أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مفيد بدر عبدالله - زنود الست














المزيد.....

زنود الست


مفيد بدر عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 4652 - 2014 / 12 / 4 - 15:48
المحور: المجتمع المدني
    



أن الايام تمضي كرياح عاتية، تقتلع من عمرنا أجمل أيامه، وتحملها معها بعيدا، وما تترك لنا غير الذكريات ، ترن مدوية في عالم النسيان، ذكريات تزدحم في مخيلتنا مثل صفحات كتاب كبير، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، فصوله متنوعة، عناوينه بارزة، للفرح فيه مكان، للحزن فيه أمكنة، نتأمل أفراح الطفولة ، بمشاهدها الجميلة، لكنها لم تدم طويلا، فالحروب اسدلت على مشاهدها الستار، وكتمت صوت ضحكاتها البريئة . صفحات بيضاء ناصعة، كبياض الاكفان التي أضحت هذه الايام تلف ما يتبقى من الأجساد المتطايرة بقنابل حقد الحاقدين .
أقلب ذكرياتي، أتأملها، أنصت لها لهمسها وهي تقول " دوام الحال من المحال"، أتوقف طويلا عند محطات الشباب، وما قضمته منها الخدمة العسكرية، أتذكر صبرها، جوعها، انصياعي مكرها لأوامر ضباطها، لكنها رغم مرارتها قادرة على منح الرجولة صيرورة جديدة ، وتجعل منها أكثر صلابة، لا تأبه لحر الصيف، ولا زمهرير الشتاء، فراق الاحبة، كلها تتظافر لتجعل الرجولة أصلب، ومن الذكور رجالا .
حول(منقلة الحطب) نتجمع في امسيات المعسكر الشتوية، نقترب منها أكثر فأكثر حتى نكاد نحتضنها، هربا من البرودة التي تلسع ظهورنا، رياح تخترق غرفتنا من كل أتجاه، فتحات تحت سقف الغرفة( البليت)، وأخرى تحت الباب، وكوة السقف التي فتحناها ليخرج منها دخان نار حطبنا المبتل، النار وحدها قادرة على تجفف بزاتنا العسكرية الرطبة. نتسامر لننسى همومنا فنتبادل الحكايات، قصص حب بين جبال اربيل، أو قرب أشجار برتقال ديالى، وحكايات عن فرط كرم أهل ميسان، وأخرى عن شجاعة النجفيين ومآثرهم، حكايات جميلة ملونة، وكأننا مراسلون عن مدننا، تغطي كل محافظاتنا، يظل بعضها عالق في الذاكرة وأخرى تتلاشى . أحداها رسخت في ذاكرتي ولم تخالجها رغم مرور عقدين من الزمان، تحدث بها أحد الزائرين لمعسكرنا يوما، بطلتها معلمة تسكن قريتهم النائية، يسمونها اهل القرية" الست"، لكونها الوحيدة من الموظفات في القرية، فالنساء يعملن بالزراعة، هي ست ليست كستات هذا الزمان، وظيفتها لم تبعدها عن الارض والزرع، تربية الحيوانات، صنع السلال والاوعية من سعف النخيل، أمرأه تملئها الصلابة والجرأة، هي قدوة للنساء وملجأ وملاذ لحل كثير من مشكلاتهن بحكمة لا تملكها كثير من الرجال.
في تجمع للنساء أقسمت" الست" يوما أمامهن أن تخلص قريتها من اللص الذي طالما ارق أهلها، وعجزت عن اصطياده الرجال. لم تمر سوى ثلاث أيام على الكمين الذي ترابط فيه مع أبنها البكر لساعات تترصده من على سطح منزلها، ولدى دخوله قن دجاج جارها، ركضت صوبه بسرعة البرق واصطادته قبل أن يصطاد دجاجة واحدة بضربة قوية بعص غليظ على راسه وهي تصرخ بأعلى صوتها "عيب علينه ننام والحرامي يبوكنه". ولى اللص هاربا يلتقط أنفاسه والدم يتقاطر من جبهته. توارى أياما عن الانظار قبل أن يجلي بعيدا عن القرية، القادمون من مكانه الجديد يروون قائلين: " لا يقوى على رفع عينه حتى أمام الاطفال "، يبدو أنه أستوعب جيدا درس الست ، وأن العصا كانت أبلغ من الوعظ والارشاد، حتى صارت من أهم دروسها في جميع والاماكن التي شاع خبره فيها، وأخذ الناس يرددون "ما عجزت عنه زنود الرجال فعلته "زنود الست"، يقصدون ما فعلاه زندا الست .
واليوم بعد مرور أكثر من عقدين على الحادثة، نحتاج لتذكرها أكثر من أي وقت أخر، لتكون حافزا لنا للضرب بيد من حديد على السراق والمفسدين، فلا تغمض لنا عين مالم ينالوا جزائهم الذي يستحقون، فالسراق والفاسدين يهددون مستقبلنا ومستقبل أطفالنا، أن الخيرين أقوى بعزائمهم وأيمانهم بالله وبحبهم لوطنهم، وهم قادرون على أن يقتصوا ممن تمكنت منهم سلاطين الغرائز، وعاثوا في الارض فسادا، بتظافر جهود الطيبين يقتلعون الفساد من جذوره ونزرع مكانه بذور نقية، وعليهم تذكر العبارة التي صرخت بها الست وهي تضرب السارق التي تقول " عيب علينه ننام والحرامي يبوكنه".



#مفيد_بدر_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا الزمان؟
- شعيط ومعيط فرسان الفضائيات
- احتضار روافد وحيرة مازن معتوق
- جذب المصفط وصدك المخربط
- حقائق مهمة يكشفها الصندوق الاسود
- نوم العوافي
- متحف مرتضى كامل يرحب بكم
- ياسين صالح عبود معلم الاجيال
- اعترافات مؤلمة ليلة العيد
- دمعة تزن أطنانا
- مقالات بالصاص والعنبة
- حكمة بَدال التي غابت عنا
- الى قادتنا الامنين مع التحية
- صبري الاعمى تاريخ وحكايات
- مراهقة السياسيين وسياسة المراهقين
- عباس شعيّع يمتلك مفاتيح الحل
- كصة بكصة
- اقرب نقطة دالة
- الاعيب السياسيين في سوق الخضار
- لناخبينا ذاكرة


المزيد.....




- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...
- حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين
- أمير عبد اللهيان: لتكف واشنطن عن دعم جرائم الحرب التي يرتكبه ...
- حماس: الضغوط الأميركية لإطلاق سراح الأسرى لا قيمة لها
- الاحتلال يعقد اجتماعا لمواجهة احتمال صدور مذكرات اعتقال لعدد ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مفيد بدر عبدالله - زنود الست