أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حازم نهار - تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 4 من 8















المزيد.....

تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 4 من 8


حازم نهار

الحوار المتمدن-العدد: 1305 - 2005 / 9 / 2 - 12:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


4- الداخل و الخارج في الثقافة السياسية السائدة
عمليات التغيير و التحديث تمت في المنطقة العربية خلال نصف القرن الماضي في مستويات قشرية وسطحية بمعزل عن التعرض لأنماط و نظم الثقافة القديمة أو التقليدية التي سارت جنبا إلى جنب مع عناصر الثقافة الحديثة ، وأدى هذا الوضع إلى تفريغ كل المفاهيم الحداثية (الإنسان، الفرد، الوطنية، الديمقراطية، الساحة العمومية، الشعب ، القانون، العقل، إلخ...) من مضامينها الأصلية ، إذ حضر الشكل وغاب الجوهر في خضم تلك العلاقة التجاورية الشاذة، و لذلك ليس من الغريب بعد هذه المسيرة أن "الشعب" بقي القبيلة ، والحزب السياسي قبيلة مصغرة ، والفرد عبداً ، والقانون شريعة الدين أو السلطات000 إلخ
أ- عقدة النقص تجاه الغرب و الخوف منه :
لم يشكل العثمانيون عقدة للعرب كما شكلها الأوربيون والأمريكيون ، لا من حيث الخوف منهم ، ولا من حيث شعور النقص تجاههم ، إذ بعد المعارك الأولى استتب الأمر وتعايش العرب والعثمانيون ، والسبب واضح هو الثقافة الواحدة للطرفين .
منذ أن جاء الغرب إلى المنطقة العربية على شكل حملات استعمارية , بدءا من حملة نابليون على مصر عام 1798 ، والذات العربية تعاني مشاعر الدونية والنقص تجاه هذا الكائن الجديد ، و هذا أثر بطبيعة الحال على طريقة تعامل الذات العربية مع هذا الكائن المتفوق علماً وتكنولوجيا وحضارة، حتى على صعيد المثقفين وزعماء الإصلاح الديني في بداية عصر النهضة العربية، أما طريقة التعامل مع الغرب فمهما اختلفت وتنوعت اتجاهاتها وقناعاتها، فإن جذرها كان على الدوام هو مشاعر الدونية والنقص تجاه كائن غريب ومتفوق .
شعور الذات العربية بالنقص تجاه الإنسان الأوربي أو الأميركي يعكس نفسه بأشكال مختلفة، إلا أنها كلها محقرة للذات ولقيمتنا تجاه أنفسنا كأفراد وكجماعات , ولعل أبرز هذه الأشكال محاولات كتابنا ومفكرينا منذ بداية هذا القرن أن يبرهنوا على عظمة التراث العربي والإسلامي ومدى تأثيره في الحضارة الأوربية وتطورها . وما هذه المحاولات من الوجهة السيكولوجية غير تعبير عن هذا الشعور بالنقص ومحاولة التعويض عنه بإيجاد صلة مشرفة تربطنا بالغرب وتجعلنا جزءاً منه ولو من زاوية تاريخية مجردة . إننا في تفاخرنا على الغرب وتبجحنا بعطائنا الحضاري له إنما نؤكد رغبتنا الخفية في أن نكون مثله لنحظى بقبوله وإعجابه . وهذا الشعور بالنقص هو الذي يدفعنا أيضاً في الاتجاه المعاكس , أي إلى الطعن في كل ما هو غربي وإلى التعلق الأعمى بالتراث والتقاليد , فمنذ بداية عصر النهضة , غلبت المعرفة الدفاعية والفكر الدفاعي على المعرفة النقدية والفكري النقدي , فأخذ مثقفونا يرسمون لنا صور تاريخنا وحضارتنا ومجتمعنا بشكل تبريري , في وجه سيطرة الغرب ونفوذه , وأصبح هدف المعرفة درء الخطر عن الذات , بدلاً من معرفة الذات , من هنا كانت نظرتنا إلى أنفسنا وإلى تاريخنا وإلى العالم نظرة خاطئة تقوم على الحاجة النفسية إلى تعويض الشعور بالنقص .
الذات العربية مصابة بترجرج , وقلق , وتخلخل في القيم , وانجراح في مشاعر الأمن والانتماء , إنها الذات المنجرحة إزاء الآخر المتفوق , لذلك فهي تلجأ إلى عمليات وسلوكيات سمتها العامة النكوص إلى الداخل , التراث , التقاليد , الماضي وفي مثل ذلك السلوك تجد سبيلها إلى خفض التوتر وتأمين شيء من التوازن الانفعالي للذات كي تستطيع الاستمرار في الوجود .
موقف الذات العربية هذا ينسحب على كل موقف له صلة بالغرب تتعرض له سواء أكان متعلقاً بالأخلاق أم بالعلم أم بالتكنولوجيا أم بالثقافة . . . ولا يمكن أن نتوقع نهضة دون تجاوز هذا الموقف الدفاعي والسعي للتعامل النقدي مع الفكر الغربي وإنجازاته بدون عقد النقص التي ما زالت تتحكم بنا.
ينظر التيار القومي عموماً لدعاية الولايات المتحدة بخصوص حقوق الإنسان و الديمقراطية بقدر كبير من التوجس و الريبة، بل وبسبب تاريخ طويل من الكيل بمكيالين وازدواجية السلوك و القرارات و السياسات غالباً ما توصف الديمقراطية و منظومة حقوق الإنسان نفسها كأداة للهيمنة ، وكجزء لا يتجزأ من مساعي القوى الكبرى و على رأسها الولايات المتحدة للسيطرة على الشعوب الأخرى وفرض أنماطها الثقافية الخاصة بوسائل القوة عليها 0
ويضاعف من خطر هذه الظاهرة أنها تستثمر استثماراً ماهراً من جانب الحكومات والنظم السياسية العربية والقوى الشمولية العاملة بنشاط في الساحة السياسية و الثقافية العربية 0 ويستهدف هذا الاستثمار التلاعب بالعقول من أجل تكريس الخضوع لقيم سياسية شمولية ولنظم سياسية تسلطية، وذلك بالقول أن هذه النظم وهذه القيم تشكل الحماية الملائمة للشعوب العربية ضد محاولات اختراق سيادتها0
وبالتالي فإن التلاعب الانتهازي من جانب الولايات المتحدة بقيم حقوق الإنسان يمثل تبريراً لنوع آخر من التلاعب من جانب القوى المحلية، ونعني بذلك التلاعب المحلي بقيم السيادة وبالقيم الوطنية بهدف تمرير انتهاكات خطيرة للحقوق. إن الدعاية المكثفة للسلطات لا تكف عن إثارة النخوة الوطنية و العاطفة القومية ضد وبهدف تبرير كل من المصادرة المستمرة للديمقراطية وحقوق الإنسان0
علاقة هذا التيار مثلا بمنظمات حقوق الإنسان علاقة يحكمها التوجس و الريبة، وهناك حكومات عربية عديدة وحركات سياسية معارضة انتحلت خطاباً وطنياً في مواجهة حقوق الإنسان على مذبح النضال ضد المحتل و العدوان الخارجــي0 و بشكل ما يتهم المدافعون عن حقوق الإنسان بأنهم عملاء للغرب وللولايات المتحدة، وليس أدل على ذلك من اجتماع وزراء الداخلية العرب في اجتماعهم في يناير 1997 بتونس على اعتبار المنظمات العربية لحقوق الإنسان خطراً على الأمن القومي0
لقد وظف هؤلاء جميعاً عقدة الخوف من الغرب توظيفاً انتهازياً وسيء النية حيناً ، وبسبب الجهل و تمحور الثقافة السياسية حول الفكرة القومية كشكل عدائي تجاه الآخر حينا آخر ، والمحصلة كانت الإبقاء على أوضاع حقوق الإنسان واستمرار الاستبداد .
إن الصراع لا يدور بإطلاق بين العرب والغرب، فالغرب يظهر دائما كفضاء بالغ التنوع، ليس من الناحية الثقافية وحسب، بل ومن الناحية السياسية أيضاً ، و لتؤكد الأحداث السياسية يوما بعد يوم أن صراعنا مع الولايات المتحدة هو صراع سياسي صرف ولا شأن له بصراع الحضارات و الثقافات . الاحتجاجات المدنية و حركات حقوق الإنسان في الغرب أوضحت كذلك هزالة ما حاولت تيارات فكرية سياسية قوله من وجود دوافع ثقافية وراء الحملة الأمريكية المعادية للعالم العربي وثقافته ، وبالتالي لم يعد من الممكن الدفاع عن خطاب الهوية الأحادي الذي دفع مجتمعاتنا قسراً لرؤية متوجسة إزاء العالم ترفض التفاعل الخلاق مع الثقافات الأخرى ، ليكون المآل الانكماش على الذات القومية أو الدينية أو تغليظ الحدود بيننا وبين الآخرين أو إثارة الكراهية و الخوف من جميع الأنظمة الثقافية و المجتمعية الأخرى 0
ب- خطاب الهوية إزاء خطر الخـارج:
يطرح الفكر القومي التقليدي (البعث ، الناصرية) دائماً وأبداً ، وعلى الدوام ، أهدافاً سياسية ساخنة ، على الرغم من أن الهزيمة تعشش منذ وقت بعيد ، ولازالت ، في العظام0
ينتظم هذا الفكر مسألتان، الأولى ضعف مستواه الحداثي، والثانية عقدة إهانة كبيرة بسبب الهزائم المتكررة ، يعبر عنها باهتزاز وتصدع كل أرجاء الشخصية و الوجدان0 تحت تأثير عقدة الإهانة يتم التمسك بجدول أعمال يدور أساسا ًحول الهوية القومية ،أو بالأحرى حول أجندة عمل قومية ،وهو سلوك سهل لا يتطلب الكثير من التفكير، يعتمد البحث عن العناصر القادرة على التعبئة و التحشيد و التجييش، ويكفي أن نقول "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" حتى تنتابنا مشاعر النصر و نصل إلى السماء ، ومن ثم لترمينا الحقائق الواقعية للهزيمة رمياً على الأرض ،و يا ليتنا نصحو ، بل نعيد الكرة من جديد0
العجز الواقعي عن الفعل ، والإهانة المضمرة التي يشكلها لنا وجود هذا الكائن القوي "الغرب" ، يجري مجابهتها والتعويض عنها بمواقف إنشائية كلامية ، وبقدرات بلاغية هائلة ، لاستنفار المخزون الروحي ، ولكنها للأسف لا تتضمن أي إمكانية للتجسيد على أرض الواقع ، وكلما زاد العجز زاد الإنشاء، وكلما كان حضور الخارج كثيفاَ يجري التركيز على قضية الهوية والسيادة ، بمعنى تسخير كل شيء من أجل الحفاظ على الهوية والسيادة .
هذه الأجندة القومية ، الدائمة الحضور ، رغم عمق الهزائم ، تؤدي إلى تشوه ثقافي عام في الثقافة السياسية ، إذ تصبح المهمة الأعلى و المقدسة هي الانتصار على الآخر أو الخصم ، وبالتالي إلقاء مهام إعادة البناء الداخلي ، وما يرتبط به من استحقاقات كحقوق الإنسان و الديمقراطية إلى الهامش0
استمرار هذا الوعي من الأسباب الأساسية لحالة الشلل على صعيد البناء الداخلي، وطالما استمر هذا التشوه الفكري سيظل ينظر لثقافة حقوق الإنسان و الديمقراطية باعتبارها وسيلة لاختراق مجتمعاتنا ، أو على الأقل تأجيلها لصالح التعبئة و التجييش الضروريين لمعركة النصر ضد إسرائيل و أمريكا و الغرب، في الوقت الذي لم تحدث حالة تعبئة و تجييش طوال نصف القرن الماضي ضد انتهاك ما لحقوق الإنسان في المنطقة العربية ، و المثال القريب نظام صدام حسين السابق الذي نال بشكل مباشر أو غير مباشر كل التحشيد و التعبئة باسم أجندة العمل القومي الراهنة دائماً ،في الوقت الذي لم تحدث من قبل تيار "الأجندة القومية" أي حركة احتجاج ضد انتهاكاته الفظيعة لحقوق الإنسان .
تأخذ " الهوية القومية " في هذا الوعي طابعاًَ وسواسياً تجاه الآخر ، وشكل تعيينات قطعية ، مغلقة و ثابتة، و هذا الفهم السكوني، بشكل أو بآخر، يعيق استقبال العناصر الإيجابية في الثقافات الأخرى بسبب سيطرة هواجس و وساوس الغزو الثقافي0 الهوية، هوية أي فرد أو مجموعة بشرية، هي كائن متجدد وعلى الدوام، وينبغي إعادة بنائها في كل لحظة من أفق المستقبل، وليس النظر إليها باعتبارها شيئاَ تكون في الماضي وانتهى.
يقــولـون: الهزائم تعلم الأمم ،إلا أن تيار الأجندة القومية لا يتعلم ، وهو مستعد لتكرار الهزائم إلى مالا نهاية طالما بقيت مرتكزاته و مقولاته ثابتة لا يطالها أي تغيير ، فبعد أن ملأ هذا التيار الفضائيات العربية بتحليلاته و توقعاته ووعيه الزائف والمضلل بنهاية الأمريكان أو المغول الجدد على أسوار بغداد ، وبعد انكشاف الهزيمة والسقوط السهل لبغداد ، نام قرير العين على اعتبار أن خيانة كبرى قد حدثت ، ومن ثم تبرؤوا من صدام حسين ، مع أن هذا الأخير لم يكن إلا تجسيداً فاقعاً لحركة قومية تقليدية هشة وغير ديمقراطية وإنسانية ،ولم يكن وحدة مهزوماً بل التيار القومي التقليدي برمته .
هذا التيار اكتفى عندما أعلن عن تشكيل مجلس الحكم الانتقالي في العراق بتوصيفه بالعمالة و الخيانة. وهذا توصيف سهل ،لكن يبقى من الواجب أن نتـأمل في الأسباب و الدوافع التي قادت آلاف الناس من اتجاهات سياسية عديدة للوقوف موضوعياً في صف العدوان، إذ لا يمكن أن نختزل الموضوع بهذا التوصيف، ويجب أن نلتقط بجدية الأسباب التي دفعتهم إلى هذا الموقف الخاطئ والتي تكمن أساساً في أن الاستبداد الطويل قد مَّزق العراق وشوَّه تياراته السياسية، حتى لم يعد من السهل توصيف الوطنية و اللاوطنية استنادا إلى هذا الموقف.
أوضح ما يعبر عن هذا التيار هو رؤيته للصراع العربي الإسرائيلي والخطر الخارجي الذي تمثله إسرائيل على العرب ، خاصة عندما وضع هذا التيار "القضية الفلسطينية" ، ولازال ، كقضية مركزية للعرب ، وبالتالي تمحور وعيه ووعي الشارع الشعبي حولها. باعتقادي إن قضية العرب المركزية هي الديمقراطية و حقوق الإنسان ، وما عداها ، على أهميته ،سيجد مكانه اللائق عندما تعود للمواطن ثقته بذاته و بوطنه وبقضاياه القومية0
القضية المركزية و المهمة الحارة هي إعادة البناء الداخلي على أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا ليس إنكاراًَ لمشروعية العمل القومي وضرورة إزالة الظلم القومي الواقع على العرب ، لكننا ندرك هذه المهمة من منظور حقوق الإنسان و الديمقراطية على اعتبار أن إنجازها رهن بتحديث وإصلاح المجتمع والسياسة و الثقافة في الأقطار العربية ،أكثر مما هي مرهونة بالوسائل العسكرية و التعبوية و التحشيد و استغلال العواطف القومية0
لقد فضحت الأحداث السياسية خطاب الأمن القومي العربي الذي استخدم لتبرير قمع الحريات العامة ، فعندما آن أوان الدفاع عن الوطن أو مناهضة العدوان الأمريكي على العراق لم تقم الأنظمة العربية بواجبها ، و تواطأ بعضها بصورة سافرة مع العدوان ، وقامت هذه الأنظمة جميعها بقمع التحركات الشعبية القليلة و المتواضعة للتضامن مع الشعب العراقي وإدانة العدوان الأمريكي . حتى المعارضات السياسية عندما تطالب بالديمقراطية و حقوق الإنسان ، فإنما تؤكد عليها من أجل مواجهة الخطر الخارجي وحسب، وليس لأن أهل البلد يستحقونها ويحتاجونها لإعادة احترام أنفسهم و الثقة بذواتهم و التعبير عن إنسانيتهم 0
ما يصدق على تيار الأجندة القومية، يصدق أيضاً على التيار اليساري الذي وضع الاشتراكية كأجندة راهنة، لتكون في مواجهة الديمقراطية وحقوق الإنسان على مدى نصف القرن الماضي من تاريخ المنطقة العربيـــة0
ج- خطاب "الخصوصية" في مواجهة الخارج:
يكاد يكون خطاب " الخصوصية "في المنطقة العربية ومنها سوريا لسان حال جميع القوى الكابحة للتقدم ،إن كان لدى الحكومات أو لدى التيار الإسلامي الأصولي أو لدى الفكر القومي التقليدي ، بما يوحي أن مجتمعاتنا لا تنتمي إلى مجتمعات البشر ، وإنساننا ليس من أبناء الأرض ، بل من المريخ .
نشأ خطاب " الخصوصية " مع بدء احتكاكنا بالغرب على شكل خطاب دفاعي محوره كما قلنا عقدة النقص تجاه الغرب و الخوف منه، و هو ما زال حاضرا بقوة في فكر و خطاب جميع القوى و التيارات السياسية و الفكرية الموجودة في الساحة، لذلك ما زالت النظرة لحقوق الإنسان و الديمقراطية غير أصيلة، إذ ينظر لها بوصفها نتاجاً لثقافة الغرب وتعبيراً عن هيمنته، وهي بالتالي نقيض لثقافتنا وهويتنا .
يحمل خطاب الخصوصية ضمناً أو صراحة افتراض أن الثقافة ، أي ثقافة ، ساكنة وتحمل خصائص لا يطالها التغيير. هذا التفسير باعتقادنا لا تاريخي ينظر للثقافات كجزر معزولة و للهويات كحواجز ثابتة لا تتغير .
صحيح أن الثقافات تتمايز ، فهذه حقيقة مشاهدة لا جدال حولها ، ولكنها أيضاً تتلاقح وتتحاور ، فالثقافات أجسام حية تنمو وتتطور وتؤثر وتتأثر ، وفي مضمار هذا التلاقح تسقط بعض الترهلات من جسدها ، وتكتسب بعض السمات التي لم تكن فيها .
خطاب " الخصوصية " ليس بريئا على الدوام، فمما لا شك أن الحكومات وقطاعاً واسعاً من النخبة الثقافية والسياسية (تيار الفكر القومي التقليدي و تيار الإسلام السياسي) يرفعون شعار الخصوصية كشعار أو واجهة لإخفاء الأوضاع المتردية من جهة، و لمواجهة ثقافة الخارج بغرائز الحفاظ على الهوية و الثقافة الإسلامية.
ذلك لا يمنع البتة من وجود خصوصيات ثقافية وفكرية واجتماعية ، بما في ذلك المجتمعات الغربية ، غير أن هذه الخصوصيات لا يمكن فهمها ايجابياً إلا بجانب " التطورية " التي تعيد تشكيل تلك الخصوصية . بالتالي فإن ما يسمى ب "الخصوصية السورية "لا يحول دون تطبيق مبادئ حقوق الإنسان و السير في طريق التحول الديمقراطي ، و إنما يجب أخذها بعين الاعتبار عند محاولة ترجمة المبادئ العامة للديمقراطية واقعيا و في لحظة زمنية محددة، و لو وقفت البشرية عند حدود الخصوصيات لما توصلت إلى مجموعة من القيم والمبادئ المشتركة بين جميع البشر ، والتي تجسدت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواثيق الشرعية الدولية .
في الوقت الذي تقبلت فيه معظم السلطات المسلمات الليبرالية الغربية المعاصرة ، لا سيما الخصخصة و اقتصاد السوق ، فإنها رفضت مسلماته السياسية و تبعاتها في مجال حقوق الإنسان و الحريات العامة و أساسيات النظام الديمقراطي، و في الوقت الذي لم نتورع منذ اصطدمنا بالغرب في أواخر القرن التاسع عشر وحتى لحظتنا الراهنة عن استيراد كل شيء فإننا نتردد إزاء الديمقراطية وحقوق الإنسان .
ما لم يتم تجديد الثقافة العربية الإسلامية على أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة، و ما لم يتم تجاوز الآليات الدفاعية في الفكر و الثقافة و السياسة ستبقى جميع المفاهيم الحداثية نبتة غريبة تعصف بها اللحظات السياسية المتغيرة، و لن تقدم أو تؤخر في مسيرة شعوب المنطقة، هذا إذا لم نقل إنها ستظل تعيقها و تنقلها من خطأ سياسي إلى آخر في تعاملها مع العالم الخارجي.



#حازم_نهار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج-3 من 8
- تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 2 من 8
- تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 1 من 8
- مؤتمر البعث: محاولات بائسة لضمان -الاستمرارية-
- منتدى الأتاسي طليقاَ
- سعد الله ونوس: من مسرح التسييس إلى مسرح المجتمع المدني
- على أبواب مؤتمر البعث: لا قدرة للمعارضة على تفكيك النظام
- هل يبقي البعث على صيغة - الجبهة الوطنية التقدمية - ؟
- مستقبل لبنان والعلاقات السورية - اللبنانية
- سعد الله ونوس : ملحمة صراع بين الحياة و الموت
- إشكالات حركة حقوق الإنسان في سورية و المنطقة العربية
- ملاحظات أولية للخروج من أزمة الأحزاب السياسية
- العرب والعولمة
- السلطة- و-المعارضة- في المجتمع العربي
- حرية الفرد وحرية الجماعة في المؤسسات والأحزاب السياسية
- حقوق الإنسان والسياسة
- إشكالات حركة حقوق الإنسان في المنطقة العربية


المزيد.....




- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...
- إعلام سوري: سماع دوي انفجارات في سماء مدينة حلب
- البنتاغون: لم نقدم لإسرائيل جميع الأسلحة التي طلبتها


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حازم نهار - تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 4 من 8