أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كمال بالمقدم - التعصب الديني لا ينشأ اصلا إلا في غياب العقل و المنطق















المزيد.....

التعصب الديني لا ينشأ اصلا إلا في غياب العقل و المنطق


كمال بالمقدم

الحوار المتمدن-العدد: 4671 - 2014 / 12 / 24 - 23:12
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


إنـ من ينـــظر بعين العقل و يفكر بمنطقية و صدق مع نفسه فإنه سيصل إلى نتيجة واحدة مفادها : أن كـــل الطائفية شر محض و كذلك كل الخلافات القائمة على أساس الدين .

أين و متى وجدت تلكـ الخلافات ... و على أي شيء قامتـ ... و من هم الأطراف فيها ... كل تلك أمور ثانوية لا تعني شيء .. لأن النتائج دائما واحدة .. مهما أختلفت العوامل ... التعلم من التاريخ هو أمر في غاية الـــبساطة و في غاية الصعوبة في الوقت نفــسه ... و قمة العار و الخسار .. أن يسير سائر أمامكـ ثم يقع في حفرة .. ثم تسير وراءه لتقع في الحفرة نفسهــا ... يكفيك أن تنظر لحال من كانوا قبلكـ في نفس النقطة التي أنت فيها الآن و تقارن .. و تفكر .. و تستخلص .

لكن لأن التعصب الديني لا ينشأ اصلا إلا فــــي غياب العقل و المنطق .. فإن خطوة مثل هذه تبدو في حكم المستـــحيل .... التعصب الديني لا يجد بيئته المناسبة التي تدعم تطوره و إزدهــــاره إلا في الأماكن التي ينتشر فيها الجهل و يغيب فيها الــعقل .. مدفوعا برجال الدين المتعصبين .. و التفسير السيء للنصوص .. و في الأخير تقبل الفرد الذي يقاد كما تــــقاد الـــ ***** ...

إن التعصب الطائفي لا و لن يؤدي لـ أي شيء يمكن أن يفــــيد أو يطور أي أمة .. بل النتائج التي نتوقعها من تعصب طائفي كلها شر محض ... تتدرج النتائج من حرب أهلية مدمرة .. إلى زرع الفرقة و الخلاف و الكـــراهية بين أفراد المجتمع الواحد ... والمفارقة أن التاريخ يظهر أنه كلما زاد التعصب الطائفي و الديني .. كلما أعقب ذلكـ هروب و نزوح جماعي عن الدين بأسره .

من يعتقد أنه يخدم دينه بالطائفية و يدافع عنـــه .. فهو مخطيء تماما ... فليس كل الأفراد لديهم القدرة لإكتشاف أن الطائفية شر .. لكن بعد أن يكتوي الفرد بنــــارها فسيدركـ ذلك ... و يعلمه ... يعلمه علم اليـــقين ... و عندها سيكون الدين نفسه هو الــملام ..
من ينظر للتاريخ سيرى أن أوروبا مـــرت بفترات مشابهه تماما لما نمر به اليـــوم و لدرجة مثيرة للدهشة ... نفس الإنغلاق ... نفس التعصب و التطرف ... نفس الغباء و إنعدام العقـــلانية ...

_____________________________________
المكان : فرنسا - تولوز .

الزمان : 1762 .


جـــان كالاس رب أسرة في الستينات من العمر ... بروتستــانتي و عائلته كلها تنتمي للمذهب البروتستانتي ما عدى أحد أبناءه .. الذي ارتد عن مذهب العائلة البروتستانتي و تــحول إلى الكاثوليكية ... جان كالاس كان تاجر مسن بعيد عن التعصب لأبعد درجة فلم يعارض ارتداد ابنه بل و استمر بالصرف عليه و فوق كل هذا فخادمته التي ربت ابناءه و التي ظلت عنده لمدة 30 سنة كانت كاثوليكــــية .. كان هذا الابن المرتد و المسمى مارك .. غير ناجح مثل والده الناجح في التجارة .. بل كان إنطوائي و مكتئب .. و يميل للعزلة و الواحدة ...و قد فشلت مساعيه في أن يصبح تاجر أو محامي و في يوم من الأيام خسر هذا الشاب كل ما كان يملكه من المال في القمار ... لذلك قرر أن يضع حدا لحياته و في يوم من الأيام و بينما الأسرة تتناول العشاء برفقة أحد الأصدقاء .. صعقوا عندما وجودوا مارك و قد شنق نفــسه و فارق الحياة ...
كان التعصب الطائفي في تولوز على أشده وقتــها في فرنسا التي تعلن الكاثوليكية كدين رسمي للدولــة ... لذلكـ فقد أحاط السكان المتطفلون بمنزل جان كالاس و بدأت الأصوات تتعالى بأن جان كالاس قد قتل ابنـــه .. لأنه ارتد عن البروتستانتية رغم أن الجثة لم يبدوا عليها أي أثر للمقاومة .. كما أن الوالد في الـ 64 من العمر و من الصعب أن يكون قادر على قتل شاب في ريعان شبابه لذلك فقد أدعت نفس تلك الأصوات النشاز أن العائلة كلها تآمرت على قتله بما فيها الصديق الذي جعلوه بمثابة القاتل المأجور الذي زار العائلة من أجل إتمام المهمة و العديد من الاتهامات التي لا تستند على شيء سوى لغة الكراهية و التعصب و غياب العقل فهذه المدينة المتعصبة و الغارقة في الطائفـــية كانت تحتفل كل عام في مظهر شعبي يعم الشوارع بذكرى إبادة 4000 شخص بروتستانتي قبل قرنيــن و للمصادفة فقد كان موعد ذلك الإحتفال البشع قريب جدا ... و لذلك فقد ادعى المواطنون أن عائلة كلاس ستكون قرابين قد أرسلتها الألهه لكي تزين هذا الإحتفال و تزيده بهــــجة .

و كما يحصل في أي بيئة طائفية حيث يكثر الكذبـ و التقول على الطرف الآخر و مذهبه و تنتشر تلك الأقوال إنتشار النار في الهشيـــم .. و يتم تداولها بين العامة بدون أي تحقق من صدقها أو كذبـــها فإن سكان المدينة قد أصبحوا مقتنعين تمام القناعة أن هناك تعاليم في المذهب البروتستانتي تحث الأباء على قتل أبناءهم الذين يرغبون في أن يصبحوا كاثوليكـ ... و من هنا انطلقت المطالبات بإعدام الأب و بل ربما أفراد عائلته .. في مطالبة غير عقلانية لا تقوم سوى على الشكـ و الكراهية ... و كما هو حال أي قضاء ديني فاسد يقوم على أسس ومراجع دينية و مذهبية ... فقد قام قاضي تــولوز الكاثوليكي الذي نال منه الشعور بالحمية المذهبية بالإستماع لتلكـ الأصوات الغير عقلانية ... قام بالزج بعائلة كالاس كلها في السجن في تجاوز واضح و صريح للقوانين المعمول بها بل و فوق كل هذا فقد تم دفن الابن المنتحر في شعائر يملأها الإجلال و التعظيم و أصبح قبره مزاراً للزائرين و الراغبين في الصلاة و الدعاء .. بل و ادعى الناس أن معجزات قد حصلت بقرب قبره ...

اجتمع القضاة الـ 13 فلم يجدوا أي دليل يدين العائلة فلا كدمات أو طعنات أو أثار للعنف على جسد الضحية و لا أثر للمقاومة و الأب لوحده لم يكن يستطيع أن يشنق هذا الابن الذي كان فتيا و ذو بنية قوية .. و لماذا يقتله و هو الذي لم يمانع إرتداده في المقام الأول و استمر بالصرف عليه ..كما أنه من الصعب أن تجمع العائلة و تخطط بأكملها بما فيها الخادمة الكاثولوكية على أمر كهذا ... حتى الصديق الذي كان يزورهم في تلك الليلة لم يكن بعلم أصلا بإرتداد الابن فكيف يكون قد أتى خصيصا من أجل هذا الأمر كـما تدعي الجماهير المجنونة ... بل أن الخادمة نفسها ذات المذهب الكاثوليكي قد أقرت في شهادتها بأن الحادثة كانت إنتحار ... كل ذلك لم يجدي ... كان من الواضح أنه لو كان الأمر جريمة فعلا فإن العائلة كلها بما فيها الصديق ستكون متورطة و مع ذلك فلم يصدر حكم الأعدام سوى على الأب [ مبدئيا ] ...بل و تم الحكم بتهشيم عظامه قبل موته .. و كانت خطة القضاة أنه عند تهشيم عظام الأب قبل إعدامه فإنه سيعترف على البقية .. << يالها من خطة ذكية ... لكن ما حدث أنه عند تهشيم عظام الأب لم يعترف على أحد بل أصر على براءته و أعلن مسامحته للقضاة الذين اخطأوا في حقه و أنه بريء .. و عندها قررت المحكمة أن تطلق سراح بقية أفراد العائلة ... و إصدار أحكام أخف لا معــــنى لها .. و سنشرح لاحقاً لماذا لا معنى لهـــا ..

يقال أن السبب وراء هذه الأحكام هو منظر تقبل الأب المسن للمــــوت و هو على دولاب الإعدام بكل ورع .. وعفوه عن المحكمة التي ظلمتــه .. فقد جعلهم هذا يعيدون النظر و يفكرون فيما أقترفــوه ...

عموما فقد حكمت المحكمة بالتالي : حكمت بنفي الابن الأصغر ... و بمنع الأم من مقابلة بناتها .. و هذه الأحكام تتعارض مع المنطق السليم .. لانهم إما أن يكونوا أبرياء .. و إما أن يكونوا متواطئين مع الأب على الجريمة و بالتالي أعدامهم معه .. أما هذه الأحكام فإنها ليست عقوبات على شيء محدد تتهمهم به المحكمة ... لكن هذا هو كل ما نتوقعه من المحاكم الدينية .... تخبط و لا مرجعية و ضياع للحقوق ...


بعد خروج الأبن الأصغر من السجن أقــــسم على أنه تم تهديده بإعتناق المذهب الكاثوليكي و إلا فإنه سيلقى مثل مصير والـــده .. بل أنه و بعد نفيه قام أحد الكهنة باعادته إلى تولوز و أجبره على العزلة في دير للأباء و القيام بكل فروض المذهب الكاثوليــكي ... أما الأم فقد رفعت تظلم إلى محكمة باريس العليا و نجحت في الحصول على حق العودة لبناتها .. و عدن البنات لأمهن و الكل يبكي في أثواب الحداد ... مما جعل القضاة في باريس ينخرطون معهن في البكاء ... و رغم كل هذا فقد كانت هناك بعض المراكز الدينية التي أعلنت عقب ذلك أن إعدام الأب حتى لو كان بريء هو أهون من أن يكون القضاة الكاثوليك مخطئين ..


و في عام 1765 تمت تبرئه جان كالاس من التهمة المـــنسوبة له .. و تم دفع 36000 فرنكـ كتعويض لعائلته من قبل الملك !!!!!!!!!!!!


_____________________________________________


نقاط تستفاد :


1- أي نظام قضائي يقوم على مرجع ديــــني أو مذهبي هو نظام قضائي فاسد بالضرورة و غير صالح .. و يتضح هذا الأمر كلما تعددت الطوائف في المجــــتمع .
2- قانون لا يكفل الحرية الدينية هو قانون فاسد و غير منطقي و غير عادل ... و لن ينتج سوى النفاق و الخراب و العداوات .
3- كــل شخص طائفي هو في الواقع يقوم بدور ما في الصورة الكاملة للنتائج السلبية التي تنتجها الطائفية .... حتى لو لم يكن يقصد ..... فالطائفية بدون الجماهير المعتنقة لها هي : لا شيء .
4- إن من يمتنع عن الوقوف مع الحق لأسباب طائفية أو يكذب على نفسه ليبرر أن الحق ليس حق ... هو شخص لا يمكن أن يجمل من صورة ضميره ألف دين يعتنقه .
5- ضع بدلا من الكاثوليك و البروتستانت ... السنة و الشيعة و انظر لأوجه التشابه و كن صادق مع نفسك ...
6- لم يكن الغرب دوما متمدن و متحظر ... إذن التخلف ليس أمر عرقي أو جغرافي و الإصلاح ليس مستحيل .


هذه صفحة من صفحات تاريخ الغرب المتمدن .. و على وجه الخصوص فرنسا بلد الحرية و موطن ثــــورة الأنوار ... أقدمها لكل صاحب عقل ليقرأ و يستخلص بنفسه .. و يفكر و يتأمل ... أين كانوا و لماذا وصلوا ... بدون فرض أي أفكار من طرفي .. أنتم مع أنفسكم فقط .!



#كمال_بالمقدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخلاقياتنا المغلقة و مقاييسها التي لا قيمة لها في مجتمع آخر ...
- الرّق الثاني : التنوير هو الحل
- الرَّق الاول : رسالة من كافر
- بين النقد المنطقي و بين الإبتذال و الإسفاف
- نحن أقدم و أعرق من الاسلام
- حياة الملحد هي حياة حيوانية !!!!
- البحث عن الحقيقة
- عدالة ربانية
- قميص عثمان
- تصرف بدائي قديم تجاوزته المجتمعات المتحضرة
- العلمانية هي الحل
- خرافة مطمئنة
- ازمة هوية
- السلفية والأصولية
- حسن الخاتمة وأثرها السيئ على الاخلاق
- قريش بين شرعية النبوة ومشروعية السؤال
- منطق حول قصة الخلق
- انتباه ! القرآن يحاجج
- دين افضل من دينك
- امور لا يقبلها العقل


المزيد.....




- بسبب متلازمة -نادرة-.. تبرئة رجل من تهمة -القيادة تحت تأثير ...
- تعويض لاعبات جمباز أمريكيات ضحايا اعتداء جنسي بقيمة 139 مليو ...
- 11 مرة خلال سنة واحدة.. فرنسا تعتذر عن كثرة استخدامها لـ-الف ...
- لازاريني يتوجه إلى روسيا للاجتماع مع ممثلي مجموعة -بريكس-
- -كجنون البقر-.. مخاوف من انتشار -زومبي الغزلان- إلى البشر
- هل تسبب اللقاحات أمراض المناعة الذاتية؟
- عقار رخيص وشائع الاستخدام قد يحمل سر مكافحة الشيخوخة
- أردوغان: نتنياهو هو هتلر العصر الحديث
- أنطونوف: واشنطن لم تعد تخفي هدفها الحقيقي من وراء فرض القيود ...
- عبد اللهيان: العقوبات ضدنا خطوة متسرعة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كمال بالمقدم - التعصب الديني لا ينشأ اصلا إلا في غياب العقل و المنطق