أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصر ثابت - لم يحدث هذا معي














المزيد.....

لم يحدث هذا معي


ناصر ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 4650 - 2014 / 12 / 2 - 23:36
المحور: الادب والفن
    



لم أذهب إلى لاس فيجاس
ولم أفتحِ المدينةَ بمفتاح الدهشةِ
ولم أدخلها قادماً من جنوبِ الفكرة
متخذاً الطريقَ السريعَ 15 شمالاً
ولم أشعر بالانقباض الداخلي وأنا أغادرها
لأنها مدينة تُفرغُ نفسَها منك مثلما تفرغُ أنتَ نفسَكَ منها.

لم أذهب إلى فيجاس
ولم ألقِ التحية المعتادةَ بين المدن ومرتاديها
ولم أعترف لها بالكثيرِ من الأسرار، لأنها مدينة خبيرة بحفظِ الأسرار الخطيرة

لم أذهب إلى فيجاس
ولم أنزل في فندق ترامب الشهير
ولم أتدلل على الموظفة المسؤولةِ عن استقبال النزلاء
ولم أباغتها بالنكات
ولم أشاهدِ المدينة من علٍ عبر النوافذ الواسعة
ولم ألقِ التحيةَ على أصحابِ اللباس الموحد
وأنا أتسلقُ الطوابقَ الستين، طابقاً طابقاً
لأن الطوابقَ سطورٌ من الأسئلة التي لا نعرف إجاباتها.

لم أذهب إلى فيجاس
ولم أشرب من مائها، ولم ألمس سماءَها
ولم أهرقِ الطلاءَ الأخضرَ على ترابها
ولم أكتب فيها ساعةً يومياً،
ولم أسمحْ لها أن تسألَني عن كتابتي، ولم ألقِ عليها قصيدتي
ولم أقرأ فيها كتابَ "الفن والحب"
ولم أسرف في المشيِ
لأن الإسرافَ فيه يفتح لي أبوابَ الكلام.

لم أذهب إلى فيجاس
ولم ألمس نوافيرها الراقصة
ولم ألتقطِ الصورَ مع نفسي، ومع الأشجار الصناعية
ولم أتنازل عن فكرتي وعن شهاب الوجع المرير
ولم ألعبْ مع قطط الحظ فيها، لأنني انشغلتُ بملاحقة الفراشات الكهربائية.

لم أذهب إلى فيجاس
ولم أفعلْ فيها شيئاً أغطيه بأوراق الشجرْ
ولم أحادث التماثيل العملاقة في قصر القيصر
ولم أدخل هرمَ الأمنيات
ولم أعلق صورة الليثِ على صدري، وفاءً لفندق MGM الأضخم في العالم
ولم أستعمل الأملَ بطريقة مسرفةٍ
ولم تأخذني الصدورُ العاريةُ إلى متاهاتها
ولم تعملِ الخيباتُ على رسمِ ملامح الحكمة في ذاتي
لأن الحكمةَ لا تهطلُ مع ماء المطر

لم أذهب إلى فيجاس
لم أسافر مئاتِ الأميال حتى تناقشَ معي زوجتي هناكَ أمورنا العائلية اليومية
من سيعدُّ الطعامَ، ومن سيشتري الخبزَ، ومن سينقِّحُ نصوصَ الظلامِ المقدسة
لم أعتذر عن الاصطدام كتفاً بكتفٍ بامرأة عادية في الشارعِ
ولم ألتقِ بصديقي مؤنس هناك
ولم نتحدثْ في السياسة، أنا أسمعُ وهو يبسط سجادة فكرته
وأنا أتكلم وهو يقاطعني ويقطِّعني بسكاكين الوهم
ولم أتذوقْ نبيذها الفاخرِ
ولم أكسرِ الحواجز التي وضعتها لنفسي
ولم أتصدَّ لرجل وسيمٍ غريبٍ حاول أن يغازلَ سوسنتي الخصوصية
ولم أتعرف على التماثيلِ الواقفة بصمتٍ يشبه الكلامَ
ولم تعجبني طيورُ النُّحامِ المصنوعة من اللحمِ والدم والريش
ولم ألمسِ النورَ ولم أفتش في أدراجي عن الصور المستهلكة
ولم أترددْ في وضع قطعةِ نقدٍ لرجلٍ علَّقَ نفسَه في الهواءِ
ولم أتفرجْ على إناثِ الريشِ، بطريقةٍ طفوليةٍ
ولم أقلب مواجعَ المدى، ولم ألمسِ الجبالَ التي تشمخُ في آخر الصورة
ولم أحاول أن أمسحَ وجه المدينة بدقائق القلق
ولم أتزحزح عن إيماني الراسخ باليباب
لم ادخل السيرك المسمى "كاه"، ولم أشاركْ الآخرينَ فكرتي الخاصة أن العرض كان أقل من توقعاتي بقليل.
ولا أن فتاةَ الألعاب البهلوانية التي كانت تبتسمُ وهي تعلِّقُ لذاتها المشانقَ الحريرية، كانت مدهشة كثيراً
ذلك أن شجاعتي لم تكن كافية لكي أنشر هذه الكلمات على حبال التوازن الفكري.

لم أذهبْ إلى فيجاس
ولم أتعرف على الوجوه المتناثرة على الطريق السريع
ولم أسقْ سيارتي بسرعة 75 ميلاً في الساعة
ولم أتأمل نباتَ الصبار على الجانبين، ولم أحكِ حكايتي للكثبان الرملية للمرة الألف
ولم أفتح النافذة حتى أقتبس برودة الهواء في نصي هذا
ولم أتغلغل في الأفق برشاقة طائر الطنان
ولم أكسر صفحة الهواءِ
ولم أقطع أسلاكَ الفراغ، ولا حبلَ التفاصيل العنيدة
ولم أفقأ عين الغيمِ، ولم أقتل نحلة المحيطِ الهادئ
ولم أدهن الصخور بالزيتِ
ولم أدخل بين خطي الأفق العلوي والسفلي للصورة
ولم أثقب شِباكَ المطر، ولا الخطَّ الفاصلَ بين كاليفورنيا ونيفادا
لم أعبر مدينةَ بارستو، ولم أسلم على الطفلة الفلسطينية إيزابيلا
ولم أشرب في "دينيس" فنجانَ قهوة برتقالية عربية الأصل، رديئة التحضير. أسميته لاحقاً فنجاناً من القسوة.
ولم أخاطب برودة الصحراءِ، ولم أحاور أسماء الأصدقاء المتروكين على رف الذاكرة كتماثيل الزينة الصغيرة
ولم أتمعن في حلمات الشجر العاري
ولم أسمع صوتَ الفكرة وهي ترتطم بقاع المكانِ
ولا صدى خيالاتِ التلةِ المجاورة عني
ولم أؤدب شياطين الرغبة، والغلو
ولم أغادر خيمة المعتادِ ولا كهفَ الحلم الرحب
ولم أسمحْ لغربان المناخِ أن تلعق جلدَ المسافة
ذلك أن المسافة لا تصل دائماً بين رغباتنا وأحجيات الآلهة.

لا، لم أذهب إلى لاس فيجاس
ولم أكتبْ فيها شيئاً. أما ما كنتُ أفعله وأنا جالسٌ إلى طاولةٍ ما، ممسكاً قلماً ما، واضعاً إياه على ورقةٍ ما، ومحركاً له من اليمين إلى الشمال، فهو أمرٌ سأبقيه طيَّ الذاتِ، ولن أبوحَ به للنص، لأن ما يُكتبُ في فيجاس، يبقى في فيجاس!

1-12-2014



#ناصر_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أهي العصبية القبلية أم ماذا؟
- قصيدتان عن النوم
- لفظتان متعانقتان
- من سيرة الرجل الذي خذل المدينة
- ارتباك
- شارع فارغ - نص ناصر ثابت
- لا
- -عاشقٌ فوضويٌ- - للشاعر ناصر ثابت
- أسمعُ صوتكِ
- ألمٌ حقيقيٌّ على تقاطع الطرق
- نظريات المؤامرة... بين الحوار والإقناع والسخرية..
- دربٌ طويلُ
- هباء
- في سان هوزيه، أمضيتُ بعض الوقت مع ذكرياتي النيئة
- قهوة تستحضرُنا
- أكرر نفسي
- حلم بحرف الغين
- غبشٌ خفيفٌ


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصر ثابت - لم يحدث هذا معي