أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - حامد فضل الله - الجهاد الألماني في سبيل دارفور1















المزيد.....


الجهاد الألماني في سبيل دارفور1


حامد فضل الله

الحوار المتمدن-العدد: 4663 - 2014 / 12 / 15 - 17:08
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


  الجهاد الألماني في سبيل دارفور1
السودان في الحرب العالمية الأولى
     Roman Deckert  رومان دكرت2
ترجمة د. حامد فضل الله برلين
                                        
إن "عسكرة الاقتصاد السياسي" في سودان وجنوب سودان اليوم نمت
منذ عهد الاستعمار وقد كان لألمانيا مساهمتها التاريخية في ذلك.
 
عندما يحضر الماني الى السودان ينبهر من الحفاوة البالغة التي يحظى بها هناك. وهذا نابع من الاِدراك الشائع ،بأن المانيا ليس لها موروث استعماري في البلد تتحمل تبِعاته. إن هذا الاِدراك خاطي وملتبس، صحيح إذ أن الدور الألماني لم يكن بادِ للعيان مثل دور الدول الكبرى الأخرى ، ولكن بلا ريب له أهمية مركزية.
 
الألمان " مكتشفون " للاستعمار.
بدأ السودان الحديث لسودان وجنوب سودان اليوم في عام 1821 مع الغزو المتعاقب لـ " بلاد السودان "("بلد السوُد")  بواسطة الحاكم العثماني في القاهرة محمد علي باشا. زار السودان بعد ذلك بقليل في حاشية الغزو التركي – المصري أيضاً "المكتشفون" الأوائل من المانيا. كان من بينهم في سنوات 1830 Hermann von Pükler-Muskau باحثين بارزين مثل الأمير هيرمان فون بُكلر- موسكاو   
  وكتابه " من امبراطورية محمد علي "والذي حقق نجاحاً عالمياً.  -
في عام 1844 "البعثة  (Ä-;-gyptologie )  أحد مؤسسي علم المصريات وقاد كارل رتشارد لبسيوس  الملكية البروسية"  
حتى وصل الى الخرطوم التي كانت قد تأسست حديثاً وقتها. Kö-;-niglich Preuß-;-ische Expedition
 بعد عودته قام بأقناع فريدريش فلهم الرابعFriedrich Wilhelm IV  ، بشراء جزء من ذهب مقبرة
الملكة المروية الكنداكة أماني شخيتو للمتحف المصري في برلين، والذي لايزال حتى اليوم يثير الدهشة و الاعجاب .أكتسب النصف الآخر من الكنز الملك لودفيج   الأول فون بيرن  Ludwig I von Bayern عن طريق أحد سارقي القبور الإيطاليين .
إن ازدهار السياحة المصرية، أدى ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر الى تصاعد عدد الألمان في السودان، فواصل الجغرافي من هامبورج هينرش بارت Heinrich Barth، الذي يعتبر    كأهم باحث لأفريقيا ، رحلته ماراً بغرب سودان اليوم الذي يعتبر من وجهة النظر الأوروبية بلداً مجهولاterra incognita
 من مدينة كرفلد، Eduard Vogel كما تطور مصير ادوارد فوجل
المفقود في منطقة تشاد اليوم، الى قضية قومية في الصحافة الوطنية. لقد استغلت الجمعية القومية الألمانية مطالب بعثة الإنفاذ ونظمت ، استكشافاً اضافياً بمساعدة بارت هيرسوج فون ساكسن- كوبورج
  1862   الذي قام في عامHerzog von Sachsen Sachsen- Coburg- Gotha- جوتا
برحلة صيد في شرق السودان . لقد كتب الفرد يرْهم
 الذي كان في صحبة السمو العالي، عن رحلته الأولى للسودان 1847- 1852Alfred Brehm
إن تاريخ البلد " طمس بدماء آلاف  الضحايا من البشر بسبب الجشع والثأر " تلك هي جملة لايزال لها مفعولها المحزن بعد أكثر من مئة وخمسين عاماً.
أثار الاهتمام في المانيا تقارير الرحالة الباحثين عن النهب المنظم للسودان بواسطة الغزاة العثمانيين كونهم الوحيدون كشهود على تجارة الرقيق التي كانت تمارسها القوى الاستعمارية غير الأوروبية لأفريقيا (المقصود هنا العثمانيون – المترجم ) وما تضمنه ذلك من مُلابسات سياسية. وهذا ينطبق على وجه الخصوص على عالم النبات الألماني البلطيقي جورج شفاين فورت    
Georg Schweinfurth  الذي رافق من عام 1868 الى 1871، بتكليف من الأكاديمية البروسية للعلوم ومؤسسة هومبولت التي أنشئت حديثاً،  البعثة  المصرية لاِكتشاف سن الفيل (العاج) والرقيق في جنوب سودان اليوم، وللبحث في  التفرعات العديدة لمجرى النيل في بحر الغزال. وفي كتابه " في قلب أفريقيا"، الذي يعتبر حتى اليوم مرجعا في وصف الأعراق، مُروجاً علناً بمنع اصطياد الرقيق وايضاً بمنع مشاركة المانيا في الاستعمار.
 
الإداريون الألمان ضد الجهاد
استغلت بريطانيا العظمى وهى  السلطة الاستعمارية بالفعل وضع مصر المالي المتردي  وغضب الراي العام الأوروبي وطالبت بأن يقوم الحاكم العثماني في القاهرة بتنفيذ تعيين " إداريين غربيين " وهكذا صار شارس غردون الذي اصبح أسطورة في الحرب الأهلية الصينية، حاكماً لمديرية الاستوائية التي  تم احتلالها حديثا وكانا في خدمته أيضاً أثنان من الألمان. كما تم تعين عام 1878 الطبيب محمد أمين الياس أدورد اشنتزر، الذي اشتهر باسم أمين باشا  Mehmed Emin Alias Eduard Schnitzer
الذي أعتنق الاسلام بعد اليهودية، مديراً للاستوائية خلفاً للاسكتلندي شارلس غوردون. وفي نفس العام تم تعيين رجل الأعمال كارل فريدريش روزتKarl Friedrich Rosset   حاكماً لدارفور وقد كان من قبل ممثلاً لألمانيا كقنصل عام في الخرطوم . ولكنه مات مسموماً فور وصوله الى السلطنة التي تم إخضاعها توا. وأعقبه المهندس الألماني كارل كرستيان جيجلر  Carl Christian Giegler وقد عينه غردون الذي صعد الى وظيفة الحاكم العام ، عام 1879 نائباً له. كما اصبح المصور الألماني كارل بيرجهوف  Carl Berghof مسؤولاً عن مكافحة الرق في فشودة الجنوبية السودانية. ولكن أيضاً كان هناك ألمان ناشطون شاركوا أيضا في تجارة الرقيق والإتجار في البشر.
من المؤكد و الثابت تقديم  كارل هاجنبيك    Carl Hagenbeckفي ذلك الوقت كمدير لحديقة الحيوان
في مدينة هامبورج ضمن  " استعراضه امام الجمهور" " أفرادا من النوبة الأحياء من السودان داخل الأقفاص بجانب الحيوانات.
بعد ستين عاماً من النهب المنظم انفجر عام 1881 تمرد عاصف للمواطنين في غرب السودان ضد الحكام الأتراك- المصريين، الذين وهنت من قبل علاقتهم بالإمبراطورية العثمانية. ادعى محمد أحمد من دنقلا الذي تعود سُلالته الى النبي محمد (ص) ، بأنه المهدي المنتظر. وأعلن الحرب المقدسة „الجهاد" ضد الحكم التركي المصري. من سخرية القدر أن يكون عدم الرضا بمنع تجارة الرقيق سبباً بأن تحظى فكرة ذلك الثائر المنقذ اقبالاً هائلاً وان تجعل منها أول حركة كفاح اسلاموية للحداثة. وعندما حدثت المواجهات وانتصرت فيها جيوش المهدي وغنمت فيها كميات كبيرة من السلاح والذخيرة و من ضمنها كمية كبيرة من مدافع كروب الصلبة والتي كان قد استخدمها  الجيش المصري في المعارك . كما قتل أثناء المعركة عدد من الاداريين الألمان .
ثم بدأ بعد ذلك حصار العاصمة لمدة عشرة أشهر ليقتحم المجاهدون بعدها، في يناير 1885 الخرطوم وترتب على ذلك حمامات من الدم. لقد تباطأت الحكومة البريطانية في ارسال حملة لإنقاذ غرودون. وهكذا سجلت هذه الثورة أول انتصاراً على المستعمرين الأجانب في تاريخ أفريقيا الحديث.
وهذا في نفس الوقت الذي اتفقت فيه القوى الأوروبية في مؤتمر برلين على الأسس التي تقسم بها افريقيا الى مستعمرات.
هذه الحقيقة النادرة وغير المألوفة والرعب من قطع المهدويون لرقبة غرودون  اصبح السودان موضوعاً دائماً في الصحافة الأوروبية.
المهدي وكما زُعم ، بأن سيفه كان يملكه فارس في الحملة الصليبية، تُوفى عام 1885 وهو في قمة سلطته. مع كُل ذلك نجح خليفته، الخليفة عبد الله أن يبني حكماً استبدادياً دينياً وعبودياً – المهدية – الذي استنزفت البلد بمعنى الكلمة.
لقد استطاع أمين باشا حاكم مديرية الاستوائية الذي كان معزولاُ عن العالم الخارجي ان يصمد في وجه المهدية. وبات مصيره في محط اهتمام قراء الصحف والمجلات والكتب الألمانية وتحولت من خلال ذلك     Carl   Peters لقضية سياسية. وقد نظم كارل بيترس
المراوغ والمدافع عن  الاستعمار بمساعدة شفاينفورت   Schweinfurts   حملة أنقاذ ، وكان الهدف الأساسي هو وضع اليد على مناطق جنوب السودان ا. وقد تم هذا ضد رغبة  اتو فون بسماركOtto von Bismarck  مستشار (امبراطورية الرايخ  الألمانية)
وكان السباق من اجل تحرير أمين - والذي كان لا يرغب في اجلائه -  وأيضاً بهدف الحصول
  على الحقوق على الأرض ولكن كسبتها الحملة الاستكشافية البريطانية في ديسمبر عام 1889   بقيادة Henry Morton Stanley هنري مورتن استانلي
 وبذلك فشلت السياسة الألمانية في الهيمنة على النيل التي عرفت" بالقبضة الألمانية " كجزء مركزي للسياسة الألمانية في وسط أفريقيا.
بعد نصف عام أعلن الرايخ الألماني في معاهدة عن "مقايضة" هلقولاند    Helgoland بزنجبار وبذلك التخلي نهائياً عن أي حقوق على منطقة  مجرى النيل الأبيض لمصلحة بريطانيا العظمى.
 3 Sedan und Sudanسيدان وسودان
و كانت أيضاً مناطق استعمار الرايخ الألماني في شرق إفريقيا لها علاقة مباشرة مع السودان، حيث كان يتكون هناك معظم الجيش المحتل ، من المرتزقة السودانيين. لقد وافق البرلمان الألماني عام 1889 على طلب بسمارك للحصول على أموال لتكوين قوة حربية من أجل قمع ما يسمى الانتفاضة العربية. وقام مستشار حكومة الرايخ هيرمان فسمان     Hermann Wissmann  بتجنيد حوالى 600  سوداني  
المتواجدون في القاهرة والذين عملوا من قبل في الجيش العثماني والذين اصبحوا بعد انتصار المهدويين
عاطلين عن العمل. كان الضباط الألمان يمدحونهم لمهارتهم القتالية وحسن سلوكهم وليس فقط لأنهم لا يشربون الخمر. لقد اغتالت فرق الجهاديين الألمان- السودانيين أكثر من مئة ألف مواطن أثناء القتال ضد المنتفضين. أن حرب الماجي ماجي والجدال والحوار حولها والذي وصل ذروته بين عام 1905- 1907، يعتبر أول تطهير عرقي في القرن العشرين.
اليس من قمة السخرية عندما تضغط الحكومة الألمانية على بريطانيا العظمى للقيام بحملة عسكرية ضد المهدويين بحجة دوافع انسانية.
كان الباعث السياسي الحقيقي لهذه المناورة الدبلوماسية، هو انهزام الحملة الاستعمارية الايطالية أمام قوات قيصر اثيوبيا في مارس 1896.كان الخوف في برلين ، بأن تخترق فرنسا وبلجيكا عبر جنوب السودان شواطئ شرق أفريقيا. ولتجنب ذلك ولمساعدة حليفتها ايطاليا، مارست الدبلوماسية الألمانية ضغطاً على الشركاء في لندن. وفي نفس العام كلفت الحكومة البريطانية الجنرال هربت كتشنر، لينظم غزوة تحت العلم المصري لإعادة احتلال السودان. لقد تم تمويل الحرب من صندوق الديون الدولي الذي يشرف على الديون المصرية المتراكمة، وتمت الموافقة من مجلس الدائنين بفضل صوت المانيا ضد المعارضة الفرنسية والروسية. وجهزت الحملة بمدافع كروب وبجانب الجنود المشاة من السودانيين الذين حاربوا ضد أبناء شعبهم انضم اليهم أيضاً ضباط المان كمراقبين. لقد عاش المعركة الفاصلة في أم درمان يوم 2 سبتمبر 1898 بجانب الشاب ونستون تشرشل ، كلاً من برنس كرستيان فون اشليزج- هولشتاين و أدولف فون تيدامان والذي كان قد أنضم من قبل الى حملة بيتر- أمين باشا، وشاهدوا كيف عشرات الالوف من الدراويش المجاهدين يندفعون ضد نيران المدافع الرشاشة البريطانية. ويستشهد تشرشل  مغتاظاً وبسخرية مبطنة بالبارون الألماني متلاعباً بالكلمات، ومشيراً الى المعركة الفاصلة بين القوات الفرنسية والقوات الألمانية في يوم 2 سبتمبر 1870 في سيدان بفرنسا: " أنه يومنا العظيم ومن ثم أيضاً يومكم العظيم ": سيدان وسودان3.
تعتبر معركة ام درمان عموماً نقطة تحول في تاريخ الحرب، فمن ناحية لعبت الفروسية الكلاسيكية دوراً أخيراً ومن الناحية الأخرى استعراضاً للأسلحة النارية الاتوماتيكية لأول مرة ضد تفوق عددي خارق. وبذلك كانت الغزوة ايضاً اختباراً للحرب الصناعية، التي ابتلت بها بعد فترة وجيزة نصف البشرية. وكادت أيضاً في عام 1898 أن تشتعل الحرب العالمية الأولى في جنوب السودان.
فقد أسرع كتشنر مع قوته الحربية مباشرة بعد انتصارهم على المهدويين الى فاشودة ،المنطقة العثمانية على النيل حيث احتلتها حملة استكشافية فرنسية بقيادة جان- بابتستا مار شاند   Jean-Baptiste Marchand . فأزمة فاشودة أوصلت البلدين الى حافة الحرب، مما دفع فرنسا أخيراً الى التراجع.
ومن ثم أعلن الحكم الثنائي الإنجليزي- المصري على السودان. وقد كان للرايخ الألماني بتعزيزه الدبلوماسي لسياسة الرهان الأقصى( عض الأصابع) إسهاماً  كبيرا لتأسيس الحكم المشترك.
الجهاديون الألمان
ومن هذه الخلفية لا يتعجب المرء، بأن اندلاع الحرب العالمية الأولى، دفعت السودان مرة أخرى في مرمى نظر الاستراتيجيين في برلين. لقد ابتكرت هيئة أركان الحرب ووزارة الخارجية خطة تدعو فيها الشعوب الإسلامية في المستعمرات الى الحرب المقدسة ضد مقاومي الحرب. فأعلن الحلفاء العثمانيين عام 1914 الجهاد. لقد كتب المؤرخ ميشيل بيسك : Michael Pesek:
" لقد وجد هذا الإعلان تربة خصبة في السودان. فذكريات الثورة المهدية وإخمادها لاتزال حاضرة. لقد كانت القيادة العليا البريطانية في الشرق الأوسط في أعلى حالة التأهب. لقد وصلت الاشاعات للبريطانيين عن طريق أخبار التجار، بأنه قد تم تنصيب حاكم الماني- تركي في مدينة ام درمان العاصمة السابقة للمهدي. وتفجرت انتفاضة في جبال النوبة بتدبير من عملاء المان أو أتراك حسب تخمين البريطانيين. وساد الغليان في فيلق الضباط السودانيين. وأظهر الضباط استقبالاً حماسياً لفكرة الحرب المقدسة. تفاعلت المخابرات البريطانية بصورة عاجلة واستطاعت أن تكسب في أبريل 1915 أصحاب النفوذ من علماء السودان وحتى أبن المهدي الى جانبهم".
لقد تم تكليف  عالم الاثنولوجيا (علم الشعوب البدائية ) ليو فروُبينيوص Leo Frobenius    من قبل بارون ماكس فون اوبنهايم   Baron Max von Oppenheim الذي كان يدير في وزارة الخارجية " محطة أخبار الشرق"
أن يقوم بتنفيذ مهمة سرية في السودان. لقد رفضت السلطات الايطالية في مصوع الإرتيرية لمجموعة العملاء الألمان مواصلة الرحلة وبالرغم من ذلك وحسب تقارير وزارة الخارجية في نهاية عام 1915، بأن الاشتباكات في شرق السودان شارك فيها المان.
كانت وزارة الخارجية البريطانية في توتر فوق العادة من احتمال تحالف بين السلطان علي دينار- الذي أستعاد استقلال سلطنته في غرب السودان بعد سقوط المهدية – وبين قوى متوسطة. تثبت تقارير وزارة الخارجية الألمانية ،بأن السلطان علي دينار ، بعد الهزيمة الفاصلة أمام الفاتحين الإنجليز-والمصريين ، طلب نهاية عام 1916 مساعدة المانيا، وذلك بفترة قصيرة قبل أن يقتل في كمين. بعد عام طرأت حادثة جديدة، عندما دخل المنطاد الألماني الذي يقوم بتزويد جيش الاحتلال الألماني في شرق أفريقيا بالإمدادات، في المجال الجوي السوداني. و عند تحليقه فوق سماء الخرطوم تلقت البعثة المثيرة أمراً بالرجوع. ساهم قدماء الجهاديين السودانيين من أن يستطيع الجنرال بول فون لوتوف- فوربك     Paul von Lettow- Vorbeck مواصلة حرب العصابات الساحقة في تنجانيقا حتى أخر يوم في الحرب.
مخلص حتى الموت
لقد حارب سوداني  أيضاً في معارك أخرى لصالح القيصر والرايخ .كان محمد خليل صادق من وادي Freiherr von Witzlebenحلفا خادماً لفراهر فون فتسليبن
، الذي كان يعمل في البنك الشرقي الألماني. كما شارك أولاِ متطوعاً في الحملة الفرنسية، ثم  
في فرقة القائد الأعلى، كولمار فراهير فون دير جولتز  Colmar Freiherr von der Goltz الذي
كان يقدم مع فرقته المشورة للجيش التركي. انتمى النوبي محمد خليل في العراق   الى حملة هوبمان فرتز كلاين  Hauptmann Fritz Klein
 التي كانت مهمتها تخريب  أنابيب امداد البترول الخام في محافظة خوزستان الايرانية. ومنح محمد
صادق وسام الصليب الحديدي في الموصل وكذلك شُرف بمرافقة جثمان فون دير جولتز الذي تُوفي في بغداد الى القسطنطينية، كما خدم أخيراُ في الجبهة الفلسطينية في مقر قيادة فون اوتو لِمان فون ساندرس   von Otto Liman von Sanders ، وهو واحد من قلائل
جنرالات يهودية في جيش الرايخ. وعمل بعد نهاية الحرب في برلين " حارسا "ثم تاجر حلوى .وفي عام 1922 ترك المحل الذي كان يعرض فيه أيضاً العسل التركي وعاد الى السودان. وعمل حتى الشيخوخة كحارس في مفوضية المانيا الاتحادية  وبذلك تجنب على الأرجح مصيراً مثل الذي قاسى منه ابن وطنه محجوب بن أدم محمد.
لقد كان محجوب أحد أبناء الجهاديين السودانيين في شرق أفريقيا الألمانية وكان قد أنضم  بنفسه الى الفرقة الألمانية. وهو لايزال في سن الطفولة وسافر الى برلين بعد الحرب ليطالب بمتأخرات راتبه وراتب والده المتوفي. وتزوج هناك عام 1933من إمراه المانية وأسس أسرة
أنضم اليها ايضاً طفله الأخر من إمراه المانية ثانية. قامت البروفيسورة مريانا بشهاوس- غرست   Marianne Bechhaus- Gerst المتخصصة في علم الأفريقيات بإنجاز دراسة خاصة عن محجوب أدم وما يخفيه من تناقضات في شخصيته والذي اطلق على نفسه مرة أسم بيومي محمد حسين. وبالرغم من حرمانه من حقوقه بسبب هوس العنصرية ، " برز كجهادي" في كثير من الاحتفالات الاستعمارية تحت الصليب المعقوف وظهر في العشرات من الأفلام الدعائية في دور جانبي. مع بداية الحرب عام 1939 طلب الانضمام الى القوات المسلحة ولكن رفض طلبه. وعندما انجب محجوب عام 1941 طفلا من امرأة المانية ثالثة،  افتضح أمره كأب أنجب من عدة نساء وتم التشهير به واعتبر مدنساً  وعارا للجنس الآري ،اُدخل سجن الجستابو في برلين. ثم رُحل الى معسكرات النازية في منطقة ساكسنهاوزن   Sachsenhausen وبدون محاكمة     وكسجين يحمل رقم 39604 حيث تُوفى في 24 نوفمبر 1944 في ظروف غامضة.
ولتذُكر المصير المحزن للألماني- السوداني وضع عام 2007 حجر تذكاري4...أمام منزله السابق في
 في وسط برلين وليس بعيداً من ميدان روزنتال .Brunnenstarasse 193شارع
 هذه اللوحة الصفراء تنعش من جديد ذكرى لفصل غطى عليه النسيان من العلاقات الألمانية – السودانية والتي لاتزال حتى اليوم في تفاعل مستمر، ولأن" العسكرة التاريخية للاقتصاد السياسي" هو الجذر الأساسي  للصراعات  المتواصلة في السودان وجنوب السودان.
 
هوامش
 
1- نشر المقال في مجلة " INAMO الألمانية "المتخصصة في قضايا الشرق الأوسط  العدد79- 2014.     
بمناسبة مرور 100 عام على الحرب العالمية الأولى والمقال مأخوذ من أطروحة دكتوراه غير منشورة عن العلاقات الألمانية السودانية، ونأمل في ترجمتها الى اللغة العربية مستقبلاً.
2- نورمان دكرت درس علم التاريخ وباحث في الشأن السوداني ،زار السودان وجنوب السودان عدة مرات ويشارك بالكتابة في المجلات المتخصصة والصحافة ويعمل حالياً كباحث في منظمة  الاِعلام "MICTعبر التعاون وفي التحول"
3- يشير هنا تشرشل الى انتصار الألمان على الفرنسيين في معركة سيدان في فرنسا بقوله (يومكم العظيم) أما قوله ( يومنا العظيم ) وهولا يعني انتصار البريطانيين على المهدويين فحسب وانما أيضا
بسخرية مبطنة على انتصار البريطانيين على الفرنسيين في السودان عندما قامت قوات كتشنر بطردهم من فاشودة وفشل الألمان في الهيمنة على النيل ويتلاعب بالكلمتين لتقاربهم في النطق. (المترجم)
     4 - حجر تذكاري، تقليد جديد في المانيا، اذ يوضع أمام منازل الذين استشهدوا أو عذبوا أو اعدموا ظلماً، حجراً مرتفعاً تضع عليه لوحة  معدنية من النحاس باللون الأصفر ليكون ملفتاً للمارة.، مكتوب عليها الاسم والتاريخ –
(حجر عثرة)   )وهى تعني حرفيا Stolperstein) يستخدم الألمان كلمة معبرة للوحة التذكارية
وبالطبع ليس المقصود أن يتعثر المرء وانما أن ينتبه الى الحجر النافر عن سطح الأرض وبذلك يطلع على مضمون اللوحة المعدنية.(المترجم)
 



#حامد_فضل_الله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في تكريم المفكر الاِسلامي الشيخ راشد الغنوشي
- الشاعر لا يموت في تذكر الشاعر الفلسطيني سميح القاسم1
- مواقف
- جميل وجديد حيدر اِبراهيم
- الاقتصاد السياسي للتخلف مع اِشارة خاصة اِلى السودان وفنزويلا ...
- أدب الحوار
- خالدومات
- قراءات ونقاشات أدبية في برلين (برلين تفرح من جديد)
- الاضطرابات العربية: الوضع الجديد- من المغرب إلى إيران - ترجم ...
- إصدار جديد ومثير
- المُريد البرليني للطيب صالح (مفتوناً وراوياً وباحثاً)
- بين سعيد مهران وحيدر ابراهيم
- الهوان والاستخفاف .
- تقدير وعرفان بالجميل : كلمة القيت في ندوة اِحتفالية سياسية ب ...
- السودان: هل يعيد التاريخ نفسه! وما أشبه اليوم بالبارحة!
- السودان: من الاستقلال إلى الإنقاذ.. ما الجديد؟ 56 سنة
- القرآن جزء من أوروبا1؟
- الجبهة الاسلامية القومية والانتهازية
- من حقيبة الذكريات مع الصديق كاظم حبيب
- المسلمون والعرب وإشكالية الاندماج في المجتمع الألماني


المزيد.....




- كينيا: إعلان الحداد بعد وفاة قائد الجيش وتسعة من كبار الضباط ...
- حملة شعبية لدعم غزة في زليتن الليبية
- بولندا ترفض تزويد أوكرانيا بأنظمة الدفاع الجوي -باتريوت-
- إصابة أبو جبل بقطع في الرباط الصليبي
- كيم يعاقب كوريا الجنوبية بأضواء الشوارع والنشيد الوطني
- جريمة قتل بطقوس غريبة تكررت في جميع أنحاء أوروبا لأكثر من 20 ...
- العراق يوقّع مذكرات تفاهم مع شركات أميركية في مجال الكهرباء ...
- اتفاق عراقي إماراتي على إدارة ميناء الفاو بشكل مشترك
- أيمك.. ممر الشرق الأوسط الجديد
- ابتعاد الناخبين الأميركيين عن التصويت.. لماذا؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - حامد فضل الله - الجهاد الألماني في سبيل دارفور1