أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ناظم الماوي - الإنتخابات فى تونس : مغالطات بالجملة للجماهير الشعبية من الأحزاب اليمينية و اليسارية الإصلاحية















المزيد.....



الإنتخابات فى تونس : مغالطات بالجملة للجماهير الشعبية من الأحزاب اليمينية و اليسارية الإصلاحية


ناظم الماوي

الحوار المتمدن-العدد: 4670 - 2014 / 12 / 23 - 23:53
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الإنتخابات فى تونس :
مغالطات بالجملة للجماهير الشعبية من الأحزاب اليمينية و اليسارية الإصلاحية

" داء البرلمانية ... يشدّ المصابين به إلى عالم خيالي و يسلبهم كلّ عقل و كلّ ذكرى و كلّ فهم للعالم الخارجي الفظّ ."
( ماركس - " الثامن عشر من برومير لويس بونابرت " )
---------------------------------------------------
" قد كان الناس و سيظلّون أبدا ، فى حقل السياسة ، أناسا سذجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم ، ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الإجتماعية . فإنّ أنصار الإصلاحات و التحسينات سيكونون أبدا عرضة لخداع المدافعين عن الأوضاع القديمة طالما لم يدركوا أن قوى هذه الطبقات السائدة أو تلك تدعم كلّ مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و إهتراء . "
( لينين – " مصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة " ).
--------------------------------
الواقع أنه ليس في العالم إلا حرية ملموسة وديمقراطية ملموسة ، وليس هناك حرية مجردة وديمقراطية مجردة . فإذا تمتعت الطبقات المستثمِرة بحرية استثمار الشغيلة ، في مجتمع يدور فيه النضال بين الطبقات ، حرم الشغيلة من حرية مناهضة الاستثمار . وإذا تمتعت فيه البرجوازية بالديمقراطية حرمت منها البروليتاريا والشغيلة. إن بعض البلدان الرأسمالية تسمح بوجود الأحزاب الشيوعية بصورة شرعية ، ولكن بالقدر الذي لا يؤدي إلى الإضرار بمصالح البرجوازية الأساسية ، أما إذا تجاوز الأمر هذا الحد فلن تسمح بوجودها .
إن من يطالبون بالحرية المجردة وبالديمقراطية المجردة يعتبرون الديمقراطية غاية بحد ذاتها ولا يسلمون بأنها وسيلة . قد تبدو الديمقراطية في بعض الأحيان كأنها غاية ، ولكنها ليست هي في الحقيقة إلا وسيلة فالماركسية تشير إلى أن الديمقراطية جزء من البناء الفوقي ، وأنها تدخل في باب السياسة . وهذا معناه أن الديمقراطية ، في آخر الأمر ، تخدم القاعدة الاقتصادية . ونفس التفسير ينطبق على الحرية . فالديمقراطية والحرية نسبيتان وليستا مطلقتين ، ولقد ظهرتا وتطوّرتا عبر عصور التاريخ . "
( ماو تسى تونغ - " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب " ،
دار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين 1966 ).
----------------------------------------
" فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن " الديمقراطية " دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ . طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات، لن توجد " ديمقراطية للجميع " : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها . المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم وإذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها ، سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه ."
بوب أفاكيان - مقولة مثلما وردت فى القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري - الولايات المتحدة الأمريكية ،2008.

" ما نراه فى نزاع هنا هو الجهاد من جهة و ماك العالمية / ماك الحرب من جهة أخرى و هو نزاع بين شريحة ولّي عهدها تاريخيا ضمن الإنسانية المستعمَرة و المضطهَدة ضد الشريحة الحاكمة التى ولّي عهدها تاريخيا ضمن النظام الإمبريالي . و هذان القطبان الرجعيان يعزّزان بعضهما البعض ، حتى و هما يتعارضان . و إذا وقفت إلى جانب أي منهما ، فإنك ستنتهى إلى تعزيزهما معا . "
بوب أفاكيان – " التقدّم بطريقة أخرى" ، جريدة " الثورة " عدد 86 ، 29 أفريل 2007 .

=============================================================

مقدّمة :
أسدل الستار على مراطون الإنتخابات التشريعية و الرئاسية فى تونس 2014 و إنتهت المسرحية البرجوازية ذات الفصول الدراماتيكية حينا و الهزلية أحيانا . و لم تكذّب الأحداث توقعات الكثيرين فمن ناحية ، قاطعها كما كان من المنتظر أكثر من نصف السكّان الذين لهم حق قانونيّا التصويت و لم يسجّلوا أنفسهم أصلا و حتى ضمن الذين سجّلوا كانت نسبة المقاطعة زهاء الثلث فى التشريعية و حوالي الأربعين فى المائة فى الرئاسيّة ؛ و من ناحية ثانية ، كما كان من المنتظر أيضا ، فاز حزب نداء تونس الدستوري الرجعي الذى أعاد تجميع الدساترة بشكل عام و أضاف إليهم بعض الوجوه النقابيّة و الحقوقيّة ليظهر بثوب جديد غالط من ليس له وعي سياسي كافى ليتعرّف على حقيقة الأحزاب و طبيعتها الطبقية، فاز بالعدد الأكبر من مقاعد ما يسمى بمجلس نواب الشعب و إن لم يحصل على الغالبية المطلقة كما فاز برئاسة " الجمهورية " و بذلك وجد حزب النهضة الذى كان يحكم عبر الترويكا التى كان يقودها نفسه فى المرتبة الثانية ، على أنّ حلفاء نهضة من الأحزاب السابقة منيت بخسارة قد تعتبر ساحقة .
1- إعادة ترتيب بيت أحزاب الطبقات الرجعية الحاكمة :
و تطفح على سطح المشهد السياسي الآن أكثر من أي زمن مضى حقيقة أنّ القوى السياسية المعبّرة عن مصالح الطبقات الرجعية الحاكمة المتحالفة مع الإمبريالية العالمية و الممثّلة لهذه الطبقات و هذه الإمبريالية قد أتمّت الفصل الأخير من عمليّة إعادة ترتيب البيت الرجعي و ترميمه . فالسيناريو الذى جدّ فى مصر بصورة عامة يعاد تطبيقه فى تونس ( طبعا دون نسيان نقاط الإختلاف الكثيرة ) . لمّا واجه نظام دولة الإستعمار الجديد ضغطا شعبيّا فى مصر ، أبعد مبارك كما أُبعد من قبله بن علي فى تونس من الواجهة و طُبخت فى الحالتين مسرحيّة إنتخابية تمّ على إثرها تسليم جزء معيّن من السلط للإسلاميين الفاشيين أعداء الشعب و النساء و للإمبريالية عملاء ، ضمن إتفاق مع الإمبريالية العالمية و الطبقات الرجعية يبقى على أهمّ مقوّمات الدولة دون مساس و نقصد بوجه خاص الجيش الذى إختفظ بسلط حاسمة فى مصر و لعب دورا مركزيّا فى تونس و مصر ما بعد الإنتفاضة الشعبية . و بعد مدّة من الزمن ، أعادت القوى التى كان مبارك رأس حربتها فى مصر و بن علي رأس حربتها فى تونس تنظيم صفوفها بالتعاون مع الإمبريالية العالمية و عادت إلى المسرح بقوّة لتمسك من جديد بمقاليد الحكم و تثبّت أكثر مؤسّسات دولة الإستعمار الجديد و تحكم قبضتها على المجتمع و تضع الإسلامييّن الفاشيّين حلفاءها التاريخيين فى المكان التى إختارته لهم كقوّة إحتياطيّة . أمّا الأصوليّون الإسلاميون الفاشيّون الذين لم يمتثلوا إلى الأوامر و لم يقلبوا بالأمر الواقع و تجاوزوا الحدود المسموح بها من قبل الطبقات الرجعية الحاكمة و الإمبريالية العالمية فى الوقت الراهن و عملوا على بلوغ برنامجهم الإقصى – الخلافة و الدولة الأوتوقراطية - فووجهوا بالحديد و النار فى كلا البلدين .
و هكذا ، يمكن أو نعتبر بصيغة ما أنّ ما حصل منذ 2011 خطوة إلى الأمام و خطوتان إلى الوراء بمعنى أنّ الإنتفاضة الشعبية خطوة إلى الأمام و تسليم السلطة للإسلاميين الفاشيين ثمّ عودتها إلى العسكر فى مصر أو إلى الدساترة فى تونس خطوتان إلى الوراء . و بذلك أغلقت دائرة إبعاد العسكر و الدساترة بعودتهم إلى الحكم بشكل واضح و إن بوجوه جديدة و فى ظروف جديدة .
2- من مغالطات اليمين :
لقد تميّزت الحملة الإنتخابيّة التشريعية و الرئاسيّة فى معظمها بسُحب من المغالطات التى غطّت السماء ثمّ إنصبّت أمطارا من التضليل على رؤوس سكّان البلاد بواسطة وسائل الإعلام و الدعاية بشّتى الطرق التى سخّرت للغرض . و بإعتبار كثافة تلك الأمطار التضليليّة ، سنكتفى فى هذا المقال بتناول بعض المغالطات التى نرى أنّها تحتاج إلى الإبراز أكثر من غيرها فى الوقت الراهن و التى صدرت عن الأحزاب الأهمّ فى هذه المعارك الإنتخابية لديمقراطية دولة الإستعمار الجديد .
أ- من مغالطات النهضة :
لقد بنت " النهضة " / النكبة الإسلامية الفاشيّة الشقّ الغالب من خطابها على تخويف المواطنين من عودة " التجمعيين " و " الدساترة " أو " عودة الإستبداد " فى الوقت الذى كانت فيه تغازل بن علي إلى أيّام قليلة قبل 14 جانفي 2011 و تشهد على ذلك تسجيلات فيديو و أخرى صوتيّة و رسائل مكتوبة ؛ و فى الوقت الذى فتحت فيه أبواب حزبها لإستيعاب أكبر عدد ممكن من الذين تطلق اليوم صرخة فزع ضدّهم. و قد بيّن ما جرى فى المدّة الأخيرة من إنتخاب لنائب رئيس حزب النهضة نائبا لرئيس ما يسمى بمجلس نواب الشعب مدى تحالف الإسلاميين الفاشيين مع " الدساترة " على أرض الواقع و بالملموس و من وراء الستار .
و فى حين أقامت النهضة / النكبة الإسلامية الفاشيّة هجماتها الدعائيّة بلا خجل على مناهضة " الإستبداد " لم تتقاطع مصالحها الحزبيّة و الطبقيّة عمليّا ؛ كما رأينا ، مع المقصودين بذلك فقط بل إنّ حزب راشد الغنّوشي عينه قد مارس و تفنّن هو الآخر وهو على رأس الترويكا و متمترسا فى أجهزة السلطة فى ممارسة أصناف من الإستبداد خبرتها الجماهير الشعبية على أكثر من صعيد كما عبّد الطريق و ساند بوسائل مختلفة أصنافا من الإرهاب .
و من الفصول الهزلية للمسرحية الإنتخابيّة أنّ النهضة / النكبة الإسلامية الفاشية فى مراوغة من مراوغات خطابها المزدوج ، إدّعت وقوفها على نفس مسافة الحياد تجاه المترشّحين للإنتخابات الرئاسية و الحال أنّها وضعت ثقلها الميداني واقعيّا و بالملموس وراء الرئيس المؤقّت السابق !
ب- من مغالطات حزب نداء تونس :
و تجدر الملاحظة بداية أنّ هذا الحزب الذى له من العمر سنتان و نصف السنة تقريبا قد أحسن إستغلال الأحزاب القديمة نسبيّا فى الساحة السياسية فعقد معها فى مناسبات عديدة تحالفات . وفيما ذهب الظنّ ببعض قادة تلك الأحزاب القديمة نسبيّا إلى أنها ستستفيد من هذا التحالف وتحقّق مكاسبا شخصيّة و أخرى فئويّة ، إمتصّ الحزب الجديد رحيق تلك الأحزاب و عطرها أي قواعدها و القريبين منها و من كلّ تحالف عقده خرج أقوى فأقوى و خرج المتحالفون معه أضعف فأضعف و إنهارت أغلبيّتها تقريبا فى الإنتخابات التشريعية الأخيرة بعد أن تركها فجأة و دون سابق إعلام حزب السبسي ليدخل الإنتخابات بقائماته الخاصة . و من هنا ، إلى حدود معيّنة و بمعنى معيّن ، يمكن قول إنّ تلك الأحزاب و الجبهة الشعبيّة التى تحالفت مع ذلك الحزب الذى لا يخفى رموزه الأهمّ هويّتهم السياسية الدستورية و إنّما تراهم و تسمعهم يفاخرون بها و أسبغت عليه الشرعية الشعبية و حتى تذيّلت له فى إعتصام باردو – الرحيل هي التى مدّت ( دون التغاضي عن العلاقات الدولية و الطبيقية الداخلية ) بقدر لا يستهان به من أسباب القوّة .
و قد شيّد هذا الحزب الجديد / القديم ( الجديد فى تشكّله و القديم بأطروحاته و قياداته و علاقاته و إمتداداته ) صرح خطابه الإنتخابي على التمايز و نقد تجربة الترويكا و خاصّة النهضة و ما أفرزه حكمها من وبال على الفئات و الطبقات الشعبية و غيرها من الفئات و الطبقات إلاّ أنّه فى أكثر من مناسبة مدّ للنهضة يد المساعدة و أنقذها ( مثال ذلك أثناء ما أطلق عليه الحوار الوطني ) ثم مؤخّرا إنتخب نائب رئيس حزب النهضة إلى منصب نائب رئيس مجلس نواب الشعب و غير هذه التقلّبات و المغالطات كثير و ممكن جدّا مستقبلا بالرغم من أنّ نسبة من القواعد و المواطنين الذين صوّتوا لهذا الحزب الجديد / القديم فى الإنتخابات التشريعية و الرئاسيّة قد ينفضّوا من حوله لإقترابه من الإسلاميين الفاشيين . لذلك نراه و النهضة يسلكان سياسة " القطرة قطرة " لتمرير التحالفات العسيرة الهضم و يبرّرانها ب" المصلحة العليا للبلاد ".
و لو أمكن لنا التعميم و تشبيه ما يجرى بين الحزبين الكبيرين هنا بما يحصل عالميّا لقلنا إنّ هذا يشبه ( و طبعا دون التغاضى عن الفروقات الضخمة و الجمّة ) ما يجرى فى أكثر من بلد و الأمر غاية فى الوضوح مثلا فى أنجلترا و حزبي العمّال و المحافظ و الولايات المتحدة الأمريكية و الحزبين الجمهوري و الديمقراطي ... و فى كلّ إنتخابات نشاهد الحزبين إياهما فى إنجلترا و فى الولايات المتحدة يتنافسان بشدّة أحيانا لكنّهما لا يختلفان جوهريّا فى خدمة الطبقة الحاكمة و قبل الإنتخابات و بعدها يتعاونان و حتّى يشرك أحدهما الآخر فى النهوض ببعض المسؤوليّات و إحتلال بعض المناصب .
و هنا نلفت النظر إلى نقطة لأهمّيتها لا يجب أن تغيب عن أنظارنا حاضرا و مستقبلا هي أنّ البرنامج الإقتصادي و الإجتماعي الذى طبقته الترويكا و على رأسها النهضة / النكبة الإسلامية الفاشيّة طوال السنوات الثلاث الماضية ما هو إلاّ البرنامج الذى أعدّه رئيس حزب نداء تونس لمّا كان وزيرا أوّلا سنة 2011 وهو إمتداد جوهريّا لذات برنامج بن علي الذى أملته مصالح الإمبريالية العالمية والطبقات الرجعية المحلّية . و لا نعتقد أنّ الحزبين الكبيرين إيّاهما سيختلفان كثيرا بصدد هذه القاعدة الصلبة التى توحّدهما موضوعيّا و طبقيّا و التى من أجل تطبيقها دون معارضة شعبيّة متوقّعة من المرجّح أن يتوغّلا فى طريق الإلتقاء على أكثر من صعيد و يعقدا تحالفات خدمة لدولة الإستعمار الجديد و مواصلة لإستغلال و إضطهاد الطبقات و الفئات الشعبية و نهب ثروات البلاد .

3- من مغالطات اليسار الإصلاحي :
أ- من مغالطات الجبهة الشعبية :
و تتمادى الجبهة الشعبيّة فى بثّ الأوهام حول الإنتخابات و الديمقراطية البرجوازية عموما و ديمقراطية الإستعمار الجديد خصوصا فتوهم مناضليها و مناضلاتها و المتعاطفين معها و من تنتصب آذانهم ليستمعوا لها من الفئات و الطبقات الشعبية بأنّ وجود عناصر منها فى مجلس نواب الشعب قد يغيّر توجّهات دولة الإستعمار الجديد و سياساتها و خياراتها .
بداية و قبل كلّ شيء دعونا نذكّر القرّاء بأنّ أحزاب الجبهة الشعبية شأنها شأن الأحزاب القانونية الأخرى قد وقّعت على قانون اللعبة الإنتخابية و المسرحية الديمقراطية البرجوازية لدولة الإستعمار الجديد أو ديمقراطية دولة الإستعمار الجديد و مفروض عليها إحترام إلتزامات الدولة ، هذه الإلتزامات التى تحدّد سياساتها الرئيسية والتوجّهات الكبرى لبرامجها الإقتصادية والإجتماعية و السياسية والثقافية .
و ثانيا ، لدينا تجربة السنوات القريبة الماضية بالقطر وهي تفيدنا بأنّ ما من عناصر معارضة إصلاحية ( و لا ثوريّة – وهي لم توجد ) تمكّنت من صدّ السياسات الرجعية و ما أجبر الترويكا على التراجع على مسائل معيّنة فى ظروف معيّنة هو النضال الجماهيري الشعبي بمختلف أشكاله . و تثبت لنا تجارب أقطار أخرى عربيّة و غير عربيّة أنّ العناصر اليسارية الإصلاحية المعارضة تعدّ جزءا من الديكور الديمقراطي البرجوازي لا أكثر و لا أقلّ و فى الوقت الذى تتخيّل فيه هذه العناصر الإصلاحية أنّها تستغلّ المنبر البرلماني المتاح ، فى الواقع القوى الرجعية هي التى تستغلّ تلك العناصر لتسبغ على سياساتها الرجعية طابع الديمقراطية و الشرعية.
و لنا نحن الماويّون تجارب هامة عالميّا و من ذلك ما حصل فى النيبال حيث عقب عشر سنوات من حرب الشعب إنتصر داخل الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) خطّ تحريفي ديمقراطي برجوازي أوقف حرب الشعب و فكّك أجهزة السلطة الحمراء فى ثمانين بالمائة من البلاد و شارك فى الإنتخابات أواسط العقد الأوّل من القرن الواحد و العشرين و فاز فيها بالعدد الأكبر من مقاعد النواب فى البرلمان الجديد و شكّل حكومة ترأسها قائد الحزب نفسه . و ها قد مرّت السنوات و السنوات و لم يتغيّر شيء فى وضع الجماهير و لم يتمكّن من صياغة دستور و لا من إدخال الإصلاحات التى وعد بها بل وقع الإنقلاب عليه فى أكثر من مناسبة و نظرا لتعهّداته بترميم الدولة عوض تحطيمها لم يفلح سوى فى مغالطة الجماهير و إغضابها و شقّ صفوف الحزب الذى بات أحزابا تنخرها أوهام الديمقراطية البرجوازية .
إلى هذا توصل الإصلاحية و التحريفية بما هي فكر برجوازي فى صفوف الحركة الشيوعية ، إلى هذا يوصل التعويل على الأوهام الديمقراطية البرجوازية عوض النضال البروليتاري الثوري إنطلاقا من علم الشيوعية .
و ثالثا ، يطمس متمركسو الجبهة الشعبية و ناطقها الرسمي حقيقة أنّه فى المجتمع الطبقي لا وجود لديمقراطية " خالصة " خارج الطبقات و يمرّغون فى الوحل الحقيقة التى لخّصها لينين فى مقولته :
" طالما هناك طبقات متمايزة ، - و طالما لم نسخر من الحسّ السليم و التاريخ ، - لا يمكن التحدث عن " الديمقراطية الخالصة "، بل عن الديمقراطية الطبقية فقط ( و نقول بين هلالين إنّ " الديمقراطية الخالصة " ليست فقط صيغة جاهلة تنم عن عدم فهم لنضال الطبقات و لجوهر الدولة على حدّ سواء ، بل هي أيضا صيغة جوفاء و لا أجوف، لأنّ الديمقراطية، ستضمحلّ ، إذ تتطور فى المجتمع الشيوعي و تتحوّل إلى عادة، و لكنها لن تصبح أبدا ديمقراطية " خالصة ".)

( " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي " - ص18)

و إلى ذلك مضت الجبهة الشعبية أشواطا فى بثّ الأوهام بصدد الإسلاميين الفاشيين أعداء الشعب و النساء و للإمبريالية عملاء ، فهي تقدّمهم على أنّهم ديمقراطيون وجب " التعايش " معهم . و مفردة " التعايش " هذه المتكرّرة فى خطاب قيادات الجبهة الشعبيّة و ليس فى خطاب ناطقها الرسمي فقط ، تعكس الإلتزامات التى أمضت عليها الأحزاب القانونية من جهة ، و تستهين من الجهة الأخرى بالنضالات الشعبيّة التى دعت إلى الإطاحة بحكم الإسلاميين الفاشيين و محاسبتهم على جرائمهم المتنوّعة فى حقّ الشهداء و الجماهير الشعبية . إنّ متمركسو الجبهة الشعبيّة بموجب إلتزاماتهم وإصلاحيتهم يروّجون لل" تعايش " السلمي بينهم و بين الإسلاميين الفاشيين الداعين إلى إيجاد خلافة سادسة و قطع الأيدى و سحل المعارضين و إنتهاك حقوق النساء و تكريس الأفكار و العادات القروسطية و ما شابه و بالتالى يدعون إلى التعايش السلمي مع أعداء الشعب عموما و إلى " الوحدة الوطنية " و " الحوار الوطني " بين الطبقات المتعادية بما يساهم فى جعل المضطهَدِين و المستغَلّين سلبيين تجاه ما يسلّط عليهم من إضطهاد و إستغلال و فى تأبيد الوضع السائد و من ثمّة بمثالية يكرّسون نهاية الصراع الطبقي طمسا لحقيقة موضوعية فى المجتمعات الطبقية و ما تستدعيه هذه الحقيقة الموضوعية من نضال بروليتاري واعي ضد الطبقات المستغِلّة و الإضطِهادية و أحزابها و مؤسساتها و أفكارها . بعبارات أخرى ، من وجهة نظر شيوعية ماوية ثوريّة ، إزاء أعداء الجماهير الشعبية ، إزاء ممثلى دولة الإستعمار الجديد و الطبقات الحاكمة المتحالفة مع الإمبريالية العالمية و التى تمارس دكتاتوريّتها على الفئات و الطبقات الشعبية ، يترتّب على المناضلين و المناضلات فى سبيل تحرير الإنسانية من جميع أشكال الإضطهاد و الإستغلال الجندري و الطبقي و القومي أن يخوضوا الصراع الطبقي بكافة مستلزماته من منظور بروليتاري ثوري للإطاحة بأعداء الشعب و ممارسة الدكتاتورية الديمقراطية ضدّهم فى إطار دولة جديدة ثورية هي دولة الديمقراطية الجديدة و التقدّم نحو الإشتراكية فالشيوعية كجزء من الثورة البروليتارية العالمية و غايتها الأسمى الشيوعية على الصعيد العالمي .
ولا يفوتنا هنا التعرّض إلى الورطة التى وضعت فيها الجبهة الشعبية الكثير من المناضلين و المناضلات نتيجة المغالطات بشأن الإنتخابات الرئاسيّة . ففى الدور الثاني للإنتخابات الرئاسيّة ، وجد أنصار تلك الجبهة الإصلاحية أنفسهم أمام خيار يفضح طبيعة الأوهام الديمقراطية البرجوازية لدى من له عيون ليرى و آذان ليسمع و لا يسلك سياسة النعامة . ففى نهاية المطاف وهو زبدة الإنتخابات الرئاسيّة ، بقي مرشّحان رجعيّان إثنان أحدهما مدعوم من النهضة / النكبة الإسلامية الفاشيّة و آخر على رأس الحزب الدستوري القديم / الجديد . و كان منطق مسرحية الديمقراطية البرجوازية عامة يفرض على أنصار الجبهة إختيار أحد المترشّحين فوجد البعض ذلك أمرا مهولا و غير مقبول لا يمكن تحمّله فإنتفضوا و دعوا علنا تارة و سرّا طورا آخر إلى مقاطعة الإنتخابات الرئاسيّة . فى حين نادى رموز من حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد بضرورة الإصطفاف وراء ممثّل الدساترة دون قيد أو شرط قبل أن تعلن الجبهة إيّاها موقفها الرسمي الذى طال إنتظاره لحوالي أسبوعين لتخرج ببيان أوّل يتضمّن مغالطة كبرى إذ قيّمت تجربة الرئيس السابق على أنّها سلبيّة و بالتالى مدانة و دعت إلى " قطع الطريق " على عودته إلى الرئاسة و هذا فى حدّ ذاته إنتصار جلي إلى منافسه أي مرشّح حزب نداء تونس غير أنّ الجزء الآخر من البيان تحدّث بهمهمة و غمغمة عن تخوّفات من عودة " بقايا النظام السابق " طامسا الطبيعة الطبقيّة الحقيقية لحزب السبسي الرجعي ، فى مناورة لفتح قنوات حوار مع هذا الأحزب الأخير والسعي إلى الحصول على وعود أو بعض فتات الموائد . و قبل يوم من ما يسمّى بيوم الصمت الإنتخابي أي قبل أكثر بقليل من 24 ساعة من بداية عمليّة الإقتراع ، صدر بيان آخر عن الجبهة إثر لقاء قيادات لها مع رئيس حزب نداء تونس ليتّسم بوضوح أكبر فى نواحى و ضبابيّة فى نواحي أخرى حيث تبخّرت الإحترازات تجاه هذا الحزب القديم / الجديد و جرت الدعوة فى النقطة الأولى إلى المشاركة بكثافة فى الدور الثاني من الإنتخابات الرئاسية و فى النقطة الثانية ، إلى عدم التصويت للمرزوقي و حفاظا على وحدة صفوف الجبهة صيغ موقف مزدوج يترك المجال للناخبين و الناخبات بالتصويت أو عدم التصويت لمنافس المرزوقي . و من ثمّة رغم المراوغات و المداورة و المناورة إنتهت الجبهة موضوعيّا إلى الإصطفاف رئيسيّا وراء حزب نداء تونس الذى تحالفت معه قبلا فى إطار جبهة الإنقاذ ضد الترويكا بقيادة النهضة علما و أنّ حزب العمال التونسي ( حينها كان حزب العمال الشيوعي التونسي ) قد تحالف سابقا مع النهضة فى إطار تحالف 18 أكتوبر . و قد يستهزأ أحدهم باليسار الإصلاحي ملاحظا أنّه بات كرة تتلاعب بها القوى الرجعية !
ب- من مغالطات حزب الكادحين الوطني ديمقراطي و الحزب الوطني الإشتراكي الثوري :
لقد سبق و أن حلّلنا فى مقالات سابقة لجوء حزب الكادحين الوطني الديمقراطي إلى مغالطة نفسه و الجماهير حينما صرّح فى بيان مشترك له مع حزب النضال التقدّمي أنّ من أهمّ أسباب مقاطعة الإنتخابات تأثير المال السياسي و الفساد الإعلامي و كشفنا أنّ هذين السببين ينمّان عن مراوغة و مخاتلة لأنّ العمليّة الإنتخابيّة فى الديمقراطية البرجوازية عامة و فى ديمقراطية الإستعمار الجديد خاصة تخضع دائما و أبدا إلى تأثير المال السياسي و سلطة الإعلام المنحاز ما يفضح أنّ هذين الحزبين ليسا ضد الإنتخابات الديمقراطية البرجوازية و أوهامها و إنّما يريدان فقط توفير شروط أفضل لهما للمشاركة فيها كغيرهما من الأحزاب الإصلاحية .
و يهمّنا أن نؤكّد مجدّدا أن حزب الكادحين الوطني الديمقراطي يتوخّى فى تعاطيه مع الواقع المثالية و البراغماتية / النفعية عندما يُحلّ الوهم محلّ الحقيقة العلمية الموضوعية . فمثلا فى نصّ " ملاحظات سريعة حول نتائج الإنتخابات التشريعية " المؤرخ فى 9 نوفمبر 2014 ، فى نقطته الأولى يوحى بأنّ من قاطع طبّق تكتيكا سياسيّا واعيا طبقيّا لغايات جليّة و بتأثير بعض المجموعات المقاطعة ( أثبت تاكتيك المقاطعة أنه تاكتيك شعبي فنسبة المقاطعين للتسجيل والاقتراع تقارب ثلثي من يحق لهم التصويت ) و هذا التعميم يجافى الحقيقة فهو لا يصحّ إلاّ على قلّة قليلة جدّا أمّا غالبية المقاطعين فقاموا بذلك لأسباب لا تحصى ولا تعدّ و من أنواع متنوّعة للغاية و من المبالغة المثالية البراغماتية النفعية أن يعتبر النصّ إيّاه فى نقطته الثالثة أنّ " ملتقى مقاطعة الإنتخابات ... قد أربك الرجعية " و أنّ " الرجعية حاصرته إعلاميّا و أمنيا دون جدوى " فمن الأرجح واقعيّا ( حتّى لا ندخل فى المزايدات ) أن نسبة عالية من المقاطعين قد تصل التسعين فى المائة لم تسمع أصلا عن هذا الملتقى !
لن يجدى التطاوس و مغالطة النفس و الآخرين و قراءة الواقع قراءة مثالية براغماتية نفعا فى التقدّم بالوعي الثوري للمناضلين و المناضلات و الجماهير الشعبية ؛ ما نحتاجه فى تعاطينا مع الواقع الموضوع و الذاتي هو تفسير الواقع المادي الموضوعي تفسيرا علميّا ماديّا جدليا من أجل تغييره تغييرا ثوريّا من منظور الشيوعية الثوريّة . و هذا لم يفقه منه شيئا حزب الكادحين الوطني الديمقراطي بمثاليّته و براغماتيّته و الشيء نفسه ينسحب على الحزب الوطني الإشتراكي الثوري الذى يتّخذ بلا مبدئيّة صارت من ميزاته المعروفة الموقف و نقيضه و بمثالية و براغماتية يلوّن واقع موضوعي بالألوان التى يراها تخدم تكتيكاته الإنتهازية . فقد وظّف بإنتهازية مقولات للينين و الأممية الشيوعية الثالثة ليدعو إلى المشاركة فى الإنتخابات التشريعية لدولة الإستعمار الجديد و شارك هو نفسه بأربع قائمات . و فجأة طفق فى الإنتخابات الرئاسيّة و تحديدا فى دورها الثاني يدعو إلى المقاطعة و يلعن شرعيّة التداول السلمي على السلطة !
و بينما نقد نقدا لاذعا الجبهة الشعبية و سياساتها المتواطئة مع السفارات الأجنبيّة ، ألفيناه فى الكثير من الجهات يساند قائمات هذه الجبهة ! و ليس هذا سوى غيض من فيض عن مغالطات هذا الحزب الإصلاحي الماركسي المزيّف التى عرّينا فى كتب و مقالات تجدونها على موقع الحوار المتمدّن ( بمكتبة الحوار المتمدّن و بالموقع الفرعي لناظم الماوي ) .
4- اليمين و اليسار الإصلاحي يبثّان معا و فى إنسجام الأوهام الديمقراطية البرجوازية :
كالقرص المشروخ تكرّرت على مسامعنا ترسانة خطاب ديمقراطي برجوازي عامة و خاصة ديمقراطية دولة الإستعمار الجديد . و إستوى فى إستخدامها اليمين و اليسار الإصلاحي و نظرا لكون المجال فى هذا المقال لا يسمح بالإبحار فى دراسة و تحليل و تفكيك منهجي لكافة ركائز و عناصر هذه الترسانة سنكتفى هنا بالتوقّف عند مصطلحات مفاتيح تساهم حاليّا بقسط كبير فى مغالطة المناضلين و المناضلات و الجماهير الشعبية و فى بثّ الأوهام الديمقراطية البرجوازية .
و ننطلق مع مصطلح " الديمقراطية " التى تستدعى كتبا للإنكباب عليها بالتحليل تاريخيّا و حاضرا عبر العالم و محليّا . لذا حسبنا هنا أن نشير إلى كون اليمين و اليسار الإصلاحي متّفقين على أنّ الديمقراطية غاية فى حدّ ذاتها و أنّها فوق الطبقات لذلك يشعر المرء وهم يتحدّثون عن الديمقراطية و كأنّهم يقدّسونها أيما تقديس و كأنّها الحلّ السحري لكافة تناقضات المجتمع الإنساني و أمراضه .
و من اليمين لا ينبغى للشيوعيين أن يستغربوا ذلك لأنّه نابع عن نظرته للعالم و يخدم مصالحه الطبقية بيد أنّه عليهم ، إلى جانب فضح اليمين طبعا ، أن يفضحوا أيضا من يدّعى الماركسية ويلتقى بوضوح مع اليمين فى بثّ الأوهام البرجوازية و يدوس الواقع المادي و الموقف الشيوعي الحقيقي من الديمقراطية و طبيعتها الطبقية و تاريخها ومآلها التاريخي و قد أعرب لينين بشكل مكثّف في " الدولة و الثورة " ( الصفحة 37 ثم الصفحة 20 ) عن حقيقتين هما :

" إن أشكال الدول البرجوازية فى منتهى التنوع ، و لكن كنهها واحد : فجميع هذه الدول هي بهذا الشكل أو ذاك و فى نهاية الأمر ديكتاتورية البرجوازية على التأكيد . و يقينا أن الإنتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية لا بد و أن يعطى وفرة و تنوعا هائلين من الأشكال السياسية ، و لكن فحواها ستكون لا محالة واحدة : ديكتاتورية البروليتاريا ."

و " الديمقراطية هي أيضا دولة و أنّ الديمقراطية تزول هي أيضا ، تبعا لذلك ، عندما تزول الدولة ".

و التحليل اللينيني فى كتاب " الدولة و الثورة " وفى كتاب " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي " عمّقه أكثر و طوّره بوب أفاكيان فى كتاب " الديمقراطية : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ " ( شيكاغو ، إنسايت براس ، 1986) و غيرها من المؤلّفات اللاحقة . وقد فصّلنا القول فى الموضوع فى عدّة مناسبات سابقة و على من يتطلّع لدراسة المسألة بالعمق اللازم الإطلاع على كتاباتنا بموقع الحوار المتمدّن .
و تاليا ، نعرّج على مسألة إدانة المقاطعة إذ قارئ المقالات و مشاهد البرامج الحوارية التلفزية و سامع الإذاعات ينتابه شعور بأنّ المتحدّثين من اليمين واليسار الإصلاحي لا يفوّتون فرصة لإدانة المقاطعين و أحيانا لتجريمهم معتبرين أن من لا يشارك فى المسرحية الإنتخابية لا يقوم بواجبه الوطني تجاه البلاد و يعرقل ما يسمّونه بالإنتقال الديمقراطي . يرغب هؤلاء جميعا فى جلب أقصى عدد ممكن من الجماهير إلى حلبة اللعبة الديمقراطية البرجوازية – ديمقراطية دولة الإستعمار الجديد التى وضعت قوانينها الإمبريالية و الطبقات الرجعية المحلّية و التى لفضها لأسباب متعدّدة و متباينة و متنوّعة أكثر من نصف من يحقّ لهم قانونيّا التصويت . فالمقاطعة تعنى ضمن ما تعنيه – على الأقلّ لدى فئات معيّنة – رفضا باتا للعبة و إدانة مبطّنة أو صريحة للاعبيها و صرخة بصوت عالى و مدوّى بأنّها ليست الحلّ لأهمّ قضايا الفئات و الطبقات الشعبية و مشاكلها . و فى نهية المطاف ، إتساع رقعة و نطاق المقاطعة و إرتفاع نسبها ينزع الشرعية على الحكّام و يعلن إفلاس اللعبة و لاعبيها و هذا أخشى ما يخشاه اليمين و اليسار الإصلاحي لأنّه يفسد عليهم برامجهم و يعرّى حقيقتهم .
و على ضوء ما تقدّم نفهم تعويل اليمين و اليسار الإصلاحي كلاهما فى خطابهما على تجاهل المقاطعين و حديثهم بلا هوادة عن الشعب الذى إختار من إختار فى الإنتخابات . و بهذا يخرجون أكثر من نصف سكّان البلاد من صفوف الشعب الذى يحصرونه عمدا عامدين للمغالطة فى من شاركوا فى الإنتخابات . و من هنا يمسى الثلاثة ملايين ونيّف الذين شاركوا فى المسرحيّة الإنتخابية هم الشعب و يمسى ما يناهز الخمسة ملايين من من لم يمارسوا حقّهم فى التصويت من المنسيين المغضوب عليهم . و مرّة أخرى ، بمثاليّة لا يحسدون عليها ، يقلب متمركسو الجبهة الشعبية ( التى لشعبيّتها تتناسى أغلبية الشعب ! ) الأمور رأسا على عقب جاعلين من الأقلّية أغلبيّة و من الأغلبية سرابا .
( و بالمناسبة نترك لغيرنا أن يتفحّص على ضوء الماركسية إستخدام قيادات الجبهة الشعبية لمصطلحات الشعب والبلاد و الوحدة الوطنية و غيرها من المصطلحات الرائجة و الدارجة .)
و لا ينفكّ اليمين و اليسار الإصلاحي يكرّر ضرورة القبول بنتائج الإنتخابات أي القبول بما أفرزته اللعبة الديمقراطية للإستعمار الجديد و بالتالى مزيد تهميش من قاطعوا تلك اللعبة الباثة للأوهام رغم الدعوات المستمرّة لتكثيف المشاركة فى بيانات تقريبا جميع الأحزاب اليمينية وبيانات الجبهة الشعبية . و فضلا عن ذلك ، يعدّ اليمينيون و اليساريون الإصلاحيون ما جدّ فى القطر من لعبة و مسرحية إنتصارا لتونس و للبلاد ومرّة أخرى يضعون الأغلبية المقاطعة خارج نطاق تونس و البلاد ! و يزيّنون إنتصار الرجعية فى ترتيب بيتها بمساحيق المغالطة و التضليل ليجعلوا منه إنتصارا للشعب و للبلاد !
و يعمد اليمين و اليسار الإصلاحي إلى بثّ الأوهام و مغالطة المناضلين و المناضلات و الجماهير الشعبية لتأبيد حكم الطبقات الرجعية السائدة المتحالفة مع الإمبريالية العالمية و بالتالى تأبيد الإستغلال والإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي . و هذا بالضبط نقيض ما ينبغى أن يسعى إليه و يناضل فى سبيله الشيوعيون الحقيقيّون على رأس الفئات و الطبقات الشعبية بقيادة الطبقة العاملة و إيديولوجيتها و الغاية الأسمى لهذا النضال الأممي فى جوهره ليست أقلّ من عالم شيوعي . فليستفق اليساريون المغرّر بهم ذلك أنّ الطريق الذى يسلكه الإصلاحيّون لم و لن يحرّر العمّال و الفلاحين و بقية الطبقات و الفئات الشعبية من كافة أشكال الإستغلال و الإضطهاد ؛ ليستفق من يرنو حقّا لأن يكون من الشيوعيين المحرّرين للإنسانية و ليقطعوا مع التحريفية و الإصلاحية و يتخذوا علم الشيوعية المتطوّر مرشدا للتنظير والممارسة الثوريتين بغية تفسير العالم علميّا و تغييره شيوعيّا .
خاتمة :
و بما أنّ الفقرات الأخيرة من مقالنا الذى نشرنا فى أواخر أكتوبر 2014 " تونسُ الإنتخاباتِ و الأوهامِ البرجوازية و الشيوعيين بلا شيوعية " تشخّص جيّدا المشكل و الحلّ و تعبّر بوضوح عن البديل الثوري، من المفيد للغاية أن نختم بها هذا المقال أيضا :
" ببساطة ، يصرخ الواقع الموضوعي بحقيقة أنّه لا وجود لحركة ثوريّة . و لماذا ؟ لعدّة عوامل ليس هنا مجال تفصيلها و لكن يهمنا أن نشدّد على أهمّها وهو مرّة أخرى عدم إستيعاب القيادات الشيوعية و الجماهير الشعبيّة النظريّة الثوريّة فكما لخّص لينين حقيقة من الحقائق العميقة والشاملة للصراع الطبقي : لا حركة ثوريّة دون نظريّة ثوريّة .
و بديهي أن المشاركين فى الإنتخابات من المجموعات المتمركسة ليست معنيّة أصلا بالنظرية الثورية عدا كنقيض لها تخشاه خشية الأفارقة هذه الأيّام لفيروس الإيبولا . و جلّ إن لم نقل كلّ المقاطعين من الفرق " اليسارية " هي أيضا لا تملك النظريّة الثوريّة و لا تكرّسها و تنشرها فى صفوف المناضلات و المناضلين و الجماهير العريضة لتغيير العقول و تنظيم القوى من أجل إيجاد حركة ثوريّة ، شعب ثوري ، و القيام بالثورة و غايتها الأسمى الشيوعية و تحرير الإنسانية .
و كلّ ما بحوزة السواد الأعظم من المتمركسين هو شذرات كلمات أو مصطلحات و مواقف و تواريخ تستخدم بإنتقائيّة للظهور بمظهر " إشتراكي " و " ثوري " و " تقدّمي " و " ديمقراطي " و" تشاركي" إلخ .
شيوعيّة اليوم ، الشيوعية الثوريّة اليوم ، الروح الثوريّة للماركسية – اللينينية – الماوية ، تتجسّد فى الخلاصة الجديدة للشيوعية التى تمثّل الفهم الأكثر تقدّما و تطوّرا لعلم الشيوعية ، الفهم المتقدّم الناجم عن البحث و التنقيب العلميين لتقييم التجارب التاريخية للحركة الشيوعية العالمية و إستخلاص الدروس و العبر و للدفاع عن الجانب الإيجابي الرئيسي فيها و القطع مع الأخطاء كجانب ثانوي و إعادة صياغة الشيوعية و إرسائها على أسس علمية أرسخ لا يجب أن تكفّ عن التطوّر ( و إلاّ مات علم الثورة البروليتارية العالمية ) . لذلك الخلاصة الجديدة للشيوعية هي اليوم الكفيلة الوحيدة بإعتبارها النظرية الثورية المنشودة بأن تنشأ حركة ثوريّة للقيام بالثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها و غايتها الشيوعية و تحرير الإنسانية على الصعيد العالمي .
و كيما تكون الممارسة ثوريّة لا بدّ من أن تهتدي بالنظريّة الثورية و من هنا يتعيّن على كلّ من يرنو إلى المساهمة بفكر نقدي و وعي شيوعي ثوري فى تحرير الإنسانية من كافة ألوان الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي أن يمتلك ناصية علم الشيوعية و بالتالى دراسة الخلاصة الجديدة للشيوعية و إستيعابها و تطبيقها و تطويرها مسألة أمور مؤكدة الضرورة اليوم . لقد جاء على لسان إنجلز منذ أكثر من قرن من الزمن أن :
" و سيكون واجب القادة على وجه الخصوص أن يثقفوا أنفسهم أكثر فأكثر فى جميع المسائل النظرية و أن يتخلصوا أكثر فأكثر من تأثير العبارات التقليدية المستعارة من المفهوم القديم عن العالم و أن يأخذوا أبدا بعين الاعتبار أن الاشتراكية ، مذ غدت علما ، تتطلب أن تعامل كما يعامل العلم ، أي تتطلب أن تدرس . و الوعي الذى يكتسب بهذا الشكل و يزداد وضوحا ، ينبغى أن ينشر بين جماهير العمال بهمة مضاعفة أبدا..." ( انجلز ، ذكره لينين فى " ما العمل ؟ ").
و لدراسة الخلاصة الجديدة للشيوعية بتمعّن و من مصادرها نقترح على القرّاء باللغة العربية الكتب التالية المتوفّرة بمكتبة الحوار المتمدّن :
- المعرفة الأساسية لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية .( لشادي الشماوي )
- الماوية تنقسم إلى إثنين . ( لشادي الشماوي )
- مقال " ضد الأفاكيانية " و الردود عليه . ( لشادي الشماوي )
- الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتباته . ( لشادي الشماوي )
- صراع خطّين عالمي حول الخلاصة الجديدة للشيوعية . ( لناظم الماوي )
- آجيث نموذج الدغمائي المناهض لتطوير علم الشيوعية . ( لناظم الماوي )
وقد كثّف بوب أفاكيان المقصود بالخلاصة الجديدة فى الفقرات التالية :
" تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ، بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ، نعم ، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى ومواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع ، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، مفهوما بصورة واسعة ، و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية ، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى " مجتمع مدني " مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيئ مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ، كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي . "
( " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ، الجزء الأوّل ، جريدة " الثورة " عدد 112 ، 16 ديسمبر 2007 .)
============================ 23 ديسمبر 2013 ==============



#ناظم_الماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النقد الماركسي يكشف المزيد من الحقائق الموضوعية عن فرق و أحز ...
- فرق اليسار التحريفية و إغتيال روح النقد الماركسي الثورية
- تونس : الإنتخابات و الأوهام البرجوازية و الشيوعيين بلا شيوعي ...
- الجزء الثاني من كتاب - ضد التحريفية و الدغمائيّة ، من أجل تط ...
- رفع الراية الماويّة لإسقاطها : المنظّمة الشيوعيّة الماويّة ت ...
- إلى الماركسيّات والماركسيين الشبّان: ماركسيين ثوريين تريدوا ...
- الإنتخابات وأوهام الديمقراطية البرجوازية : تصوّروا فوز الجبه ...
- تشويه الماركسية : كتاب - تونس : الإنتفاضة و الثورة - لصاحبه ...
- خروتشوفيّة - اليسار - الإصلاحي
- الوطنيون الديمقراطيون و وحدة الشيوعيين الحقيقين وحدة ثوريّة ...
- مقدّمة كتاب - ضد التحريفية و الدغمائيّة ، من أجل تطوير الماو ...
- نقد بيانات غرة ماي 2013 - تونس : أفق الشيوعية أم التنازل عن ...
- قراءة نقدية فى كتاب من التراث الماويّ :- ردّا على حزب العمل ...
- إلى الماركسيين – اللينينيين – الماويين : القطيعة فالقطيعة ثم ...
- إلى الماركسيين – اللينينيين – الماويين
- النقاب و بؤس تفكير زعيم حزب العمّال التونسي .
- قراءة فى البيان التأسيسي لمنظمة العمل الشيوعي – تونس .
- مقدّمة - بؤس اليسار الإصلاحي التونسي : حزب العمّال التونسي و ...
- جدالان باللغة العربية يدافعان عن الخلاصة الجديدة للشيوعية .D ...
- إسلاميون فاشيون ، للشعب و النساء أعداء و للإمبريالية عملاء !


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ناظم الماوي - الإنتخابات فى تونس : مغالطات بالجملة للجماهير الشعبية من الأحزاب اليمينية و اليسارية الإصلاحية