أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاخر السلطان - لماذا تجبرون الناس على دخول الجنة؟














المزيد.....

لماذا تجبرون الناس على دخول الجنة؟


فاخر السلطان

الحوار المتمدن-العدد: 4669 - 2014 / 12 / 22 - 15:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين التمعّن في السؤال، سيتولّد في أذهاننا الكثير من المسائل والأمور، في حين أن الهدف الرئيسي من توجيهه هو الوصول إلى حل لمسألة تهميش وتكفير وترهيب وإلغاء صاحب الفهم الديني المختلف.


من الطبيعي أن يستنكر بعض رجال الدين (أو غيرهم) أي رأي مخالف لرأيهم. لكن من غير الطبيعي أن يتم ترهيب صاحب الرأي المخالف، ومحاكمته باعتبار رأيه مناهضا للدين وعدوا للفضيلة الأخلاقية، أو يتم إقصاؤه بمختلف السبل المتاحة، إذ بمراقبة ومتابعة خصوصياته ووضع حد لها عن طريق الدوريات الدينية، أو من خلال رمي ماء النار في وجهه، أو بتصفيته كما في ممارسات تنظيم "داعش". فهذا هو الذي تجب مناقشته والتركيز عليه. فنحن مللنا من العبارة الواهية التي تزعم بأن رجال الدين يحترمون الفهم الديني المخالف لرأيهم، في حين وأمام أول اختبار تنهدم تلك العبارة وتظهر مخاطرها وتبرز مساوئها وتعبّر بكل شفافية عن كذب قائلها.


فمن يعتقد بأن فهمه الديني هو الصورة الوحيدة المعبّرة عن حقيقة الدين وعن سمو الأخلاق، هو في الواقع يحتاج إلى معالجة معرفية، لأن نتيجته تلك ستؤدي إلى مضار أخلاقية على الصعيد الاجتماعي، تتمثل في إلغاء المختلف وضرب التنوّع المعرفي.


ويبدو أن تلك الصورة الإقصائية الناتجة عن امتلاك الحقيقة، والتي تظهر في ظل ظروف نفسية سلوكية تمجّد الأنا الفكرية وترفض الفكرة المغايرة وتستسهل الإساءة لصاحبها، تهدف إلى إيهام الآخر بأنه لابد من وجود وصاية فكرية وأخلاقية على شؤونه، ولابد من وجود مَنْ يحدّد دخوله الجنة أو النار.. أو بعبارة أخرى، تسعى هذه الصورة إلى "إجبار" الناس على دخول الجنة. لماذا؟ لأنها تعتقد بأن الفهم الديني المخالف لفهمها، يعيق طريق الفضيلة وطريق الجنة ويمهّد الطريق للرذيلة ولدخول النار. وتلك معضلة كبيرة، لأنها - كما قلنا - تنفي مزاعم قبول المتديّن للتعدّد.


فمن يعتقد بأن فهما دينيا آخر مخالفا لفهمه هو فهم منحرف وقد يدخل صاحبه ومتبنيه النار، يجب أن يكون في مواجهة أمر مماثل وهو أن فهمه قد يكون منحرفا أيضا. فالأفهام الدينية لابد أن تتعايش في ظل امتلاكها جانبا من الحق لا كل الحق. وأن الخطأ أو الانحراف في الفهم هو أمر طبيعي ما دام صادرا عن بشر خطّائين. فمن يعتقد بانحراف الشباب عن الدين لأنهم لا يتبنون فهمه الديني، عليه أن يفكر قليلا إذْ يمكن لفهمه أن يكون منحرفا أيضا، لذا عليه أن يقنع نفسه بأنه لا يمتلك كامل الحقيقة الدينية.


فحينما يصعد رجل دين على منبر الخطابة ليقول لمستمعيه بأن هؤلاء الذين يخالفونه في المذهب يتصفون بصفات أخلاقية جميلة لكنهم مع الأسف سيدخلون النار لأن ولاءهم الديني منحرف، في الوقع يعكس أمرا خطيرا، وهو امتلاكه المطلق لمفاتيح الخطأ والصواب، ولمفاتيح الحسن والقبح، ولمفاتيح الجنة والنار. فيهدد أصل التعايش ويعرّض الأمن الاجتماعي للخطر.


لذا توجد لدى من يزعم امتلاك تلك المفاتيح، مساع لجر الناس صوب فكره هو فقط، باعتباره يمتلك ناصية النجاة المطلقة، وكأنه يجر الناس جرا إلى الجنة، التي ليست إلا الجنة المتعلقة بأفكاره وبفهمه هو، فيما الجنة ليست ملكا لأفكاره فقط بل هي تستوعب مختلف الأفكار والأفهام، بل مختلف صور التفكير للعيش في الحياة.


القول بأن فتح باب حرية الفكر سيؤدي إلى دخول أفكار فاسدة في المجتمع، التي من شأنها أن تتغلغل إلى العقول ما يؤدي بالنتيجة إلى فساد المجتمع، وهو قول باطل. فمن بيده الحكم بأن فكرا ما باطل وغيره غير باطل؟


إن ثقافة الحق الديني المطلق والباطل الديني المطلق، تستند إلى هيمنة سلطوية قائمة على الوصاية على العقول، لذا هي تسعى إلى أسر الفكر والتعبير لكي تتحكم بما يجب أن يقال ويقرأ وينشر وما يجب أن يفكَّر فيه. وبالمحصلة هي تستهدف قتل الحرية. والمثير أنها تزعم وجود سلبيات للحرية، لكنها لا تشير إلى آفات ثقافة الوصاية والهيمنة. فإذا كانت الحرية تجلب بعض الفساد فإن الاستبداد يجلب فسادا كبيرا.


فأعداء الحرية يربطون بين سلامة الجسم وسلامة المجتمع. فيعتقدون بأنه مثلما يجب منع وصول الأمراض والسموم إلى جسم الإنسان وأنه لابد أن نكون حذرين تجاه ما يمكن أن يؤذي أبداننا ويعرض سلامتها للخطر، يجب أيضا أن نكون حذرين تجاه سلامة المجتمع وأن نواجه ما يمكن أن يعرض أمن المجتمع الفكري للخطر. قد يكون هذا الكلام صحيحا، لكن شريطة وجود إجماع على تشخيص ما يمكن اعتباره بأنه مضر وخطير على المجتمع. فالأفكار يجب أن تطرح، وإذا حصل إجماع على أن البعض منها يضر بالمجتمع، عندها يجب منعها. وهو أمر شبيه بأنواع الأغذية التي يُعتقد بأنها خطيرة على كل أفراد المجتمع ويجب منع دخولها إلى البلاد. وفي غير هذه الحالة فإن الممارسات التي تعكس وصاية على الفكر وسجنا للحرية لأن مجموعة من المتدينين تعتقد بضررها وخطورتها على المجتمع لكنها لا تمتلك إجماعا على تلك المضرّة والخطورة، فإن تلك الممارسات لا تعكس إلا استبدادا.


إن المفكرين الغربيين في القرون الوسطى حينما طرحوا رؤيتهم حول دوران الأرض وسكون الشمس، تمت معارضتهم على أساس أن تلك الفكرة تخالف وجهة النظر الدينية السائدة في الكنيسة آنذاك، وبدلا من نقد تلك الرؤية وصفوها بالجرثومة التي تهدد أمن المجتمع ولابد من وأدها. وجميعنا يعلم بأن عملية الوأد لم تؤد إلى أي نتيجة، بل إن رؤية غاليليو في هذا الإطار انتشرت على نطاق واسع حتى أصبحت من أهم النظريات العلمية في العصر الحديث. بالتالي فإن التضييق على الأفكار والحريات بطريقة استبدادية هو طريقة فاشلة. فمن الخطورة على سلامة المجتمع وحريته واستقراره أن تعتقد مجموعة من رجال الدين وأنصارهم بأنهم أوصياء على الفكر وعلى الحرية، وبأنهم الوحيدون الذين لهم حق تحديد الحق من الباطل.



#فاخر_السلطان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف يُقدِم المتديّنون على ارتكاب جرائمهم؟
- هل الحرية صنم يجب كسره؟
- الفقه.. والنظام المدني
- الفقه.. والحقوق المدنية
- المثقف.. -نائب- عن الأمة
- كيف نصنع التغيير؟
- تمنّيتها من مسلّم.. ولكن
- أي إصلاح؟
- عبث لا جدوى منه
- هل الدستور الكويتي بحاجة إلى تغيير؟
- تناقضات المجتمع.. ومسؤولية المثقف
- الإقصاء لمعالجة -الإقصاء-؟
- الشيعة.. وحزب الله.. والصراع السوري
- لا تنهزمي.. أمام -السلطة-
- إلى متى -تسجد- المرأة؟
- الثائر.. حينما يَنتقِد الثورة
- ازدواجية الإسلام السياسي
- وجه الإسلام السياسي
- إخفاقات ليبرالية
- اعتدال روحاني وواقعيته


المزيد.....




- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل
- إيهود باراك يعلق على الهجوم الإيراني على إسرائيل وتوقيت الرد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاخر السلطان - لماذا تجبرون الناس على دخول الجنة؟