أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - لماذا البكاء على عراق مُقسم منذ خمسة عشر عاماً؟















المزيد.....

لماذا البكاء على عراق مُقسم منذ خمسة عشر عاماً؟


فيصل القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1308 - 2005 / 9 / 5 - 09:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا أريد من خلال العنوان أعلاه التهوين من فظاعة المجزرة التقسيمية السايكسبيكية الجديدة التي يتعرض لها العراق الآن، لكنني أريد أن أوضح أن التقسيم حاصل منذ حوالي عقد ونصف من الزمان بمعرفة كل أعضاء الجامعة العربية التي يحذر أمينها العام هذه الأيام من مخاطر الفيدرالية ويذرف دموع التماسيح على عروبة بلاد الرافدين. وقد أسرّ لي أحد المسؤولين العارفين ببواطن الأمور قبل أكثر من تسع سنوات عندما سألته عن استراتيجية بلاده تجاه النظام العراقي قائلاً: "إن العراق كما كنا نعرفه قبل عام الف وتسعمائة وتسعين قد انتهى ولن تقوم له قائمة قبل نصف قرن من الزمان على أقل تقدير، هذا إذا قامت". وهذا ما يفسر الصمت العربي الرسمي الواضح تجاه ما يحدث للعراق هذه الأيام.

لقد غسلت الأنظمة العربية أيديها من الموضوع منذ زمن لأنها تعلم أن الذي يجري الآن على قدم وساق قد بدأ تنفيذه على نار هادئة بُعيد خروج القوات العراقية من الكويت. أما فكرة احتلال العراق وتقسيمه فربما تعود إلى خمسينيات القرن الماضي. وكم كان أحد الأصدقاء ثاقبي النظر على حق عندما قال لي بزفرة حزينة بعد سويعات من دخول القوات العراقية إلى الكويت إن العراق قد انتهى وأتحداك أنهم سيقسمونه إلى ثلاث دول. لقد اعتبرت كلام صديقي وقتها ضرباً من المستحيل خاصة وأن غبار الحرب لم تنقشع بعد، لكن صاحبنا أدرك الملعوب من اللحظة الأولى.

ولو أردنا تشبيه الوضع العراقي الآن لشبهناه بالعلاقة الزوجية التي يقيمها الأوربيون مع النساء بشكل غير قانوني. فالرجل الأوروبي يمكن أن يعيش مع شريكة حياته ردحاً من الزمان لكن دون أن يكون الزواج مسجلاً في دائرة النفوس. ويمكن أن نسميه بزواج الأمر الواقع، فما قيمة صك الزواج إذا كان الأمر حاصلاًً أصلاً على الأرض. وقد لا يجد المتزوج بشكل غير شرعي مانعاً من تثبيت الزواج في المحكمة فيما لو اضطر إلى ذلك. لكن المهم أنه يمارس حياته الزوجية بأوراق ثبوتية أو من دونها.وكذلك الأمر بالنسبة للعراق تماماً. لقد عاشت البلاد حالة تقسيم فعلي منذ عقد ونصف العقد تقريباً. ورأى المعنيون بالأمر الآن أنه لا بد من تثبيت التقسيم شرعياً أو بالأحرى دستورياً، فوضعوا دستوراً جديداً ثبت الأمر الواقع قانونياً، فاستقل الاكراد في الشمال وكذلك فعل الشيعة في الجنوب والوسط والسنة في مناطقهم مرغمين طبعاً.

يعيش الأكراد مستقلين عن الحكومة المركزية في بغداد منذ انتفاضتهم على النظام العراقي بعد غزوه للكويت عام ألف وتسعمائة وتسعين باستثناء فترة وجيزة جداً دخلت القوات العراقية خلالها منطقة أربيل داخل منطقة الحظر شمال العراق بطلب من زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني مسعود البرزاني عام ألف وتسعمائة وستة وتسعين. بعبارة أخرى فإن تدخل حكومة بغداد المركزية بالشأن الكردي لم يتم إلا بدعوة وموافقة كردية. وما عدا ذلك فقد وفر الأمريكيون الحماية للأكراد كي ينعموا بالاستقلال التام عن نظام صدام حسين. وكذلك فعلوا مع الشيعة في جنوب البلاد بعد انتفاضة عام ألف وتسعمائة وواحد وتسعين التي قمعها النظام العراقي آنذاك بقسوة بالغة خلفت وراءها مقابر جماعية للمنتفضين بعد أن غض الأمريكيون الطرف عنه لأسبابهم الخاصة. لكن الأمريكيين عادوا وحموا جنوب العراق الذي استقل بدوره فعلياً عن سلطة بغداد بعد أن انقطع حبل الود تماماً بين صدام والشيعة إثر انتفاضة الجنوب.

ألا تتذكرون ما يسمى بمنطقتي الحظر الجوي في جنوب العراق وشماله حيث كانت الطائرات الأمريكية والبريطانية تحتل فعلياً أجواء تلك المنطقتين وتمنع تحليق أي طائرات عراقية فوقهما؟ بعبارة أخرى فإن خطوط تقسيم العراق وتفتيته إلى أقاليم مستقلة كانت مرسومة جواً منذ زمن بعيد. وقد جاء الدستور العراقي الجديد ليشرعن تلك الخطوط الجوية ويضعها موضع التنفيذ الفعلي على الأرض تماماً كما يفعل الرجل الأوروبي المتزوج خارج المحكمة عندما يأتي بأوراقه الثبوتية لتثبيت زواجه قانونياً بعد أن يكون قد مارسه على أرض الواقع لعشرات السنين عُرفياً.

واعتقد أن نظام صدام حسين كان مدركاً لحقيقة التقسيم قبل أن يسقط نظامه على أيدي القوات الأمريكية عام ألفين وثلاثة. وقد وضع أحد الدبلوماسيين العرب الذي خدم سفيراً لإحدى الدول العربية في بغداد النقاط على الحروف عندما قال ذات مرة إن: "صدام حسين لم يكن رئيساً للعراق منذ خروج قواته من الكويت بل محافظاً لمدينة بغداد وضواحيها وبعض المناطق الصغيرة الأخرى." وهذا صحيح طبعاً. فقد كان الشمال والجنوب خارجين عن نطاق سيطرته تماماً ولم يكن يسيطر إلا على ذلك الجزء الذي يتهمونه الآن بالتمرد أو بالمقاومة لقوات الاحتلال وحلفائها والتصدي للمخططات الحالية لفدرلة البلاد. بعبارة أخرى فإن الوضع الجديد ليس جديداً فعلاً بل هو صدى لواقع قديم مستمر منذ اتفاق (خيمة صفوان) الذي تجرعه النظام مجبراً بعد إخراجه من الكويت.

حري بنا أن نعرف في ضوء مسلسل التقسيم المبين أعلاه إذن أن الأمريكيين لم يفكروا فجأة بتفتيت العراق إلى ثلاث دويلات بعد غزوهم له عام ألفين وثلاثة، بل رسموا المخطط منذ زمن بعيد وراحوا ينفذونه خطوة خطوة حتى اكتمل السيناريو بإخراج مسودة الدستور العراقي الجديد التي عكست الخلافات حولها الصراع القديم الجديد لتقاسم العراق وتفتيته بدءاً بانتفاضة الأكراد في الشمال مروراً بانتفاضة الشيعة في الجنوب وانتهاء بانتفاضة المثلث السني الحالية في الشرق والغرب لإحباط المخطط والحؤول دون تمرير الدستور الجديد لأنهم الأكثر تضرراً من التقسيمة النهائية التي ستتركهم يحوزون صحاري العراق بينما ينعم الآخرون بمياهه وبتروله الغزيرين.

أليس البكاء العربي الرسمي والشعبي إذن على العراق الآن وذرف الدموع على عروبته المغدورة ووحدته المهدورة ضرباً من النفاق والنحيب في الوقت الخطأ؟ إن المغدور قد قضى نحبه يا سادة منذ زمن بعيد جداً وكان حرياً بكم أن تبكوا عليه عندما قطعوه إرباً إرباً قبل حوالي خمسة عشر عاماً وليس الآن وهو في طريقه إلى المقبرة ولمجرد أنهم سجلوا وفاته رسمياًً في سجل المتوفين!!



#فيصل_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سامحكم الله يا آباءنا الطيبين!
- ليس دفاعاً عن الانفصاليين...ولكن
- لماذا أصبحت العروبة شتيمة؟
- عندما ينقلب العُربان رأساً على عقب
- الغوبلزية الجديدة
- اللعبة الإعلامية من فيتنام إلى العراق
- لماذا أصبحت القاعدة اتهام -القاعدة-؟
- يا زمان الوصل!
- هل تحتاج المرأة العربية إلى تحرير؟
- فتش عن إسرائيل!
- اضغطوا بالمقلوب كي يتحقق المطلوب!
- نكاية بأمريكا سنبقى متخلفين!
- أنسنة الإعلام العربي
- السلام الدائم شعارٌ يصلح لأبواب المقابر
- السلاميون العرب الجدد:مغفلون أم يستغفلون؟
- باي باي مناشير
- إعلام تدجيني Counter-Revolutionary
- الروتين تنكيل منظم بالشعوب العربية
- عندما يصبح -الشعب- خطراً على الديموقراطية والعالم
- تنازل أكثر تحكم أطول!


المزيد.....




- عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر
- واشنطن: سعي إسرائيل لشرعنة مستوطنات في الضفة الغربية -خطير و ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهدافه دبابة إسرائيلية في موقع ال ...
- هل أفشلت صواريخ ومسيرات الحوثيين التحالف البحري الأمريكي؟
- اليمن.. انفجار عبوة ناسفة جرفتها السيول يوقع إصابات (فيديو) ...
- أعراض غير اعتيادية للحساسية
- دراجات نارية رباعية الدفع في خدمة المظليين الروس (فيديو)
- مصر.. التحقيقات تكشف تفاصيل اتهام الـ-بلوغر- نادين طارق بنشر ...
- ابتكار -ذكاء اصطناعي سام- لوقف خطر روبوتات الدردشة
- الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على جنوب لبنان


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - لماذا البكاء على عراق مُقسم منذ خمسة عشر عاماً؟