان لسة من شويتين بيجول نفسى ومنى عينى أناسب بيت السلحدار باشا .. فأنا جلتله .. هو معجول شيرين هانم السلحدار على سن ورمح تجبل واحد زيك كحيان .. محلتوش اللضة .. فجال اتوسطلى يا سامى يا خويا عندها .. (ص11).
• تصوير كوهين ضنيناً بماله على الوطن:
كوهين" شوف يا بارد ديله .. أنا معاك على طول الخط عشان مصر دى مصر يا سامى .. بس ابعدنى عن الريالات .. ابعدنى ياخويا .. دنا على فيض الكريم وكل برغوت على قد دمه (ص6)
ثم يعلق محمود على حديث كوهين موجهاً حديثه إلى سامى وهو يسخر من إدعاءات كوهين قائلاً : "سيبك من كوهين – ده حيودى ولا حيجيب بيقول برغوت قال !! (ص6)
سامى : بتشيل لمين يا كوهين.. دانت مجطوح من سجرة زى أنا .. افرجها .. ربن يفرجها عليك من أوسع أبوابه .. ويكتر دمك يا برغوت (ص7)
• تصوير شيرين على أنها مرابية :
محمود .. إنت يا شيرين هانم يابنت البشوات ياللى بتسلفى الناس بالفايظ اللى يغضب ربنا تعملى كدة (ص16)
قراءة فى كتابات مسرحية منشورة
(المعارضات المسرحية فى مسرحيات جورجى كامل)
تتناول مسرحيات جورجى كامل موضوعات تناولها من قبل المسرح الإغريقى ومسرح شكسبير فتعيد طرحاً جديداً ، لذلك تقع جهوده التأليفية فى إطار مفهوم المعارضة الأدبية وهو ما يؤكده جورجى نفسه ، إذ يقول : " ليكن واضحاً منذ البداية أننى لا أعترض على الجوانب الأدبية والفنية والجمالية للمسرح الإغريقى ومسرح شكسبير ، وإنما أتعرض فقط للنواحى النفسية والمعنوية والتربوية فى هذه المآسى .. ولا أريد البتة أن أقاوم الإسلوب الدرامى العظيم الذى تحتويه (الحوار) وإنما ابتغى فقط أن أقّـوم الموضوع والحكاية والغاية.
وأطالب بأن تقترب المأساة الحديثة – ولو قليلاً – من مفهوم الإستشهاد فى المسيحية والإسلام ، فتبنى النفس والمجتمع بناء حقيقياً " فأبطاله لسوا أبطال العصور القديمة الغابرة فى تاريخ الأساطير اليونانية وفى سير التاريخ الإنجليزى فى تناول شكسبير أو التى تناولها كتاب التراجيديا العظماء ، وإنما هم أبطال العصر الحديث – كما صرح هو نفسه بذلك :-
"أولئك الذين لا يتميزون عن سائر الناس بقوتهم البدنية الهائلة أو لصراعهم مع الآلهة صراعاً أسطورياً خرافياً – كما نرى فى الأدب الإغريقى – ولا هم ممن "يذهبون ضحية الصراع بين الخير والشر . أو بين الشر والشر الذى يضطرب أبداً كما نرى عند شكسبير ، فيثيرون فى أنفسنا الرعب والشفقة عليهم – كما ورد فى التعريف الأرسطى للمأساة ..."
وإنما هو يرى أبطاله كما ذكر هو بنفسه أبطالاً وجوديين . فهم عند أبطال النفس والإرادة الحرة الظافرة وأبطال التجربة الإنسانية نفسها.
وهذا معناه أنه يصنف مسرحه فى إطار ما يعرف بالمسرح الفكرى ، فالنفس والإرادة والحرية والتجربة كلها معان وأفكار مجردة ، وما (النفس والا الإرادة) معاً إلا معادل الذات أو الأنا .. وما (الإرادة الحرة الظافرة) سوى نتاج التعادلية التى تحققها الأنا فى مقاومتها للأخر .. وما (التجربة الإنسانية) سوى تشكيل ماهية تلك الأنا التى سبق وجودها جوهره.
فإذا كان هذا هو الموضوع الذى تطرحه مسرحيات جورجى كامل مع إختلاف أشكال ( الأنا) الإنسانية المجردة ، وإختلاف أسماء أصحاب الموضوع ، وهو جوهر وجودها الذى تقاوم الغير من أجل تحقيقه.
فماذا عن الشكل؟!
إن الشكل فى كتابة جورجى كامل المسرحية لا يخرج ابداً عن فكرة الوجود السابقة للماهية فأوديب شخصية موجودة فى أدب اليونان وفى الأداب التالية على عصرهم منذ الرومان (سينيكا) وغيره إلى وقتنا الحاضر . وجورجى كامل أعاد تشكيل جوهر وجود هذه الشخصية وهو لكى يفعل ذلك يجعل أوديب فى وضع العارف بما سينتهى إليه الأمر فهو يجعله فى حالة علم بما يجرى وبما جرى وهو بذلك ليس أوديب سوفوكليس الذى يجهل ما تصنعه به الأقدار حتى اللحظات الأخيرة من الحدث ، فأوديب يبدأ على علم بنسبة ولذلك فإن الكاتب يجعل بداية كلامه تقريرية.
أوديب: " إن جهاز الحياة فى صدرى يقرع كطبول الموت."(64)
والتقرير نتيجة والنتيجة هى خلاصة ما لدى الشخصية من معلومات . وليس (أوديب) سوفوكليس كذلك إذ أن أوديب سوفوكليس يبدأ مندهشاً مما يحدث لشعبه :
" أوديب : إيه يا أبناء كادموس؟"(65) وهو تساؤل يحتاج إلى إجابة والحاجة إلى إجابة تنفى العلم بما يسأل عنه . ولئن كان المؤلف قد أحاط أوديب علماً بنسبه على لسان (قائد الحرس) فهو يحيط المتلقى أيضاً علماً بذلك فى بداية المسرحية فى إطار تقريرى أيضاً مما ينفى عن الحدث أى لون من ألوان التوتر أو التشويق الذى يصنعه التعقيد الفنى للحبكة.
"قائد الحرس : ساعة مولدك أظلمت الدنيا فى وجهى أبويك وتطرق إلى قلبهما يأس هائل (انخلعت له قلوبهم)* كان مولدك يوحش برهبته كأنك المنية جاءت تنشب أظافرها فيهم**.
" أوديب : أنا لا أجهل عزيزى أننى ولدت فى ليلى أشبه بليلتنا هذه دعنى أحتفل بعيد ميلادى ( يشرب بعض النبيذ).
وجورجى كامل لا يكتفى بإسقاط ذلك الجلال التراجيدى الذى عرف به أوديب سوفوكليس حيث يظهره هنا وهو يتحصل على المعلومة من جندى فى خدمته بعد أن كانت المعلومة تأتيه من عالم هو (تيريزياس) عراف (دلفى) بل يجعله يحتسى النبيذ كرد فعل لمعرفته بنسبه عن طريق خادمة أو حارس رغبة ربما فى اللا اهتمامأو اللامبالاة أو ربما دلالة على الرغبة فى النسيان – نسيان ذلك النسب- وهو نوع من التعبير عن الشكل الإجبارى لوجوده (حياته) فهو لم يختر نفسه ولم يختر ميلاده على هذه الصورة ولكن ميلاده ووجوده على هذا النحو هو نوع من الجبر.
واحتسائه للنبيذ بشكل من أشكال الإحتجاج ومحاولة لغض النظر عن ذلك الوجود الجبرى ، وهذا لون من ألوان الإختيار ، كما أن مصاحبته للحارس على هذا النحو الذى نراهما فيه يتطارحان الكلام والكؤوس مطارحة الند للند هى نوع من الإختيار الذى هو رد فعل لرفضه لذلك الوجود الجبرى والتعسفى.
قائد الحرس : ليلة ميلادك هى ليلة يقظتى .. ليلة بعثى .. لم تكن انت لتعى شيئاً ليتئذ ... لم تكن تشعر بما يدبر من حولك من شر .. أو تحس بما يحيط بك من تأمر .. كنت أشعر لك وأحس لك ..خذ اشرب (يشربان).
لقد ربط جورجى كامل ميلاد أوديب ( الحاكم) بوجوده هو نفسه فلولا الحارس ما وجد الحاكم (أوديب) فكان صانع ميلاد الحاكم أوديب هو قائد حرسه ..لذلك يطالبه بأن يعيره آذانه ويعيره عينيه حتى يدرك تلك الحقيقة ولا ينساها .. وهى حقيقة وجوده الذى ما كان يمكن حدوثه بغير الحارس لذلك نرى أوديب – الحاكم – ينصاع إلى مطلب قائد حرسه ..
" أوديب : لك ما تشاء"
قائد الحرس : كلما تذكرت ما أصابك تلك الأيام تذوب نفسى حسرات عليك .. تناول شيئاً من النبيذ (يتناول أوديب بعض النبيذ) لقد أراد أن يمنعا النسل ولكنك جئت غصباً فى ساعة لذة .."
إن الكاتب هذا يستبدل حدثاً بدلاً من حدث ، ففى نص سوفوكليس ومعالجات كثيرة بعد زادت عن المائة معالجة لأوديب ظل حدث التخلص من أوديب بعد ميلاده بأمن من والديه أمراً ثابتاً لكن الكاتب هنا يستبدل ذلك ينطقه سيضعها والد أوديب فى رحم أمه .فأوديب الوليد المراد التخلص منه تلبية لهاتف الآلهة على يد خادم – كما هو عند سوفوكليس هو هنا نطفه كان أبواه يريدان ألا تثمر جنيناً ، وكأن كبير الحراس هو الذى تدخل ومنع والدى أوديب عن ذلك ومن هنا أودع والده نطفته رحم أمه فحملت به وولدته . وفى ذلك مبالغة استحالة على المستوى المنطقى يقبل بها الأب ، إذا فوجود "أوديب" كان وجوداً جبرياً :
"الحارس... ولكنك جئت غصباً فى ساعة لذة"(67)
إن الكاتب لا يكتفى بذلك كله بل يجعل الحارس يرفع عقيرته بالغناء فى سكره مع أوديب . وفى ذلك إضافة لم تعرفها نصوص معالجات أوديب السابقة :
( كأنما يبتسم لنفسه )
رفعت قلباً يشبه الكأس
فيه دم أحمر كالنبيذ
وسيجارتى مدخنة الحى المحترق
ولعنت الأشباء ثلاثاً
ثم ألقيت قلبى فى المدفأة
قرباناً للكفرة الآلهة
ومن الألم احترقت النار
ونزلت الألسنة الحمراء الدم الأحمر
ورأيت صورتك فى المدفأة
ووضعت رأسى فى المدفأة
وامتزجت الألسنة بأفكارى
فرأيت كل شئ يحترق
الأرض والآلهة ونفسى
فلقد كنت أحتفل بعيد ميلادك(68)
إن الكاتب حين أدخل عنصر الغناء فى نص " أوديب" – معالجته له – إنما أضاف عنصراً جديداً لم يوظفه سوفوكليس أو غيره ممن تناولوا تلك الأسطورة . كما أضاف شخصيات جديدة وجعل شخصية الحارس هى الشخصية المحركة للصراع بوساطة الرواية والسرد التمثيلى.
بغض النظر عن غموض الحداثة الذى لف به المؤلف نص الغناء فلنا أن نقف عند ضرورة الغناء هنا .. أى أننا لن نناقش وجود غناء من دعمه – هنا – وإنما يقع إهتمامنا على ضرورة وجود هذا الغناء . ولذلك نتساءل هل إذا حذفنا هذه الأغنية يحدث خلل فى خط سير الحدث؟!
ونحن لكى نقضى للكاتب أو عليه علينا أن نتجرد ونحلل ما قبل الغناء وما بعده قياساً على السياق فى الحدث نفسه :
ما قبل نص الأغنية :
" قائد الحرس : .... لقد أرادا أن يمنعا النسل ولكنك جئت غصبا فى ساعة لذة"
(كأنما يبتسم لنفسه)
بداية الأغنية:
"رفعت قلباً يشبه الكأس..."(69)
نهاية الأغنية :
"فرأيت كل شئ يحترق
الأرض والآلهة ونفسى
فلقد كنت أحتفل بعيد ميلادك"(70)
ما بعد الغناء
" أوديب : أتتألم من أجلى إلى هذا الحد .. ما أصدقك لما زعمت لى أن عيد ميلادى بات يخصك وحدك (71) " فلو حذفنا الأغنية وربطنا الجزء من الحوار السابق للغناء مع الجزء من الحوار اللاحق للأغنية سوف نتحقق من ضرورة الغناء من عدمه :
"قائد الحرس : ............. ولكنك جئت غصباً فى ساعة لذة "
" أوديب : أتتألم من أجلى إلى هذا الحد (72)....
إن خللا ما لم يحدث مع أننا استبعدنا النص الغنائى ؛ فالكلام متصل ومرتبط أسلوباً ومعنى . إذا فما هى أهمية الغناء هنا من حيث الشكل ؟ وما هو محتوى الأغنية؟
الحارس يقول إنه لعن الأشياء ثلاثاً والقى قلبه فى المدفأة قرباناً للآلهة الكفرة ( ولا أدرى بمن تكفر الآلهة !! ) ثم أنه احترق من الألم ونزف الألسنة الحمراء الدم الأحمر وكان الأبلغ أن يقف عند الصورة – الألسنة الحمراء – ولا يفسرها بعد ذلك – الدم الأحمر – لأن أفسد الصورة بالتفسير أو الحشو.
ثم رأى صورة أوديب فى المدفأة ووضع رأسه فيها فامتزجت الألسنة بأفكاره فرأى كل شئ يحترق : الرض والآلهة ونفسه ذلك لنه كان يحتفل بعيد ميلاد أوديب.
ولا أدرى مع هذه الصورة المركبة والغموض الحداثة ماذا تضيف هذه الوقفة الغنائية.؟! هل هى تعلق على حدث ما ؟! هل هى تقدم لحدث ما ؟! هل هى تعمق موقفاً ما ؟! هل هى مرتبطة إرتباطاً عضوياً بالحدث بحيث إذا ما حذفت لم يحدث خلل ما فى البناء الفنى للنص؟!
إن الغناء فى المسرح لا بد أن يكون جزءاً عضوياً فى نسيج البناء الفنى ، إلى جانب أداته لوظيفة لا تؤدى بلون آخر غيره وأن يكون لهذه الوظيفة الغنائية غرضاً محدداً .
(تعليق على الحدث – تقديم للحدث – تعميق موقف ما فى الحدث )
وكما أضاف جورجى شخصيات جديدة لم تكن موجودة عند سوفوكليس مثل قائد الحرس الذى يجعل منه شخصية محورية محركة للصراع ومثل الفتيات(73) وانتيجونى(74) وبولينيس وأم الهول واثيوكليس وأبيه لايوس والمواطن وقاضى المدينة وحوكاستا أمه وكريون الذى جعله يتآمر على أوديب من أجل أن ينحيه عن الحكم ويتولا مكانه :
"كربون : لقد جرؤا على إتهامى بشر الأمور ، فهم يصرحون بأننى قصدت إلى خلع أوديب عن العرش"(75)
" أوديب : الشعب يتهمك بانك تدبر هلاكى .. تهمة باطلة لم تثبت.
المواطنون الثلاثة : ونحن نطلب نفيه ومعاقبته.
أوديب : ينبغى أن تذعن إذن
كربون : ليس لملك جائر يحكم بالظلم . أتظن أن ليس أعوض لى منك ، وإننى أريد أن اخلص منك كى ما تفسح لى الطريق . ليس أحوج إليك منى . فأنا أحصل منك على ما أريد وأشتهى دون أن أتعرض لمخبات الدهور وأهوال الحكم وأنا أفضل أن تكون لى سلطة الملك دون أن اكون ملكاً.(76)
وهو يصور جوكاستا أم اوديب تحث الجميع على الكف عن البحث عن الحقيقة وعن طلب المعرفة ، ويصور قاضى المدينة فى وضع النابش وراء الحقيقة :
"جوكاستا : أسألكم باسم الآلهة إذا كنتم تتمسكون بهذه الحياة وتحرصون عليها ، ولا تبتغون الهلاك لأنفسكم وللمدنية وللملك أن تكفوا عن هذا البحث.
قاضى المدينة : وهل نرضى عن الحقيقة بديلاً .. وأنت لم تقنعينا أو تغرينا بأن نكف أيدينا عن البحث .. ما دواعيك؟
جوكاستا : نفعكم الخالص وأمن هذا البلد ، فما أبشع المعرفة التى تجرون وراءها (جانباً ، لنفسها ) لا بد أن أضللهم (اليهم) لسوف تبحثون عبثاً ودون جدوى ، فالحقيقة ليست مبثوثة فى الحياة..(77)
فجوكاستا جورجى كامل (خاطية) إذ هى تستعذب معاشرة إبنها أوديب لها معاشرة الزوج لزوجته . فشتان بين جوكاستا سوفوكليس بل جوكاستا فى جميع المعالجات جورجى تلك.
وجاكاستا جورجى كامل تنفى عن لايوس قتل ابنه له حيث لا ولد له ويجعلها تختفى وراء قناع الطهر ووراء قناع التدين:
"جوكاستا : ( كاذبة ) أى وحى الآلهة .. كيف صرت إلى الحضيض لم يمت لايوس بيد ابنه فليس له إبن . لقد حمل معه إلى القبر هذه النبوءة التى لا معنى لها ..(78)
وهى بذلك تحرض الجماهير على عكس ما زعمت من حرص على البلد وتلبلهم :
"المواطن الأول : لن أرفع من شأن الآلهة ، أو أقدم إليها الذبائح فى المعبد عند مركز الأرض إذا لم تظهر حقيقة هذا الوحى لكل الناس.
"المواطن الثالث : إن عبادة الآلهة تضمحل وتنمحى . لسوف أمتنع عن الإختلاف إلى المعابد وأداؤه فروض التقوى لو لم تستبن حقيقة هذا الوحى .."(79)
وهو يجعل أوديب معترفاً بإثمه :
" أوديب : إننى الأثم بلا نظير .. لقد باتت الأرض موبؤة حين سعيت فيها وسرت عليه إن شرى أكثر من خير الناس جميعاً.
المواطن الثالث : ماذا تعنى .. أقتلت أباك؟!
أوديب : نعم(80)



السرد ودوره فى المسرحية :
إن اللجوء إلى السرد فى نص مسرحى لا بد أن يتم بالضرورة فى إطار الحوار نفسه ، أى أنه لا بد وأن يكون محمولاً على لسان شخصية ما فردية كانت أم هى ثنائية أم جماعية.
ولا بد بالضرورة ان تكون له غاية وفى ذلك يقول أرسطو(81)
" إن غاية السرد لا تتعلق بمجرد عرض الموضوه ، وإنما بالإقناع العاطفى : لأن السرد لا ينظر فحسب إلى أخبار (القاضى) وإنما إلى أكثر من ذلك وهو ان يشعر بما نريده منه أن يشعر به . حتى ولو يكن من الضرورى أن تخبره إلا بهدف تحريك تعاطفه الشديد ،فنحكى له الأشياء كى نعده بذلك "
أما د.صلاح فضل فيرى من وظائف السرد " إقناع المستمع والالحاح على تحريكه وإثارته " إذ عندما يبدأ السرد البلاغى فى التحرر من قيد العرض البرهانى " فإنه يؤدى وظائف أخرى تجعله أقرب إلى نطاق الشعر "(82)
وإذا كان فلوبير يربط السرد بمحاور ثلاثة تتمثل عنده فى العمل - المؤلف – القارئ فإنى أربط السرد المسرحى بأربعة محاور : هى (الحدث – المؤلف – الشخصية – المتلقى)
ولأن النص المسرحى يتوسل بالحوار عنصراً فنياً درامياً يعد الوسيلة الأساسية للإتصال بين الشخصيات وبعضها البعض ، تنمو من خلاله الشخصيات وينمو بوساطته الصراع(81)(82) حيث ينقل جوهر ما تريد الشخصية عبر مستويات فكرها وشعورها فى تشابكها مع غيرها أو تشابكها مع نفسها شريطة أن يكون قابلاً للترجمة الشعورية الفورية على لسان الممثل وفى أذن المتلقى فيراه الأعمى ويسمعه الأصم فور إرساله الإنسيابى على لسانه الممثل فإن الحوار إذ يعبر عن حالة الحضور الخاص بالشخصية نفسها فى الحدث من خلال كلامها عن نفسها أو كلام الشخصيات الأخرى عنها – بغض النظر عن صحة ذلك الكلام من عدم صحته – كما يعبر عن حالة ماضية من حالاتها مع نفسها أو مع غيرها فى الحدث نفسه أو فى حدث سابق يعاد تصويره يتخذ شكل الفعل الحاضر المخلوق لحظة لفظة أو اتخذ شكل السرد فإنه يجب أن يكون فى كل الأحوال قابلاً للأداء التمثيلى أى أن ينساب انسياب الماء منحدراً إلى منبعه ومنبع الحوار هو الشعور والوجدان فى ارسال الممثل له أو إستقبال المتلقى له.
مما تقدم نقف عند طبيعة ذلك كله فى مسرحيات جورجى كامل.
السرد الشفهى التمثيلى :
ويعد لغة إيجاز للخطابة المكتوبة وفى ذلك يرى خوان كارلوس(85) ( إن السرد الشفهى التمثيلى يعد أساساً موجزا للحكاية المكتوبة) ذلك أن الموجز الشفهى على مستوى الكلمات يعتمد على الطريقة الأدائية الشفهية الصوتية للرواى فى نطق الكلمات ؛ فى أدائه للغات غير المنطوقة عبر حركاته ونظراته واشاراته وهى الأمور التى يلجأ الكاتب إلى شرحها عن طريق الوصف أو الكتابة المتوسعة.
وفى الوقت الذى يعتبر فيه العمل الأدبى عملاً مغلقاً فإن سرد الحكايات مجال مفتوح يلعب فيه الإرتجال والجو المحيط دوراً مهماً لأن إبلاغ الفعل لحظة السرد هو بمثابة الحدث الذى لا يتكرر(86) ولأن المسرحية فى كتاباتها تبدأ بعد إنتهاء القصة(87) فإن الشخصيات كثيرا ما تلجأ لإعادة تصوير فعل مضى منها او من غيرها وهذا قائم فى مسرحيات جورجى كامل ، شأنه شأن غيره ، غير أنه عن جورجى ما يكون السرد عبارة عن إجابة لسؤال طرحته شخصية على غيرها:
" قاضى المدينة : أكانت حيلة من الملك السابق؟
أوديب : لقد أذاع هذه الحكاية .."
الشخصية المسرحية والقناع :
إن شخصيات جورجى كامل هى أفكار تعبر عن نفسها أو تجسد نفسيا فى حالة صراع مع بعضها البعض .. ويدخل هذا الأسلوب من الكتابة فى إطار ما يعرف بالشخصية القناع وذلك ماثل فى ( الأوديب الأعظم) و (بروتس) و (بنات الأفكار) وهذا يستوجب المراجعة قبل القراءة.
مراجعات ما قبل القراءة الثالثة
• هناك العديد من الكتاب الذين حركوا فكراً ثبت فشكل معتقداً لديهم بغية التأثير به ، من خلال ما يجيد الواحد منهم فى فن من الفنون الأدبية تأسيساً على أن قيمة الفكر فى نشره .
• إن هناك لوناً من الألوان المسرحية يعتمد على الكلمة – وهو الغالب – وهناك لونا أخر تغلب الحركة عليه وهناك لوناً ثالثاً ينفى الكلمة ودورها فى المسرح ليحل محلها الحركة البحتة فيما يعرف بلغة الجسد أو لغة الصور فى مقابل لغة الصوت أو لغة الصوت والصورة معاً.
إن هناك مسرحاً تكون السيادة فيه للكلمة على حساب الصورة أو الحركة والعكس من ذلك نفسه فى مسرح الصورة أو الحركة.
• فى قيمة الكلمة ماثلة " فى تحركها نحو معناها الذى اختصتها بها الشخصية المتكلمة وأدركته أذن المتلقى لها أو أحسه بوجدانه .(88)
• إن الكلمة هى الفكر بعينه إذ تتحرك تعطينا المعنى ، الذى يتحرك فيعطينا الأفكار التى تتحرك فتعطينا المواقف .. تلك التى تتحرك فتعطينا الصدام الذى ينتج بدوره تجدداً فى الحياة : وهذا هو معنى الدراما : تنمية الفعل البشرى ورده فى حيز زمانى ومكانى.
• سبق لى أن كتبت فيما عرضت له من أعمال لكتاب المسرح السكندرى فى كتاب المسرح السكندرى ينطلقون فى كتاباتهم للمسرح من الفكرة فالفكرة تسبق الصياغى الدرامية وتقودها عندهم (89)
وذكرت منهم : يوسف عز الدين عيسى
مهدى بندق
السيد حافظ
ممدوح العربى
عصام أبو سيف
وأضيف إليهم اليوم (جورجى كامل)
للأسباب الآتية :
1- إشتمال مسرحياته على عناصر المسرح الفكرى.
20 قيام مسرحه على فكرة المعارضة لمسرحيات كتبها كتاب كلاسيكيون.
أما فى سمات المسرح الفكرى حتى يمكن أن نقيس عليها مسرحيات جورجى كامل؟
المسرح الفكرى (90)
ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
أولاً : مسرح الفكرة تأسس على فكرة تصارع فكرة أخرى ينتصر الكاتب.
ثانيا: مسرح الأفكار تأسس على مجموعة من الأفكار تتصارع مع مجموعة أفكار أخرى لتنتصر من إحدى المجموعتين فكرة واحدة .
ثالثا: المسرح الذهنى تأسس على عدد من الصور الذهنية التى تصارع عدداً من الصور الذهنية الأخرى لتجسد فكرة واحدة.
ملحوظة عامة :
أ- الصور الذهنية فى مسرح الفكر هى مجرد وسيلة.
ب- المسرح الفكرى جوار الأفكار تجسدها الشخصيات النمطية عبر الصراع.
ج- المسرح الذهنى .. حوار بين الصور الذهنية المتصارعة.
د- مسرح الفكرة .. حوار بين فكرتين فى حالة صراع.
• وينبغى لنا أن نتساءل:

ما هى سمات الفكر وعناصره فى مسرحيات جورجى كامل؟
ولنا أن نركن إلى سمات الفكر فى مسرح توفيق الحكيم الفكرى نقيس ما بين يدينا من كتب جورجى كامل فيما يتعلق بمسرح الفكر ولعل عنصر الحوار هو مناط القياس الرئيسى.
• كما ينبغى لنا أن نتساءل:
ما هى سمات المعارضة فى مسرحيات جورجى كامل؟
وهل عارض جورجى كامل عملاً مسرحياً سابقاً
• عرفت المعارضات الأدبية منذ القدم ، خاصة فى مجال الشعر.
• عارض (البارودى) ، (المتنبى) كما عارض الزيات الوزير العباسى فى قصيدته عن موت زوجته.
• عارض (شوقى) ، (ابن زيدون) وعارض (صفى الدين الحلى) وقديما عارض (الشريف الرضى) البحترى فى وصف الذئب.
• وفى مجال المسرح نشأت المعارضات المسرحية حتى أن ما يقرب من مائه مؤلف مسرحى قد عارضوا مسرحية (أوديب) لسوفوكليس وكذلك (الكترا) فى تناول كتاب التراجيديا الثلاثة وفى تناول جان جيرودو(91) وفى تناول يوجين أونيل.(92)
فما هو مفهوم المعارضة؟
المعارضة : هى إعادة التعبير – فى تعريف " مجدى وهبة"(93)
1- التعبير عن المعنى بألفاظ مختلفة بغية التوضيح مع المحافظة عادة على طول الأصل للنص المعاد سبكة.
2- فى الآداب الغربية : قد يطلق هذا المصطلح على قطع من العهد القديم أو الحديث تنظيم شعراً مع المحافظة على معناها الأصلى.
3- إعادة سبك النص بالتفسير والإسهاب.
وأرى أن النوع الثالث من المفاهيم هو الذى يقترب من حالتنا هذه وأضيف إليه ما أحدد به خصائص فنون المعارضة(94) فأخلص إلى اربعة خصائص
• أن المعارضة هى إتخاذ موقف فكرى معارض لموقف فكرى سابق عليه.
• إن المعارضة إبداع أدبى أو فنى تكون بإبداع جديد انطلق من الإبداع الأصلى وتعارض معه كلياً أو جزئياً.
• أن المعارضة هى إتخاذ موقف فكرى معارض لموقف فكرى سابق عليه.
• وأن المعارفة لإبداع أدبى أو فنى تكون بإبداع جديد انطلق من الإبداع الأصلى وتعارض معه كلياً أو جزئياً.
• أن المعارضة الأدبية أو الفنية لا تكتسب مسماها ما لم تكن مقصودة قصداً والقصد لا يكون دون فهم تام وإستيعاب كامل للعمل الأدبى أو الفنى موضوع المعارضة. أى أن المعارضة تستند فى الأساس إلى أصل أدبى أو فنى سابق لها.
• أن المعارضة الأدبية أو الفنية أساسها موقف فكرى أو موقف نفسى وهى إبداع ثانٍ وفيها إلقاء للصور على الإبداع الأول.
• أن العمل الادبى أو الفنى موضوع المعارضة يجب أن يكون قيمة إبداعية مؤثرة فى متلقيها العصرى
• أن للمعارضة شكلاً من بين شكلين تتخذهما:
1- معارضة سلبية : عن طريق النفى.
2- معارفة إيجابية : بإثبات عن طريق النفى.
• أن المعارضة تحمل فى طياتها ملامح نقدية وربنا تهكمية :
أ – إعادة أداء فنى أو أدبى بطريقة تهكمية ساخرة .
ب – محاكاة نص أدبى أو فنى أو محاكاة سماته مع مراعاة خصائص الأسلوب الأصلى للفن المحاكى.
• تستند المعارضة الأدبية والفنية إلى الشكل الفنى للأصل المتعارض معه
دلائل المعارضة فى مسرحيات جورجى كامل:
تتناول مسرحيات جورجى كامل موضوعات تناولها من قبل المسرح الإغريقى ومسرح شكسبير فتعيد طرحاً جديداً لذلك تقع جهوده التأليفية فى إطار مفهوم المعارضة الأدبية وهو ما يؤكده جورجى نفسه إذ يقول : ليكن واضحاً منذ البداية أننى لا اعترض على الجوانب الأدبية والفنة والجمالية للمسرح الإغريقى ومسرح شكسبير ، وإنما أتعرض فقط للنواحى النفسية والمعنوية والتربوية فى هذه المآسى ، ولا أريد البتة أن أقاوم الأسلوب الدرامى العظيم الذى تحتويه (الحوار) وإنما أبتغى فقط أن أقوم الموضوع والحكاية والغاية.
وأطالب بأن تقترب المأساة الحديثة – ولو قليلاً – من مفهوم الإستشهاد فى المسيحية والإسلام ، فتبنى النفس والمجتمع بناء حقيقياً ..(95) "يبدأ بروتس الجديد من حيث ينتهى بروتس شكسبير يحاسب نفسه على أخطائه"*
فأبطاله ليسوا أبطال العصور القديمة الغابرة فى تاريخ الأساطير اليونانية وفى سير التاريخ الإنجليزى فى تناول شكسبير أو التى تناولها كتاب التراجيديا العظماء وإنما هم أبطال العصر الحديث – كما يصرح هو نفسه بذلك – أولئك الذين " لا يتميزون عن سائر الناس بقوتهم البدنية الهائلة أو لصراعهم مع الآلهة صراعاً أسطورياً خرافياً – كما نرى فى الأدب الإغريقى – ولا هم ممن "يذهبون ضحية الصراع بين الخير والشر أو بين الشر والشر الذى يضطر أبداً كما نرى عند شكسبير ، فيثيرون فى أنفسنا الرعب والشفقة عليهم – كما ورد فى التعريف الأوسط للمأساة".
وإنما هو يرى أبطاله كما ذكر بنفسه أبطالاً وجوديين فهم عنده " أبطال النفس والإرادة الحرة الظافرة وأبطال التجربة الإنسانية نفسها"
وهذا معناه أنه يصنع مسرحه فى إطار ما يعرف بالمسرح الفكر فالنفس والإرادة والحرية والتجربة / كلها مجرد معان وأفكار وهما ( النفس والإرادة) معاً إلا معادل الذات أو الأنا وما (الإرادة الحرة الظافرة) سوى نتاج التعادلية التى تحققها الانا فى مقاومتها للآخر وما ( التجربة الإنسانية ) سوى تشكيل ماهية تلك الأنا التى سبق وجودها جوهرة.
فإذا كان هذا هو الموضوع الذى تطرحه مسرحيات جورجى كامل مع إختلاف أشكال الأنا الإنسانية المجرد وإختلاف أسماء أصحاب الموضوع وهو جوهر وجودها الذى تقاوم الغير من أجل تحقيق.
فماذا عن الشكل؟
إن الشكل فى مسرح جورجى كامل لا يخرج ابداً عن فكرة الوجود السابق للماهية فأوديب شخصية موجودة فى أدب اليونان وفى الأداب التالية منذ الرومان وكذلك (قيصر) وكذلك (بروتس) غير أن ماهية (أوديب) تختلف فى كل معالجة درامية لها عبر تلك العصور عن تلك الماهية التى ظهرت عليها عند مبدعها الأول ( سوفوكليس) ذلك أن اختلاف وجود كل من أعاد كتابتها : بيئة ومجتمعاً وتفاعلاً مواكباً لعصره ولبيئته ومتناغماً مع ذاته قد أعطى لشخصية أوديب بوصفها وجوداً ماهية جديدة تحمل صفات عصر كاتبها ومعاناته فكراً وارادة ونفساً ، فإذا كانت أوديب نصاً مسرحاً مختلفاً عند كل كاتب عارض سوفوكليس
فكذلك الحال بالنسبة "لقيصر" شكسبير" ولبروتس" فوجودهما التاريخى سابق على ماهيتهما عند شكسبير عندما تناولهما فى مسرحه وماهيته كل شخصية مسرحية عورضت فى مسرحهه أو فى المسرح اليونانى إنما فى لاحقة لوجودها عند كاتبها الأول وكذلك الحال نفسه مع (أوديب) أو (قيصر) أو (بروتس) جورجى كامل .
إذن فلقد التزم جورجى كامل من حيث الشكل بالإرتكاز على الموجود وهو هنا ( اوديب) فى (مفيستو أو أوديب يعلم) وعلى الموجود فى (بروتس) وعلى الموجود فى (أوديب الأعظم) ولكن جهده الفمرى أولا والتأليفى ثانياً قد أنصب على محاولة تحقيق ماهية لكل موجود من تلك الشخصيات.
ولأن الموجود وماهيته هما وجهان لعملة واحدة لذلك فإن بينهما علاقة جدلية إذ يؤثر كل منهما فى الآخر فيغير الجوهر من شكل الموجود . كما يضفى شكل الموجود على جوهره أو ماهيته مما يجعلهما كلاً واحداً لا تضاد فيه..
لذلك فإن ما يطرحه (أوديب) أو (بروتس) فى مسرحيات جورجى كامل يتناسب تماماً مع إنسان العصر الحديث الذى أطال الوقوف أمامه جورجى كامل ونظر إلى تفكيره ملياً فجاء " أوديب" جورجى كامل طرح ما يعلم لكنه يتظاهر بعدم العلم وجاء طرح "بروتس" عنده هو طرح المعارض الرافض الذى لا يتورع عن مقاومة الطاغية بيده.
إذاً فالمسألة هنا لا تستهدف إثارة الشفقة ولا العطف ولا التلطيف وإنما كان هدفها التحريض على الرفض والمعارضة والمقاومة ضد الطغاة والحروب لا بالإيمان وليس باللسان وحدهما ولكن باليد . حتى أنه يخيل إلى أن (بروتس) جورجى كامل هو فكره
المقاومة من أجل المقاومة
ولربما أوضح حديث "بورشيا" فى نهاية المسرحية ذلك :
"بروتس هو المقدمة والسبب"(96)
هو الذى بدأ بمقاومة "الطغيان" طغيان قيصر أو مشروع الطاغية الذى كان يمثله قيصر ولذلك كان بروتس بما فعله حيث اغتال قيصر سبباً فى انتفاء فكرة الطغيان ومن ثم لم يعد هناك طفاة فانتفت الحروب ولم يعد هناك وجود لمشعلى الحروب لذلك
" لم يعد الرجال يقتلون أو يقاتلون"
هذه هى النتيجة والأثر
وبروتس هو المقدمة والسبب
كل صاروخ وكل قنبلة وكل رصاصة
يكتب عليها " محظور إستعمالها "
وفقاً لـ "قانون بروتس"
كم سوف يعانى آلهة الحرب من الكت والعقد النفسية"(97)
• مسرحية بروتس بين فكرتى الشر والخير:
على عكس الذى زعمه جورجى كامل من أن مسرحه مغاير لمسرح شكسبير الذى يصارع فيه أبطال الخير شراً ويصارع فيه أبطال الشر شراً فإنى أرى أن مسرحية (بروتس) من حيث فكرتها الأساسية (مقولتها) النهاية هى تحقيق لفكرة انتصار الخير على الشر فهو يرى بروتس (المقدمة والسبب) فبروتس فكرة المقاومة البشرية لفكرة الطغيان البشرى .
وهو بذلك يمثل الخير فى حيث يمثل قيصر بصفته كل طاغية أو مشروع طاغية الشر بعينه ، ولما كان "بروتس" (الفكرة والخير) قد خلص البشرية من "قيصر" (الفكرة والشر).
إذاً فإن الكاتب هذا ينتصر لفكرة الخير على فكرة الشر وهو بذلك غير مغاير من حيث الهدف لما جسده شكسبير المبدع .
• بروتس المعادل الدينى لفكرة المخلص :
إن الكاتب إذ يجعل بروتس نازعاً لبذرة الطغيان من النفس البشرية فإنما يصوره لنا معادل موضوعياً لفكرة المخلص فى الديانة المسيحية ، فلقد خلص "بروتس" (جورجى كامل) الإنسانية المعاصرة من كل شائبة تمت بأدنى صلة للطغيان أو الدكتاتورية أو الفردية المتسلطة ، وهذا ما أعلنته (بورشيا) كمعادل موضوعى لفكرة الخلق أو الحياة نفسها فى نهاية المسرحية:
" اقف الآن أمام شاشة الكمبيوتر
لأرى كل ما يحدث فى رحمى
هذا جنينى يبدأ خلية لقحها بروتس
تنمو وتتبدل اسفنجا
ذلك الحيوان رخو الشمائل مرن الطبع
تتناثر على جسده أفوان كالأعين
يتفرج بها على الدنيا
ويلتهم بها ما يراه ولا يعجبه
فينطف كل ما يدنسهالإسنان
ثم يشتاق إلى البحر فيستنشق من خياشيم كالأسماك
ثم أراد أن يزحف على الأرض
فجعل ذراعه ذراع سلحفاة
ولكنه لا يلبث أن يود أن يحلق فى السماء
فيتخذ قلب طائرثم يستعد لفصل الشتاء
فيكسوه شعر قرد
الكون بكائناته يعيش فى أحشائى ويتوحد فيه
هل أنا المرأة جديرة
بكل هذه المعجزات التى هى أغرب من كل الخيال
والتى تحدث هنا " (تضع يدها على بطنها )(98)
نحن أمام إعادة خلق للبشرية فالجنين الذى تحمله بورشيا وهى هنا تظهر كما لو كانت (رمزاً لحواء جديدة عصرية ) فهى تحمل جنيناً من صلب (بروتس) الذى يبدو لى الآن (رمزاً لأدم جديد عصرى ) غرس فى بطن حواء نطفة الخلاص والسلام الأبدى نطفة خالية من جينة الخطيئة وهى حين تستوى جنيناً أن يكون مثل أجنة البشر فى العهود الماضية أو العصور الغابرة بل ستكون له أفواه كالأعين "يتفرح بها على الدنيا" " ويلتهم بها ما يراه ولا يعجبه" " فينظف كل ما يدنسه الإنسان"(99)
وهو قبل أن يولد يشتاق إلى النشأة الأولى للخليقة إذ يحن إلى أن يكون سمكة.
ثم يزحف على الأرض وتكون له إرادة إعادة تشكيل وجوده ليتناسب مع الجوهر الذى يريده من وراء هذا الوجود
" فحل ذراعه ذراع سلحفاة"
"فيتخذ قلب طائر"
"فيكسوه شعر قرد"
جنين حر مريد .. يفكر فى الحرية قبل أن يولد وهو مجرد موجود سابح فى رحم (بورشيا) : حواء وهو يتدبر أدوات صنع جوهر وجوده ويتدبر وسائل صنع ذلك الجوهر مع أن وجوده مقيد بحدود الرحم.

خلاصة:
هذه مسرحية من مسرحيات الفكرة حيث نهض الكاتب لتحقيق فكره استنهضته ليتحققها فاستنهض فكرة مناوئه لها وجعل لكل فكرة منها أفكاراً ثانوية تدعمها فى مواجهة بعضها البعض صورها على شكل شخصيات نمطية ، ليست من لحم ودم ومشاعر ودوافع وإنما هى أقنعة توارى خلفها الكاتب لتحمل عنه فكرته أو أصوات افكاره المتعارضة لتتصارع صراعاً فكرياً فى المقام الأول وبذلك تكون اللغة أقرب إلى المناقشة منها إلى الحوار حيث بنتصر المؤلف فى النهاية لفكرته الرئيسية.
هذا عن الفكرة والحدث أو الموضوع فماذا عن الشخصيات وماذا عن اللغة ومستوياتها:
الشخصيات:
نوهت إلى أن الشخصيات إنما هى شخصيات نمطية وليست شخصيات نامية .فكل منها هى فكرة أعطاها المؤلف قولها وفعلها ودوفعها وعلاقاتها مع بعضها البعض ولذلك لا تلمح لشخصية منها بعداً أو رسماً فلا حالتها الإجتماعية واضحة ولا حالتها الجسمية لها تحديد ما ولا حالتها النفسية أيضاً لأنها نمط من الأنماط فهى ليست شخصيات من لحم ودم ولذلك فإن البواعث مفتقدة عندها ، لأن الباعث فى فعل كل منها هو باعث المؤلف نفسه لكى يحرك تلك الأنماط فى مواجهة بعضها البعض لذلك فكثيراً من اللغة النى يعبرون بها هى لغة المؤلف نفسه بمعنى أنه يلقنها ما تقول أو يعبر كلاً منها صوته ولغته وفكره وعلاقات أفكاره فى صراعها مع بعضها البعض بداخل نفسه
فى نقد النص المسرحى:
من المناسب فى هذا المقام أن نعرج على النصوص فى قراءة تحليلية نقدية من خلال ثلاث وقفات وذلك على النحو الآتى:
1- وقفة مع المادة فى النص.
2- وقفة مع الشكل فى النص.
3- وقفة مع التعبير فى النص.
للنظر فى كل وقفة منها كيفية وجود المادة وكيفية تشكيلها وكيفية وجود التعبير ، ثم ننظر فى سببية إختيار مادة الصياغة الأبداعية وسببيه إختيار الشكل الفنى أو الأدبى حتى نقف على قيمة التعبير المسرحى نفسه.
حول مادة الصياغة فى نص (بروتس)
انطلقت مادة الصياغة من فكرة (الخلاص) التى تبناها الكاتب مقولة لمسرحيته تلك ، فخلاص البشرية جاء عن طريق التضحية فى الواقع الدينى عند المسيحين عن طريق المسيح وفى المسرحية (بروتس) وكأن الكاتب يرى بروتس هو المسيح أو هو صورة تجسيدية للمسيح المخلص للبشرية
"الشيخ : بروتس مات
لأنه شاء أن يرتفع قيصر السلام والعدل"(100)
"بورشيا : لم يعد الرجال يقتلون أو يقاتلون
هذه هى النتيجة والأثر
وبروتس هو المقدمة والسبب
كل صاروخ وكل قنبلة وكل رصاصة
يكتب عليها " محظور إستعمالها"
وفقاً لـ " قانون بروتس"
كم سوف يعانى آلهة الحرب من الكتب والعقد النفسية"(101)

فى نقص أدوات الكاتب:
لعله من الطبيعى أن يمتلك المبدع أدواته المناسبة والمحققة لأغراض و أولها بالنسبة للكاتب هى اللغة ، وبالنظر إلى طبيعة اللغة التى يستخدمها الكاتب هنا فى هذا النص وفى نصوصه الأخرى نجد أخطاء إملائية ونحوية ، كما نجده يستعمل الألفاظ المهجورة والتراكيب المتكلفة :
" كاسيوس : بروتس الحبيب :
روحك غنمها* انقسام لا يغيب
طرد وحدتها
فتمثرت تسعى ينقصها النظام والكمال"(102)
"بروتس : وقصارى جهدى يسير : أن أدعها تفعل لا أعيقها"**
لئن فسدت نفسى
عاش كايوس وقد صلح بروتس"
"بروتس : النفس لا تكف حدودها حيث يبدأ الآخرين(104)***
"بروتس : فتسرى دماءه السوداء فى عروقى"(105)
كاسيوس: أعرف لأنى غضب الشهر الثالث عضر وبغضه
" ــــــــــــــــــ قد انجابت عنه الحياة فاستقصى عنه الموت"(106)
" ـــــــــــــــــ لكن لا يلبث أن يتكاثر مائتان وسبعون يوماً"
"كاسيوس : لك أن الزمن تعينه أشياء هيومية مجهولة"(107)
"بروتس : ولكنى أغتذى وأحيا بهذه الدماء"
الكاتب يسعى نحو الألفاظ المهجورة فى إختيار مادة ألفاظه والألفاظ المهجورة لا تناسب المسرح ، وهو كما نرى يقع فى بعض الهنات اللغوية ويلجأ إلى التهميش حيث كثيراً ما يفسر فى هامش الصفحة ذاتها معنى اللفظة فهو يستخدم الهامش ليفسر معانى ألفاظه فى ثلاثة وعشرين موضعاً من نص المسرحية . ومن البداهة أن نقول إن صح عند وضع مؤلف فى التاريخ أو فى غيره من العلوم المقروءة فإنه لا يصح فى المسرح بأى صورة من الصور.
الإرشاد النظرى ولغة الحوار :
إن اللغة المصوغة فى حوار المسرحية لا تبرهن مطلقاً على صحة ما أرشدنا المؤلف إليه فى مقدمه نصه . ونخلص مما تقدم إلى أن المادة التى اختارها الكاتب فيها جفاء مع طبيعة المادة الملائمة للكتابة المسرحية.
حول الصياغة (الشكل):
وإذا كان الشكل كما يرى جيروم ستولنيتز(108) ينظم العمل الإبداعى ويوجد أجزاءه وعناصره فإن الشكل هنا فيما أرى لا ينظم النص ولا يصنع نوعاً من التوحيد بين أجزائه لأن الكاتب يجرى خلطاً تاريخياً لا تبرير له لا فى الحدث الدرامى ولا فى المنطق التاريخى ولا فى المنطق الحياتى(109) إذ يقحم شخصيات مسرحية أو شخصيات هى صفات لدول أو لبشر ولمفاهيم ونظريات حديثة ومعاصرة : (نظرية اللااكتراث – الذرة كأنها مريم فى الإنجيل – الوجود المعرفة – أيزوISO – نابليون نفى – هيومية – طغيان أمريكا – شخصية اللاجئ الأمريكى – هاملت – بوذا – المسيح .
فهذا الاقحام لمفاهيم ولشخصيات ولقضايا ليست من الحقبة التاريخية التى تناولها الكاتب دون مبرر درامى أو تاريخى أو منطقى ودون مناسبة يصنع خللا فى نظام الشكل ويوسع المسافة بين أجزاء النص وليس هذا من الكتابة التاريخية كما أن ذلك بعيد عن الكتابة الإبداعية.
أما الغموض غالباً والذى هو نتاج التراكيب غير المقبولة فى المسرح وربما هى من تأثير الحداثة فهى تبعد عن العمل قدرته على التأثير الدرامى الممتع والمقنع معاً(110)
وعن المباشرة حدث ولا حرج(111)
التراكيب المعنوية فى لغة المسرحية:
من البداهة القول إن توليد المعنى فى المسرح أمر بعيد عن روح المسرح ، فالتراكيب المعنوية ومحاولة الكاتب لوضع ( معنى المعنى ) على لسان الشخصية المسرحية يتنافى مع أمر يتنافى مع أهم شروط الكتابة للمسرح لأن لغة المسرح لا تحتاج إلا لزمن واحد فى عملية إرسالها على لسان الممثل وإستقبالها فى ذات الوقت استقبالاً فورياً بأذن الملتقى وجدانياً وإدراكياً ؛ لذلك فإن الصورة المركبة التى تحتاجها الصورة الشعرية أو البلاغية أو الفلسفية لا تناسب المسرح لأن التأمل فى المسرح يتحقق عند بعض المتلقين بعد خروجهم من العرض المسرحى إذا ما علقت عبارة أو جملة أو مقولة أو صورة فى ذهن بعضهم او أحدهم(112) ومن المؤسف أن مسرحيات جورجى كامل تعج بالتراكيب الأسلوبية واللغوية والذهنية ومعنى المعنى ، ذلك الذى يحتاج إلى زمن ثان تال على زمن الإرسال والإستقبال والترجمة إلى تعويق الصور المركبة فى الحوار المسرحى لانسيابية الأداء والإستقبال وهى أنسب للقراءة منها للأداء والعرض.(113)
الشخصية القناع:
وكثيراً ما يلجأ كاتب ما إلى التقنع خلف شخصية من الشخصيات ولكن البراعة تكمن فى حسن تخفيه بحيث لا يكتشف المتلقى صوت المؤلف أو فكره أو دوافعه وعلاقاته وقناعاته الحياتية خلف صوت الشخصية المسرحية . غير أننا كثيرا ما نجد قناع الشخصية يسقط ليظهر من ورائها جورجى كامل(114) ناهيك عن عدم مناسبة اللغة الشخصية فى مواضع كثيرة منها الموقف الذى يحرض فيه (كاسيوس) شعب روما على (قيصر).
" فى روما الحرة إذن رجل واحد حر
ولهذا السبب وحده سميت روما " روما الحرة " إن قيصر يحكمكم بإرادته وأى شئ يريده يكون وفضيلة هذا الضرب عن الإرادة هى أملكم الوحيد:
إنه يوماً قد يريد أن لا يحكمكم فيريد أن " لا يريد "
"فلقد ضيع وقته يجمع دمى من الخشب ويجعلها شعبه المختار"(115)
الوقف فيه إستنارة الشعب وفى اللغة غموض لا يناسب حالة التحريض التى يجب أن يكون الكلام فيها مباشرا هى لذلك لغة الكاتب وليست لغة قائد يريد أن يكسب الشعب خلفه بكلمات وألفاظ وتراكيب ليست من صنعه بل هى من صنع المؤلف حملها صوت المؤلف وليس صوت الشخصية لتلك فهى غير مقنعة.
حداثة الصورة :
وتتبقى لنا الإشارة إلى حداثة الصورة وغموضها تلك التى تتخلل مواقف كثيرة من الحوار :
بورشيا: ليتنى ألعق بلسان يمتد من قلبى ما علق بدمك من تضحية وحكمة(116) ونخلص مما تقدم أن المادة والشكل فى مسرحية (بروتس) لجورجى كامل لم يحققا إمتزاجاً وتلاؤما يعطى للشخصيات وللحدث الدرامى القدرة الكاملة على التعبير الدرامى كما نخلص إلى التأكيد على ما سبق طرحه فى بدايته هذا المبحث حول إنتماء مسرحياته إلى مسرح الفكر وأن جهده قد أنصب على معارضة الكلاسيكيين مثل سوفوكليس وشكسبير.

- الهوامش -
****************
1) مهدة بندق ، سفينة نوح الضائعة ، القاهرة ، المجلس الأعلى للفنون والأداب 1964
2) ــــــــــــ ، الحلم الطروادى ، الإسكندرية ، دار لوران 1966
3) ــــــــــــ ، الملك لير ، الإسكندرية ، ط . الوادى 1978
4) ــــــــــــ ، ريم على الدم ، الإسكندرية ، ط.الوادة 1980
5) ــــــــــــ ، ليلة زفاف الكترا ، الإسكندرية –القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1981.
6) ـــــــــــ ، السلطانة هند ، القاهرة ، إتحاد الكتاب ، ط.لوران 1985.
7) ـــــــــــ ، غيط العنب ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1985
8) ـــــــــــ ، عيلان الدمشقى ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1990
9) ـــــــــــ ، مقتل هيباشيا الجميلة ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1990
10) ـــــــــــ ، عبد اللطيف دربالة ، الخروج – الوحش والقاهرة الجميلة – الحسن يقتل من جديد ، سلسلة المسرح العربى (القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1988)
11) ـــــــــــ ، ليلة عرس الأقوياء وعشر مسرحيات قصيرة طليعية وتجريبية ، سلسلة المسرح العربى ، (القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1990)
12) ـــــــــــ ، عشاق فوق العادة – طائر الفرات الحزين ، سلسلة المسرح العربى (88) ، (القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1995
13) أنور جعفر ، رحلة طرفة بن العبد إلى الموت (إبداع) ع.الثالث. السنة الرابعة. مارس 1986 –جمادى الآخرة ، الهيضة المصرية العامة للكتاب 1406 ، ص ص 81 – 94
14) ـــــــــــ ، كافور والمسك والطين ، (إبداع) ع.الثانى عشر : السنة الرابعة .ديسمبر 1986 – ربيع الأول 1407 هـ. ص ص 86-98
15) ـــــــــــ ، الأمير والدرويش ، (ابداع) ع .الرابع .السنة الخامسة – ابريل 1987 شعبان 1407هـ - ص ص 96-106
16) ـــــــــــ ، انتهت الحفلة (إيداع) ع .الحادى عشر. السنة السادسة .نوفمبر 1988 – ربيع الأول 1409 هـ - ص ص 111-122
17) ـــــــــــ ، مانتار ،سلسلة إشراقات أدبية (القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 19)
18) السيد حافظ ،كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى ، سلسلة كتابات معاصرة 1971
19) ـــــــــــ ، حدث كما حدث ولكن لم يحدث أى حدث ، الطبول الزرقاء فى الأودية الخرساء ، وسلسلة أدب الجماهير . الإسكندرية 1972
20) ـــــــــــ ، والله زمان يا مصر (الإسكندرية ، الثقافة الجماهيرية 1973)
21) ـــــــــــ ، حبيبى أنا مسافر والقطار أنت الرحلة – الإنسان- أدب الجماهير 1979
22) ـــــــــــ ، هم كما هم ولكن ليسوا هم زعاليك ، أدب الجماهير 1979
23) ـــــــــــ ، ظهور وإختفاء أبو ذر الغفارى – الحانة الشاحبة تنتظر الطفل العجوز الغاضب ، الخليج للطباغة والنشر ، بدون بيانات.
24) ـــــــــــ ، حكاية الفلاح المطيع
25) ـــــــــــ ، الحانة الشاحبة ، الكويت ، الخليج للطباعة والنشر 1980
26) ـــــــــــ ، ملك الزبالة ، الإسكندرية ، مركز الدلتا للطباعة 1993.
27) ـــــــــــ ، رحلات بن بسبوسة إلى البلاد الموكوسة ، مركز الدلتا للطباعة 1994
28) ـــــــــــ ، الإشاعة ، سلسلة اشراقات أدبية ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1994
29) ـــــــــــ ، الإشجار تنحنى – أحياناً ، القاهرة ، ط. الفتح 1992
30) ـــــــــــ ، حكاية مدينة الزعفران – المركز القومى للفنون التشكيلية – 1986
31) د. يوسف عز الدين عيسى ، نريد الحياة ومسرحيات أخرى ( القاهرة ، دار المعارف بمصر 1985)
32) محمد الجمل ، الفرافيش ومسرحيات أخرى (القاهرة- ط . مدبولى 1984)
33) يوسف البدرى ، حواء دائماً – 7 مسرحيات قصيرة – الإسكندرية . بورسعيد للطباعة د/ت.
34) ـــــــــــ ، المركب اللى تودى ، الإسكندرية – ط.بورسعيد للطباقة د/ت .
35) ـــــــــــ ، المحبوبون الفاشلون (تأليف الكاتب الفرنسى : فيتراك) الإسكندرية ، ط .بورسعيد للطباعة ، د/ت.
36) ـــــــــــ ، التكتيك المسرحى ، الإسكندرى ، ط.بورسعيد للطباعة د/ت
37) د.ممدوح العربى ، البصاصين ، الإسكندرية ، ط. دار السفير 1989.
38) ـــــــــــ ، حتما سنعود ، الإسكندرية ، ط . دار السفير 1989
39) جورجى كامل ، الأديب الأعظم ، الإسكندرية ، مركز الدلتا للطباعة د/ت
40) ـــــــــــ ، بروتس ، الإسكندرية ، مركز الدلتا للطباعة د/ت
41) ـــــــــــ ، الجندى المجهول- وبنات الأفكار ، الإسكندرية مركز الدلتا للطباعة د/ت
42) مصطفى مشعل ، القنبلة الثالثة – الكتاب الماسى ، المؤسسة المصرية للتأليف والترجمة والنشر ، 1964
43) أحمد السمرة ، ساق من ذهب – مسرحية شعرية – الإسكندرية – ط.دار السفير 1982
44) ـــــــــــ ، رتبال – مسرحية شعرية – الإسكندرية ، .جريدة السفير 1984
45) عبد العليم القبانى ، قوس قزح – ثلاث مسرحيات شعرية – القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1987
46) محمد مكيوى ، سلامة حجازى ، مسرحية شعرية – الإسكندرية – مديرية الثقافة بالإسكندرية 1984
47) ـــــــــــ ، بيرم ، مسرحية شعرية – الإسكندرية – مديرية الثقافة بالإسكندرية 1984
48) عبد المنعم الأنصارى ، ابو اليزيد – مسرحية شعرية – مخطوطة الإسكندريةغير مطبوعة 1968
49) محجوب موسى ، ميسون ، مسرحية شعرية – مخطوطة الإسكندرية 1987
50) محمود أبو دومة ، رقصة العقارب – البئر – يأتى من البحر غرقى ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1989
51) صبحى يحيي ، كأنك يا أبو زيد – عرضت لمسرح الغرفة بالإسكندرية – المسرح المتجول بإخراج أبو الحسن سلام 1985
52) أيمن فتيحة ، زمن الألف ليلة ، الإسكندرية – بدون بيانات.
53) هانى أبو الحسن ، مسرحية للطفل : العوكشة ، فازت بالجائزة الثالثة للمركز القومى للمسرح والموسيقى 1996
54) د. أبو الحسن سلام ، حلم ليلة صيد – عرضت بإخراجه بقلعة قايتباى حيث أنشأ مسرحاً مفتوحاً بصحن القلعة 1982
55) ـــــــــــ ، ليلة من ليالى على علوللا – مونودراما- 1988 عرضت بقسم المسرح بآداب الإسكندرية.
56) ـــــــــــ ، جناح مكسور – ذكر ونتاية – أوبريت – عرضت بإخراجه 1987 بمسرح سيد درويش.
57) ـــــــــــ ، أوبريت ، (هنوش) عرضت ضمن مهرجانات المسرح المدرسى بالإسكندرية 1990
58) محمد موسى ، المساخيط ، مديرية الثقافة بالإسكندرية .
59) نبيل سوريال ، مخطوطة مسرحية (نورة) – الإسكندرية – غير منشورة
60) د. لطفى عبد الوهاب ، وادى القمر ، الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية 1996
61) نبيل سوريال ، تورة ، مخطوطة مسرحية غير منشورة ، والكاتب واحد من المثقفين السكندريين وهو عضو مجلس إدارة جمعية الشبان المسيحية بالإسكندرية .
62) جورجى كامل ، مقدمة مسرحية (بروتس) ط ثانية (الإسكندرية ،، مركز الدلتا للطباعة د/ت ) ص : ز-ح
63) المصدر نفسه والصفحة .
64) جورجى كامل ، المجد من العار (حكاية الأوديب الأعظم) ط.ثانية ، الإسكندرية، مركز الدلتا
65) سوفوكليس ، أوديب ، ترجمة ن د. على حافظ ، من المسرح العالمى ، الكويت للطباعة د/ت ، ص
66) نفسه ص
67) نفسه ص
68) نفسه ص
69) نفسه ص
70) نفسه ص
71) نفسه ص
72) نفسه ص
73) نفسه ص
74) نفسه ص
75) نفسه ص
76) نفسه ص
77) نفسه ص
78) نفسه ص
79) نفسه ص
80) نفسه ص
81) أرسطو ، الخطابة ، ترجمة د. عبد الرحمن بدوى ، بغداد 1980
82) د.صلاح فضل . بلاغة الخطاب وعلم النص . سلسلة عالم المعرفة 164- صفر 1413 هـ - أغسطس – أ ب 1992 – الكويت.. المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب ، ص 278
83) رلجع : روجرز بسفيلد الإبن : فن الكاتب المسرحى ترجمة درينى خشبة القاهرة 1978
84) راجع : لاجوس اجرى ، فن الكتابة المسرحية ، ترجمة درينى خشبة ، القاهرة –
85) خوان كارلوس مويانو ، جريدة المشاهد Espectador بوجوتا ، كولومبيا 28 مايو 1989.
86) ايضاً : فرانشيسكو كارثون ثيسبدس ، مسرح السرد التمثيلى ، مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى – مركز اللغات والترجمة بأكاديمية الفنون 1996
87) راجع أسلوب كتابة سوفوكليس لأوديب ، سلسلة من المسرح العالمى الكويتية ، ص124
88) د. أبو الحسن سلام ، معمار النص ومعمار العرض المسرحى ، الإسكندرية المطبوعات الحديثة 1990
89) أبو الحسن سلام ، نفسه
90) د. أبو الحسن سلام ، البحث المسرحى بين الدراسة والمنهج ، بحيث ألقى ضمن فعاليات مؤتمر الإسكندرية الدولى للمسرح ، جامعة الإسكندرية ، قسم المسرح 1996
91) جان جيرودو ، الكترا ، سلسلة روائع المسرح العالمى ، القاهرة ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر.
92) يوجين أونيل الحداد يليق بالكترا ، روائع المسرح العالمى.
93) د. مجدى وهبة ، معجم مصطلحات الأدب ، لبنان بيروت مكتبة بيروت 1970 ، ص
94) د. أبو الحسن سلام ، نفسه
95) جورجى كامل ، مقدمة مسرحية (بروتس) ، ط ثانية ، الإسكندرية مركز الدلتا للطباعة د/ت ، ص : ز-ح
96) نفسه ، ص86
97) نفسه ، ص86
98) المصدر نفسه ص ص 86، 87
99) نفسه ص 87
100) جورجى كامل ، بروتس ، نفسه ، ص ص 85 ، 86
101) المصدر السباق ، ص 86
102) نفسه ، ص ص 10-11
103) نفسه ص 11
104) نفسه ص 12
105) نفسه ص 17 والصحيح (دماؤه السوداء) لأن (دماء) فاعل هنا
106) نفسه ص 26
107) لكئن – مائتين وسبعين
108) راجع هوامش الصفحات (2-5-6-7-8-9-10-19-35-36-43-46-48-55-62-69-70-71-72-75-76-84-89)
109) جيروم ستولنيتز ، النقد الفنى – ترجمة د. فؤاد زكريا ، القاهرة ، الهيئة العامة للكتاب 1970
110) راجع الصفحات (16-17-22-38-46-47-53-56-57-82-83-84-87)
111) يمكن الرجوع يمكن الرجوع إلى النص الطبعة نفسها فى الصفحات ( 7-18-49-52-55-78-84)
112) راجع الصفحات ( 25-38-47-53-56-57-82-83)
113) راجع فى ذلك د. ابو الحسن سلام ، الإيقاع فى المسرح ، جدة ، ط القدس 1995.
114) يمكن النظر إلى هذه التراكيب المعوقة لإنسيابية الأداء فى الحوار المسرحى فى الصفحات: ( 10-11-12-13-24-25-26-27-29-47-48-52-55-60-62-83-87)
115) الصفحات : (16-17-22-28-38-46-47-53-56-57-82-83-84-87)
116) المصدر نفسه ص49
117) المصدر نفسه ، ص78

 -;-
الإبداع فى التأليف المسرحى عند محمد أبو العلا السلامون
إعداد إسماعيل امام عيسى مدير عام الثقافة المسرحية بالمركز القومى
للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية
المحتويات
1- مقدمة
2- سيرة ذاتية للكاتب الأستاذ – محمد ابو العلا السلامونى
3- فلسفة السلامونى
4- تحليل لأبداعته
5- الثأر ورحلة العذاب
6- سيف الله
7- رجل فى القلعة
8- المزرعة
9- تحت التهديد
مباراة بلا نتيجة
11- مأذن المحروسة
12- ابو نضارة
13- رواية النديم عن هوجة الزعيم
14- ديوان البقر
15- خاتمة
سيرة ذاتية
• محمد أبو العلا السلامونى
• مواليد دمياط 3 يناير 1941
• متزوج وله ثلاثة أولاد حاصل على ليسانس الأداب / دراسات فلسفية ونفسية جامعة القاهرة 1968
• عمل بالتدريس بالتربية والتعليم منذ 1959 ثم انتقل للعمل بوزارة الثقافة 1983 بالهيئة العامة لقصور الثقافة – إدارة المسرح .
• يعمل حالياً مستشارا للمسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة
• عضو اللجنة الدائمة للمسرح بالمجلس الأعلى للثقافة
• حصل على جائزة الدولة فى الآداب عن النص المسرحى عام 1984
• حصل على وسام الدولة فى العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1986
• مثلت مسرحيته " مأذون المحروسة" المسرح المصرى فى مهرجان القاهرة الأول عام 1984 من إخراج سعد اردش
• مثلت مسرحيته " الثأر ورحلة العذاب" المسرح المصرى فى مهرجان جرش الدولى للفنون بالأردن عام 1986 من إخراج عبد الرحيم الزرقانى
• مثلت مسرحيته "رجل فى القلعة" – الصعود للقلعة " المسرح المصرى فى مهرجان ربيع المسرح العربى فى المغرب عام 1994 من إخراج ناصر عبد المنعم :
• حصلت مسرحيته "ست الحسن" على جائزة أحسن نص مسرحى فى مهرجان القاهرة الدولة للكتاب 1992
• حصل على الجائزة الأولى فى التأليف المسرحى عن مسرحية " أبو زيد فى بلدنا" عام 1969 والجائزة الثانية عن مسرحية " سيف الله " فى مؤتمر الأدباء الشبان عام 1969
• كتب للدراما الإذاعية مسلسلات منها : ست الملك – الأمين والمأمون – الصعود للقلعة – على بك الكبير – زينب والجنرال – الجريمة والمقاومة.
• كتب للدراما التلفزيونية مسلسلات منها : البحيرات المرة – الحب فى عصر الجفاف – صفقات ممنوعة – رجل فى القلعة – قصة مدينة – رسالة خطررة – اللصوص – سهرة كفر الجنون – حكاية بلا بداية ولا نهاية
• كتب للمسرح الخاص الكوميديا الإستعراضية : المليم بأربعة ، باحبك يامجرم من إخراج جلال الشرقاوى
المسرحيات المطبوعة:
الحريق : مطبوعات المجلس الأعلى للفنون والآداب عام 1971 وعرضت على مسارح الثقافة الجماهيرية.
الثأر ورحلة العذاب : مطبوعات ثقافة الجيزة عام 1983 وعرضت على مسرح السلام بالقاهرة عام 1982 من إخراج عبد الرحيم الزرقانى.
رجل فى القلعة: مجلة المسرح مايو 1983 – مختارات فصول 1994 وعرضت على المسرح القومى بالقاهرة 1987 من إخراج سعد أردش
رواية النديم عن هوجة الزعيم : الهيئة العامة للكتاب عام 1984 عرضت على مسارح الثقافة الجماهيرية إخراج عباس أحمد – محمد سالم – عبد الغفار عودة.
مآذن المحروسة : الهيئة العامة للكتاب عام 1986 عرضت بوكالة الغورى عام 1983 من إخراج سعد اردش
تحت التهديد : مجلة إيداع العدد الأول عام 1983 عرضت على مسرح السامر عام 1991 من إخراج عبد الستار الخضرى.
سيف الله – فرسان الله فى الأرض: المركز القومى للفنون والآداب عام 1985 عرضت على مسرح بورسعيد ومحمد فريد بالقاهرة عام 1988 من إخراج حمدى الوزير
ابو نضارة: الهيئة العامة للكتاب عام 1988 عرضت على مسرح محمد فريد بالقاهرة من إخرج محسن حلمى
مباراة بلا نتيجة: مجلة إيداع مايو 1988
المزرعة – انفجار: الهيئة العامة للكتاب عام 1991 عرضت على مسرح منف من إخراج عباس أحمد عام 1993.
حلم ليلة حرب : حكاية ليلة القدر – الهيئة العامة للكتاب عام 1992- عرضت على مسارح الثقافة الجماهيرية.
ست الحسن : تغريبة مصرية – الهيئة العامة للكتاب عام 1992 – عرضت على مسرح البالون الفرقة الإستعراضية عام 1992 من إخراج عبد الرحمن الشافعى.
*** الأعمال الكاملة: المجلد الأول ويضم مسرحيات (الثأر ورحلة العذاب – سيف الله – رجل فى القلعة – المزرعة – تحت التهديد – مباراة بلا نتيجة) مطبوعات الهيئة العامة للكتاب عام 1994 --- المجلد الثانى ويضم مسرحيات (مآذن المحروسة – أبو نضارة – رواية النديم عن هوجة الزعيم )
مسرحيات عرضت ولم تطبع بعد:
مدرسة المشاهدين : عرضت على مسرح الطليعة 1985 من إخراج جمال الشيخ
أبو زيد فى بلدنا : كتبت عام 1969 وعرضت على مسارح الثقافة الجماهيرية.
الأرض والغول: كتبت عام 1971 وعرضت على مسارح الثقافة الجماهيرية من إخراج عادى زكى
زيارة عزرائيل: كتبت عام 1975 وعرضت على مسارح الثقافة الجماهيرية.
المليم بأربعة، بحبك يامجرم : عرضت على مسرح الفن بالقاهرة عام 1990 من إخراج جلال الشرقاوى
أمير الحشاشين: فى خطة المسرح الإستعراضى من إخراج سعد أردش .
مسرحيات لم تعرض ولم تطبع بعد:
ملاعب عنتر: كوميديا شعبية
زينب والجنرال: كوميديا سوداء
حسان أقوى من الجان : مسرحية للأطفال
مقدمة
دراسة العبقرية هى فى حقيقة الأمر دراسة للإبداع الذى بدوره لا بد أن يحققه فرد ، وعندئذ تستفيد الجماعة من هذه الريادة الذهنية . فلا يوجد ما يسعى بالإبداع الجماعى ، ولكن هناك الأداء الجماعى ، أى أن الأبداع فردى من صنع فرد واحد وليس من صنع جماعة كاملة.
فعبقرية الجماعة تتأتى وتتحقق فى الأداء الجماعى، فى الرأى العام ، فى الذوق العام ، ولا بد من أن يقود الجماعة فرد أو مجموعة أفراد تمثل المجموع . فالنظام العام فى الوجود نظام هرمى حاكم وليس معنى هذا أن الديكتاتورية نظام طبيعى فى الحياة .. بل على النقيض ، هى ضد القانون الطبيعى الذى يمجد عبقرية الفرد ، وفى نفس الوقت يحدد حدوده وحريته بحدود الجماعة .. فالمعمار الدنيوى مؤسس على عبقرية الفرد وتفاعله مع الجماعة بالتأثير والتأثر.. فلا قيمة لفرد مبدع غير منتمى لجماعة أو للأنسانية ولا أهمية لجماعة غوغائية غير منظمة ليس لها قيادة ومحرومة من عبقرية الأفراد.
وبإستقراء التاريخ الإنسانى نجد أنه كما وأن نظرية البقاء للأصلح أثبتت صحتها ، فإن نظرية البقاء والنصر لروح الجماعة و روح الفريق أثبتت صحتها ، كما وأن نظرية الفرد الملهم العبقرى الذى يجافى المجتمع ويتصدى لكى يمتطى القيادة الفردية ويحاول أن يؤثر فى الغير بإتجاه واحد بحيث لا يتأثر به وذلك داخل إطار مستبد ضال يضل الجماعة معه ولا يقوم فى أداء منسجهم بين الأخذ والعطاء والتأثير أثبتت هذه النظرية أيضاً فاعليتها.
وهكذا فإن العبقرية والنبوغ تصنفان ثلاثة أنواع هى :
(1) عبقرية إيجابية : وهى التى تتفاعل مع الخير تستفيد وتفيد ، تؤثر وتتأثر ، تأخذ وتعطى – وفى ظل هذه العبقرية يبرز الأبداع لصالح المجتمع ، فتكون عبقرية مثمرة تخدم التطور والتقدم وتستند إلى أسس أخلاقية وقيم ومثل عليا . ونظرة الفن للمجتمع تنتمى إلى هذا الفصيل من العبقرية.
(2) النوع الثانى من العبقرية – العبقرية السلبية – وهذا النوع ينحى نحو الذات والأنا الخاصة بالمبدع ، فيكون إبداعه ونبوغه لخدمة ذاته أو لخدمة مجال نبوغه فقط .. ويمكن إدراج نظرية الفن للفن داخل هذا الفصيل.
(3) النوع الثالث من العبقرية – العبقرية الشريرة المنحرفة ،وهذه ليست سلبية ولكنها إيجابية فى إتجاه التدمير وليس البناء فأنها تحمل فى مضمونها الكراهية وتتنافر مع الحب والخير والجمال والحق ... فهى عبقرية مريضة مجنونة تهدف إلى تمجيد الفرد الملهم البقرى المبدع وتقديس ذاته أو حتى تمجيد جماعة عرقية أو جماعة أيدولوجية تدعى لنفسها الكمال والتفوق وتعطى نفسها الحق فى السيادة على الغير وإستعباده ، فهى تحقر الغير سواء كان فرد أو جماعة.
وهذه العبقرية المتعصبة لا تعرف قيم الحف والجمال فهى عبقرية مريضة ضارة على النفس وعلى الغير.
وهكذا نجد أن دور الفرد فى صناعة التاريخ وصناعة الأمم ، دور رائد فى بعض الأحيان أسطورى ومثمر إذا كان الفرد العبقرى الملهم واسع الأفق يؤثر ويتأثر ويضع مصلحة المجتمع ورأى الغير نصب عينه فيعطى الرأى ويقابله فى التعامل وانسجام إيقاعى جميل...
أنطلاقا من هذه المقدمة ، نجد أن الفنان المبدع ما هو إلا عبقرياً ملهماً – يندرج تحت أحد التصنيفات الثلاثة المذكورة والفنان فرد غير عادى يحلق بوجدانه فى سماوات غير مرئية ينهل منها إلى أرض الواقع ليؤثر بها فى مجتمعه ويتأثر به فى الإتجاه المضاد أيضاً ، الفنان لا بد وأن يفيد مجتمعه ويطوره ويدفعه للأمام ولا يكفى أن يمجد نفسه أو أن يعشق فئة متقوقعاً فى حالة إنعزالية سلبية . وأبو العلا السلامونى فنان مبدع ، يرى ما لا يراه غيره من العامة يجسد هذه الرواية فى فلسفة خاصة ، تهدف فى مجملها إلى التغيير من ناحياتها فإننا نرى أن التغيير أن لم يكن للأمام فإنه تغيير سلبى لعل السلامونى يمكن تصنيف عبقريته بين الإيجابية والسلبية أقصد أنه بين النوع الأول والثانى...
فهو يرى أن المجتمع متخلف وجاهل مظلم ، ولا بد أن يحرك رقوده بريح التغيير نحو العلمانية التى يراها مضموناً ومرادفاً للتنوير ...
وهو بهذا المنطلق يرى القائم فى التاريخ القومى الإيدلوجى للأمة العربية والوطن المصرى فهو يرى أن التوجيه الثيوقراطى الميتافزقى الغيبى.
" بالمفهوم الدينى" هو سبب التخلف والرقود.
وبناء عليه يدعو صراحة إلى فصل الدين عن المجتمع وعن الدولة وإطلاق العنان للفكر ليخلع عنه أى قالب سلفى أو أوصولى ، ويدعو فى نفس الوقت إلى اعتناق الحرية والليبرالية بديلا عن أى عقيدة أخرى.
فالحل عنده لا يأخذه بمذهب ترميم الواقع بلا بإزالة الكيان المتصدع نفسه (من وجهة نظره) وإعادة بنائه على اساس اكثر حداثة ورحابة ، وسنرى ذلك فى كتاباته المبدعة للمسرح.
وأما كنا بصدد فكر مفكر فإن الجزء الخاص بفكر وفلسفة الكاتب سينال بعضاً من حقه بالنسبة لباقى أجزاء البحث.
فلسفة السلامونى
ينتهج كاتبنا الكبير منهج مدرسة الفن فى خدمة المجتمع ، وهذا فى حد ذاته إيجابية وتوجه سليم يتفق مع خصوصيات الثقافة والفن فى العالم الثالث الذى يحتاج فعلا لأعمال فكرية خلاقة ناقدة للواقع تدفع المجتمع لإصلاح الخلل وتغيير الأنماط السوقية الفردية والجماعية لأحداث حركة ديناميكية فى المجتمع تهز استاتيكية الأوضاع وتحرك الرقود لكى يعقب ذلك حركة تنوير ناهضة ، تأخذ بأسباب التغيير بقصد التطوير.
والأستاذ السلامونى يتصور أن التنوير معناه الاخذ بالفلسفة العلمانية التى تنحى العقيدة الدينية جانبا لتفصح المجال لفسفات أخرى تقوم على ما أصطلح على تسميته بالليبرالية والحرية.
أنى اعتقد أن التنوير ليس بالضرورة من معسكر مضاد للعقيدة الدينية بل إن المقصود به هو التعمل مع مفرادات الحياة الذهنية والعلمية برحابة وتسامح وسعة والأخذ بأسباب العلم والمعرفة وعدم التحرج فى اكتساب التجارب من أى كائن كان سواء من البشر أو غيره وتنوير أيضاً ينطوى على عالمية النظرة وشموليتها ومع الحفاظ فى نفس الوقت على الهوية الوطنية والقومية.
وهذه المفاهيم والمبادئ كلها فى واقع الأمر إسلامية لا تخالف أركان الاسلام وتعاليمه ، بل هى نفسها موجبات للإيمان بدرجاته المتسامية ففهم الإسلام الصحيح يؤدى إلى الأستنارة وإلى الحب والإخاء والمساواة والعلم والمعرفة والتجربة والتسامح والموضوعية والحرية " الليبرالية " وبذلك فإن المقصود بالتنوير هو نفسه أحوال إيمانية .
والأستاذ ابو العلا السلامونى يرى أن مجتمعات الشرق " والوطن المصرى والأمة العربية جزء منه " مجتمعات جلبت بفطرتها على الإستعباد والذاتية فى التفكير والسلوك ، وجلب المصالح ، وإن تاريخنا يؤكد هذه الفكرة بل إنه يرى أن حب العربى للشعر والإبداع فيه وعدم التعامل مع فكرة المسرح إلا مؤخراً جداً ونقلاً عن الغير وليس اكتشافاً من النفس ، إنما يرجع إلى أن الشعر مونولوج ، يعبر عن حديث الإنسان مع ذاته أما المسرح فالإنه ديالوج يعبر عن حديث الإنسان مع غيره ... فإن الثقافة العربية عرفت الشعر ولم تعرف المسرح ورأت فى الأول ضرورة وفى الثانى عدم أهمية ، وذلك أن جوهر الشعر هو الفرد ،وجوهر المسرح هو المجتمع ، وهذا هو الفرق بين تكوين الفرد العربى ذهنياً وثقافياً واجتماعياً ونفسياً وتاريخياً وغيره من أبناء الحضارة الغربية.
" فيقول كاتبنا الكبير فى هذا المجال أن الإجابة على سؤال .. لماذا لم نعرف المسرح..؟ هى أنه مادام المسرح هو الحديث مع الغير ، فإن الذى يعرف المسرح هو الذى يتحدث مع الآخر مثلما أن الآخر يتحدث إليه ، وأما الذى لا يعرف المسرح فهو الذى يتحدث إلى الآخر ولا يستطيع أن يستمع إلى حديث الآخر إليه...؟ فهو حديث من طرف واحد . وهذا هو بالضبط حالنا نحن العرب الذين لم نعرف فن المسرح طوال تاريخنا..!
بل أن سيادته يرى أننا تاريخياً لم نعرف تعدد الآراء وأن تاريخنا حافل بنماذج الحكم الأوتوقراطى والحكم الثيوقراطى أو الحكم الديكتاتورى .
لهذا ظهر المسرح فى ظل الديمقراطية الاتينية فى بلاد الإغريق وانتعش فى الدول الأوروبية الحديثة التى تنهج النهج الديمقراطى وتستمع بتعدد الآراء واختلاف الأحزاب والمنظمات والجمعيات ، لهذا أيضاً ظهر المسرح فى مصر الحديثة فى منتصف القرن 19 مع ظهور الليبرالية المصرية وتكوين أول برلمان مصرى فى الشرق وتكوين أحزاب وجمعيات سياسية وإجتماعية وثقافية مع عصر الخديو مع اسماعيل الذى يعتبر عصره بداية عصر التنوير المصرى الحديث.
ورغم اختلافى مع سيادته فى التوجه العام ، إلا أننى اتفق معه فى كثير من الجزئيات.
كذلك يرى السلامونى أن مجتمعات الشرق كانت تتعامل مع المتعة والفن الجماعى بمحاذير وهذا أدى إلى عدم التوصل إلى الفن المسرحى من الناحية التاريخية ، فهو يقول أن المسرح يقتضى تهيئة الأذهان للمتعة الجماعية والمشاركة الوجدانية التى لا تنشأ فجأة إلا إذا كانت جذورها الفنية داخل المجتمعات وهذه المتعة الجماعية تنشأ عادة فى الممارسة الجماعية للعبادة فى دور العبادة التى تهتم بالمتعة الفنية هكذا كانت المعابد الإغريقية والرومانية والكنائس الأوروبية التى تسمح بهذه المتعة الفنية المصاحبة للعبادة مثل ممارسة الغناء والرقص والموسيقى والتشكيل ومن ثم انتقلت ممارستها خلاص المعابد والكنائس ثم استقلت عنها تماماً ، أما لدينا فقد نشأت المتعة الفنية فى داخل المعابد الفرعونية ، ولكن للأسف لم يسمح لها بالخروج خارج المعابد ، كذلك كان محظوراً ممارسة المتعة الفنية كالغناء والرقص والموسيقى فيما عدا الزخرفة داخل المساجد ، اللهم فن التجويد والإنشاد الدينى الذى كان من نتيجة ظهور عدد من المطربين فى أوائل القرن العشرؤين منهم مشايخ الغناء المعروفين ، بسبب الإنفراجة الليبرالية التى جعلت من الشيخ سيد درويش شيخ المسرح الغنائى الحديث . ومن ناحيتنا فإننا سواء قبلنا وجهة النظر هذه أم رفضناها فإنه لا يسعنا الا احترام الرأى والترحيب به ودراسته حيث أنه لا يخلو من وجاهة . أما المرأة عند السلامونى ، فهو يراها فى الشرق مهيضة الجناح ، والمسرح يقتضى حرية المرأة ومساواتها بالرجل ، وهو ما توافر فى المجتمعات الإغريقية والرومانية والأوروبية ، مما سمح للمرأة بالظهور على المسرح ، كما سمح لها بالرقص مع الرجل وقامت الإحتفالات الشعبية هناك على رقص وغناء ونكسته هنا ..! وساعد على ظهور فنون الأوبرا والباليه وحفلات الرقص والموسيقى والراقصة والمسرح الإستعراضى ، فيما كان الإستبداد يتجلى فى أبهى صوره فى كبت حرية المرأة التى كانت تعيش مكبلة داخل الحرملك ، أما زوجة وسط الضرائر أو جارية وسط الجوارى والقيان ، وغير مسموح لها بالظهور فى الإحتفالات ، بل كانت تشاهد الإحتفالات فى بيتها من وراء حجاب ولم يكن مسموحاً بظهورها بإعتبارها عورة لا يجب أن تنكشف على أحد إلا لسيدها الذى يسمح لها بالرقص والغناء له ولأصحابه فقط فى جلسات الشراب والمتعة الرخيصة* لذا فإن سيادته يرى أنه لن يكون لنا مسرح مزدهر إلا اذا حققنا شروط الإزدهار ألا وهى الحرية والديموقراطية . وطبعاً نتفق مع سيادته فى النتيجة ولا نتفق معه فى كثير من السياق حيث أن المرأة الأوروبية عانت مثل هذه المعاناة وأكثر ، وأن التطور البشرى استلزم فى بعض فتراته هذا الظلم الإجتماعى على مستوى العالم كله ، ولكن سنة التطور اطاحت بالتخلف ، لتنتصر فى النهاية مبادئ الحق والخير والحب والجمال والتسامح .. وكلها مبادئ إسلامية ومسيحية ثابتة ، وعندما نتعرض لأعمال السلامونى المسرحية ، فإننا سنجد صداً لفلسفته هذه فى أعماله المسرحية القيمة .. وسنشير إليها عندئذ بإختصار.
الثأر ورحلة العذاب / أمير الصعاليك - مسرحية تراجيدية..
قدمتها فرقة المسرح الحديث على مسرح السلام ديسمبر 1982 بطولة –محمود الحدينى – سهير المرشدى – حسين الشربينى..
قصة من التراث العربى – عن امرئ القيس بن حجر بن الحارس – سليل ملوك كنده فى بلاد الحيرة – جنوب العراق وشمال الجزيرة العربية .
وقد طرده أبوه تخلصاً من عار صعلكته وقوله الشعر ، ثم ما كان من تحمله مسئولية الثأر لأبيه من قتلته من قبيلة بنى أسد ، وقد اضطر إلى الإستجارة بشيوخ القبائل الطامعين ثم الإستنجاد بقيصر بيزنطة الرومانى الذى قتل أمرأ القيس فى النهاية حسب الروايات العربية القديمة بثوب مسموم بسبب دس رجال من بنى أسد عند قيصر ، أنه كانت بينه وبين أبنة قيصر ، جنستنيان ، قصة غرام.
ورغم أنه تمت عدة معالجات للموضوع قبل السلامونى – مثل مسرحية محمود تيمو – اليوم خمر .
رواية محمد فريد أبو حديد – الملك الضليل.
كان امرئ القيس فى صراع مع ذاته وكان هذا بدوره هو ملهم اشعاره الخالدة ومعلقته الفريدة.
وقد تخلت عنه قبيلته كندة لإسرافه فى الدماء ونحسه ، وتقوقعت فى حضرموت وكما يقول فيليب حتى ، ( كان نتيجة لفشل امرئ القيس ان خابت أول محاولة لتجميع القبائل العربية تحت زعامة سياسية واحدة).
مسرحية الثأر والعذاب تتكون فى بنائها من ثمانية مشاهد هى :-
المحنة – العبث – النبؤة – الاختيار – الحرب – المستحيل – اللعبة – اللانهاية .
وقد أخرج هذا العرض الأستاذ عبد الرحيم الزرقانى وقسم المخرج المسرحية إلى ثلاث فصول وحذف المشهد الأول (المحنة) وهناك موقف درامى نراه فى مواجهة الابن الشاعر لابيه الملك البدوى الفظ (حجر) فيتمسك الإبن بحريته وهنا يتصاعد غضب الأب حتى يأمر تابعه (ربيعة) ومربى امرئ القيس بأن يشفق على والده ولا يحتقره ، وبأنه يؤمن بأنا نحن مخلوقات الصحراء نعيش فرادى ونجتمع فرادى ، وبانه يعتقد أن ما حصل عليه من الحرية مع ربيعة كان الفضل الحقيقيى لذلك المربى الحنون القوى الذى يخلى سبيل الشاعر ولا يقتله ويعود إلى الملك بعينى (جوذر) بدل من عينى الشاب الطليق.
فعنوان المحنة إذن هى الخصام بين الأبن والأب ورغبة الأب فى قتل الإبن الذى يبدو كأنه نفى كامل لشخصه ولعالمه ولقيمه ، ورغبة الإبن فى التخلص من هيمنة الأب وسلطته وليس منه شخصياً ، وسيظل هذا الصراع الدائم بين الإبن والأب حتى بعد مقتل الأب ، وسيتقمص امرئ القيس شخصية أبيه وسيظل هذا الصراع محوراً من المحاور الأساسية التى يقوم عليها بناء المسرحية كلها(1)
المشهد الثانى (العبث) يقتسمه المحوران الآخران لبناء المسرحية أولهما هو حلم الصعاليك بالحرية وهذا يطرحه الكورس الصعاليك أنفسهم من بداية المشهد مرددين هذا المعنى بألفاظه حسنة البناء.
أما المحور الأخير فهو (الحكم القدرى) ويقصد به حكم القضاء والقدر الذى لا يرد ولا تدركه عقول الأبطال وإن كان بعضهم أداته ... ربيعة وهند اخت امرئ القيس – عمرو صديقه الصعلوك عاشق هذا المتمسك بالتقاليد والقيم المتداولة ، فيشترك فى دفع امرئ القيس دفعاً إلى حمل مسئولية الثأر للملك الأب المقتول ، وتظل شخصيات أخرى ضحايا لذلك القضاء القدرى – مثل امرئ القيس نفسه ، وحبيبته صاحبة حانة الصعاليك (رباب) وأن كان الجميع سيكونون فى النهاية ضحايا لذلك القدر الأعمى.
ويدور حوار داخل حانة الصعاليك التى تديرها (رباب) عندما أبلغ بمقتل والده وتأتى عبارة على لسانه تدل على أنه لا ينتمى إلى عالم والده ورغم ذلك تحمل ثأره ، فيقول (خلعنى والدى وأصبحت فى حكم المقتول وأعيش مع الصعاليك وخلعاء القبائل ... وكلنا لا نتمنى إلا الى الصحراء)
والحقيقة أن الخط الدرامى فى المسرحية واضح يرتكز على هذه المحاور الثلاثة ويظهر براعة المؤلف فى إظهار الصراع داخل النفس والصراع بين الأنفس وينظر إلى سكان الصحراء على أنهم غليظى القلوب ، يحملون فى أنفسهم تركيبات معقدة رغم ما يبدو على وجوههم من بساطة وتأرجح الجميع بين ميول متضاربة ، على أنى أرى أن الكاتب أراد أن يلمس وتر الصراع بين عالم الحرية والإنسان الكامل وعالم الموروثات الجامدة المقيدة لإنسانية الإنسان..
وهذه إحدى إيجابيات السلامونى ، حيث تجد الإسقاط فى كل أعماله الدرامية – ينظر إلى الحاضر من خلال الماضى ... قاصداً الدعوة إلى تغيير الواقع عليه بدعوى الحرية والتحرر..

سيف الله
دراما تاريخية
الزمن – صدر الإسلام – جزئين كل منها خمسة مشاهد غير الإفتتاحى وآخر ختامى
تواصلاً لمنهج المؤلف فى معالجة قضايا تاريخية وتراثية كنوع من الإسقاط على الحاضر وكنوع لرفض بعض المسلمات فى التاريخ القومى ، طلباً لتصحيح مفاهيم يبرهم هو عدم دقتها.
وتبدأ أحداث المسرحية فى المدينة المنورة فى عصر عمر بن الخطاب ، حين عزل خالد من قيادة جيوش المسلمين ، حيث يرى السلامونى أن العلاقة بين العملاقين هى علاقة جدلية تمثل وحدة الضدين ولا تمثل تنافر القطبين ويدلل على ذلك أنه حين عزل خالد لم يحدث ما كان منتظرا من صدام أو إنفجار بين الإثنين وقد كان من الممكن فعلاً ان تحدث الفتنة كما حدثت بعد ذلك بين على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان حينما عزل الأول معاوية عن ولاية دمشق.
ويستطرد السلامونى ذاكراً ملخص الحوار بين الكبيرين عندما رحل خالد ليقابل عمر فى المدينة بعد العزل وقال لعمر : (ظلمتنى ولم تكن مجملاً فى أمرى ياعمر فأجاب عمر قائلاً : " كلا ياخالد ..والله إنك على للكريم ، وأنك إلى لحبيب ، ما عزلتك لريبة فيك ، ولكن افتتن بك الناس فخشيت أن تفتتن بالناس" )
ويعالج المؤلف الموقف الدرامى الناشئ عن العزل ... وأيضاً يؤكد على المفارقة التى حدثت من أن المحارب خالد يموت على فراشه ، وليس فى ميدان القتال ويموت رجل الدولة بالخنجر بدعوى أنه لم يكن عادلاً مع القاتل...! فى الوقت الذى كان محور شخصية عمر ... هو العدل..!
ويظهر من الحوار المتقن ، وجهة نظر الكاتب فى العلاقة بين الصحراء وسكانها .. فهى علاقة حتمية عشق للصحراء التى تعيش فى قلوب سكانها ، تماماً كما يعيش سكانها على ظهرها.
ثم تعود أحداث المسرحية (فلاش باك) إلى الفترة التى سبقت إسلام خالد بن الوليد فى مكان قريب من مكة المكرمة ويدور صراع بين العاطفة والعقيدة والتقاليد ، فى مداخل حين تصل ذروة الأحداث بعد أسر أخيه الوليد بن الوليد الذى كان قد اختار الإسلام وأحضره عكرمه وعمرو بن العاص ليقتله أخاه الوليد ، وتنتصر فى النهاية العاطفة على العقيدة ، لأنها لم تكن متأصلة وعلى التقاليد لأنها لم تكن منطقية ولا تتفق مع عقل فذ مثل عقل خالد بن الوليد . ويدور المشهد أثناء غزوة أحد فى سهل قريب من جبل احد خارج مكة المكرمة.
ويمجد الكاتب خالد إلى درجة الأسطورة ، فيقول على لسانه عندما هزم المشركين فى أوائل معركة أحد رافضاً الهزيمة على يد المسلمين .. إن هزيمة الإنسان الوحيدة هى الموت ... الموت ... والموت فقط يا ابن العاص.
ويأتى بمائة فارس من جنوده ويحيل بهم الهزيمة إلى نصر .. وفى عشق الإنسان وإعجاب به ينطق السلامونى على لسان عمرو بن العاص عبارة تمجد الإنسان وتكبره ... فيقول ... أن الإنسان يستحق الخلود وأن الإنسان لم يخلق عبثاً...
ونرى المؤلف يستخدم الجوقة فى أناشيد ... يعتصر فيها أفكاره وآرائه.. هى إلى الشعر المرسل أٌرب من النثر ... وتلك براعة لغوية.
ومع قوة شخصية خالد وذكاؤه يسير محور درامى آخر يركز على عاطفته وحب ليلى التى صارت زوجة لآخر ... وتستمر المحاور فى علاج الصراع الذى ينتهى فى المشهد الختامى من الجزء الثانى بموت خالد.
وتأتى الجوقة تنشد مقطوعة رائعة تحمل فلسفة السلامونى فى الحياة والإنسان.

رجل فى القلعة – تراجيديا تاريخية
على عادة أبو العلا السلامونى(2) يتناول التراث بالمعالجة الدرامية بهدف الإطلال على الحاضر لتغييره ... بعد أن يكون قد نبش الجذور وأخرج منها شيئاً مما يصلح أوتاداً لصلابتها واشياء مما لا يصلح إلا للمعايرة .. وربما تلك المرارة فى حلق أبو العلا ترجع ... إلى روح التشاؤم التى تسيطر عليه .. والتى لا تفتأ تزيد من اصراره على النضال من أجل التغيير وقد عرضت مسرحية (رجل فى القلعة) على خشبة المسرح القومى فى يناير 1987 ، وأخرجها الأستاذ / سعد أردش وشارك فى بطولتها .. يوسف شعبان ، سلوى محمود ، نبيل الحلفاوى وآخرين . وتتكون من جزئين وتدور أحداثها فى النصف الأول من القرن التاسع عشر مخلدة عبقرية محمد على الذى يراه المؤلف نابليون الشرق الذى زلزل الرواسخ وهز الثوابت ... ولكن الدهر الذى لا يقهر أنهى حياة محمد على نهاية مأساوية .. إنها تراجيديا الإنسان .. فقد ذهبت ببطل العصر ورجل القرن(3) . هنا نأتى للسؤال المطروح إزاء تلك التجربة الثورية الديموقراطية فى تاريخنا .. لماذا احتفظ الإنجليز بنتائج ثورتهم وتجربتها الديمقراطية والتزموا بها إلى وقتنا هذا ، بينما نحن لم نلتزم بتجربتنا رغم عبقريتها سوى لبضع سنوات من حكم محمد على؟
فى زعمى أن ثمة خطأ تراجيدى بالمعنى الواقعى وليس الميتافيزيقى ما زال يتعقبنا على مدار تاريخنا ، ويكاد يتكرر بشكل مأساوى منتظم .
حوار المسرحية متقن وشيق وملئ بإنتقاد أسلوب الحياة اليومية التى تنزع إلى الميتافزيفة بدلا من اللجؤ إلى قواعد العلوم المادية المتداولة ، فنجد إبراهيم باشا يشخص حالة أبيه محمد على باشا بأنها مرض يفهمه حكيم الطب فتحول زوجته بينه وبين ذلك مدعية أن المرض يعالج بالزار وغير ذلك كثير مما يشير إلى نظرة هذا المجتمع إلى الأفراد وإلى تفسير الظواهر ... فنرى مثلا (ديوان) السكرتير الخاص للباشا يصف نفسه بأنه (كلب حراسة).
والخط الدرامى الأساسى فى المسرحية هو الصراع بين الجماهير والحاكم الظالم ، الذى ينحيه الشعب ليحل محل زعيم منتخب يدخل فى صراع بدوره مع أعداء الوطن ... وهم قوى دولية لا طائل له بمقاومتها ، ويواكب هذا الخط محور عاطفى آخر ، طرفيه إبراهيم باشا وزينب.
وتبدو مصرية أبو العلا فيما قاله على لسان (هيلانة) جارية محمد على والعرافة ، (أنك من أرض نشأ عليها اسكندر مقدونيا الأكبر ... وكذلك مولود فى عام ولد به نابليون فرنسا.. وأتيت إلى وطن معشوق عند الإسكندر ونابليون ويوليوس قيصر.." تحثو عند قدميه " هذي مصر المعشوقة يا مولاى ... ضع قلبك بين جوانحها الخضراء .. وأرشف من ثغر النيل الخالد كى تتحقق فيك خلود الذكرى والتاريخ ..)
وأيضاً إيمانه بالفرد البطل ودوره فى التاريخ .. فيذكر الإسكندر الأكبر ، ونابليون بونابرت ، ويوليوس قيصر ، ومحمد على ...
على أنها مصادر مرجعية للرأى والقيمة على أن أبو العلا يعود إلى الغزل فى ( فى مصر الوادى الأخضر الممتد كجنة عدن يجرى فى واديها نهر الخلد ) وذلك عندما انطلق محمد على بهذه الكلمات فى حديثه مع خورشيد باشا والى مصر الظالم ، المطالب بالتنحى ، لأن مصر تلفظ الأوغاد وأشباه الجهلاء..
ونرى السلامونى يعود ليؤكد إيمانه بالكفر بحكم الفرد ، حتى لو كان عبقرياً .. حتى ولو كان محمد على باشا .. فيقول على لسان عمر مكرم .. ( أريد القوة فى المجتمع وليس الفرد.. فأنا لست كمثلك يا باشا يسعى لنداء الذات وتحقيق الإنسان الاوحد دون الناس..)
وتنتهى المسرحية بهزيمة محمد على الذى أصبح حاكماً فرداً ونزع عنه غطاء الشعب.
المزرعة
مسرحية من جزئين – مهداه إلى صانعى الإنتفاضة بالأرض المحتلة الذين تجاوزا بعبقرية نادرة ، مأساة الحرب ومأزق السلام.
وتدور أحداثها فى فلسطين المحتلة بعد حرب 1967 وهى نوع من المسرحيات الوطنية الدافئة ، يحتشد فيها عدد من الشخصيات الدرامية – فلسطينيون – يهود – ألمانى – فرنسى.
ويؤكد فيها المؤلف أن المقاومة باقية والأمل باق ويظهر ذلك فى عبارة رائعة وردت فى الحوار تقول.
" حتى إن قتلوا فينا الأحلام .. لن يمكنهم قتل هويتنا الكائنة هنالك فى أعماق الأفئدة وأغوار الأكباد ... حيث العشق الأبدى لأرض الاجداد".
وكطبيعة المسرح فإن الخط الأساسى فى المسرحية الصراع بين الغاصب والرافض ويسير خط آخر صراع عاطفى بين عاص وسلوى فى فلسطين الوطن ، وذلك كنوع من المؤازرة للخط الدرامى وللتلطيف.
وقصة المسرحية تدور حول إغتصاب مزرعة والفتك بأصحابها .. وفى نهاية المسرحية تقف سلمى تبيع حياتها الخاصة وحلمها وزفافها وكل دنياها بالمجد القومى ، فتنسف نفسها بمنطق علىّ وعلى أعدائى مرددة هذه الأسطر الجميلة الرائعة..
سلمى : لك حق يا أنت ..لكم أشعر أنك تتكلم صدقاً حين ترى فى الموت الأسطورى خلاصاً من كل عذابات الكون .. بل أنى أصبحت أرى فى الموت المعنى للحياة .. آه يا ذا الموت العذاب الساكن فى أعماقى الآن كحلم .. أنى أنشد فيك زفافى .. ولتغفر لى يا عاصى أنى أبحث عن عرسى بك دونك وفى أحضان الموت .. الآن شعرت بأن الموت العذب طريق حتمى من أجل حياة أعذب من كل حياة فى عالمنا المر ... بل أن الموت طريقى الأقرب لك فى رحلتك القاسية حيال الشر ... فمالك يا من أحببت ... فى العاجل أو فى الآجل .. ماض فى هذا الدرب .. فوداعاً يا من أودعتك قلبى من أجل حياة أفضل.. وليتحقق فى الموت زفافاً يجمعنا بحياة أخرى أجمل .. فوداعاً للقاء.

تحت التهديد
مسرحية من فصل واحد – تدور أحداثها فى أتيليه لأحد المثالين ارتكبت جريمة قتل – ومثالية الزوجة المحبة جعلتها تبلغ عنه رغم حبها .. والمسرحية تناقش قضية الفنان علاقته مع نفسه ومع غيره..
وهى من النوع التحليلى للأفعال ومبرراتها النفسية وفى النهاية يتضح أن جثة الجريمة كانت تمثالاً من الشمع.

مباراة بلا نتيجة
مسرحية من فصل واحد – تدور أحداثها فى قهوة..
وكالعادة تضم قصة حب ، وتعطى معنى العبثية من خلال رمز لعبة الطاولة.
ولعله يعرض قضية الغالب والمغلوب فى الحياة ... وأن الكل يبذل الجهد ولكن طرفى الصراع لا بد لأحدهما أن يهزم والآخر أن يغلب.
وهو ينتهى إلى نتيجة أن المنسحب من الصراع .. هو المغلوب !
إن هذا الكاتب ملتحم بالمجتمع... وله أجر فى ذلك حتى ولو لم يصب فلكل اجتهاده ولكل وجهة نظره .. فإن منهج ابو العلا السلامونى فى مسرحية التراث واستلهام التاريخ كمحاولة للإسقاط على الواقع بقصد التغيير مكرمة تحسب له بغض النظر عن فلسفته التى تتفق مع البعض او تتنافر معه .

ديوان البقر
كوميديا فى خمسة فصول:
عرضت على خشبة مسرح الهناجر فبراير 0 1995 إخراج الأستاذ / كرم مطاوع
بطولة : عبد الرحمن أبو زهرة – عايدة فهمى – أحمد حلاوة.
زمن المسرحية : العصور الوسطى الإسلامية.
يسخر المؤلف من عامة الناس الذين يتبعون أى داعية .. أياً ما قال فقط يكفى أن يخيفهم من عذاب القبر .. ونار جهنم..
ويسوق رواية قصيرة فى صدر المسرحية تحكى ان رجل يقال له ( عثمان الوراق) رأي (العتابى) يأكل خبزاً على الطريق بباب الشام ، فقاله له : ويحك .. أما .. تستحى..؟
فرد عليه : أرأيت لو كنا فى دار فيه بقر .. أكنت تستحى وتحتشم أن تأكل وهى تراك؟
فقال له : ..لا..
قال : اصبر حتى أعلمك أنهم بقر . فقام ووعظ وقص ودعا حتى كثر الزحام عليه ، ثم قال لهم .. روى لنا غير واحد ، أنه من بلغ لسانه ارنبة أنفه لم يدخل النار.. فما بقى أحد إلا وأخرج لسانه يومئ به نحو ارنبة أنفه ، ويقدر حتى يبلغها أم لا ..! فلما تفرقوا قال العتابى : ألم أخبرك بأنهم بقر..؟؟!
ويوجه السلامونى الحديث إلى من احترفوا الإرهاب .. فيقول لهم أتريدوننا بقراً نلغى عقولنا ، نخرج ألسنتنا لنعلق أنوفنا .. اتقاء النار وعذاب جهنم..؟!
فوالله لو أن هذا الطلب جاء من نبى أو رسول ، لما ترددت أنا شخصياً يا ابو العلا أن اخرج لسانى بل وكبدى ايضاً.. ولكنت مصدقاً غير مجادل .. ولكن أن يأتى ذلك من أى مصدر دون النبؤة لأمعنت الفكر والتمحيص ، وقبلت ، ما هو متفق مع روح الشريعة والعقل ورفضت كل ما عدا ذلك لأنى فعلاً أشرف بالعقل(5)
والمسرحية تدور حول هذه الفكرة وتبرز أن المشعوذين المستترين وراء الدين يستغلون سذاجة الناس وإيمانهم السطحى فى التقرير بهم لحشدهم خلفهم تمهيداً للوثوب على السلطة.
والمؤلف يرى أن الناس ولو تضخمت ألسنتهم ولو يعودوا ينطقون فإن ذلك لن يمنعهم أن يرفضوا ويبدو إيجابية ولو بالرقص.. فالطائر قد لا يتكلم ، لكن يمكنه أن يرقص ويمكنه التغريد والزهرة قد لا تتكلم ..لكن يمكنها أن تبتسم وترقص طرباً وتميل .. ولن يكون الإنسان أدنى من الطائر والزهرة.
مآذن المحروسة
عرضتها الفرقة المركزية للثقافة الجماهيرية فى وكالة الغورى يونيو 1983 وأخرجها الأستاذ /سعد أردش.
وشارك فى بطولتها مجموعات كبيرة من فنانى الثقافة الجماهيرية.
زمن المسرحية – السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر وبالتحديد عام 1798 والمسرحية تقوم فكرتها على أنه أثناء الإحتلال الفرنسى لمصر وأثناء حملة نابليون بونابرت ، فإنه نظمت سهرة مسرحية شعبية إشترك فيها المحبظتية والمغنيين والطبالين والزمارين والراقصيت والراقصات وأقيمت السهرة بحضور القيادة الفرنسية الغاصبة وكبار الموظفين المتعاونين مع المحتل وجمهور الشعب.
وذلك بقصد التقرب من المصريين الذين يحبون الفن ومن ثم فإنه من خلاله يمكن دس كل الأفكار التى تؤثر فى الناس بطريقة غير مباشرة لصالح الغزو الفرنسى ، الذى يدعى أنه جاء للتنوير ولخلاص المصريين ولن يمس عقائدهم أو أفكارهم أو أملاكهم ولكن نفر من الوطنيين استغلوا المرض المسرحى والسهرة الشعبية التى أقيمت أمام سارى عسمر الفرنسيس نابليون بونابرت ، لتقوم هى بدورها ببث الأفكار المضادة للإحتلال الفرنسى الغاصب ولتبث روح المقاومة وتجميع المصريين لمقاومة الغاصب.
وتدور الأحداث بالصراع بين المحتلين والمقاومة.. وتتمركز المقاومة فى الأزهر الشريف ومشايخه .. ويندس الوطنيون بأفكارهم وأفرادهم فى الفرقة التى تهيج الجماهير ويسيطر الجنود على الموقف ويحاصرون المحبظاتية والمجاورين ، لكن حكمة نابليون أوعزت إليه أن لا يعاقب الفرقة الفنية الإستعراضية التى أهانت العلم الفرنسى ، حتى لا يظهر أن سياسته الخاصة بإستغلال الاحتفالات فى التأثير على الرأى العام قد فشلت ، لذا يأمر بالإحتفال بوفاء النيل واثناء الإحتفال يقوم الكتخدا بمحاولة لعقد قران زوبة على نابليون ، بيد أن المأذون يظل صامتاً حتى يعلن أمام الجميع ان الزواج باطل ... باطل ... وهنا تهتف الجماهير ... الله اكبر... الله اكبر ، ويعلن نابليون إسلامه حتى تتم الزيجة ولو فى التشخيص (التمثيل) . ويحلل المؤلف هذا الموقف الدرامى بأنه الغازى قرر أن يكون الغزو من الداخل بعد فشل غزوه من الخارج ، وأن الحاكم الظالم المستبد دائماً يلعب لعبة الدين ليحكم حكماً مطلقاً... العثمانيون ...المماليك .. غيرهم.. نابليون لعبوا نفس اللعبة وينتهى الصراع فى المسرحية بإندلاع ثورة القاهرة الكبرى بقيادة المشايخ الذين تعاونوا مع الفرقة الفنية التى ألهبت الجماهير.

أبو نضارة - مسرحية من فصلين ..
تدور احداثها فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر فى مصر
وتدور أحداثها فى عهد الخديو اسماعيل وعلاقته بالمبدع المسرحى يعقوب صنوع الذى كان يسمى نفسه أبو نضارة فقد استلهم المؤلف أفكاره وأقوال عبد الله النديم وجمال الدين الأفغانى والشيخ محمد عبده فى توليفة درامية رائعة ، مواصلاً كعادته فكرة التحام المسرحية بالمجتمع يبرز عيوبه تمهيداً لاصلاحها ودفع المجتمع للتغيير .. ومن القضايا التى لمس وترها تعدد الزوجات – الجوارى – الجواز بالخاطبة .. والوطن والحرية ولعلى أثنى على السلامونى قدرته على إستخدام الموسيقى والأناشيد والأزجال كجزء أصلى فى النسيج الدرامى ، مما يجعل لها دوراً أساسياً فى البناء المسرحى إضافة إلى دورها فى الترويج والتخفيف.
رواية النديم - عن هوجة الزعيم
مقامة مسرحية من اربع بابات
زمن المسرحية – فى أعقاب الإحتلال البريطانى سنة 1882
وهى من المسرح الوطنى الذى يقف عند ساعات تاريخية حرجة فى تاريخ الوطن ويحلل الأحداث بطريقة درامية رائعة مستلهماً أراء وأفكار أعمدة التنوير فى التاريخ المصرى .. أمثال عبد الله النديم .. الذى يتحدث بلسانه فى مقام تبرير النضال حتى ولو انتهى بالهزيمة .. المهم القتال لأجل الكرامة ( مش جنون . مصر مش ممكن تضيع .. مصر باقية .. مصر هاتعيش مهما قابلتها الصعاب .. مهما هاجمتها الكلاب.. مهما نهشها الذئاب ... برضه باقية .. باقية تتحدى الزمن .. باقية تتحدى المحن ).
وينجح السلامونى فى ان يستمر الخط الدرامى مركزاً على الصراع بين عرابى ممثل الأمة والفلاحين ضد الخديوى والأرزقية ومعهم الإنجليز.
خاتمة
فى الواقع ان كاتبنا الكبير محمد أبو العلا السلامونى واحد من فنانينا المعاصرين الأفذاذ الذين سخروا قلمهم لخدمة المجتمع ، وقدموا المسرح فى إطار من البشاشة والحبكة والثراء الفنى ، فقد وظف الإحتفالات الشعبية بموسيقاها وأزجالها وأناشيدها وطقوسها فى مسرحه ، فابدع لنا مسرحاً شاملاً جميلاً.
بيد أن نزعة المؤلف العلمانية تبدو واضحة للعيان فى معظم أعماله خصوصاً فى ديوان البقر .. وربما يرجع ذلك إلى كثرة النبكات عبر التاريخ الوطنى والقومى مما جعله يستنتج أن المشروع الغربى للحضارة ..(هو الحل) وسواء قبلنا منه ذلك أو رفضناه ، فإنه لا يسعنا إلا تقديره ونقبل اجتهاده ووجهة نظره

المحولجى
من تأليف محمد موسى
تتألسف المسرحية من سبعة مشاهد يقوم عليها شخصيتان إنسانيتان فقط هما (أيوب- وياسر) أما الشخصية الثالثة والمهمة فهى (القطار) الذى يظهر أثره فى نهاية كل مشهد.
أما المشهد الأول فيقوم فيه (أيوب) بدور موظف مكتب التنسيق من لا عمل له إلا اكتشاف تعقيدات بيروقراطية ، بحيث نعتقد أن مهمته الأولى والأخيرة هى استغلال موقعه الوظيفى فى تعويق سير الإجراءات ، ثم ينتهى المشهد بإظلام سريع والمشهد الثانى عبارة لحظة توقف كبيرة يدل بها الكاتب على أن ما كان منذ سبعة آلاف عام سيكون بعد سبعة آلاف عام أو ربما أكثر.
يدل على ذلك تثاؤب أيوب ، وقول ياسر ( كل الموضوع إن مافيش حاجة بتحصل) . ولكن هذا الفصل يعطينا إشارة جديدة تدل على أن (ياسر) قد عُين فعلاً (محولجياً) ، وقد أصيح (أيوب) المحولجى القديم ، بعد أن كان فى المشهد الأول موظف مكتب التنسيق ، وينتهى المشهد بإظلام؟
أما المشهد الثالث فهو أول درس يعلمه (أيوب) المحولجى القديم لـ (ياسر) المحولجى الجديد ، و أول درس – كما هو غير متوقع ! ليس فى معرفة مواعيد القطارات ولا فى كيفية توجيه هذه القطارات ، إنه فى كيفية ( لف سيجارة حشيش) ، وبهذه الطريقة يأخذ (ياسر) دوره ، دور المحولجى الجديد إذ يقول له ( إيه ده بتلف واحد وإحنا إثنين) وينتهى المشهد بإظلام سريع.
وفى المشهد الرابع – بعد أن يمتلئ المكان بالدخان – يأخذ (أيوب) فى نظر ياسر صوراً أخرى من البيروقراطيين والتكنوقراطيين ، فيأخذ شكل مدرس (ياسر) الذى ضربه إلى زرع بقلبه الخوف ، وشكل موظف الجوازات الذى منعه من السفر لأنه رفض أن يعطيه التأشيرة للخروج وينتهى المشهد بصوت قطار سريع وإظلام.
والمشهد السادس يبدأ بصوت القطار السريع الذى يفزع (ياسر) من نومه بينما يظل (أيوب) فى نومه العميق ، ثم يأخذ أيوب صورة أخرى من صور التكنوقراطية إذ يصبح أستاذاً جامعياً ما زال يقرأ فى أبحاث قديمة ، ويصبح (ياسر) طالباً لديه يريد أن يحصل على درجة جامعية.
والمشهد السابع نجد فيه ياسر وأيوب يلعبان (لعبة الورق) ويظهر كلاً منهما قد احترف الخداع والغش فى هذه اللعبة .
ثم ينبه (أيوب) إلى أنه لم يُعلّم (ياسر) شيئاً ، وأن الوقت قد حان ليتعلم ويتهم أيوب ياسر بأنه رمز للجيل الجديد وأنه رمز للإنحلال والتخلف ويستخرج أيوب خريطة القطارات ويقول له :
أيوب: العلامات الزرقاء دى قطارات عادية إنما الحمراء دى الإكسبريس أما العلامة الخضراء قطارات الخمس نجوم فاهم؟
ولكن الظاهر أن هذه العلامات جميعاً ليس لها أى قيمة باستثناء علامة واحدة ، إذ يقول له أيوب بعد قليل :
أيوب: العلامة الزرقاء متهمكش كتير والحمراء راح تهمك شوية ، إنما الخضراء لازم تهمد قوى وتكون فى مستواها.
ثم يعلمه أيوب شيئاً آخر سيحتاج إليه فى أثناء تأدية دوره ، وهو الشكاوى.
أيوب: الشكاوى دى أكثر حاجة تحتاج لها وأنت بتلعب دورك.
ثم يأخذ أيوب دور الأب الذى يقوم بإعاقة أى محاول لإرتباط الإبن بمن يحب .
وينتهى المشهد والمسرحية معاً بأن يدرك (ياسر) أنه لا بد أن يكون فى منتصف كل شئ ، وأنه لا يجب ان يقوم بتأدية دوره كاملاً ، أو فى اقرب صورة إلى الكمال على أقل تقدير ، فهو يقول لأيوب (راح أقولك على فكرة كويسة راح اسمع كلامك نص نص ، وأنت علمنى نص . نص ، وأنا معنديش مانع ألعب دورى نص . نص كله نص. نص الدكتور نص . نص ، مهندس نص . نص ...)
وفى هذه الحالة يحاول ياسر أن يشد (أيوب) من ذراعه فيُخلع ، وكذلك نراه الآخر ، وكذلك رأسه...
هذه هى المسرحية بإختصار ، وهى تعالج – كما هو واضح – مشكلة البيروقراطية والتكنوقراطية من خلال شخصيتين هما (أيوب – ياسر ) ودلالة لفظة (أيوب) واضحة فى التراث الفكرى العربى ، فهى تدل على طول الصبر ، كما تدل ايضاً على المرض وعدم القدرة على الحركة.
وكان طبيعياً أن تعالج مشكلة كهذه فى كشك التحويلة ، لأن القطار رمز للزمن المسرغ ، وركب الحضارة الذى لا ينتظر أحداً ، الذى سوف يخلف وراءه كل من يتخلف والأمل الوحيد هو أن يستطيع ( المحولجى) أن يساير ركب الحضارة وأن يجعل هذا القطار يصل إلى منتهاه – إن كان له منتهى – فى سلامة ويسر دون أن يقع فى حادثة لا بد أن تكون مروعة . ويبدو أن ياسر – كحال الشباب دائما – ملئ بالحماس والرغبة فى التغيير.
ولكن ما يواجهه من إحباط من ( أيوب) يجعل هذا الحماس يفتر ويضيع دونما أمل فى إنقاذ القطار .
وفى النهاية يقتنع (ياسر) بأنه لا أمل فى شئ ، ويقنع بالا يكون له دور فى هذه الحياة ، كحال أيوب ، وعندما يقتنع ذلك يشد أيوب من ذراعيه ورأسه فيخلعهما دلالة على تفتت هذا الفكر وفساده.
والمسرحية بهذا المفهوم ، ومن خلال تقسيمات المذاهب الأدبية تنتمى إلى الواقعية التسجيلية ، إذ أنها تقدم الواقع كما هو ، دون أن تضيف إليه شيئاً يتعلق بالفن ، كما أنها لا تحاول أن تقدم حلولاً ، إنها فقط تطرح مشكلات.
أما فى مجال المسرح ،فإنها أقرب ما تكون إلى المسرح الملحمى. إذ أنها تقوم على سبعة مشاهد الواحد منها منفصل عن الآخر أو يكاد ، وكلهم يحاول أن يشرح المشكلة ذاتها بوسائل أخرى ، ولكن المسرحية فى واقع الأمر لا تنتمى لهذا النوع المسرحى ، إذ أنها لا تستخدم سوى تقنية واحدة من تقنيات المسرح الملحمى الكثيرة ، كما ان انفصال المشاهد – ذاته – فى المسرحى الملحمى لا بد أن يكون مبرراً درامياً ، فمثلاً فى (دائرة الطباشير القوقازية ) نجد مجموعتين من الناس يتنازعون حول وادٍ ثم يمثلون قصة (دائرة الطباشير) لبيان أحقية إحداهما ، فهذا هو التبرير أو السبب.
ولكن إنفصال المشاهد فى مسرحية (المحولجى) لا مبرر له
كما ان مشهداً واحداً فى المسرحية لم يتطور بحيث يفضى إلى عمل متكامل ، ولكنها مجموعة شذرات متفرقة من هنا وهناك لا يصل بينها إلا الموضوع ذاته لا العمل الأدبى كوحدة لا انفصال فيها.
وربنا أعترض معترض فيقول ربما تكون هذه صورة من صور المذاهب العبثية ، نعم ربما أراد الكاتب أن يكتب دراما عبثية ولكنها جاءت عبثاً إذ إن مفهوم الدراما العبثية يقوم على فكرة عبثية أساساً تتطور تطوراً منطقياً سليماً ومن خلال مقولة (ما بُنى على باطل فهو باطل) .
فإن أى تطوير لفكرة عبثية مهما كان منطقياً فإنه سيفضى إلى العبثية ولكن فى مسرحية المحولجى يبدأ الكاتب بفكرة منطقية ثم يراوح بعد ذلك بين العبث والمنطق أنى شاء وكيف شاء.
فقد تصور (ياسر) أن (أيوب) هو المدرس الذى جعله يشعر بالخوف أو أنه موظف الجوازات الذى لم يعطه التأشيرة ، وأيوب يرفض كل ذلك ويقول له إننى أبداً لم أكن مدرساً أو موظفاً.
ثم يمثل أيوب وياسر معاً دور الأستاذ الجامعى والطالب ، ودور الأب والإبن دون أن يكون هناك خلاف بينهما فى ذلك.
فأين هى التجربة العبثية عندما نتعامل مرة بفكر منطقى سليم وأخرى بفكر عبثى محصن لقد كان أحرى بالكاتب أن يطور مشهداً واحداً من المشاهد السبعة بحيث يستحيل إلى مسرحية جيدة ، بدلاً من أن يجمع هذه المشاهد السبعة دون أن يضع فناً ، وأنا أقول إن مشهداً واحداً كان خليقاً بصنع مسرحية جيدة ، من منطلق أن المشاهد جميعها ذات قيمة عالية ، وتعالج موضوعات مهمة فى مجتمعنا ، ولكننا تختلف بعد ذلك فقط فى اسلوب المعالجة ، وإعتقادى على أى حال أن المسرحية بهذا الشكل تحتاج إلى قليل من الجهد والتركيز والتكثيف لتقف شامخة إلى جوار أعمال أخرى عالجت مشكلات مشابهة من خلال الفكرة نفسها ، من مثل ( رحلة القطار ) ، (توفيق الحكيم ) و (مسافر ليل ) لـ (صلاح عبد الصبور ) ولو أن الكاتب أعطى لمسرحيته هذه ما هى أهل له من الإهتمام لجعل منها علامة بارزة فى مسرحنا المعاصر.




















المحور الثانى
هجوم المسرح الإقليمى والبحث عن هوية


• البحث عن لغة جديدة للإبداع المسرحى المصرى - أ.سامى خشبة
• المسرح فى الأقاليم ( واقع ومشكلات المسرح الإقليمى والحلول المقترحة)
أ . أبو العلا السلامونى
• أزمة النص المسرحى فى إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافى(الواقع والتفسير)
د. مصطفى عبد الغنى

البحث عن لغة جديدة للإبداع المسرحى المصرى
سامى خشبة

لأسباب عديدة ، ترجع إلى ، أو تنبع من الإبداع المسرحى ، أو من أنواع "المعرفة" المختلفة التى ينهل منها الإبداع ، لم يعد ملائماً – ولا نافعاً – أن نتعامل مع "اللغة المسرحية" – أو : لغة التعبير الإبداعى المسرحى – فى إطار ثقافتنا (أو فى إطار ثقافة بعينها) متجاهلين التفاعل العملى الحاصل – والبديهى – بين كل من الخيال الفنى (مبدع العمل المسرحى ) وبين "المعرفة" التى ينهل منها هذا الخيال ويستند إليها وبين الحياة الواقعية التى يتحاور معها الإبداع المسرحى أو يسعى إلى إدارة علاقة حوار معها ...
إن الهدف من هذه الورقة ، هى محاول الإجابة على سؤال مطروح الآن بقوة على الحركة المسرحية المصرية ، وهو سؤال يحتمل صياغات عديدة ، نجملها فى الكلمات – أو العبارات – التالية :
مع الإعتراف بتأثير العوامل " الإجتماعية " المختلفة المؤثرة – بالسلب – على حيوية الإبداع المسرحى المصرى وعلى تأثيره المتجدد والمستمر فى الحياة الثقافية فى بلادنا ، ألا يصح القول بأن خمول إبداعنا المسرحى المتمثل فى تضاؤل تأثيره الجاد فى الحياة الثقافية وانزوائه فى ركن منتجات الترفيه البسيطة أو فى خزانة الذكريات القديمة – ألا يصح القول بأن هذا الخمول يرجع إلى توقف لغة الإبداع المسرحى المصرى ، فى عمومه – عن النمو الصحى – من ناحية ، وإلى استشراء أنواع من النمو المرضى فى لغة "العرض المسرحى" الذى يحل – فى لا وعى الجمهور والمتابعين الإعلاميين (النقاد) على السواء – محل : "الفن المسرحى"؟
وقد يتعين علينا فى البداية أن نوضح أسس هذه الصياغى المجملة للسؤال الأساسى – التى نقر بأنها تقوم على سلسة من الأحكام تحتاج بدورها إلى تبرير..
عن العوامل الإجتماعية المؤثرة بالسلب على حيوية الإبداع المسرحى المصرى ، لا بد أن نتذكر التأثير السلبى لأجهزة الإعلام المرئية والمسموعة منذ الخمسينات وبرنامج ساعة لقلبك 0 الذى أثمر الجانب الأكبر من مفهوم مسارح التليفزيون فى الستينات إلى أن : " تجمد " فهم هذه الأجهزة – الجماهيرية – للمسرح عند سلالة هذا النوع من العروض التمثيلية ، ولا بد أن نتذكر – بالمقابل – دور نفس الأجهزة بأسلوبها فى تقديم ما يمكن وصفه بــ "الفن المسرحى" – أو المسرح الحقيقي تقديماً جافاً متعالياً أو رديئاً ، وفى توقيتات مستحيلة ، ولجمهور " الصفوة " حسب تصنيفات تلك الأجهزة لفئات الجمهور – بما يؤدى إلى عزلة الفن المسرحى الحقيقى ، وإلى انصراف "الصفوة " نفسها عنه..
ولا بد ان نتذكر – ضمن العوامل الإجتماعية ، مسئولية الجهاز التعليمى (معلوماتياً وفكرياً) من حيث نوع الفن والمفاهيم عن " الفن " التى يشيعها نظامنا التعليمى (مفهوم الفن كوسيلة للدعاية أو الترفيه ) والطبيعة التلقينية لهذا النظام التى تستبعد أو تنفى طاقة الإبداع الخلاقة لكى تركز على طاقة التذكر والإستعادة (الحافظة)..
ولا بد أن نتذكر أيضاً – ضمن العوامل الإجتماعية ـ تغير تكوين الجمهور نفسه (نتيجة الحراك الإجتماعى الذى ولده الإنفتاح الولا بد أن نتذكر أيضاً – ضمن العوامل الإجتماعية ـ تغير تكوين الجمهور نفسه (نتيجة الحراك الإجتماعى الذى ولده الإنفتاح الإقتصادى ثم الهجرة ثم إنتشار الإقتصاد العقارى – الربمى – الحرفى وثقافاته التابعة ) وأيضاً نتيجة انتشار أنواع بعينها من "فنون" الفيديو والتلفزيون ( المتفاعلة مع النظامين الإعلامى والتعليمى المذكورين ) الأمر الذى تفاعلت مكوناته لكى تغلب المفهوم الترفيهى ، الإنفعالى ، والدعائى للفن ، وإلغاء أو نفى المفهوم الحوارى والإرتقائى ، وإلى تسويد لغة الغناء ( لا مجرد اللغة الغنائية ) الطربية التى تعتمد على رسم صورة مزخرفة (مزيفة) للذات وللآخر ، بينما أدى التغير فى "تكوين" الجمهور المستهلك (للعروض التمثيلية) وفرض ”الأذواق " الثقافية الخاصة بالتكوين الجديد إلى تسرب لغة الغناء والإستعراض الراقص (التلفزيونى) بالشكل الذى انتشر تصور عنه يقول أنه الشكل "التراثى" : الشكل الجامع بين الغناء والرقص ( بصرف النظر عن إبهام بعض الأعمال بأنها تستخدم لغة غناء /رقص مختلفة – توصف أحياناً بأنها لغة تعبيرية أو احتفالية – سوف نناقشها لاحقاً – فى تعرضنا الجوانب الفنية من سؤالنا).
وعن انزواء إبداعنا المسرحى فى ركن منتجات الترفيه البسيط أو فى خزانة الذكريات القديمة ، لا بد أن نشير إلى مجموعة من الظواهر المتداخلة:
راجت منذ أواخر الستينات، مقولة أن المسرح مطلوب للتخفيف عن الجمهور –فى آخر كل نهار – بإدخال البسمة المرحة على حياة جادة وشاقة متجهمى ، سنلاحظ التبرير المختلط لهذه المقولة ، وسوف نلاحظ أن المسرح بالذات كان هو المستهدف – والمسئول عن تقديم تلك البسمة المرحة !! التى تجسدت – فى ذلك الحين فى ظاهرة فؤاد المهندس والمتحدين : بداية تحول تكوين الجمهور ووضعه الفكرى /النفسى .. غير أننا يجب أن نلاحظ ارتباط هذه المقولة – دون تبريرها – بالدور الإنتقادى المتزايد الذى لعبه للمسرح – كجزء من ثقافتنا الساعية إلى التجاوز السياسي والإجتماعى والفكرى والمطالبة به – والرغبة – المعلنة أحياناً والمكتومة أحياناً فى حرمان الفن المسرحى من القيام بهذا الدور ، وإلزامه فى الوقت نفسه .. بالإكتفاء بالدور الترفيهى .
من جانب آخر فقد ترك المسرح الإقليمى – فى حالات كثيرة ليواصل نفس الدور الإنتقادى : ينتجه ، ويعيد انتاجه من المنطلقات الفكرية – والفنية – التى أسسها التيار " الإجتماعى / السياسى / الدعائى " فى مرحلة الستينات الأولى – تيار يمكن رسم حدوده فيما بين أضلاع مثلث " ستينى " يتكون من : سعد الدين وهبة ( أو بدائله : لطفى الخولى مثلاً ) ونجيب سرور ( أو بدائله : ميخائيل رومان مثلاً) ورشاد رشدى ( وبدائله : على سالم مثلاً )
ولقد أدت هذه " الآلية" : ألية تجميع بين " نفى " الدور الإنتقادى للفن المسرحى إلى الأقاليم (بعيداً عن أضواء وتركيز الإعلام والإنتباه السياسى المركزى ) – أدت إلى "تجميد" ذاكره المسرح المصرى عند أنموذج واحد ( أو أنموذجين على الأكثر ) من نماذج الستينام يطمح إليه الإبداع المسرحى كلما حاول الخروج من منحدر " الغناء – الطربى – الراقص " : وأصبح استدعاء هذا الأنموذج ، هو استدعاء للستينات كلها كلها ( أو اختزال الستينات فيه ) ، فيما اصبح هذا الإستدعاء – بالذات – هو المخرج الوحيد المطروح لدى "العقل المسرحى الجمعى" إذا صح التعبير ، بإستثناءات نادرة ...
هذه كلها مقدمات ، تتحدث عن عوامل محيطة بالحركة المسرحية تؤثر فيها بقوة : ولكنها ليست هى الحركة المسرحية التى لا شد تتمتع بقدر من الوجود المستقل ، وينبغى البحث عن مكونات هذا الوجود ...
غير أن مقولتنا فى هذه الورقة ، تقوم على إدعاء أن " الفن المسرحى " المصرى – وبنماذجه المتفوقة التى تستدعيها الذاكرة الإبداعية استدعاء تلقائياً أو إرادياً – كان قد طور لنفسه "لغة" فنية ، للتعبير الفنى المسرحى ، وأن هذه اللغة – التى سوف تسعى إلى تحديد معالمها – قد فاتها التطور الشامل ، وأن " الفن المسرحى" المصرى لم يعثر بعد – أو لم يتمكن بعد من تطوير لغة للتعبير الفن المسرحى متكافئة لذلك التطول الشامل ، ومتفاعلة معه.
ملامح التطور:
1- المعرفة:
أ- مجموعة العلوم وكشوفها التى تعتبر ضرورة لتأسيس آليات انتاج الفن المسرحى – علوم اجتماعية وتطبيقية
ب- مجموعة العلوم المسرحية : وحدة (تكامل) اللغة ومكونات الحركة المرئية والمسموعة .
ج- تاريخ الفن المسرحى وإعادة فهم هذا الفن بالتالى ( ومستقبله) فى ضوء "العلوم" التى يتعين عادة التاريخ فى ضوء مكتشفاتها..
(2) تجارب (نماذج) إنتاجات مسرحية ناجحة وأسس ناجحها:
أ- التمييز بين " الفن المسرحى " وبين "العرض المسرحى"
ب- عناصر (عوامل) النجاح المحتملة:
1- استحالة الفصل بين المكونات (فى العرض)
2- استحالة الفصل بين النجاح وتوصيفنا السابق للجمهور وتغير حساسياته وأذواقه.
3- هل يوجد ما يمكن تسميته بــ : معادلة مضبوطة (دقيقة) بين نفس المكونات التى تنتج ( فى حالة اختلالها) عرضاً مسرحياً ، وتنتج فى حالة دقتها "فناً مسرحياً"
4- ماذا عن "القوالب" والأساليب الــ :" مابعد طليعية" – ما نسميها عادة – "التجريبية" وتأثيرها – أو تفاعلها – فى النتاج الحتمى لكل من : المعرفة الجديدة ، والحساسية الجديدة ".
بمعنى : ضرورة البحث عن " تفاعل ضرورى " بين معرفة جديدة وحساسية جديدة وأساليب وقوالب جديدة.

المسرح فى الأقاليم
ورقة عمل مقدمة للمؤتمر العام للمسرح المصرى
حول واقع ومشكلات المسرح الإقليمى والحلول المقترحة
أبو العلا السلامونى
أولاً : الفلسفة والأهداف :
انطلاقاً من أن الثقافة أداة هامة من أدوات التنمية الحضارة للمجتمع ، وأن المسرح هو أوسع وأسرع الوسائل الثقافية تأثيراً ، وأن المسرح هو أبو الفنون ، ووجوده فى موقع يعنى بؤرة نشاط فنى وثقافى (أداء – أدب – تشكيل – موسيقى .... الخ ) وأن المسرح فن جماعى ويعبر بصدق عن مبدأ ديمقراطية الثقافة فإن فلسفة وأهداف مسرحنا الأقليمى تتحقق على النحو التالى :-
1- مسرحنا هو مسرح كل الشعب بكل فئاته الشعبية ن ويقوم على أكتاف الهواة من كل الأعمار بمساعدة كوادر فنية ، وثقافية محترفة.
2- مسرحنا يعمل على تأصيل الظاهرة المسرحية الشعبية ويحفظ تراث المسرح المصرى والعربى ويجعله مائلاً فى الوجدان فى كل زمان ومكان.
4- مسرحنا يعتبر رافداً من روافد المسرح المصرى الذى يمده بالمواقف الممتازة من ممثلين ومؤلفين ومخرجين.
50 مسرحنا هو مسرح المشاركة والممارسة مثلما هو مسرح المشاهدة ، وهو أشبه بدور العبادة التى يقوم فيها الناس بممارسة العبادة والمشاركة فى أدائها ومن ثم ينبغى التوسع فى حركة مسرحنا لتصل إلى أبعد مدينة أو قرية بقدر الإمكان لتتحقق الحكمة القائلة " أعطنى مسرحاً.. أعطيك شعباً".
6- هو مسرح يكسر التصور التقليدى ، حيث تكون ساحته الحقيقية هى الساحات والأجران والأماكن المكشوفة وأماكن التجمعات الجماهيرية وهو ما يدعونا للإهتمام بأشكال المسرح البسيط سهل التنقل والتحقيق وهو ما يسمح بالتجريب الحقيقى للوصول إلى إبداعات جيدة فى أشكال العروض الشعبية.
7- مسرحنا لا يغفل البعد الإنسانى والتراث العالمى ، وذلك بإعتبار أن التجربة الفنية تجربة إنسانية متكاملة خصوصاً فى تيار المسرح الشعبى.
ويجب أن نشير إلى أن "نوادى المسرح " فرق من الهواء معنية بالتجربة فى قوام العرض المسرحى من خلال عروض فقيرة لا تتجاوز تكلفة العرض الواحد (2000) جنيه .
** وبالقراءة التحليلية للبيانات السابقة يتضح ما يلى :
1- نصيب القرية من الخدمة المسرحية = عدد فرق البيوت المسرحية ÷ عدد القرى = 51 / 6000= 1/120.
أى بواقع فرقة واحدة لكل 120 قرية أو نجع .
2- نصيب المركز أو الحى أو المدينة من الخدمة المسرحية = عدد الفرق القومية والقصور المتفرعة والمركزية ÷ عدد المراكز والأحياء والمدن = 57/209 = 27.2- نصيب المركز أو الحى أو المدينة من الخدمة المسرحية = عدد الفرق القومية والقصور المتفرعة والمركزية ÷ عدد المراكز والأحياء والمدن = 57/209 = 27,3 %
3- بمقارنة عدد الفرق المسرحية إجملاً (208) فرقة بالتعداد الفعلى للسكان (حوالى 65 مليون نسمة) يتضح مدى ضآلة نصيب الفرد من الخدمة المسرحية.
4- نصيب الفرد من ليالى العروض المسرحية = عدد ليالى العروض خلال العام ÷ عدد السكان = 2280 ليلة عرض / 65 مليون نسمة = 0,0035%
وهذا يؤكد مدى ضآلة نصيب الفرد من الخدمات المسرحية.
5- نصيب كل فرقة من عدد المسارح المتاحة = عدد المسارح ÷ عدد الفرق = 1 مسرح/208 فرقة


• يمتد عمل المسرح الإقليمى بإمتداد حدود مصر الجغرافية فهو يقدم الخدمة المسرحية لكافة فئات الشعب ويعمل فى كافة البيئات المصرية – رغم تباينها وتنوعها – وبدءاً من المدن ووصولاً إلى الكفور النائية.
• وكذا فهو المسرح الأكثر تأثيراً وتأثراً بالمتغيرات الإجتماعية ، وعليه يقع عبء الحفاظ على تراث الشعب وهويته ... وينعقد الأمل فى تأصيل خطابنا المسرحى ، فالمسرح الإقليمى هو الركيزة الأساسية للحركة المسرحية ، وتطوير المسرح المصرى مرهون باستنهاضه .. وهنا نؤكد على مقولة الكاتب والناقد المسرحى د/ على الراعى " أن مسرحاً يرتكز على القاهرة هو هرم مقلوب .. يستند على رأسه بدلاً من الإستناد إلى القاعدة..
ثانياً : الخدمة المسرحية (الواقع وأوجه القصور)
• تشمل خريطة عمل المسرح الإقليمى كافة محافظات الجمهورية وعددها (26) محافظة تضم حوالى (209) من المدن والمراكز والأحياء وما يقرب من (6000) من القرى والنجوع ،ويوضح الجدول التالى عدد الفرق المسرحية بالأقاليم ، وعدد المسارح المتخصصة لها ، وكذا عدد ليالى العرض المسرحى.

م نوعيات الفرق المسرحية عددها عدد المسارح المخصصة عدد ليالى العرض الواحد عدد ليالى العرض خلال العام المسرحى ملاحظات
1 فرق البيوت المسرحية 51 7 10 510






تنتج 6 عروض سنوياً فى المتوسط
2 فرق القصور 33 15 15 495
3 الفرق القومية 19 15 25 475
4 الفرق الدائمة 4 4 30 120
5 الفرقة المركزية 1 - 30 180
6 نوادى المسرح 100 - 5 500
الإجمالى 208 41 -228

أى أن نصيب الفرقة المسرحية = 19.7% من المسرح الواحد فلو أضفنا إلى هذا سوء حالة هذه المسارح وسوء تجهيزاتها لاتضح حجم الصعوبات التى تواجه العاملين بمسرح الأقاليم.

ثالثاً: المشكلات الرئيسية لمسرح الأقاليم:
1. قلة عدد الفرق المسرحية
2. قلة عدد المسارح المخصصة لهذه الفرق.
3. معظم المسارح المذكورة فى حالة سيئة وتفتقر إلى التجهيزات.
4. الحاجة إلى تدريب الكوادر المسرحية التى تعمل بالأقاليم.
5. عدم توافر إعلام جيد ينير الحركة المسرحية فى الأقاليم ويساهم بفاعلية فى التثقيف والتوعية المسرحية.
6. الحاجة إلى تحسين أحوال القائمين على النشاط المسرحى من مؤلفين وفنانين ومخرجين وإداريين ونقاد وضرورة رفع المرتبات والمكآفات .... وخلافه ، وتخصيص بدل لطبيعة عملهم .
7. افتقار الإدارة العامة للمسرح إلى التجهيزات المناسبة ووسائل الإتصال الحديثة.

رابعاً : المقترحات والحلول
1- تجديد المسارح القائمة بكافة المحافظات وتجهيزها وفقاً للتقنيات الحديثة.
2- إعادة بناء مسرح السامر الذى يمثل النافذة الرئيسية التى يطل منها فنانوا الأقاليم على العاصمة حيث الأضواء والحافز الأدبى ولتقديم عروض الفرقة المركزية.
3- إنشاء دار عرض مسرحى – على الأقل – بكل "مركز" أو "حى" فى كل محافظة على أن تضم هذه الدار:
أ- مسرحاً تقليدياً مزوداً بأحدث الأجهزة المسرحية.
ب- قاعة للعروض غير التقليدية.
ج- مركز للتدريب على فن التأليف والنقد المسرحى وكافة مفردات العرض المسرحي
د- ورشة مسرحية.
هـ- مكتبة مسرحية غنية ومتنوعة.
ز- مدرسة مسائية لتدريس العلوم المسرحية للراغبين فى الأقاليم
4- ينصح بالإستفادة من الدراسات الحديثة فى المعمار المسرحى والتى تنادى بإنشاء دور للعرض المسرحية قليلة التكاليف / سهلة التنفيذ / متعددة الوظائف" مثال الدراسة المقدمة من د/ عبد الرحمن عبده عن المسرح متعدد الوظائف"
5- زيادة أعداد الفرق المسرحية بما تناسب طردياً مع عدد المراكز والأحياء فى كافة المحافظات.
6- التنسيق مع وزارة الإعلام لتوفير تغطية إعلامية مناسبة للحركة المسرحية فى الأقاليم من خلال القنوات الإقليمية بالتليفزيون المصرى.
7- التوسع فى إصدار المجلات المتخصصة فى فن المسرح لخلق تيار نقدى مستفيض مواكب للحركة المسرحية
8- توفير عدد من المسارح المتنقلة المجهزة (26مسرح) لإستخدامها كقوافل مسرحية داخل المحافظات لحين الإنتهاء من بناء المسارح المقترح إنشائها.
9- تنشيط حركة الترجمة لمواكبة الإتجاهات العالية فى المسرح.
10- التنسيق مع وزارة السياحة لإستغلال الخصوصية السياحية لبعض المواقع فى إنتاج دراما مسرحية تتواءم معها.
11- تنظيم بعثات لتدريب الكوادر المسرحية بالبلدان المتقدمة مسرحياً.
12- إستخدام خبراء ومدربين مسرحيين ذوى خبرة وكفاءة لتدريب الكوادر المسرحية على تقنيات المسرح المعاصر.
13- تجهيز الإدارة العامة للمسرح الإقليمى بمعدات حديثة (فاكس – تليفون – كمبيوتر ومكاتب) لتسهيل أداء المهام المنوطة بها.
14- التنسيق بين الجهات المعنية بمسرح الهواة (الشباب – الشركات – المدارس – الجامعات ... الخ ) وإقامة مهرجان قومى عام سنوياً لهم .
15- العمل على تسويق المنتج المسرحى بالتنسيق مع المحطات الفضائية المصرية وقطاع الإنتاج بالتليفزيون وتحويل الإدارة العامة للمسرح الإقليمى إلى ادارة منتجة ذات عائد يدعم الحركة المسرحية.
16- تحسين أحوال العاملين بمسرح الأقاليم ورفع المرتبات والمكافآت وخلافه وتخصيص بدل طبيعة عمل لهم .

الهوامش

*** الأعمال الكاملة :المجلد الثانى: مآذن المحروسة- ابو نضارة – رواية النديم عن هوية الزعيم
*نفس المرجع السابق
1- سامى خشبة – مجلة المسرح – مارس 1983
2- وقد عرضت هذه المسرحية على خشبة المسرح القومى يناير 1987 وأخرجها الأستاذ /سعد أردش ومقسمة على جزئين وشارك فى بطولتها :يوسف شعبان ، سلوى محمود ، نبيل الحلفاوى ، وآخرون.
3- تدور احداث القصة فى مطلع القرن التاسع عشر . بمقر الحكم بالقلعة التى كانت تضم فى نفس الوقت مقر إقامة الباشا (محمد على)
4- كلام كاتب المقال إسماعيل إمام



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكاء الصناعي بين الرخاء السلبي والرخاء الاختكاري
- حيوات النص المسرحي في مفترق قراءات بن زيدان النقدية
- المسرح وصورة الوصايا السبع بين الوعي التراثي والوعي الحداثي
- المسرح المقارن والكتابة الدراماتورجية
- نهار اليقظة في المسرح المصري
- القراءة الطفولية لشهرزاد
- النموذج الصراعي والنموذج المقاوم في الشخصية المسرحية
- الفاعل السينوغرافي في فن التمثيل
- نظرية المسرح - قراءة وقراءة مضادة -
- هوية التعبير
- التعبير الحركي وإنتاج الدلالة
- مدخل لورشة كتابة مسرحية
- رجل من طينتنا
- الطاقة النغمية لألحان سيد درويش وعلاقتها بالطاقة التعبيرية ل ...
- حيوات النص في مفترق القراءات النقدية
- عم صباحا .. عم مساء
- الدائرة المغلقة بين قضاء الدولة المدنية وسدنة الافتاء الديني ...
- صورة المرأة بين الروعة والتشويه - مسرح صلاح عبد الصبور -
- تربية الإرهاب في المسرح
- جماليات الأداء بين التمثيل والغناء


المزيد.....




- -جريمة ضد الإنسانية-.. شاهد ما قاله طبيب من غزة بعد اكتشاف م ...
- بالفيديو.. طائرة -بوينغ- تفقد إحدى عجلاتها خلال الإقلاع
- زوجة مرتزق في أوكرانيا: لا توجد أموال سهلة لدى القوات المسلح ...
- مائتا يوم على حرب غزة، ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية
- مظاهرات في عدة عواصم ومدن في العالم دعمًا لغزة ودعوات في تل ...
- بعد مناورة عسكرية.. كوريا الشمالية تنشر صورًا لزعيمها بالقرب ...
- -زيلينسكي يعيش في عالم الخيال-.. ضابط استخبارات أمريكي يؤكد ...
- ماتفيينكو تؤكد وجود رد جاهز لدى موسكو على مصادرة الأصول الرو ...
- اتفاق جزائري تونسي ليبي على مكافحة الهجرة غير النظامية
- ماسك يهاجم أستراليا ورئيس وزرائها يصفه بـ-الملياردير المتعجر ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - أبو الحسن سلام - ذاكرة المسرح في الأقاليم الثقافية