أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد شوكات - ليبرالية استيعاب لا إقصاء















المزيد.....

ليبرالية استيعاب لا إقصاء


خالد شوكات

الحوار المتمدن-العدد: 1304 - 2005 / 9 / 1 - 12:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نشأت الليبرالية في الغرب، ووجدت تطبيقاتها وتطوراتها المثالية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أكثر شمولا في المعنى من "الرأسمالية" التي هي التطبيق الليبرالي في الاقتصاد، وهي كذلك أكثر شمولا في المعنى من "الديمقراطية" التي هي التطبيق الليبرالي في السياسة، فالنظام الليبرالي هو إذا نظام ديمقراطي رأسمالي.
و قد بدأ العرب التعرف على الليبرالية نظريا منذ القرن التاسع عشرة، وعرفت بعض بلدانهم كتونس ومصر وسوريا ولبنان والعراق نماذج تطبيقية لها ابتداء من أواخر القرن المذكور، وإلى غاية النصف الأول من القرن العشرين، وقد كان ذلك – ويا للمفارقة- في ظل أنظمة الحماية أو الاحتلال التي كانت تفرضها الامبراطوريتان الانجليزية والفرنسية على أجزاء واسعة من العالم العربي.
ومع خروج المحتل الأوربي، تحولت غالبية الأنظمة القائمة في الدول العربية المستقلة إلى "الشمولية" – وهي في رأيي أيضا اللفظ المقابل لغة والمعاكس اصطلاحا ل"الليبرالية"-، حيث جرى تبني المنهج الاشتراكي في التنمية الاقتصادية بديلا عن المنهج الرأسمالي، مثلما جرى اعتماد نظام الحاكم الفرد المستبد والحزب الوحيد المحتكر للسلطة بديلا عن النظام التعددي الديمقراطي.
لقد استمرت الشمولية التي حكمت العالم العربي خلال الفترة من 23 يوليو/تموز 1952 إلى غاية 9 ابريل /نيسان 2003، دون أي تهديد جدي، داخلي أو خارجي، وكانت غالبية البدائل المطروحة في حالات التغيير السياسي من نفس الطبيعة الشمولية، حيث كانت أنظمة مستبدة تقوم مكان الأنظمة المنهارة دون تغيير جوهري حقيقي يمكن أن يبدل فعليا من طبائع الأنظمة السياسية الحاكمة أو نماذج التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
***
لقد تميزت الأجواء العامة التي هيمنت على الواقع العربي خلال النصف الأول من القرن العشرين، وخصوصا خلال عقود العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات من هذا القرن، حيث سادت طبيعة ليبرالية أهم الدول العربية، بقدر كبير من الحرية والتعددية السياسية والايديولوجية والثقافية، كانت ترجمتها العملية حكومات ووزارات وبرلمانات متعاقبة، وصحف ومجلات ومنتديات متصارعة، وكتب ومؤلفات وروايات ودواوين تعبر عن مختلف الحساسيات الفكرية والسياسية والأدبية الكبرى، ومظاهرات ومجادلات ونقاشات وصالونات ومشاريع متباينة.
وكان من مميزات الفترة الليبرالية العربية الأولى، والتي تعرف في بعض البلدان العربية ب"عصر النهضة العربية"، نشوء التيارات السياسية والايديولوجية الكبرى، الإسلامية واليسارية والقومية والوطنية وغيرها، وكانت في منطلقاتها جميعا ليبرالية وديمقراطية، أي أنها كانت قابلة بالتعايش مع بعضها، والتنافس انتخابيا فيما بينها – إذا ما أتيح لها ذلك بطبيعة الحال-، وذلك قبل أن تتحول تحت ضغط عوامل خارجية وداخلية إلى طبيعة شمولية، قادتها عندما وصلت إلى السلطة إلى إقامة ديكتاتوريات مدلهمة.
إن الناظر على سبيل المثال في سيرة حركة الإخوان المسلمين في مصر، سيجد أنها كانت حركة ليبرالية ديمقراطية حتى اغتيال مرشدها الإمام حسن البنا سنة 1949، حيث تعايشت الحركة مع حالة الحماية الانجليزية التي انتهت سنة 1948 دون اصطدامات تذكر، مثلما شارك قادة بارزون منها في الانتخابات البرلمانية، كما دخلت طيلة عقدي الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين في تحالفات سياسية مع أحزاب وطنية دون أي حساسية، ولم يثبت أن خططت الحركة لإقامة نظام شمولي حتى استشهاد زعيمها المؤسس.
كما يصل الباحث في تاريخ الفكرة القومية العربية، إلى أنها لم تأخذ طبيعة شمولية احتكارية للحقيقة إلا بعد وصول عبد الناصر ورفاقه إلى السلطة سنة 1952، وما جرى لاحقا من تحولات فرضتها اعتبارات الحكم ورغبة الأحزاب القومية، وخصوصا قادتها، في الهيمنة على الكرسي وعدم التفريط فيه، تماما كما أنه لا خلاف تقريبا في أن الأحزاب والحركات الشيوعية واليسارية العربية لم تكن ذات برامج سياسية انقلابية وشمولية، حتى بروز النموذج السوفيتي الستاليني في الحكم عالميا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
والثابت أن الأنظمة العربية الديكتاتورية، مهما كانت مرجعيتها الايديولوجية، قد أثرت في طبيعة الحركات المعارضة لها، فردود الأفعال عادة ما تكون من جنس الأفعال التي سببتها، وهو ما يثبت أيضا عند النظر في حال العالم العربي عندما كانت محكومة من قبل أنظمة ليبرالية، حيث أثرت القيم الليبرالية أيضا في حركات المعارضة السياسية، فكانت البدائل التي تطرحها طيلة عقود تعددية نسبية، يؤمن أصحابها بصحتها دون أن ينفوا امكانية الخطأ عنها أو إمكانية الصواب عن غيرها المنافس لها.
***
لقد شكل الفشل الذريع الذي انتهت إليه الدولة العربية المستقلة، بعد ما يناهز النصف قرن من الوجود، مناسبة لطرح أسئلة النهضة العربية الكبرى مجددا، وفي مقدمتها أسئلة الحرية والديمقراطية والتنمية البشرية، وفرصة لإعادة تقديم المشروع الليبرالي المبشر بالانتخابات النزيهة والتعددية السياسية والفكرية الحقيقية والتداول السلمي على السلطة والحياة الإعلامية المنفتحة ومؤسسات الحكم المحترمة لحقوق الإنسان وحرياته العامة والخاصة.
غير أن هذا الفشل الذريع الذي وصلت إليه الدولة العربية المستقلة، لم يشكل فقط مناسبة لطرح المشروع الليبرالي، بل كذلك مجالا لطرح مشروع التطرف الإسلامي، ممثلا بالأساس في تنظيم القاعدة بزعامة بن لادن والظواهري والزرقاوي، وهو مشروع أكثر شمولية في برامجه السياسية والاقتصادية والفكرية من الأنظمة المستبدة القائمة، فضلا عن فضاعة وسائله التنفيذية التي يتطلع من خلالها إلى تحقيق برامجه وأهدافه المتخلفة، والقائمة بالأساس على ممارسة الجرائم الإرهابية.
ولعل أهم ما يود إثارته بهذا الصدد، التنبيه لتلك التأثيرات الخطيرة التي يمكن أن تقوم بين البديلين المطروحين على العالم العربي اليوم، على نحو يجنح بالمشروع الليبرالي إلى أن يكون رد فعل كلي واتجاه معاكس في عنفه وتطرفه لمشروع التطرف الإسلامي، وهو أمر ممكن الحدوث خصوصا مع وجود تجارب تاريخية مشجعة على ذلك، رفعت شعارات من قبيل "الغاية تبرر الوسيلة" و"لا حرية لأعداء الحرية"، وقادت شعوبها إلى كوارث إنسانية.
لقد ساهم عدد من الكتاب والناشطين الليبراليين العرب، من حيث أن نواياهم كانت مخلصة في التصدي لمشروع التطرف الإسلامي، إلى جر المشروع الليبرالي إلى معارك ومواجهات فكرية وسياسية جانبية، على نحو قد يحوله إلى مشروع فئوي ضيق يمثل نخبة قليلة غير ذات وزن في الشارع العربي، بدل أن يكون الرافد الأساسي لمشروع الإصلاح والتغيير الديمقراطي.
إن عمل بعض الليبراليين العرب على وضع الإسلاميين كافة والقوميين كافة واليساريين كافة في سلة واحدة، باعتبار الأوائل جميعا إرهابيين وعنيفين، ولكون الثانين عنصريين وشوفينيين، ولأن الآخيرين ستاليين لينينيين، هو عمل مشوه ومضر بالفكرة الليبرالية التي يجب أن تسند وتقوي الفكرة الديمقراطية المتطلعة إلى تشجيع كافة التيارات والقوى السياسية العاملة في الساحة العربية على اعتناق قيم التسامح والتعايش والنشاط القانوني السلمي، فعندما يسود مناخ ليبرالي بلدا من البلدان يكون ثمة حتما فرصة لأن يعيش كافة الناس مهما اختلفت أفكارهم وعقائدهم وتوجهاتهم بأمان وحرية، هكذا يجب أن تبرز الرؤية الليبرالية للرأي العام العربي.
***
لقد تميز الليبراليون العرب – دونا عن غيرهم من التيارات السياسية والفكرية العربية- بالدفاع عن التدخل الأمريكي في العراق، باعتباره كان مساعدة ضرورية للشعب العراقي من أجل بناء نظام ديمقراطي يعيد له الأمل في الحياة، غير أن بعض هؤلاء الليبراليين لم يتأملوا جيدا ربما في الكيفية التي تصرفت بها إدارة الولايات المتحدة الأمريكية – وهي بلد الليبرالية الأول- في الملف العراقي، ولم يستخرجوا القواعد الأساسية التي وجهت سلوك المسؤولين الأمريكيين في تعاملهم مع القوى السياسية العراقية.
إن الناظر في مؤسسات الحكم في العراق الجديد، سيلاحظ بلا شك أن رئيس الجمهورية جلال الطالباني كان زعيما لتنظيم قومي يساري كردي، وأن الدكتور ابراهيم الجعفري رئيس الوزراء كان زعيما للحزب الإسلامي الشيعي الأكبر في العراق، وأن حاجم الحسني كان قياديا بارزا في الحزب الإسلامي – الذي يعتبر أكبر أحزاب العرب السنة-، وأن الدكتور اياد علاوي رئيس الوزراء السابق وزعيم المعارضة الحالي كان قياديا بارزا في حزب البعث، وما يود الخلاص إليه أن العراق الليبرالي الديمقراطي قد قام بجهود وعلى أكتاف كل من يؤمن بالنسبية والتعددية وقيم التسامح والتعايش والديمقراطية، بصرف النظر عن خلفيته الفكرية أو السياسية.
لقد أثبتت التجارب الإنسانية والعربية، أن التطرف ليست سمة خاصة بالتيار الإسلامي، وأن كافة التيارات قد عرفت نماذج متطرفة داخلها، فمن الإسلاميين ديمقراطيون ومتطرفون، ومن القوميين ديمقراطيون ومتطرفون، ومن اليساريين ديمقراطيون ومتطرفون، ومن الليبراليين أيضا ديمقراطيون ومتطرفون، ولا يمكن قيادة بلد إلى الديمقراطية والليبرالية إلا بتحالف القوى الديمقراطية والليبرالية في كافة التيارات، وجعل التطرف مهما كانت أشكاله في الزاوية الضيقة استثناء لا قاعدة.
ولا بد من القول ختاما، أن الليبرالي الحق هو الذي يمارس التسامح والتعايش والنسبية في علاقاته بكافة أنواع البشر، وهو الذي يتمكن من إيجاد مجالات تواصل وتخاطب مشتركة مع الآخرين مهما كانوا مختلفين عنه، وذلك تنمية للعلاقات الإنسانية الإيجابية، وهو أخيرا الذين يدرك أن الله خلق الناس متنوعين متباينين في المشاعر والأفكار والمصالح وسيظلون كذلك، وأن قمة الحكمة في إدارة هذا التنوع والتباين بطريقة سلمية وايجابية، تبعد المجتمعات عن العنف والحق والضغينة.
* كاتب تونسي، مدير مركز دعم الديمقراطية في العالم العربي – لاهاي.



#خالد_شوكات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تونس بدون حركة إسلامية؟
- استكمال الاستقلال..من تحرير الأرض إلى تحرير الانسان
- شهادة يابانية في الديمقراطية العربية
- إعـــــلان تأسيس قناة -العفــو- الفضائية
- الليبراليون الجدد.. أو الليبرالية كما أفهمها
- لبنـان..حيث -الاستثناء الفاسد- يطرد -الاستثناء الصالح-
- أليست الدولة العلمانية ضرورة دينية؟
- الدولة العلمانية


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد شوكات - ليبرالية استيعاب لا إقصاء