أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - هذه لعبة مُقرفة، العب غيرها..!!














المزيد.....

هذه لعبة مُقرفة، العب غيرها..!!


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 4664 - 2014 / 12 / 16 - 21:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في اليوم التالي لمصرع زياد أبو عين، نشرت جريدة يديعوت الإسرائيلية خبراً عن الحادثة، استهلته بالخلاف حول أسباب الوفاة بين الأطباء الفلسطينيين والعرب من ناحية، والإسرائيليين من ناحية ثانية. وفي سياق الخبر أوردت أن زياد كان مدخناً شرهاً، وللتدليل على هذا الأمر نشرت صورة قديمة يبدو فيها واقفاً قبالة جندي إسرائيلي، وفي يده سيجارة. الخلاصة: أراد الإسرائيليون، رغم أن مصرع أبو عين يرقى إلى مرتبة القتل، وأن الاعتداء عليه تم أمام عدسات الكاميرا، وأن التظاهرة كانت سلمية، القول إن الوفاة نجمت عن أزمة قلبية حادة.
كانت تلك هي الرواية الرسمية الإسرائيلية. ومن المُستبعد، تماماً، أن يكون أحد من المسؤولين قد اتصل بمحرر يديعوت ليرجوه أن ينقل الرواية الرسمية. الأرجح أن المحرر تبنى الرواية الرسمية، لأن تبني الرواية الرسمية في مجتمع تهيمن عليه روح القبيلة، يُعتبر جزءاً من تقاليد الانتماء، حتى وإن كانت على حساب الحقيقة والمهنية. والأرجح، أيضاً، أن المحرر تفوّق على المصدر الأصلي للرواية الرسمية، فبحث في الأرشيف عن صورة زياد، وفي يده سيجارة. وفي هذا وذاك ما يدل على أن ما يخدم مصلحة القبيلة جائز، أما الحقيقة فثانوية، ولتذهب المهنية إلى الجحيم.
في الخبر، وخفة يد المُحرر، التي لا يوازيها سوى ثقل دمه، ما يفتح قوساً واسعاً من التأويل، وما يتجاوز حادثة القتل نفسها. فقد نشأ جيلان من الإسرائيليين في مجتمع يُعتبر الاحتلال جزءاً من بنيته الوجودية، وبين الجنود الإسرائيليين في الضفة الغربية، والقدس، وعلى حدود قطاع غزة، أبناء لجنود احتلوا تلك المناطق في العام 1967، وأحفاد، أيضاً.
الفلسطيني في نظر هؤلاء أقل مرتبة من الإسرائيلي بالمعنى الإنساني العام، وبالتالي فإن حرمانه من الحق في الحرية، والكرامة، والأرض، والحركة، أو الاعتداء عليه، يندرج في باب القانون الطبيعي للأشياء. ولكي يستقيم القانون الطبيعي للأشياء، ينبغي للفلسطيني، فرداً، أو جماعة، أن يكون مصدر تهديد دائم بالنسبة للإسرائيلي فرداً، أو جماعة.
وبهذا المعنى يجد الإسرائيلي نفسه، حتى وإن اصطدم بالفلسطيني باعتباره موضوعاً في مادة إخبارية، على طريقة المُحرر في يديعوت، مُرغماً على الدفاع عن نفسه، وحماية دولته، وتبرير سلوك جيشه ومواطنيه ومستوطنيه. تعزز هذا الميل الغريزي، وتُسهم فيه، الثقافة الأمنية السائدة، وعسكرة المجتمع، ومركزية الجيش، وأجهزة الأمن، ومرونة الضمير، وانتقائية الأخلاق، في الفضاء والمخيال الاجتماعي والسياسي العام.
وهذا، في حد ذاته، يُوسّع من المعاني المحتملة للاحتلال، فهي أخلاقية، وثقافية، واجتماعية، واقتصادية، ومهنية، ومعرفية، ووجودية، وفلسفية. لا تنحصر في الوجود المادي لجنود على حواجز، أو معابر، ولا في قرارات إدارية وسياسية. وكل هذه المعاني تحضر دفعة واحدة كلما وقع احتكاك بين فلسطيني وإسرائيلي، واصطدم هذا بذاك، بصرف النظر عن سلمية الاحتكاك أو عنفه، وما إذا نجم عن الضرورة، أو عن صدفة غير سعيدة.
لذلك، ينبغي النظر إلى، والكلام عن، الاحتلال باعتباره منظومة قيمية متكاملة، وباعتبار أن المنظومة نفسها أصبحت جزءاً عضوياً في بنية المجتمع الإسرائيلي نفسه. فمنظومة الاحتلال تدل على المجتمع، والمجتمع يدل عليها، حتى أصبح أحدهما مشروطاً بالآخر، يصدر عنه، ويحضر فيه، ويمثله، ويتمثل فيه.
ولذلك، أيضاً، لا توجد إمكانية حقيقية لدراسة، أو فهم، المجتمع الإسرائيلي، وحقيقة ما طرأ عليه في العقود الأخيرة من تحوّلات، ما لم نأخذ في الاعتبار علاقته الشرطية بمنظومة الاحتلال. وفي إسرائيل ما يمكن تسميته بعلماء الاجتماع الجدد، الذين شرعوا في دراسة وتحليل المجتمع الإسرائيلي باعتباره مجتمعاً كولونيالياً.
وقد ذبح هؤلاء أبقاراً مقدسة كثيرة منها أن مشكلة المجتمع الإسرائيلي مع نفسه، ومع الفلسطينيين، لم تنشأ بعد العام 1967، كما أن مؤسساته الاجتماعية لم تنشأ، قبل قيام الدولة، لأسباب أيديولوجية، ونتيجة ندرة الأرض، بل بدافع الصراع مع الفلسطيني، وطرده من سوق العمل.
وبقدر ما يعنينا الأمر، فإن العلاقة العضوية بين المجتمع الإسرائيلي ومنظومة الاحتلال، تُسهم في تفسير الاتجاه المتدرّج، الذي لا يُجابه بمقاومة حقيقية، حتى من جانب ليبراليين ويساريين، لإنشاء نظام جديد، بمواصفات محلية، للأبارتهايد، بدأ في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عقدين، ويزحف الآن، بفضل قوانين القومية، ويهودية الدولة، إلى مناطق الجليل والمثلث، والنقب، التي يحظى سكّانها الفلسطينيون بحق المواطنة في الدولة الإسرائيلية، وإن تكن من الدرجة الثانية.
وهي العلاقة العضوية نفسها، التي تفسر توسيع النفوذ السياسي، والقاعدة الاجتماعية للمستوطنين. فعلي الرغم من نسبتهم العددية الضئيلة مقارنة ببقية اليهود الإسرائيليين، إلا أن نفوذهم في أوساط الأحزاب، والنخبة السياسية، والجيش، أصبح كبيراً، ويزداد على قدم وساق مع تنامي النـزعات اليمينية والفاشية في أوساط اجتماعية مختلفة.
واستناداً إلى هذه العلاقة يتجلى الانسحاب من المناطق المحتلة، في العام 1967، في نظر العديد من الإسرائيليين، باعتباره إشكالية وجودية تهدد بتفريغ الدولة من هويتها ومضمونها، إلى حد أن البعض يرى في إنهاء الاحتلال، وقيام دولة فلسطينية، مقدمة لانهيار الدولة نفسها.
كان الإسرائيليون، في وقت بعيد مضى، أكثر شطارة، ومهارة، وبراعة في خفة اليد، مما هم عليه الآن. ولكن، لن يصلح العطار ما أفسد الدهر. هل كان زياد مدخناً شرهاً؟ فلنقل لمحرر يديعوت، ومن يشبهونه، وهم كُثر: هذه لعبة مُقرفة، العب غيرها.



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جماعة الإخوان، كيف صعدت ولماذا سقطت..!!
- ولماذا يقتلك التركي!!
- الانتفاضة الثالثة إذا وقعت، وعندما تقع..!!
- فتنة الدواعش..!!
- مُراد الدنماركي..!!
- شارة رابعة في الزاوية اليمنى لصورة النعيمي..!!
- الحق على الصينيين هذه المرّة..!!
- حبات الكستناء على مائدة نوبل العامرة..!!
- جدلية العلاقة بين حجازي وفلسطين..!!
- سطو مع سبق الإصرار والترصّد..!!
- حماس على الجانب الخطأ للمتراس..!!
- عنتر وعبلة بين الصيّادين أم الطرائد؟
- قال: انهض، أنا أخوك سميح..!!
- السوق التي أنجبت الوحش..!!
- هيلاري ومفاجآتها، للجادين فقط..!!
- استشهاد المواطن المُسن..!
- بطولة الناس العاديين..!!
- تفصيل صغير في مشهد الخليفة..!!
- أحبتْ يهودياً، وما علاقة محمود درويش بالأمر؟
- مريض بالقلب وميكانيكي سيّارات!!


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - هذه لعبة مُقرفة، العب غيرها..!!