أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - موعظة عن سقوط روما . . تحفة فيراري الأدبية التي خطفت الغونكور















المزيد.....

موعظة عن سقوط روما . . تحفة فيراري الأدبية التي خطفت الغونكور


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4658 - 2014 / 12 / 10 - 10:29
المحور: الادب والفن
    


تحتاج الأعمال الروائية المعقّدة إلى عين نقدية ثاقبة تقرأ ما بين السطور، وتستجلي المعاني المجازية التي لا تمنح نفسها دفعة واحدة حتى للقارئ الحصيف الذي يحترف القراءة يومياً، ويكرِّس نفسه لها. ورواية "موعظة عن سقوط روما" للكاتب الفرنسي جيروم فيراري الحائزة على جائزة غونكور لعام 2012 والتي ترجمها إلى العربية الروائي شاكر نوري هي واحدة من هذه الروايات الإشكالية التي تستنطق روح العصر، وتلج في غابة أسئلته الشائكة والمحيّرة، وتٌقدِّم في كثير من الأحيان إجابات شافية على الرغم من أنَّ مهمة الرواية أو أي جنس أدبي آخر هي إثارة الأسئلة التي تؤرق القارئ، لا تقديم الإجابات الجاهزة التي تحدّ من مشاركة المتلقي في التفاعل مع الأحداث أو صناعتها في بعض الأحيان.
ولكي يلمّ القارئ بتطوّر أحداث الرواية، ونموّ شخصياتها، وبلوغ النهاية المرتقبة أو غير المتوقعة أحياناً لابد له أن يلتقط الثيمة المُهيمنة على النص برمته، وأن يعرف مستويات السرد التي تحدد المسارات الرئيسة والثانوية للشخصيات الأساسية والمؤازرة. كما يتوجب على القارئ أن يفكّ طلاسم النص التي قد تصادفه هنا أو هناك. فأسلوب هذه الرواية تحديداً أو حتى رواياته الست الأخرى من بينها "أنواع الموت"، "إله وحيوان" و "أين تركت روحي؟" تعوِّل كثيراً على المنحى الرمزي الذي يحتاج إلى قارئ متمكِّن يتنقل بسلاسة ويُسر بين اللغة الحقيقية "المسطّحة" واللغة المجازية "العميقة" التي يراهن عليها كاتبٌ من طراز جيروم فيراري الذي درسَ الفلسفة وتضلّع فيها.

شرارة الثيمة
لا يجد فيراري ضيراً في القول بأن رواية "إله وحيوان" قد نتجت عبر تخصّيبها بمقولة للحلاج ولا يجد غضاضة في الاعتراف بأن رواية "موعظة عن سقوط روما" تتكئ على مقولة للقديس أوغسطين مفادها بأن "العالَم كالإنسان: يولد، ويكبُر ثم يموت" مٌذكِّراً إيّانا بأنّ لكل شيئ دورته على مستوى الأفراد العاديين، والأبطال الخارقين، والحضارات العظيمة، والعوالم التي نظن أنها خالدة لكنها تتلاشى وتذوب في العدم بين أوانٍ وآخر.
لا يعتمد فيراري على الأسلوب الرمزي فحسب، فثمة فكاهة، وسخرية سوداء وكثير من المفاجآت التي تضع القارئ في دائرة السحر والدهشة والذهول. هل تذكِّرنا رائعة فيراري بـ "مائة عام من العزلة" لماركيز وبواقعيته السحرية التي أدهشت القراء في مختلف أرجاء العالم، أم تُحيلنا إلى رواية البلجيكي إروين مورتيير "بينما كان الآلهة نائمين"، أم أنها من نسيج وحدها؟ لا نشك جميعاً بأن "الأسد هو مجموعة خِراف مهصورة" وأن أي عملٍ أدبي لابد أن يحمل أصداءً معينة من أعمال سابقة ولكن الروائي المبدع هو الذي يُتحفنا برؤاه الجديدة، ومقارباته المغايرة التي تفاجئنا جميعاً، وتهزّنا من الأعماق. و "موعظة عن سقوط روما" هي واحدة من تلك الروايات الصادمة التي تفرك الصدأ المتكلس في الأرواح والأذهان معاً، وتقول بشجاعة نادرة: "أن هذا العالم سيئ، ومليء بالنكبات، وآيل للسقوط والانهيار، ولا يستحق أن نذرف الدموع على نهايته". تُرى، أين نضع المساعي البشرية الحثيثة إذا كانت الأيام والأشهر والفصول متشابهة ورتيبة وأن لا جديد تحت الشمس؟

البِنية الروائية
تقوم هذه الرواية على هيكل معماري محدد ينتظم في ثلاث قصص رئيسة تتشظى الأولى والثانية إلى قصص فرعية متعددة تؤثث متن النص الروائي برمته، وتحتضن أحداثه الكثيرة، وتضم حركة شخصياته المتنوعة. أما القصة الثالثة والأخيرة فهي التي منحت الرواية عنوانها، وكشفت للقارئ معانيها الفكرية العميقة.
تُشكِّل الحانة بؤرة مثالية في هذه الرواية التي تدور أحداثها في قرية كورسيكية رتيبة حيث يتخلى الصديقان ماتيو وليبرو عن دراستهما للفلسفة في باريس ليديرا حانة في مسقط رأسيهما في كورسيكا، الجزيرة الفرنسية التي ارتفعت فيها نسبة العنف، قياساً لبلدان القارة الأوروبية، بعد عام 2011 الأمر الذي دفع أبناءها للانخراط في صفوف قوات "الإمبراطورية" الفرنسية المهيمنة على أجزاء واسعة من أراضي القارة السمراء. وقد دعمهما مارسيل، جد ماتيو، مادياً حيث استقدما نادلات جذابات ومثيرات منحنَ الحانة هُوية مغايرة لم يألفها أهل القرية من قبل. وإذا كان مشروب الباستيس هو نفسه في كل مكان من كورسيكا فإن الموسيقى والصخب والعنف واللهو والجنس والفساد والعبث هو الذي كان يستقطب الزبائن من مسافة 40 كم من القرى المجاورة التي وجدت ضالتها في هذا المكان الذي انبثق وتشيّد على أنقاض عالم قديم ربما لم يتذكر الآخرون منه سوى الاختفاء الغامض للسيدة حياة التي أصبحت أثراً بعد عين. وربما تكون الحانة بهيأتها الجديدة التي صنعها الصديقان ماتيو وليبيرو هي أفضل عالم ممكن لكن هذا العالم الجديد ليس سرمدياً وسوف يعيش لدورة زمنية محددة ثم ينهار مثلما تنهار العوالم والإمبراطوريات والمدن المبثوثة في مختلف أرجاء العالم. إنها رواية قدرية بامتياز وأن المصير المحتوم لا يمكن لأحد أن يغيّرهُ.
تتمحور القصة الثانية على شخصية مارسيل أنطونيتي الذي كان غائباً في الصورة التي تم التقاطها عام 1918 ولكن عودة والده في شباط 1919 والذي كان سجيناً في منطقة الأردين في بداية الحرب سيكون السبب في ولادة مارسيل، الطفل العليل الذي تأكل القرحة أمعاءه ويتقيأ دماً وهو ذاهب في طريقه إلى المدرسة. وسوف تتشظى هذه القصة إلى قصص فرعية تعمّق مسار السرد سواء في كورسيكا وباريس أم في المستعرات الفرنسية في القارة الأفريقية. وسوف يتزوج مارسيل من فتاة شابة عمرها سبع عشرة سنة يختارها له شقيقه الأكبر جان- با تيست وتُنجب له ولداً يسمّيه جاك وسوف يبعثه إلى أخته جين - ماري كي تربّيه بعيداً عن الحشرات الأفريقية غير أن هذا الصبي سيرتبط حينما يكبر بكلودي ويمارس معها العشق الممنوع.
تنطوي القصة الثانية على فكرة محورية مفادها سقوط الإمبراطورية الفرنسية في القارة الأفريقية تحديداً وحتمية هلاكها، وهذا الدمار يُذكِّرنا بسقوط روما ونهبها وفنائها، فالرب، في خاتمة المطاف، لم يعِدنا إلاّ بالموت والبعث، فلقد استأثر الآلهة بالخلود وكان الموت من نصيب البشر، والفناء من حصة العالم ومدنه وحضاراته المتعاقبة التي تنهض من موتها وتتجدد مثل طائر الفينيق.
أما القصة الثالثة وهي الأقصر والأكثف على الإطلاق فهي "موعظة عن سقوط روما" التي ألقاها القديس أوغسطين في ديسمبر عام 410م عن سقوط روما الذي يُشكِّل معادلاً موضوعياً لسقوط الإمبراطورية الفرنسية. "فالعوالم تمرّ من الظلمات إلى الظلمات عالماً بعد آخر. ومهما كانت روما مجيدة وعظيمة فإنها تنتمي إلى العالم ويجب أن تهلك معه". وهذا الأمر ينسحب إلى سقوط الحانة وانهيارها لكن ذلك لا يمنع الحانة من أن تنهض من رمادها وتجدد نفسها على أيدي مجموعة أخرى من الحالمين الذين قد يحولون هذا المكان المنسي إلى عالم أفضل إذا لم تقدِّم لهما الحياة أية إجابات رصينة عن أسئلتهما الوجودية المؤرقة فمازال الحاضر ينبثق من العدم ويعود إليه.
لابد من الإشارة في خاتمة المطاف إلى أن جيروم فيراري استطاع أن يطوّع الأفكار الفلسفية في نصه الروائي وأن يذوّب الشذرات التاريخية التي التمعت هنا وهناك ضمن المسارات السردية التي تعددت وتنوعت في رواية "موعظة عن سقوط روما" التي تعد علامات فارقة من علامات الرواية في العصر الحديث. كما يجب التنويه إلى سلاسة الترجمة وعذوبتها ولاغرابة في ذلك فلقد قضى الروائي والمترجم شاكر نوري سبع وعشرين سنة في باريس تشبّع خلالها بروح اللغة الفرنسية التي تؤهله لأن يكون أميناً في ترجمته لهذا النص الأدبي المدهش.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الترِكة الثقيلة للمالكي
- مخملباف ينتقد العنف الذي يلي سقوط الطغاة
- الفنانة البريطانية مارلو موس ونأيها عن الشهرة
- التزامات الحكومة العراقية الجديدة
- مهرجان فينيسيا السينمائي في دورته الحادية والسبعين
- رحيل المخرج البريطاني ريشارد أتنبره
- رؤية عبد المنعم الأعسم للإصلاح والفكر الإصلاحي في بلد مضطرب
- بليندا باور تفوز بجائزة هاروغيت لأدب الجريمة
- كينغ روبو وحروبة الفنية على الجدران
- متوالية الأقنعة في رواية -أقصى الجنون . . الفراغ يهذي- لوفاء ...
- أنتلجينسيا العراق بين الماضي والمستقبل تحت مجهر سيّار الجميل
- حركة السوبر ستروك ومضامينها الفنية
- الشخصية الأسطورية في الفيلم الوثائقي الإيراني
- تقنية الإبهار في فيلم أمازونيا لتييري راغوبير
- مقبول فدا حسين. . أهدى حبيبته ثمانين لوحة لكنه لم يحظَ بالزو ...
- قراءة نقدية في كتاب سينما الواقع (2-2)
- قراءة في كتاب سينما الواقع لكاظم مرشد السلّوم (1-2)
- الفنانة لويز بورجوا تغرف من سيرتها الذاتية
- أكراد سوريا وثورتهم الصامتة
- المخرج الأميركي جون فافرو يقتبس -كتاب الأدغال-


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - موعظة عن سقوط روما . . تحفة فيراري الأدبية التي خطفت الغونكور