أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 33















المزيد.....

سيرَة حارَة 33


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4651 - 2014 / 12 / 3 - 08:38
المحور: الادب والفن
    



1
" أمّونة "، جارتنا الجديدة، اللدودة، ستكون سبباً في نزاع بين الرجال كادَ أن يحصدَ أرواحاً عدّة. لقد شاءت، هذه المرة، أن تعبث في عش الدبابير. ويقال، في هذا الشأن، أنّ زوجها البدويّ الأصل ( الرقيب المتطوع في الجمارك على الحدود اللبنانية ) كان متورطاً في تهريب المخدرات مع ابن خالتنا، المقيم بمقابل منزلهم. هذا الأخير، يبدو أنه تأخرَ وقنئذٍ في تسديد حصّة جاره، من ثمن إحدى الشحنات المهرَّبة....!
ذاتَ صباحٍ شتويّ، نشبت مشادة بين امرأة ابن خالتنا وجارة السوء، على أثر عراك أطفالهما في الزقاق. وكانت أمّونة، المعروفة بسلاطة لسانها، قد بدأت تشتم بصوت عالٍ آلنا جميعاً، واصفةً إياهم بالكفرة الملاحدة. عندما خرجَ ابن خالتنا، كي يهدأ امرأته، إذا به يفاجأ بوابل من السباب على لسان زوج أخت أمّونة. هذا الأخير، وهوَ أيضاً غريب عن الحارة، كان يقيم آنذاك مع عائلته في منزل شقيقتها. بعد دقيقة، انطرح الرجل الغريب أرضاً وقد غرست مدية ابن الخالة في خاصرته....!
" أبو الفتوح "، شقيق أمّونة، سرعان ما هبّ إلى الزقاق وقد دبّت فيه نخوة الجاهليّة؛ هوَ من كان يعتبر أحد أبرز وجوه جماعة الشيخ كفتارو. راحَ صاحبنا يصرخ عندئذٍ مطالباً بالثأر، وعلى الرغم من أن صهره لم يمت، بل سيكون عليه العيشَ بكليَة واحدة حَسْب. منزل أمونة، أصبح على الأثر أشبه بغرفة عمليات الفرقة الرابعة، بالنظر لكثرة دخول وخروج أقاربها المطالبين بالثأر. من ناحيته، كان " مصطي "، ابن خالتنا الآخر، يراقب ما يجري من موقفه ثمّة على شرفة منزله. بعد بضعة أيام، قفز ابن الخالة العتيّ من فوق الشرفة إلى الأرض، كي يقبض على تلابيب أحد أشقاء جارة النحس: " ولاه! أنتَ من سيأخذ بالثأر من أخي؟ "، خاطبه منذراً وهوَ يصكه بقوّة. بال المسكين في سرواله، فراحَ يفأفأ بأنّ كلاماً كهذا لم يصدر عنه وأنه يدعو إلى الصلح.

2
" أمّونة "، مثلما سبقَ وذكرنا، كانت سبباً في سيلان الدم بالزقاق؛ هيَ من لم يمضِ على حلولها فيه عامٌ أو نحوه. زوج شقيقتها، المطعون بمدية ابن خالتنا، كان ما يفتأ في المستشفى. وهذا الأخير، أصبحَ ملاحقاً وصارَ يبيتُ لدى أقاربه في طلعة جامع النصر. أما شقيقه الآخر، " مصطي "، فإنه أدخل الرعبَ بأفئدة طالبي الثأر، حينما جنَّ على أحدهم وجعله عبرة وذكرى....!
ذات مساء، شرَّفنا الأخ " أبو الفتوح " بزيارة نادرة. كان الأخ أحد وجوه جماعة الشيخ كفتارو، التي جعلته غنياً بفضل استغلاله لأموال المستثمرين في جمعياتها الخيرية. كنتُ آنئذٍ في المنزل، فخرجت لأرى شقيقَ أمّونة هذا وهوَ يتكلم مع والدي. ابن جيراننا المعدمين، الذي كان أشبه بالمسلول من شدّة النحف، أضحى الآن شخصاً مختلفاً تماماً: جسده المعافى والمكتنز، كان مُكتَسٍ بعباءة نجديّة مطرزة، مبطنة بالفراء، وقد تعمّد أن يُظهر المسدسَ من طياتها. كان يتكلم مع الأب بصلف وعنجهية، محذراً إياه من ايواء غريمهم. فما كان مني إلا التدخل، قائلاً له بلهجة ساخرة: " لو كان ابن خالتي موجوداً لدينا في المنزل، لما تجرأت حتى أنّ تمرَّ من الزقاق! ولكن، بإمكاني لو رغبتَ أن أقودك إليه فوراً "....!
عمّنا الكبير، كان فيما مضى أحد المتصدقين على عائلة طالبي الثأر. على ذلك، أظهروا قبولهم لوساطته في النزاع، بل ووعدوه أن يسقطوا كذلك دعواهم القضائية. ابن خالتنا، ما لبثَ على الأثر أن عادَ إلى بيته، وبدا أنّ كلّ شيءٍ سيعود أيضاً إلى حالته الطبيعية. ولكنّ طبيعة أمّونة، ولا غرو، هيَ الغل والغدر. فمن مكمنها خلف نافذة غرفة منزلها العلوية، المطلة على الزقاق، كانت تراقبُ طوال الوقت بابَ بيت خالتنا. ذات صباح، كان الرجلُ واقفاً قدام باب منزله، يراقب لعبَ بناته الصغيرات. على غرّة، فتحَ بابُ بيت أمونة، ليخرج منه شقيقها الأصغر ( وكان يخدم آنذاك بالمخابرات العسكرية ) مع مسدسٍ بيده. ابن خالتنا، العتيّ، هجمَ بدَوره على المعتدي وهوَ أعزل. فما كان من هذا الأخير إلا إطلاق النار بلهوجة، قبل أن يركن إلى الفرار لا يلوي على شيء. لم يُصَبْ ابن الخالة بأيّ أذى. بيْدَ أنه ما عتمَ أن خرجَ من المنزل حاملاً مسدسه، فبدأ اطلاق النار في الهواء وهوَ يصرخ: " سأفعل كذا وكذا بكل منافق في هذه الحارة، يقول لا إله إلا الله "........!

3
" حمّوكي عرب "، كان جارنا ( بيتنا يطل على بيته الكائن في زقاق آله رشي ) وتربطنا به أيضاً صلة قرابة بعيدة. هذا الرجل، المعروف بالطيبة والشهامة، هوَ الخال الكبير للمرأة المنحوسة، " أمونة "؛ التي لم تكن تحترم جيرة ولا قرابة....!
هذا الجار، ولكونه صديقاً قديماً للوالد، فإنه تدخل أخيراً لمحاولة حل المشكلة بين طرفيّ النزاع. في المحكمة، كانت توجد قضيتان. الأولى، كانت مرفوعة ضد ابن خالتنا، بسبب طعنه زوج أخت أمّونة. أما القضية الأخرى، فهي مرفوعة ضد شقيق أمّونة الأصغر، الذي حاول قتل ابن الخالة نفسه. وإذاً، اقترحَ حمّوكي عرب أن يقوم كلّ من الطرفين بإسقاط دعوته ومن ثمّ يتم الصلح بينهما. " أبو الفتوح "، شقيق أمّونة، رحّب فوراً بالفكرة واستعجل اقامة حفل الصلح قبل اسقاط الدعوتين. جرى الحفل في منزلنا، بحضور مختار الحارة وعدد من وجهائها ورجالها، تخلله اطلاق النار ابتهاجاً....!
مضت أعوام، على أثر اسقاط الدعوة القضائية عن شقيق أمّونة، إلا أنّ القضية المرفوعة على ابن خالتنا لم يتخلّ عنها خصومه أبداً. في البدء، كان هؤلاء يتحججون بأنهم لا يستطيعون تقرير شيء إلا في حضور زعيمهم، أبي الفتوح. هذا الأخير، كان قد سافر إلى دولة الامارات، حيث افتتح هناك مكتباً تجارياً. في واقع الأمر، فإنّ ما شجعَ هؤلاء على الحنث بقسَمهم، هوَ أن ابن خالتنا قد انتقل للإقامة في الغوطة، بعدما باع حصّته في بيت أبيه، الذي أقيم بمكانه عمارة حديثة. ولكن، هوَ ذا أبو الفتوح يعود المرة تلو الأخرى إلى البلد، لكي يشتري المزيد من الشقق والمحلات فيسجّلها بأسماء أمّه وأخوته. ابن خالتنا، من ناحيته، رافقه سوء الحظ حتى نهاية عمره: باع مزرعته الرائعة في الغوطة، التي تضم منزلاً كبيراً وبساتين غناء من أشجار الفاكهة، ثم عاد إلى الحارة ليقيم ببيتٍ صغير في سفح قاسيون. ثمّ سلّم نفسه للقضاء، وكان قد تجاوز الستين من عمره، فسُجن على ذمة تلك القضية. خرجَ الرجلُ من السجن مريضاً ومحطماً، وما عتمَ أن توفيَ بمرضٍ عضال بعد معاناةٍ مديدة، مريرة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 32
- سيرَة حارَة 31
- سيرَة حارَة 30
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية 2
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية
- سيرَة حارَة 29
- سيرَة حارَة 28
- سيرَة حارَة 27
- سيرَة حارَة 26
- نساء و أدباء
- سيرَة حارَة 25
- سيرَة حارَة 24
- سيرَة حارَة 23
- سيرَة حارَة 22
- سيرَة حارَة 21
- سيرَة حارَة 20
- الرواية: الفصل الرابع / 2
- الرواية: مستهل الفصل الرابع
- سيرَة حارَة 19
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 7


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 33