بوشن فريد
الحوار المتمدن-العدد: 4667 - 2014 / 12 / 20 - 19:52
المحور:
حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير
لماذا لم يتغير الفكر العربي بعد؟
إلى متى و نحن خرافيون؟ و نحن واهمون بأن محبة الله عندنا و ما تزال في بركاتنا اليومية؟
إلى متى نظل نرتل آيات الفتنة و ننشد للإيديولوجية المقيتة, و نطبل للتفرقة الثقافية و الروحية في كلماتنا المليئة بالسموم القريشية, و التي لا تعرف قيمة المعاني الفكرية المتطورة من نضال متواصل في الحقول المختلفة التي تتمتع بها الحياة الإنسانية, من مطالبة بحق المرأة في المشاركة الفعالة و المتساوية بين الجنس الذكوري في مختلف شؤون الممارسة السياسية و الفكرية و تحمل المسؤوليات السامية, سواسية بالرجل, الذي لم يفقد بعد, حسه الجاهلي تجاه كل ما هو أنثوي ساطع, برغم التدفق الحضاري و نمو الفكر العصري بين أوساط مجتمعات المعمورة.
لماذا لم نتغير, كأن نحاول استخلاص الدروس و العبر التي أفقدتنا بالأمس القريب لمسة الحياة, و جودة الديمقراطية الفكرية, و لماذا بعد قرون طويلة مرت على تاريخنا المحفوف بالنقع الطائفي و التطرفي, لم نتمكن كأشخاص يفكرون بعقولهم لا بأنامل أرجلهم في تسوية مشاكلنا العقائدية و الفكرية العالقة بين جبلين من الانحطاط الأخلاقي و الإنساني, بين جبل مصنوع من بقايا الموت و الفسق الثقافي, و جبل تزاوجت مكوناته مع التخلف و التعنت و الضغينة السرمدية.
إن عقلية الحياة و الأنام تمعرت و تغيرت كثيراً تجاه المقدسات و الملفات الحساسة كالجنس و الدين, و أصبحت نظرة جيل الحضارة مختلفة على ما كانت عليها نظرة الجيل الذي ولد دون ضمانات و لا تواصلات و لا محادثات قاسية و مباشرة تجاه ما يمنع الإبداع و العزيمة و المثابرة الدائمة, من دين متعصب بجماعة جاهلة لمحاسن الدين الرباني, و طابوهات مكتسبة عن طريق التربية بالقوة و الضرب و التهديد النفسي, كل شيء تحوّل من محرم إلى حلال في أعين هذا الجيل المتعطش للمعرفة العلمية و الفكرية بدون مقابل أو ضمان أو منحة سماوية يجهل حقيقة وجودها و مصداقيتها.
يتساءلون حول عجز الدول العربية المسلمة في مواكبة العولمة و الرقي الذاتي, و يتعمدون نسيان مسببات صناعة هذا العجز, ربما خشية من أن تصيبهم لعنة من السماء التي يحكمها إله لا يتسامح و لا يغتفر الذنوب, حسب معتقداتهم الفاشية, و هذا كلّه بالنسبة لمن لا يخشى التجدّد و التمدّد مجرد لعنة نفسية و عقدة وراثية, فاقدة لكّل معايير الصدق و المصداقية, فالله العظيم بريء من التهم البشرية, و بريء من فشلهم المستمر, و بريء من العنصرية و التمييز اللغوي و العرقي و الجنسي, الله أكبر من أن يتخذ شيوخ دين يمجدون رقصات الموت و هدر الأرواح, و ينطقون باسمه, و بئس من يتصور في الدول العربية على أنه مبعوثاً خاصاً و فوق العادة من طرف خالق السماوات و الأرض.
لمن السهل على المجتمعات العربية النهوض مجدداً, و الاستفاقة من الغفلة المصنوعة بالعمد و بالإكراه, و ذلك بمحاولة منها خلق مناخ ثقافي و فكري لمحاكمة الملفات الممنوعة فيما بينها و بين شعوبها, و تشجيع الفرد العربي المبدع على الاختلاف, ففي الاختلاف رحمة, لتطوير آليات التفكير لدى الآخرين, و المساهمة الدائمة في جعل مصلحة الإبداع و التواصل المتبادل رأس مال في كل ممارستهم و مبادراتهم الفكرية.
أزمة المجتمعات العربية تكمن باختصار في صورة التعنت و الرفض الكلي لما هو خارج عن نطاق دينها و عاداتها و تقاليدها, فهي عدائية تجاه ما هو أجنبي الصنعة و الطبخة, و رافضة لما هو قابل للتفوق و الطعن و الحراك الإنساني, و مثل هذه الأزمات المخيفة, بطبيعة الحال لم تأت من العدم, أو هي من تركة الأولين, بل هي أزمات نفسية مجردة من العقلانية في تصور الأشياء و بناء الأطروحات الإيجابية النافعة, و تعكس الصورة النمطية المتعبة التي يتخبط فيها الفرد العربي يومياً, و على هذا تبدو صناعة الوصفة السحرية للقضاء على هكذا أزمات شبه مستحيلة, و خاصة في ظل تواجد الجماعات التكفيرية و الفاشية بكثرة و منتشرة داخل الأماكن الحساسة اجتماعياً و ثقافياً.
إن عصر التلاعب بأدوات التخوين و التخويف, و البصق في وجه الكتابة الجيدة و الدعوة لهدر دماء المفكرين و المبدعين و الطامحين, قد مزقت أوراقه آلة الحضارة و الفكر التقدمي, و أصبح هذا العصر ملكاً للمتفوقين و الراغبين بإلحاح في نفض الغبار القاتل المتروك, و الذي لا يفتح المجال للاختلاف مهما كان وزنه و لونه و قداسته.
تكفير الكتابة الجميلة و المستوحاة من أخطاء مجتمع بالكاد لا تتوقف, عمل جبان تفوح بين طياته علامة استفهام كبيرة: لماذا لم يتغير الفكر العربي بعد؟.
بقلم: بوشن فريد.
#بوشن_فريد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟