أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامى نوح - السيد ألم















المزيد.....

السيد ألم


رامى نوح

الحوار المتمدن-العدد: 4664 - 2014 / 12 / 16 - 14:47
المحور: الادب والفن
    


بدأ جفني العينين يفتحون في بطئ شديد، كأنهم على أعتاب استقبال ديكور جديد غير معلوم تكويناته البديهية. بدت الرؤية للسيد ألم مشوشة معتمة عميقة، و خصلة ضوء جاءت في منتصف عينه من ثقب بعيد من زاوية السقف المرتفع، يشبه الثقب عين لشيء يتلصص، فلقد كان الضوء دائم التقطع كأن شخص ما قابع بالأعلى يتحرك في جمود خانق. لم يقوى ألم على أن يرى جيدًا و لكنه كان يصارع لكي يخرج من بؤرة الضوء، فجسده مخدل كممياء لا تعرف معنىً للحركة، بدأ من جديد في المحاولة للتحرك و لكن بلا فائدة لا يشعر بجسده كأنه قد شل.


توقف السيد ألم فجأةً، فهناك رائحة عفنة تفتك بصدره و لكنه لا يقوى على المقاومة، فالهواء ملوث و لا يستطيع تمييز الرائحة و لكنها تخنقه. نظر ألم لذراعه و لكنه لا يرى سوى ضباب و صدره يعلو و ينخفض من شدة التنهيدات. ثم أحس في نفس اللحظة أن قطرات تتساقط من ذراعه و شيء ما يقضم بأسنانه في أعلى يده و لا يقوى ألم التعرف على هوية ذلك الناهش و لكنه إعتقد أنه فأر.



بدأ ألم في الاختناق و قطرات العرق تتصبب منه بكثرة ليسمع اِرتطامها على ذلك الشيء المستلقي عليه، ربما يكون صندوق من الخشب أو الحديد لا يعلم، و لكن من الواضح أن الألم أصبح ظاهراً على السيد ألم، و ذلك الناهش لا يرحم و صوت قضماته مقزز، و هو لا يقوى على الصراخ. حاول أن يتكلم و لكن لم يقوى على تحريك شفتيه بصورة إرادية يحركها تاركة، فتذهب في إتجاهات أُخرى أو تتوقف، لا تتلقى أي إشارات بالإضافة إلى انسداد رقبته عن طريق ربطها بشئ ما من الخارج.



سرح قليلا و حاول الخروج من ذلك الكابوس الذي يسجن أجزاء منه بداخله، فبدأ في التخيّل أنه في حالة طبيعية و بدأ برسم طبيعة و جنائن خضراء و أُنثى شديدة الجمال و سيدة عجوز ذو وجه بشوش و زجاجات من نبيذ النشوة و بعض أطفال الإله و صوت بيانو لعازف مجنون و عالم خالي من الصراع. إلا أنه اِستفاق على هذه اللوحة السجينة بشعور أفظع أنه يريد أن يتبرز، يحاول أن يجمع قواه على أن لا يفعل، و لكن لا جدوى خائر القوى ليخرج من احشاشه تلك الفضلات ذات الرائحة المقززة حتى لامست جسده و أرقته اِشمئزازًا من وضعه.




إستمر قليلا و لكن لا جدوى، على وشك الموت رائحة البراز جعلته يتقيئ ليبلل لحيته الكثة و شاربه و بعض من شعره الكثيف المتدلي على عينه، الذى لا يقوى على تحريكه و لو بأنفاسه، فالعرق و القيء جعلوه يلتصق بوجهه، و مع ذلك العرق يتصبب منه كصنبور لا يهدأ، و إذا بصوت صرخة قادمة من بعيد كحشرجات موت متقطعة، فبدا الخوف على ألم كالرعد و لا يعرف ماذا يفعل أميتٌ هو أم حى، بدأ يقاوم و يقاوم حتى أخرجت همهماته كلمة أنا.



بدأ يحاول إلى أن إستعاد نسبة كبيرة من التحكم بالكلام و بدأ يسأل:
ماذا يحدث؟ "بصوت منخفض"
لا أحد يرد
من أنا؟
لا أحد يرد
ثم بدأ صوت السيد ألم يعلو و يعلو و لا مُجيب، فظل يصرخ حتى شعر أنه من شدة الصراخ بدأ في فقدان القدرة على الكلام من جديد، فتوقف فلا مجيب و الصوت ينفرط و لا أمل في العودة، فأحتفظ بما تبقى، و بدأ يتسنتج مع الوقت أنه كلما صمت، كلما زاد رصيده من الكلمات و القدرة على التعبير. فجأة شعر أن أحدًا يشده من أرجله ليسقطه على الأرض، حاول أن يصرخ لم تخرج منه غير كلمة لماذا، لجئ إلى المقاومة لكنه خائر لا يرى من يحركه و يعبث بجسده ليجد نفسه مُلقى على بطنه، و في تلك اللحظة تعالت أصوات صراخ و بكاء كان يرتعد في أعماقه خوفًا لكنه لا يرتعش.



شعر ألم كأنه في صندوق من الصفيح بلا أبواب، فقط فتحة في الأعلى تراقبه دون ردود أفعال. أخذت تتعالى أصوات الصراخ بالإضافة لصوت طلقات نار و مروحيات، حيث كان يتخيل ألم أنه في سجن مترامي الأطراف عبارة عن صناديق من الصفيح مترامية فوق بعضها بصورة عشوائية، كان يسمع أشخاص كثيرة تتكلم و تصرخ، و لكنه لم يقوى على فهم أي كلمة من كثرة أصوات المعذبين، و لكن من حين إلى آخر يسمع اسم معين ينادونه الناس في نفس اللحظة ثم بعد ذلك صمت سمين متضخم، حتى تتعالى الصرخات من جديد و لا يفهم شيء كالمعتاد غير تلك الاسماء.



حاول ألم التوقف عن التفكير بالخارج و عاد إلى الصلاة الذاتية حيث الإنعزال عن الخارج لكنه لم يفلح، فحاول التفكير في الطعام لكنه لم يقوى على الاستمرار في التفكير، الرعب يسكنه و لا سبيل للنوم سوى ببعض الإغماءات التى يفيق منها على الصراخ فاقدًا لتمييز الوقت، و لكن ما كان يسعفه للشعور بالوقت هي عملية الأسماء التي كانت تُنادى كل فترة، فقد كانت تلك الفترات تتأرجح بين التباعد والتقارب، ربما يرجع هذا لقيمة الشخص الفعلية بالنسبة للشعور العام و سلطته للتحكم لآخر لحظة بالزمن.



فشعر السيد ألم أن شيء ما ينبهه بإنذار كلما سمع صوت ينادي و أن دوره قادم لا محالة، في ماذا؟ لا يعرف. بالإضافة أن اسمه الذي يعرفه هو ألم و أن ما يحدث بإستمرار من صراخ و نداءات ما هي إلا عملية آلام متكررة، فكان يختلط عنده المعنى و المصطلح بين ذاته و الاخر و الأشياء حتى الخيالات و النهايات الحتمية للبداية المقززة الناقصة التائهة التى لم يطلق سراحها كبداية صريحة. فوجد هيئته مجرد عاجز لا يمتلك غير بقايا أشياء تدعى إنسان، تمكنه من خلالها تصوّر ذلك العالم الخارجي المختلط بالذات لمعالجة تلك النهايات الحتمية و وضعها في صورة تبدو جميلة.



ذهب ألم في إغماءه و في أثناء الإستغراق، وجد نفسه يلهو على شاطئ في جزيرة و يجرى على الرمال لا يعيقه شيء. كان السيد ألم يشعر بالطيران إلى أن اصطدم بصخرة لا يعرف من أين أتت ليجد رأسه ينزف، و في نفس اللحظة بدأت السماء في السواد و البحر في الإحمرار ليجد أجسادًا ملطخة بالزفت تأتي لتمسك به. حاول الهرب لكنه لم يستطع من هول الصدمة و من شده النزيف، و ما أن لمسته أيديهم حتى أصبح كالمشلول، جثة هامدة يحركوها ككتلة أشلاء إلى أن ألقوه في صندوقه الصفيحى لترتطم رأسه بأرض الصندوق الصفيحي لدرجة جعلت الصفيح يتشكل على شكل رأسه دون أي ردة فعل من جسده الميت، ثم ساد سكون مميت لينطلق بعديها اسمه ألم ألم ألم بصوت كصوت الرعد، الكون يعزف اسمه كمعزوفة احتضار أخيرة.



يستفيق من نومه مرعوبًا على نفس الصوت.. ألم.. ألم.. ألم.. لا يعرف ماذا يفعل لقد اِعتاد صوت الصراخ لكنه لم يعتاد أن يسمع اسمه. يذهب في غيبوبة أخرى من شدة الصوت الذي كاد أن يفقده سمعه، ليعود السكون من جديد إلى رأس السيد ألم من خلال نوبات نوم عميق، فتنطلق أصوات نورس و يدخل نور من أعلى فتحة السقف لتتغيّر كل المعالم أثناء فقدانه الوعي، إلى أن يستفيق من النوم ليعود كل شيء مثلما كان، يسمع اسمه يتردد بقوة أكبر إلا أنه وجد نفسه فجأة يتحرك كإنسان طبيعي، فكان غاية في السعادة و الرعب في آن واحد، فترديد اسمه يرعبه و يُشعره بالاستنزاف و حرية جسده تقتله فرحًا و تشعره بالخلود.


بدأ السيد ألم في الحركة و القيام من على الأرض، و لكنه لا يرى أي حدود للمكان، فقط عتمة. أخذ يمشي فتعجب أنه لم يجد شيء يعيق حركته كما اعتاد و أخذ يسرع حتى ظل يجرى و يجرى و يجرى، لكنه حاول التوقف للاستراحة من التعب، لم يجد شئ فى الظلام النتن لكنه يرغب في التحرر. قرر أن يستجمع قواه من جديد ليجرى بكل ما فى وسعه، و ها هو على وشك الإندفاع إلا أنه اصطدم بشيء خشن جرحه أسفل قدمه. حنى ظهره للتعرف على هذا الشيء ليجده كومة من الخبز الجاف ففرح ثم بدأ في الاكل فهو لم يأكل من قبل في تلك المكان الذي ظن أنه صفيحة، فكلما أكل قطعة خبز تجرح فمه من الداخل لينزف دماء مختلط بالعيش لكنه لم يملك خيار غير الاستمرار فهو جائع في عالم العتمة.



نهض السيد ألم و بدأ من جديد في الإندفاع، ظل يجرى و يجرى، و أثناء الإندفاع تذكر ذلك المكان الذي كان به على الشاطئ يلهو و يلعب، فصوّر له خياله أنه بداخله ليخفف من وطأة الألم. بدأ في الإندماج ثم تذكر لوهلة أنه اصطدم بشيء على تلك الشاطئ، و إذا بشيء في نفس اللحظة يرتطم برأسه، يشعر أنها قد تهشمت و تناثرت في أرجاء العتمة ليستلقي على الأرض و تنقطع أنفاسه و يأتي أحد يعتقد أنه من الملطخين بالزفت ليُقطّع جسده.



يقوم من النوم يصرخ، يدخل في حالة من التشنجات في منتصف ليلة شتوية، حيث كان القمر غير مكتمل من زجاج الغرفة و مغطى بنسيج السحب، حيث صوت الأمطار و الرعد يغطي على صراخه و العتمة تسيطر على الغرفة. يستفيق أباه في الغرفة المجاورة و يدخل عليه و هو يكسر كل شيء في غرفته دون وعى، يحاول السيطرة عليه و لكن بلا جدوى فرأسه قد تمزق من نزيف التشنجات والصدمات. يهرول أباه محاولاً اللحاق بحركاته السريعة ليطالبه بالتوقف فيقذفه ألم إلى الارض.



فينادي أباه حارس البيت ذو البنية الضخمة، فيُحضر حبلاً، يأمره بإحكام القبضة عليه حتى يتمكن من ربطه فى سرير الغرفة النحاسي الذي ورثه عن جده. كبلاه في أرجل السرير للداخل ليخفوه تحت غطاء السرير المتدلي على الارض. يشكر الأب الحارس بعد أن أغلق الباب بالأقفال الضخمة في اِبتسامة و يدعوه لإحتساء كوب من الشاي قبل أن يعود إلى النوم، فيقبل الحارس الدعوة. يعده والد ألم أن يزيد راتبه آخر الشهر في مقابل طاعته التامة له و دفع مبالغ إضافية من المال حين تتوفر مساحات أكبر من الطاعة العمياء لدى الحارس.





#رامى_نوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامى نوح - السيد ألم