أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - سطوح الأشياء














المزيد.....

سطوح الأشياء


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 4654 - 2014 / 12 / 6 - 11:02
المحور: الادب والفن
    


يعيد المكنسة إلى مكانها، يرخي ثنيات بنطاله فوق ساقين مبللتين، تزكم أنفه روائح المراحيض التي تمتلىء يومياً بأشياء زائدة. لم تعد تجدي تحذيراته اللاهثة يطلقها في وجوه الأولاد وهم يتراكضون نحو المراحيض، ثم يخرجون منها وقد لُوثت أحذيتهم وسفوح بناطيلهم. الآن أيقن أنه لا جدوى من كلّ تحذيراته، فالأولاد لا يكترثون للنظافة، لذلك آثر أن يغوص كل يوم في ركام القاذورات دون أن يتفوه بكلمة.
تستقر المكنسة في مكانها وادعة مرهقة بعد ساعات من التعب، ويشعر أنه بحاجة إلى الشمس والهواء وإلى شيء من الراحة، يصعد درجات المبنى، ويجلس على حافة السطح: تبدو المدينة تحت ناظريه كتلة متراصة من البنايات، على الرصيف المقابل بيوت قديمة، وثمة نسوة يتحلقن في باحة مسوّرة: إنهن مستغرقات في الحديث، ولا بدّ من أنهن يتهامسن بكلام لا يطقن أن يسترق السمع إليه أحد، إنه يعرف ذلك بفطنته، وهو واضح من حركات أيديهن ورؤوسهن ومن تلاصق أجسادهن الذي يتنامى كلما أصبح الهمس أكثر إثارة.
تحلق طائرة في سماء المدينة، تطير منخفضة، حتى اعتقد أن ركابها ينظرون إليه من خلف زجاج النوافذ، تجمّع على نفسه، وتابع الطائرة وهي توغل في المسافات. حينما ابتعدت، ولم يعد يصل إليه من صوتها سوى همهمة خافتة كالأنين، أحسّ بالأسى: إنه متروك هنا لا يأبه له أحد، مهمته اليومية: تنظيف المراحيض. أف، اللعنة! كان مضطراً إلى نقل ابنه الصغير إلى مدرسة أخرى، هكذا نصحه بعض الأصدقاء، وأدرك أن ذلك ضروري للمحافظة على مشاعر الولد، فقد يتعرض لكلام مهين من بعض أقرانه.
انتبه مرة أخرى إلى الباحة المسورة، لم يجد أثراً للنسوة فيها، فكأنما ذبن أو طواهن خطر ما. تحاشى النظر إلى بناية السجن القديمة، وقال لنفسه إنه بحاجة إلى الشمس والهواء، لكن عينه زاغت واستقرت على الأسلاك المجدولة فوق سطح البناية وعلى قمة سورها المرتفع.
في اللحظة التي همّ فيها أن يتخيل ابنه الكبير خلف الأسلاك منذ ثلاث سنوات، انبعث صوت الأولاد مدوياً من أحد الصفوف:
موطني موطني
الجلال والجمال والسناء والبهاء
في رباك في رباك
أرسل آهة طويلة، ثم استلقى تحت الشمس يصغي إلى الأصوات البريئة العذبة، ويحلم بأيام طليقة.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة: الراقصات
- قصة: إقليم الحليب
- قصة: منال
- قصة: خروج
- مروان
- قصة: انتحار
- عرض أزياء
- قصة: مرايا
- قصة: بيان
- قصة: كلاب
- قصة قصيرة جدًّا: أرغفة
- قطط
- الاحتفال
- مطر
- زمن آخر
- الطفل ينام
- المرأة والحصار
- حالة
- زجاج
- أين نسهر هذا المساء؟


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - سطوح الأشياء