عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4653 - 2014 / 12 / 5 - 23:36
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
أسباب عديدة كانت وراء فشل الذاكرة الشرقية في تبني الحداثة بالشكل الذي ابتكرته أوربا وروجت له بكل الاتجاهات وعمقته بالممارسة القهرية المصحوبة بتغلب عوامل الصراع لصالحها دون أن تتهيأ لها هذه المجتمعات مسبقا أو لم تستجيب للصراع بشكل يؤمن لها مناعة تتناسب مع ضراوة النزاع ونتائجه الكارثية على ذاتية المجتمع وقيمه وما تمخض من صراعات داخلية لم تنقطع ولم تحسم باتجاه محدد للآن .
فكان الانزواء السلبي واللا معقول مجسدا بشكل يتيح للغرب والشمال أن يفرض نجاحه وقوانينه عليها بلا مزاحمة ولا حتى مقاومة تتساوى مع كونية الصراع ومداه إلا بحدود ضيقة وفاشلة لم تلمس أساسا جوهرية الصراع بل كانت ردات فعل محدودة وغبية أحيانا مكن قبيل أستخدام محددات الحلال والحرام أو أثارة روحية الكرامة والاعتزاز بالتاريخ المجيد ودون أن تقدم حلول ناضجة ومستجيبة.
فكانت النتائج على أرض الواقع تتراوح بين مرارة الاستسلام الكامل أو البقاء أسيرة أحلام الماضي والبقاء تحت قيد الانغلاق والتقوقع في عالم خالي من الديناميكية الضرورية وكلا الخيارين يقود لنتيجة وحدة هي انتصار للمشروع الحداثوي في للشرق والجنوب برغم الإرادة وخلاف المشروع الإنساني بما تتصف به حالية الأنتصار الغير واقعية .
لعل من المهم والمفيد أن نتذكر أن الفشل الشرقي في تبني المشروع الشمالي الغربي لا يعود فقط لعدم قدرة الذات الشرقية والجنوبية على استيعابه, ولكن هناك وكما قلنا انحياز طبيعي ومهم لتركيبة الأنا, ففي الوقت الذي تختصر فيه معرفة الغرب والشمال لمفهوم الأنا بالبحث الدائم والتأكيد على حريتها وذاتها المنفردة المزاحمة ,نجد الوعي الشرقي يعطي للمفهوم ذاته أبعاد أكثر سيكولوجيه وتعريف أدق لها من خلال تحديد أركان النفس الناطقة باعتبارها الجوهر الحقيقي للأنا هذا فهم مغاير بل وله قوة روحية وعملية وعلمية للمدركات الخاصة بالنفس.
هذا الفهم الحقيقي للأنا وإن عرفه الشرق والجنوب بحقيقته لم نجد له تجسيد واقعي وبقى مشروع فكري معلق كنظرية لم تجد ما يناسبها من سلوكيات مادية تقود الإنسان نحو التطور والتزامن مع حركة الزمن بالرغم من قدرة هذه الفلسفة من القيادة بل والأنتصار وهذا يعود ليس للعقل الجمعي بل لعدم وجود المنهج المناسب الناتج عن فقدان الحرية والتسلط المؤسساتي المقيت من السياسة والدين معا
هذه الفكرة المثالية التي تكتنز مؤدياتها بما يعرف بالنفس الناطقة الثالثة التي تأت بعد مرحلة النفس النامية النباتية والثانية الحسية والحيوانية هي تلك الجوهرية التي تميز الكائن الناطق الإنسان المجرد كقيمة تعتمد على قوى خمسة تتفاعل وتتشارك لصياغة المفهوم عند الوعي الشرقي وبالشكل التالي تحديدا وبدونه لا يمكن ان يفهم الجوهر الذاتي للإنسان كإنسان الا بها وهي:.
-;- الذاكرة, وهي العنصر الاول والقوة الانسانية المتفردة بطبع الأنا الشرقية, إن وجود الذاكرة والتذكر عنصر تبتنى عليه قدرة النفس الثالثة على إعادة وترتيب وقياس واستنتاج المحسوس الخارجي وبدون قوة التذكر وفعل الذاكرة يبقى الإنسان في حالة غيبوبة عن الأسس التكوينية وكل منتجه الفكري اللاحق يخلو من قاعدة استناديه, وفيه يكون الفكر مجرد عارض وقتي لا يمكن الاعتماد عليه.
-;- الحلم والتحلم وممارسة الاحلام أيضا قوة قادرة على ممارسة الوجود بشكله الإنساني الحقيقي والكائن الحي الوحيد الذي يحلم ويتحلم ويبني بعض من المعرفة لديه على عامل الحلم والقدرة على التحلم هو الإنسان , قد تمارس بعض الحيوانات الحلم ولكن حلمها لا يمكن لها من أن تبني عليه سلوكيات مباشرة مع الخارج ومع المعرفة ولا يمكنها ان تتطور او تنتج معروفة بناء على الحلم والاحلام.
-;- العلم والتعلم والتعليم وهي القوى الأهم ومصدر الرئيس للقدرة على الإنتاج بما يبنى عليهما من جوهر نتائج مادية وحسية يمكن ادراكها بالبديهية ومن خلال السير التاريخي للوجود الانساني فلا ذات ناطقة حقيقية بدون قدرة على العلم والتعلم والتعليم بصورة أو بأخرى وحتى في الحدود البدائية ,إنها في الحقيقة تعزيز للذاكرة وتفعيل لها.
-;- الفهم, قدرة الذات على الفهم والتفاهم وهي قوة نفسية لا يمكن ان نجدها إلا عند الذات الإنسانية وهي محاولة طبيعية لجمع العناصر السابقة للإدراك ومن ثم الإنتاج الفكري بها ,إنها رد طبيعي لفاعلية القوى الثلاث السابقة وبه تتحدد مديات الأستجابة أو التحفظ أو الانكار لما هو في الداخل الذاتي أو الخارج الموضوعي, وهي خصيصة فريده للذات الإنسانية الطبيعية وبدونها لا يمكن أن نصف الكائن الوجودي كونه إنسان بصورة تامة.
-;- النباهة أو الانتباه هي المحصلة العملية للقوى الأربعة ونتيجة حتمية لقوة الفهم وقدرة الإنسان من تحويل المفردات التي تكونت بالفهم ذهنيا إلى نتاج سلوكي يضبط سير الأنا ويدفعها للعمل, وبهذه القوة يمكن أن يستجيب ويمارس الاستجابة واقعيا معتمدا على تكامل العناصر الاربعة, ومنها نستطيع كأخر بالنسبة للأنا أن نكتشف ونقيس له ردة الفعل والفعل.
إن النفس الإنسانية وهي تمارس شكلها التكيفي وتجسد تكويناتها واقعا وفعلا ملموس إنما تبني للإنسان ذاتيته وجوهر هذه الذاتية الأنا التي هي محور وجودي له وبدون الأنا هذه لا يمكن أن تنعكس خصيصة الإنسان الفردية, التي عليها التعويل في دوره الوجودي وبالتالي ما يمكن أن نقيس عليه هذا الدور وكيفية الترجمة الخاصة له نكشف عن نزعة مشتركة لدى شريحة معينة من الوجود هي المسئولة عن تبني وصنع الفكر والانتاج الفكري وتصبغه بنكهة ولون معين على أساسه يمكن أن نقول عن الأنا الشرقية مثلا تتحدد في تمثيلها للوجود الإنساني بالنزعة هذه أو تلك.
إن الفهم الغربي لهذه الحقيقية وإن لم ينكرها وجودا مبدئيا إلا أنه يحاول أن يعطي معنى مختلف عنها ولا يمت لها بصلة إلا ما تكشفه توجهاتها المتضخمة حول الذات المنفردة ,أنه يعطي لها معنى يتلاءم مع المقدمات التي أنشأها الوعي الاوربي ورسخ في نتاجه العلمي والفكري.
أن المفاتيح الأولى للأنا المجردة تكمن في بحث وجودها المبني على التمتع بحريتها لتدرك ذاتية متفردة وحرة تتماهى مع المعتقد الجمعي القائم على أحقيتها هي في الوجود والإثبات ولو أدى إلى التزاحم مع الأخر الأنا التي تعتري في وجودها الشك والريبة من المقابل المماثل وبالتالي فالمزاحمة حق لها طالما أنها تتناقض معه, هنا تتجلى جدلية الصراع الوجودي وليس على أساس تناظر طبيعي مبني على التساوي والتماثل.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟