الدين والإلحاد وجهاً لوجه [7]

إسلام بحيري

الحوار المتمدن-العدد: 4665 - 2014 / 12 / 18 - 08:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

-1-
نحن الآن لدينا نظريتان :
نظرية علمية محترمة تقودك للإيمان
ونظرية ترفض الا ان تلحد و تنكِر
مع أن وظيفة العلم ومهمته هي أن يقرأ الكون ويتتبع ماذا يقول، دون أي أحكام مسبقة.. ثم بعد ذلك يصدر حكمه بعد عملية الإستقراء وبناء على البحث العلمي المجرّد.. ولكن الحاصل أن بعض العلماء الملحدين يضعون فرضية الإلحاد أمامهم أثناء البحث، ولا يتركون مجالاً ولا نقاشاً لاحتمال فرضية الإيمان، وكذلك تجد نفس المسلك لدى بعض العلماء المؤمنين، مع أن العلم محايد وصامت دائماً إذا جردناه عن العقل والفلسفة، وكل أجوبة فريقي العلماء - مؤمنهم وملحدهم - مبنية على أبحاث عقلية تالية للأبحاث العلمية "المجردة"، فكل فريق يتكلم بحسب ما يعتقد، وأما من يتحول منهم إلى الإلحاد أو الإيمان، فلو أبحرت في أعماقه فسوف تجد أن تحوله ليس مبنياً على أبحاث واكتشافات جديدة كما يقول بعضهم، وإنما هي عوامل نفسية وفكرية معقدة يمر بها مثله مثل أي إنسان عادي، هي التي تحمله على الذهاب أو الإياب، ولكن من الطبيعي أن يتقنع امام الناس بقناع العلم المجرد والعقل الخالص.

العالِم ليس مَلَكاً.. العالم في نهاية المطاف بشر يعيش ضمن سياق اجتماعي حضاري وثقافي معين.. يكذب علينا من يقول أن العلم في العالم كله واحد! هذا كلام من لم يدرسوا حتى فلسفة العلم. ولأن الثقافات مختلفة.. فالفيزياء في اليابان ليست كالفيزياء في أمريكا، مع أن المباديء شبه واحدة، لكن التضمينات تختلف تماما ..!
(ستيفن هوكنج) عالم كبير فذ، من وزن علماء نوبل -ليس اقل منهم، ولكن حين يتكلم في قضايا لاهوتية فلسفية، يمكن ببساطة ان يُتهم بالسذاجة ! وهذا كلام أحد أصدقائه من العلماء الإنجليز المؤمنين بالمناسبة.
أيضاً (سام هيريز) و(ريتشارد دوكنز) وأمثال هؤلاء ليسوا احسن حالاً حين يتكلمون في قضايا دينية وفلسفية، فهم يعربون عن سذاجة بعيدة جداً وسطحية... لكن - للأسف - يغترّ بهم الشباب الذي لم يؤسس نفسه فلسفياً ولا علمياً بالطريقة المطلوبة كحد أدنى.
ولكننا نجد على الجانب الآخر علماء قادهم علمهم إلى الإيمان :
(اسحاق نيوتن) في ملحق كتابه العظيم المشهور "الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية" قال: (إن الانتظام والروعة المتمثّلة في مجموعتنا الشمسية تحكي ولابد عن قصد وهدف لرب خالق مبدع مصمّم).
(داروين ) نفسه لم يكن ملحداً بل كان مؤمناً قاده علمه إلى الإيمان.. وهذا الرجل – في نظري الشخصي - كان عالماً محترماً وصادقاً مع نفسه، وجاداً في طلب الحقيقة، طاف الأرض على سفينته خمس سنين في سياحة علمية في سبيل الحقيقة، فهو رجل يستحق الإحترام والتقدير، ليس مكابراً جاهلاً مثل ريتتشارد دوكنز وتلك العصابة..
كتب (تشارلز داروين) الى (آرسا جرين) العالم النباتي الكبير : "إن عقلي يقضي بأنه من الصعب جدا، بل من الأحرى من المستحيل تصور هذا الكون الهائل المعجِب، بما في ذلك الإنسان ذي القابلية على تقدير مصالحه..أن يكون نتيجة الصدفة العمياء او الضرورة اللازبة، من اجل هذا اجدني مضطرا الى النظر الى العلة الاولى على انها تمتلك عقلا ذكيا يُشابه بمعنى ما لدى عقل الإنسان ، وبهذا استحق ان اُدعى مؤلّها". هذه مقولته.. وهي لاتدل على انه ملحد، بل مؤمن مؤلّه.

وأحياناً وضوح البرهان الكوني الدال على وجود الله قد يضطر بعض العلماء الملاحدة إلى الإعتراف الجزئي :
(فريد هويل) عالم فيزيائي وشهير جدا وعملاق، ملحد تماماً.. شأنه شأن (دوكنز) يُضطرّ في النهاية ان يعترف بالتخطيط والتصميم رغماً عنه.. وكان قد اقترح شبه نظرية مصغرة للتفاعلات النووية داخل النجوم (داخل الشمس مثلا واشباه الشمس)، تفسر لنا كيف ينتج الكربون الذي هو عنصر مهم جداً للحياة، لذلك الكيمياء العضوية تسمى بالكيمياء الكربونية.. يقول (فريد هويل) بعد ان اقترح نظريته المصغرة وقد نجحت تماما:
"لايملك العالِم بمطالعة الشواهد المحددة الا أن يقرّ بأن (قوانين فيزيائية محددة هي التي اخذت طريقها الى العمل والى الاشتغال بحيث تُنفّذ بعد ذلك شبه "خطة معينة"، لكي ينتج لنا هذا المكوّن ومكونات أخرى بشكل دقيق جدا".

-2-
هناك مجموعة من العلماء قالوا نريد جزيء بروتيني مكون من مئة حمض اميني، فقاموا بتغذية حاسوب فائق بالمعلومات المطلوبة الخاصة بِلف السلاسل الببتيدية للجزيء البروتيني (احماض أمينية مجتمعة تكون سلاسل ببتيدية)، و تُلَف هذه السلاسل بطريقة محددة وليست بأية طريقة.
فيا ترى..كم سنة يحتاج ليعمل هذا الحاسوب في لف هذه السلاسل لـفًّا عشوائيا، كما عمل الكون - مثلما قالوا - عشوائيا ؟!
وجدوا أنه يحتاج لكي ينجح في هذا عشوائيا الى (10) اُس 127 سنة ! .. شيء لايكاد يصدق ! يعني تريليونات من عمر الكون لكي ينجح فقط في الوصول الى اللّفة المطلوبة عشوائياً!!! الخليّة تقوم بهذا بجزء يسير من الثانية ، تنتهي من اللف المطلوب ولفّاً صحيحا لايتحول الى سُمّ ! هذه الدقة في عملية الخلق تحدث القرآن عنها كثيراً لأنه كون مقروء، وكأن الإنسان والكون قرآن منطوق، يقول الله تعالى :
- (قد جعل الله لكل شئ قدرا) [الطلاق:3]
- (وخلق كل شئ فقدره تقديراً) [الفرقان:2]
- (وكل شئ عنده بمقدار) [الرعد:8]
- (وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) [الحجر:21]
- (والسماء رفعها ووضع الميزان) [الرحمن:7]
- (وأنبتنا فيها من كل شئ موزون) [الحجر:19]

-3-
"الدجاجة أولاً أو البيضة أولاً"!
الشيفرة الوراثية DNA لكي تعمل نحتاج الى انزيمات، والانزيمات هي نوع من البروتين، ولكي نبني بروتين نحتاج الى شيفرة وراثية، ها نحن ندور في حلقة مفرغة ! من اين بدأت العملية؟!..
هذا تساؤل علماء الاحياء وعلماء الوراثة، وهذا التحدي الذي رُفِع في وجه الملاحدة والتطوريين..
لذلكم قالو هيا نهرب الى فرضية جديدة، فرضية الـ RNA اولا، ويقصدون أن الكائنات بدأت بسيطة جداً، شفرتها الوراثية ليست محمولة في الحمض النوويDNA ، بل محمولة في الحمض النووي RNA لأنه أكثر بساطة، وبعد ذلك تم – بمحض الصدفة ايضا- أن سلسلة RNA وجدت سلسلة RNA اخرى ملائمة لها فظُفِرَت هذه السلسلة بتلك فتكوّن لدينا الـ DNAهكذا، كضربة ساحر..ليس لديهم تفسير علمي! بل افتراض سخيف جدا وباهت، ولا عليه أي دليل، مجرد هروب من إلزامات محددة.

ونقول لهم حسناً..
- هل كوّن الـ RNA نفسه بالصدفة ؟!! وهو مكوّن بحسب تتابع محدد، منتظم ومعقد، فكيف نشأ بالصدفة ؟ فأي مسألة حيوية هي بحث في المعقد.
- والأهم من هذا : ما هو مصدر المعلومات التي تم تشفيرها في الـ RNA ؟!
وليس السؤال هنا عن عملية التشفير نفسها كيف تمت .. وإنما السؤال عن المعلومة نفسها.. من هو مصدرها.. لماذا ؟ لأن قبل أن تنتخب "الصدفة" الـ RNA كانت المعلومة موجودة ! هناك وجود ما.. لذلك قال عالم الأحياء المكسيكي "أنطونيو لازكانو" عبارة جميلة، قال: (كما أن الوجود ضيف جديد تماما على العدم، فالحياة ضيف جديد تماماً على الوجود)..

بمعنى: أنك لن تستطيع أن تفسر نشأة الكون بدون افتراض مُضَيِّف هو الله تبارك وتعالى.. الوجود الأزلي المجرد عن المادة.. اكتشف العلم أن الكون قبل الإنفجار العظيم لم يكن عدماً.. هناك معلومة.. فمن هو مصدرها ؟!!
أحد العلماء الألمان اقترح مازحا أن تُعطى جائزة نوبل للوراثة لأرسطو ، لماذا؟ قال: لأن ارسطو قدّمَ لنا صورة مبسطة وحقق بها سَبقاً على العلماء المحدثين حين قال: "المعلومة في البداية" أي المعلومات أولاً ، بمعنى أن البيضة قبل الدجاجة. علم الوراثة يقوم على هذه الفكرة "المعلومة أولا".
معنى المعلومة: المخطط، الخطة، التصميم... لايمكن ان تنجز البنية من غير خطة !

إذن الذكاء أولاً، القصد اولاً.. كما قال (السِّير جيمس) في : "هذا الكون اقرب الى ان يكون فكرة منه الى ان يكون آلة" اهـ

انتهى التفسير الميكانيكي، نحن اليوم في فيزياء آخرى في فَلَك آخر، يقول هذا الكون عبارة عن فكرة، وقد مر بنا قول داروين أنها فكرة تشبه عقل الإنسان، هذا الكون عالم من العقل.. وأنت عقل أيضاً، اذن يمكن ان يتناظرا، وأن يتراسلا.. وهذا الذي يبرر نجاحاتنا العلمية.

حين نعرف أن المعلومة أولاً : فهنا نحن نواجه الله تبارك وتعالى.. وهذا هو الذي قاله (سموت) : "كأنّك تكشط الطبقات عن وجه الرّب".

يتبع..

#إسلام_بحيري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات