|
خطاب القصر .. الرئيس يفضح نفسه ..!
علي فهد ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 4653 - 2014 / 12 / 5 - 17:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أطلق الرئيس التركي ( أردوكان ) حزمة جديدة من اعلانات التسويق السياسي لشخصه وحزبه ، في مسعى لتحسين صورته داخل تركيا وخارجها ، بعد سقوط أوراق التوت التي كانت تحجب دوره السلبي في الأحداث الداخلية والأقليمية ، خلافاً للشعارات البراقة التي حصد منها أصوات الناخبين الاتراك ليرتقي منصب الرئاسة في العاشر من أب الماضي ، وضمًن ذلك في خطابه يوم الأربعاء الماضي من ( قصره المثير للجدل ) ، بمناسبة توزيع جوائز تكريم لعدد من المثقفين والفنانين الأتراك ، جمع فيه ( أحجار ) الاتهامات الموجهة اليه ليرميها على حلفائه وخصومه ، في مفارقة مثيرة للسخرية ، توضح تجاوزه مستوى الأتزان المطلوب في موقعه الرسمي ، مثلما تشير الى تجاوزه حدود المكابرة التي طبعت سلوكه السياسي طوال تأريخه . لقد أتهم ( أردوكان ) الغرب بأنهم ( لايهتمون بضحايا الأحداث في سوريا ) ، دون أن يشير الى دور نظامه ودوره هو شخصياً في أحداث المنطقة العربية وليس في سوريا فقط ، ودون أن يعترف بعلاقته وعلاقة نظامه بالمنظمات الأرهابية المرتبطة بالتنظيم الدولي لـ ( الأخوان المسلمين ) الذي تستضيف حكومته مقره الرئيسي في تركيا ، والذي تتسبب أذرعه العسكرية بالدمار الذي يتعرض له العراق وليبيا ومصر وسوريا وباقي بلدان المنطقة ، من خلال أعتمادها الأراضي التركية للتجمع والتدريب والدعم اللوجستي اضافة الى التجهيز والنقل ومعالجة الجرحى ، مثلما تفعل ( اسرائيل ) التي تتبادل معها حكومته التمثيل الدبلوماسي والتنسيق السياسي والمخابراتي على أعلى المستويات . الأتهام الآخر الذي وجهه ( أردوكان ) لحلفائه الغربيين هو أنهم ( لايقدمون لتركيا شيئاً ملموساً ! ) ، وهنا لايوضح معنى مفهومه لـ ( الملموس ) الذي يقصده ، فالغرب ضم تركيا الى حلف الناتو الذي وفر له ولحكومته ولبلده اسناداً ودعماً عسكرياً وأقتصادياً وسياسياً غير مسبوق منذ عقود ، على الرغم من السجل غير المقبول لملف حقوق الأنسان لحكومات تركيا المتعاقبة قبل وبعد وصول حزبه الى سدة الحكم ، خاصة المساندة المستمرة لحكام تركيا منذ عقود ضد الحقوق الانسانية المشروعة للشعب الكردي ، خلافاً لكل الخطابات السياسية والأعلامية للغرب حول منظومة حقوق الانسان ، ناهيك عن أطلاق يد الحكومة التركية في التدخل غير المقبول في أحداث المنطقة . ولم يكتفي ( أردوكان ) بمهاجمة حلفائه الغربيين في خطاب القصر ، بل شمل منظمة الامم المتحده وتفرعاتها الاممية ومجلس الامن الدولي ، مشككاً بـ ( مهنيتها وموضوعية قراراتها ) ومتناسياً دور حكومته في ( طبخ ) قرارات خطيرة لهذه المنظمات الدولية ، ساهم تنفيذها الجائر في التداعيات المتواصلة للاحداث في المنطقة والعالم ، ليعترف في سياق انفعاله السياسي هذا أخيراً ، بأن ( النظام الدولي غير العادل يفتح الطريق العام للظلم والاستبدال ) ، لكنه مرة أخرى لم يوضح ، ظلم من ؟ وأستبداد من ؟ ، ومن هم الضحايا ؟ . لقد ختم ( أردوكان ) سلسلة اعلاناته التسويقية الجديدة بسهام الى معارضيه في الداخل ، حين رد على أنتقاداتهم في تشييد قصره بنفس خطاب دكتاتور العراق المقبور ، بأن القصر هو ( قصر الشعب التركي الذي شيده بأمكاناته !) ، ومرة أخرى يخالف ( حاكم تركيا ) المنطق في تفسيره للغايات الحقيقية لخطواته ، فأذا كانت أمكانات الشعب التركي التي يقصدها وفرت تشييد القصر الذي يقول أنه قصر الشعب ، لماذا لم توفر تلك الامكانات مساكن لائقة للفقراء الاتراك الذين يعيشون بين جدران الطين وأسقف القش في الريف التركي ؟ ، ولماذا تعيش أكثر من عائلة في مسكن متواضع في المدن والقصبات التركية ؟ ، اليس الأولى بالرئيس أن توفر حكومته مساكناً تحترم أنسانية شعبه قبل أن يشيد قصراً باذخاً لنفسه ؟ . لازال الحكام الذين على شاكلة ( أردوغان ) وحدهم الذين يشيدون القصور الرئاسية في العالم ، وهم فقط حكام البلدان التي يرزح الكثير من مواطنيها تحت خطوط الفقر ، وهؤلاء الحكام يعرفون تماماً أن مستلزمات الحكم العادل وشروطه لاتستوجب قصوراً لهم ، ويعرفون أن طواقم حكومات ورؤساء الدول التي تعيش شعوبها بأمان ورخاء ، يسكنون في بيوتهم الخاصة وليس في قصور مشيدة من المال العام ، ومهما حاول الرئيس قلب الحقائق في خطبه وأعلاناته لن يستطيع اقناع نفسه أصلاً ، فكيف يتصور أنه قادر على اقناع مواطنيه في زمنِ ليس له رداء؟!. الأمر الآخر في موضوعة خطاب ( أردوكان ) اضافة الى المكان ( القصر ) هو المناسبة ، التي هي توزيع ( جوائز ) على عدد من المثقفين والفنانيين ، وهو الأكثر أهميةً من المكان لأن خطاب التسويق يحتاج الى رافعة أعلامية نوعية تسند مضامينه ، وقد أعتاد الحكام من أمثاله على ( ترويض ) قطاعات كبيرة من هذه الشريحة المهمة التي يُفترض أنها تمثل ضمير الأمة لأغراضهم السياسية ، فقد سبقه الى ذلك جميع الطغاة والمتسلطون على مدى تأريخ البشرية ، مع أن البعض من هذه الشريحة التي يكرمها الحكام لايتوافق منهجهم ومنتوجهم الثقافي بالمطلق مع أهداف الحكام وفلسفتهم السياسية ، لكن ( حشرهم ) في المناسبة هو أحد أساليب منظومة الحكم المستعدة دائماً على المساومة من أجل الوصول الى أهدافها المرسومة . قد يكون ( أردوكان ) موجوعاً من رئيس الأورغواي ( خوسيه موخيكا ) ، الذي قدرت ( ثروته ) في العام 2010 بـ ( 1800 ) دولار فقط ، والذي رفض استخدام قصر الرئاسة خلال فترة حكمه ، والذي تبرع بـ ( 90 % ) من راتبه الى الفقراء ، والذي صرح مؤخراً بانه ( يفكر جدياً بدراسة العرض الذي قدمه أحد الاثرياء العرب لشراء سيارته الفولكس فاكن موديل ( 87 ) بمبلغ مليون دولار ، ليتبرع بالمبلغ لبرنامج حكومي لبناء مساكن للفقراء ) ، ونحن نطمأنه ونتمنى له الشفاء ، لأنه ليس وحيداً في شعوره ( الانساني ) هذا ، بل أن الغالبية من حكام العالم الذين يحكمون بنفس منهجه يشاركونه المصاب ، لكنهم لايجازفون مثله في خطاب ناري ضد حلفائهم ومعارضيهم مثلما فعل ، ليس لانهم أفضل منه ، ولكن لأنهم يعرفون حجومهم !.
علي فهد ياسين
#علي_فهد_ياسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جيوش العراق .. !
-
مقارنة بين حارس الوطن وحارس الرئيس ..!
-
بطالة خمس نجوم ..!
-
ظاهرة تغيير الاسماء .. مصفى بيجي مثالاً
-
خطة ( غزوان حامد ) لتحرير الموصل ..!!
-
علاج الرؤساء العرب في الخارج يفضح أنظمتهم ..!!
-
أوراق على رصيفِ عراقي ( 10 )
-
النازحون الى المنطقة الخضراء ..!
-
متضامنون ضدنا ..!!
-
قراءة في مرسوم جمهوري
-
الفشل أمام داعش سيطيح بالجميع ..!!
-
خطأُ فادح نزعم أنه غير مقصود ..!!
-
من منصة الاعدام السوداء الى منصة التتويج الباهرة ..!!
-
العراقيون يُقتلون في الشوارع والبرلمان مهتم بقانون تبليط الش
...
-
الاغتصاب .. من أمير الشعراء الى أُمراء داعش ..!!
-
كوباني .. طاولة قمار القرن ..!!
-
سقطة الرئيس الذي كان شاطراً ..!!
-
الطابور السادس ..!!
-
معرض بغداد الدولي .. دورة ( داعش ) ..!!
-
غادر محسن الخفاجي دون ان يؤذي أحداً ..!
المزيد.....
-
روسيا تعلن احتجاز نائب وزير الدفاع تيمور ايفانوف وتكشف السبب
...
-
مظهر أبو عبيدة وما قاله عن ضربة إيران لإسرائيل بآخر فيديو يث
...
-
-نوفوستي-: عميلة الأمن الأوكراني زارت بريطانيا قبيل تفجير سي
...
-
إصابة 9 أوكرانيين بينهم 4 أطفال في قصف روسي على مدينة أوديسا
...
-
ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟
-
هدية أردنية -رفيعة- لأمير الكويت
-
واشنطن تفرض عقوبات جديدة على أفراد وكيانات مرتبطة بالحرس الث
...
-
شقيقة الزعيم الكوري الشمالي تنتقد التدريبات المشتركة بين كور
...
-
الصين تدعو الولايات المتحدة إلى وقف تسليح تايوان
-
هل يؤثر الفيتو الأميركي على مساعي إسبانيا للاعتراف بفلسطين؟
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|