أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - رواية -حوض الموت- سليمان القوابعة















المزيد.....


رواية -حوض الموت- سليمان القوابعة


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4649 - 2014 / 12 / 1 - 21:08
المحور: الادب والفن
    


رواية حوض الموت
سليمان القوابعة
رواية من منشورات وزارة الثقافة، عمان، 2009، وتقع في 225 صفحة حجم متوسط، الرواية تاريخية تؤرخ لمرحلة ما قبل الخمسينيات من القرن الماضي، متناولة العهد التركي ولاحتلال الانجليزي لشرق الأردن ولفلسطين، البيئة كانت في "بلاد جبال" وهي قرية ريفية تدور فيها الأحداث الرئيسية.
ما يميز هذه الروية استخدام الكاتب لغة أدبية، تكاد تكون استثنائية، كما كانت اللغة المحكية تشير إلى البيئة الأردنية التي تجري فيها الأحداث، وهنا يمكننا إن نقول إذا كانت رواية "النخلة والجيران" لغائب طعمة فورمان، رواية عراقية بامتياز، فرواية "حوض الموت" رواية أردنية بامتياز، فكانت اللغة المحكية تشير إلى أردنيتها، والكاتب رغم حديثه عن "بلاد جبال" إلا إن فلسطين والقدس والخليل كانت حاضرة وبقوة في روايته، وكأنه يقول لنا نحن في شرق النهر وغربيه شعب واحد، الجغرافيا واحدة، حيث كان التنقل بين ضفتي النهر يتم بكل يسر، وما كان الأهل الشرق يتركوا إخوتهم في الغرب منفردين في مواجهة الحركة الصهيونية، فهناك العديد من المشاهد قدمها لنا "سليمان القوابعة" تؤكد على الوحدة السكانية والجغرافية لضفتي النهر.
البيئة التعليمية وكيفية تعامل المعلمين مع الطلاب كانت ضمن الأحداث الرئيسة في الرواية، وكأن الكاتب ينبهنا إلى أهمية المعلم ودوره في بناء المجتمع، فهو يقول لنا إذا كان المعلم قاسيا، لن يكون هناك طلاب بدا، فهناك العديد من حالات الهرب من المدرسية نتيجة الضرب المبرح والمعاملة القاسية التي يعامل بها الطلاب.
كما نجد الصورة الزاهية لرجال الدين، فهم من خلال شخصية "الشيخ أحمد أبن مسعود" كانوا يقومون بدور اجتماعي، اقتصادي، أخلاقي، تعليمي، سياسي، وطني، قومي، ديني، إصلاحي، فالكاتب يقول لنا من خلال هذه الشخصية هكذا يكون رجل الدين، القول مقرون بالسلوك، ولا مجال لكلام بدون أفعال.
المرأة كانت حاضرة ولها دور ايجابي، فها تشارك الرجال في العمل، وأيضا تقوم بواجبها الوطنين من خلال تأمين العائلات التي ذهب رجالها للقتال في فلسطين بالمواد الغذائية اللازمة، ونجد العلاقة بين الأب والابن، وصورة الحزبي الذي لا يفقه من الواقع شيء، وهناك مشهد للملك الذي يتفقد البلاد، في المجمل نقول بأننا أمام عمل روائي مميز، يقدم لنا رواية أردنية، فيمكننا إن نستدل على أردنيتها من خلال الجغرافيا التي كانت حاضرة وبقوة، وأيضا من خلال اللغة المحكية، وكما نجد التأثر بالقرآن الكريم كان قويا وواضحا، فهناك أكثر من خمسة عشر اقتباسا من الآيات القرآنية تم استخدامها في الرواية، وهذا يشير إلى مسألة التدين والإيمان التي يعيشها الكاتب كما إن هذه الأمر ـ التدين والإيمان ـ يعطي صورة واقعية عن البيئة الاجتماعية التي تناولها الكاتب، إضافة إلى تخصيب النص الروائي، فالعديد من كتاب القرن الماضي كانوا يستخدمون التراث المسيحي من خلال الإنجيل في تخصيب النص، مثل "الخاصرة التي تنزف" وغيرها، وهنا يعتبر استخدام القرآن الكريم نقلة نوعية في الأدب العربي، فلم يعد النص الروائي مقتصرا على التأثر بالتجربة الغربية، بل هناك ارث شرقي، ديني أم تراثي، يتميز بتألقه وفنيته يمكن الاستفادة منه، وتقديم شكل أدبي يميز منطلقا عن بيئتها.
سنحاول إضاءة بعض ما جاء في رواية سليمان القوابعة "حوض الموت" فهي تستحق أن نقف عندها، لما تطرحه من مشاهد قد تكون غائبة عن بعضنا.
صورة الأتراك
التواجد التركي في منطقتنا ينظر له البعض بايجابية، حيث يعتبر الأتراك حماة الإسلام والمسلمين، وهم من حافظ على الخلافة الإسلامية، رغم تعارض تسمية "الخلافة" مع المنطلق، حيث من شروطها إن يكون الخليفة عربي ومن قريش، وهذا ما تكلم به أبو بكر وعمر في السقيفة عندما اجتمع الأنصار ليعينوا خليفة للرسول، فقيل لهم بما معناه "لا تقبل العرب السيادة من غير قريش" وهنا ندعو كل من يدعم ويؤيد ويتحسر على انتهاء الحكم التركي إن يعود إلى المنطق ليجد بان الأتراك لم يكونوا خلفاء بل سلاطين، وما تركوه في المجتمع العربي من سلبيات كان يتجاوز الايجابيات بكثير.
سليمان القوابعة قدم لنا مشاهد عن طبيعة الحكم التركي فقال عنهم: "ـ دولة العصملي صارت مثل آخر النهار، حتى طلع بينهم جماعة ما همهم إلا الترك ودم الترك.
ـ العصملي .. وعلى دورنا لا نعرف إلا السلطان عبد الحميد ... كان للعرب عنده شوية احترام... والله اعلم بالأسرار" ص11، هكذا كان حال الموقف الجماهيري من الحكم التركي، فليس هناك أي تلاقي بين العرب والأتراك، فهم كانوا على طرفي نقيض، خاصة بعد سياسية التتريك التي اتبعها حزب التحاد والترقي التركي.
العناصر التنفيذة التركية لم تكن تمارس إلا البطش والقهر بحق المواطن العربي، " دق المهباش، وصنع القهوة العربية بعض العسكر شرب، والبعض أشاح بوجهه، واحد العسكر قال: مهباش يكفي .. مهباش بكسر الرأس، إنتم ما بتفهم ... نحن يريد لحم فرة، وبيض عصافير، ويكون غداء بالزبط الساعة واحدة" ص21، هذا الطلب يتماثل مع الذي يطلب لبن العصفور، فهل فعلا كان الجنود الأتراك يردون لحم فري وبيض عصفور، أم أن لهم مطلب آخر؟.
في الواقع بأنهم جاءوا ليأكلوا غداءً خاصا مميزا، "... إذا ما وجتم المطلوب يكفي خروف محجل، أجبناهم هذه سهلة ولو لم نجد لقالوا أي خروف أو جدي عليه صوف أو شعر" ص21، طريقة ملتوية للحصول على طعام، علما بان الأهالي غير مجبرين على إطعام الجنود، فالجيش التركي من واجباته هذه المهمة، لكن الانفلات العسكري، وعدم الانضباط واستهتار القيادة التركية بالعرب، جعل الجنود يقومون بالإقدام على استغلال المنصب وإجبار الأهلي الفقراء على إطعامهم وجبة دسمة.
لم يكتفي الجيش التركي باستغلال الأهلي، بل تعدى ذلك إلى الاعتداء على النساء، فكان الجندي التركي يعتبر العرب مجرد عبيد، يمتلكهم، ومن حقه إن يتصرف بهم كيفما شاء، "ثلاثة عسكر اخترقوا باب "الحوش" رجلها غير موجود... عروها وهي تقاوم ألفاظ الترك، صرخت.. (وا أبتاه) ... واستغاثت بزوجها الغائب.. طالت موجات صراخها مثل صوت مخاض امرأة بكر..,. تبعتها رطانتهم .. وضحك العسكر.
... وطفل يحبو مذعورا، يبحث عن أم، فيركله احدهم بمقدمة البصطار" ص24، إذن الأتراك لم يكون إلا محتلين، ولم يكونوا يهتموا للمواطن العربي فالعربي بالنسبة لهم مجرد خادم أو عبد من حقهم أن يفعلوا به ما يروق لهم، من هنا نجد صورتهم في المشهد السابق في غاية القذارة والقسوة، وهذا المشهد يؤكد على الإبادة الجماعية التي اقترفها الأتراك بحق الأرمن، فمثل هذا المشهد يؤكد وحشية هذا الجيش وعدم وجود أي مشاعر إنسانية لديه.
"هم على الفراش ببساطيرهم... صلينا في نفس اليوم ثلاث مرات في وجودهم، وما تخلف عن الصلاة إلا العسكر الخمسة... وفي المساء عندما (ضب الرماس) ضربوا رجلا صائما لم يدفع ضريبة ... قال ... أمهلوني اليوم والرهن عندكم أولادي وقطيع الغنم... ساطوه دون أن يتصبروا بعد أن عشاهم أكبر خاروف في غنمه... ضربه عسكري فأوجعه بسوط اسود مثل ذنب فيل ص44، بهذه الكيفية تعامل الأتراك مع العرب، فكيف لنا أن نحترمهم!، الأولى بنا إن نحاسبهم على ما فعلوه بنا، من هنا كان العرب يقفون على النقيض من الأتراك، فالموقف العربي لم يكن من فراغ، بل هناك العديد من المبررات والمحفزات للعربي لكي يقف ضد الحكم التركي.
رجال الدين
كما قلنا الكاتب يصور لنا رجال الدين بالشكل المتزن، والمنسجم بين ما يقوله وما يفعله، وكأنه يدعو رجال الدين ليكونوا على شاكلة "علي بن القف والشيخ احمد بن مسعود " " علي بن القف، ضرب الجندي المتعري بعصاه اللوز على وجهه وعورته.. هرب المتعري ... أنثنى الرجل إلى المسجد دون عباءة، وكلمات المؤذن لم تعطه مهلة عيون المصلين تحوم حوله باستغراب .. الأمام يقف لأول مرة دون عباءة" ص24 و25، رجل الدين يدافع عن المرأة المغتصبة، يسترها بعباءته، يكتم غضبه عن الناس، لكي لا يفتضح أمر المرأة، فهو حفظ للمرأة شرفها، واقتص لها من المغتصبين الأتراك، فتكون نتيجة عمله مزدوجة، أولا حفظ المرأة من الاعتداء، وثانيا اقتص لها من المعتدين.
وبعد إن يذهب الرجال إلى القتال في فلسطين ويكون منهم شهداء، يقترح عدم إخبار أهاليهم بذلك حتى يتم تهيئتهم لمثل هذا الخبر المفجع "الرأي عندي وإن أثار الحيرة، فإذا أنت أنبأت الناس بما حدث فأنت على حق، وسيتحول خبر الاستشهاد إلى نواح بين النساء والأطفال، والناس يعانون من سنة قحط وبؤس، وإذا امتنعت اليوم فالأمر لا يضر، وان أثقلك الناس بالسؤال، اجل الخبر وأنا على يقين بان عدد الذين سيستشهدون من البلدة وقراها وباديتها سيكر، وبعد وقت تكون أخبار الموت والاستشهاد اقل حزنا" ص96 و97، رجل يمتاز بالحكمة، فهو يهتم بمشاعر الناس، ويحافظ عليها من خلال عدم إعطاءها الخبر المفجع دفعة واحدة، فهو يتعمد تهيئتهم الأمر، إلى حين تمهيد الأهل لمثل هذه الأخبار.
رجل الدين يقدم لمجتمع مفاهيم جديدة، فأي عمل يتعارض مع الشرع والمنطق هو مرفوض، من هنا يقول عن السرقة والزنا الأخذ بالثأر : "... واعلموا إن الثأر جاهلي، نزيده أو ننقصه، ملعون ومجرم هو من قتل البريء الذي تجمعه قرابة مع قاتل، ويختار الوجع لغيره كما يشاء (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وخسيس وسافل هو الذي يسرق ويل، ولا يترفع حتى عن جدي أرملة، ويسمي فعلته فتوة ومرجله ... وساقط وملعون هو الذي يعطي الولد ويحرم البنت ويأكل مهرها .. اللهم أعن المناضلين، وأسر المناضلين وأبناء المناضلين والجنود الذين يضحون وقت العسر، " ص129 و130، إذن رجل الدين يكلم الناس عن مشاكل الحياة التي تواجه المجتمع، فهو في كل كلمة قالها كان يشير إلى مشكلة اجتماعية حدثت في "بلاد جبال" من هنا هو واقعي، كما نجد الحدث المهم ـ فلسطين ـ كانت حاضرة في خطبته، مذكرا الحضور بان أسرهم المناضلين بلا معين، فهو يطلب مساعدتهم بطريقة غير مباشرة، وهنا هو يحفظ كرامتهم.
رجل الدين لم يكن يعيش في برج عاجي، بل بين الناس، من هنا كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر: " ... يا ابنتي ... استري صدرك بقميص تحت المدرقة، وأعيني قدمك الحافي بحذاء" ص123و133، بهذه الشكل تعامل رجل الدين مع الناس، يرشدهم بطريقة سلسة، فلا ينفر منه احد، يجعل في كلامه الحرص على الشخص المعني بتوجيه الملاحظة له، مما يجعله يتقبلها بصدر رحب.
وكان يعامل الخاطئين بهذا الشكل ":... فنهب منه قبل الفجر شاة ومرو سمن، فقال ابن مسعود: ... الم تمل من هذا الدرب، ولا تخاف إن تزرع في اهلك الحرام.. رفاقك تابوا وأنت تسير وحدك ظالما... أتحب إن تبقي لأنبائك إرث خيانة..
شحب وجه الرجل، ركع عند قدمي ابن مسعود، وكاد يغلبه الدمع، أسرع الشيخ، استنهضه وقبله بين العينين.. وهتف الشيخ ورب محمد... النبي الذي مر من هذه البلاد تاجرا لتأخذ مني عباءة وثوب ورطل سكر وشايه للصغار" ص180و181، اجزم بان رجل دين مثل ابن مسعود يفرض احترامه على كل الناس، من يتفق معه فكريا أو يتعارض معه، فسلوكه المنسجم مع أقواله توجب على الجميع أحترمه، وكأن الكاتب من خلال هذه النماذج يدعونا إلى التقدم من هؤلاء الرجال ونكون بسلوكنا قبل قولنا قريبين منهم.
المدرسة والمعلم
رغم تناول الرواية لواقع تعليمي قبل أكثر من سبعين سنة، إلا انه في بعض نقده يصلح لنا في هذا الزمن، فعدم المغالاة ـ زيادة أو نقصان، فالتشدد يترك شرخ حاد بين الناس، فما بالنا إذا كان هذا التشدد في التعليم!
بداية نود الإشارة إلى إن السلوك المتشدد من الأتراك وما تركه من اثأر سلبية في نفوس الناس، كان هناك ما يماثله من بعض المعلمين، الذين تركوا شرخا كبيرا بينهم وبين الطلاب، "دخل حرب الصف وفي يده عقب سيجارة... طلب من تلميذ أن يحضر الطباشير، ومن تلميذ إن يأتي بخريطة، فلم يدرك هذا اسم خريطة الدرس، غضب المعلم وأطفاء عقب السيجارة في ظهر التلميذ، سأل طالبا... وكانت الإجابة عرجاء، وبحذائه ركل التلميذ في بطنه مرتين فأغمي الصبي وعندما أفاق ضربه بثلاثة فتقيأ وأفرغ ما في معدته" ص91، المشهد السابق يشير إلى وجود حالة من المرض يعاني منها المعلم، فهو يبطش بالطلاب، حتى الحيوانات لا تعامل بهذه القسوة والوحشية، ولا يمكن إن يكون سلوك هذا المعلم بسلوك سوي بالمطلق، إطفاء السجائر والضرب بالقدم !، هذا شيء عجاب.
هناك مشاهد قاسية جدا يصفها الكاتب حول طرق معاملة المعلم مع الطالب، حتى أن احد الطلاب يموت نتيجة دلق كوب ماء في ظهره هو مريض، فالمعلمين كانوا مرضى بمرض السادية، حيث أننا نجدهم يتلذذون ويستمتعون بإلحاق اكبر ضرر بالطلاب، فكان عدد "الفلكة" يصل إلى خمسين عصا، إن كانت على الرجلين أو اليدين، من هنا نجد عملية هروب جماعي من المدرسة، "هرب حماد في طول البلاد وعرضها من جور المعلم حرب الأضرس ... أصبح جنديا" ص191.
فلسطين والقدس
الربط بين الجغرافيا في شرق النهر وغربه، وحمل هم القدس وفلسطين، ثم العمل على رفع الضيم عن الشعب والأرض في غرب النهر تأكيد على الوحدة والتكامل بين الجغرافيا والسكان، سليمان القوابعة يقدم لنا أكثر مشهد حول هذه الوحدة الطبيعية بين الأهل، "..أنا معي زيت لضو الحرم... ورفيقي كان عليه نذر أن يزور القدس، ويذبح هناك ذبيحة... ويحلق شعر ولده هناك" ص38، هذا الأمر كان قبل أن تشتعل القدس وفلسطين، فالذهاب إليها لم يكن ممنوعا، فهي مدينة مفتوحة، ويستطيع أيا كان زيارتها.
من هنا عندما علم أهلها في الشرق بان هناك ضيم يقع عليها وعلى أهليها كانوا السباقين للذود عنها، "تكلم وأطربني ما زلت تلهث... دونك كوب الماء... أتعبك المشوار، وقد أتيت من القدس وخليل الرحمن تحمل رائحة زكية، فحدثني عن جماعتك اللذين أرسلوك.
ـ الأمانة يا سيدي تزيد على وزن هذه الجبال... عدد غير قليل من رفاقي أعدهم بالحرف ... بعضهم دفناه في مناطق لا اعرفها، وبعضهم ماتوا أو استشهدوا في معارك لم نقدر على رؤيتهم.. فكيف ترى الأمر" ص96، الحديث عن المجاهدين عن القدس يأخذ معنى الحديث عن الوطن، فهم يدافعون عن شيء ينتمون له، يشعرون بان من واجبهم أن يذهبوا ليكونوا سباقون، فالموت في الدفاع عن القدس يعد فضيلة كبرى، وشرف للرجال.
"أسوار القدس لا تهدأ .. خلقت ونبتت لتستظل تحت أردية مزاج فوار من رجالها الجنود والمناضلين من بلاد جبال وغير الجبال من شمال ووسط وجنوب الأردن... عجيب وصارخ أمر الرجال إذا هزتهم نشوة الوطن، وأرهفت مشاعرهم النخوة"ص188، إذن تأكيد على أن القدس بالنسبة للشرقي النهر هي ارض الوطن، وليست ارض غريبة عنهم، هي وطنهم كما هي الأرض في الشرق.
لكن هل القدس كانت محطة اهتمام المناضلين فقط؟
الجيش لكان أيضا حاضرا فيها، ويقوم بدوره كما هو حال المناضلين، ويكمل بعضهم دور بعض، فهم جسد واحد "مفارز المناضلين تختلط مع سرايا الجيش ولا فرق، هذه الكتيبة الرابعة من الجيش، وتلك السادسة وتقابلها التاسعة .. تسع كتائب تتوزع الثغور" ص188.

الجندي العربي
صورة المقاتل الباسل يقدمها لنا الكاتب للجندي العربي، وهي تتباين تماما مع تلك التي قدمته لنا الأعمال الروائية اللاحقة، فصورتهم لنا عبارة عن آلة تنفيذية بدون تفكير من خلال عبارة "ماكو أوامر" المشهورة، ففي رواية "حوض الموت" كان الجندي في مرحلة شباب، وكان نقيا، صافيا غير ملوث بالسياسة، "تتسع دائرة الأفق مرة وتضيق مرات، ورجل من المناضلين يسير على وجهه لم يستشهد بعد، أتبعه الجوع من يومين، أحس بنوبة جفاف في حلقه... ثلاث قرايا ما بها هبة الريح ...سلوان والطور والعيزرية.
اهتدى الرجل إلى كتيبة جند أردنيين في عمواس، وأعانوه بالزاد والرصاص" ص97، في المشهد السابق يدعو الكاتب الجندي العربي لكي يكون على هذه الشاكلة، معين للمناضل، يقدم له المساعدة والعون، أن يكون مكملا لدوره، أن يكون معه، لا عليه، أعتقد بأننا افتقدنا هذه الصورة لاحقا، وكان الجندي العربي في الغالب تقدم لنا من خلال هزيمة 48 و 67.
وها هو الجندي العربي يسقط شهيدا على بواب القدس، "وارتفع صوت "افتحوا الطريق" ... وجدعان بن عاتب يبكي فابنه علي جندي استشهد في باب العامود ويقال إن رفاقه نقلوا جثته عند مواقعهم في حي نسيبة" ص181، تأكيد على ما قدمه الجندي العربي، وأيضا يحمل المشهد حالة الاستنفار والتنقل ـ حسب المعركة ـ للجنود، فهم هنا جنود بمعنى الكلمة، محترفون يعوا كيف يتعاملون في الحرب.
التكامل بين الجندي العربي والمناضلين في ارض المعركة كان فاعلا، ويقدم لنا صورة الانسجام والتكامل بينهما، وأثر ذلك في تعزيز الوحدة بين الجيش والشعب، وأيضا على ارض المعركة، فيقول "... وتذكروا من لم يعد لبيته من الجنود والمناضلين وان كان الذين استشهدوا بالعشرات، ومن لم يعودوا كذلك، إلا أن خبر الثلاثة اثأر الهواجس، وجعل منهم رمزا لكل من استشهد أو لم يعد لأهله من الرمثا حتى حي الشلالة في العقبة" ص186، إذن في المعركة يتوحد الكل، يتكون جسد واحد، إذا اشتكى منه عضو سهر له بقية الأعضاء بالسهر والحمى، التوحد والانسجام بين الأهل من الشمال حتى الجنوب انصهروا معا من خلال موقفهم من الحرب في فلسطين والقدس تحديدا، واستشهاد الجنود كان يعززون تلك الواحدة.
وما يميز الجندي العربي إيمانه، الإيمان المقرون بالعبادة والأخلاق، فالجندي كان يعد رجلا مثاليا، البطولة والعطاء والأخلاق والدين، "شاب يسأل عن زوجته التي ودعها بعد أسبوع العرس... هل أنجبت؟ ورجل يستفسر كيف يعيش الأهل والأطفال؟ وثالث يصلي العشاء متأخرا في منتصف الليل تحت قبة الصخرة فنادي في الظلمات ... لا إله إلا أنت سبحانك ... سار ماشيا من القدس كي يصلي ليلته التالية في حرم الخليل" ص187، ارتباط الشعائر الدينية في القدس والخليل يعطيها أهمية استثنائية بالإضافة إلى أن ذكر المكان ينبهنا إلى أهمية القدس والخليل بالنسبة للمؤمنين.

الحزب والسياسي
يتناول الكاتب صورة السياسي في تلك الحقبة من الزمن من خلال بعض الأشخاص الذين تم نفيهم من عمان والسلط إلى بلاد جبال، فيصورهم لنا بصورة سلبية، فهم من خلال صورة المعلمين الذين كانوا يبطشن بالطلاب، وما الصورة السلبية عن المعلم إلا تأكيد على سلبية هؤلاء السياسيين، فرغم نفيهم، والذي من المفترض أن يجعلهم نموذج للآخرين في العطاء ويقدموا صورة زاهية عن الحزب السياسي الذي ينتمون له، نجدهم يعطوننا صورة عكس ذلك وأكثر، كانوا يعتبرون المجتمع الريفي غريبا عنهم، من هنا نجد هذا التصرف غير المقبول اجتماعيا من عبد العزيز الذي يقوم بضرب احد هؤلاء الحزبين، "... لماذا ضربت الرجل على خاصرته .. لماذا أهنت عبد ربه المنفي
ـ إنه يا شيخ حزبي دجال لا يحضر الصلاة معنا .. انه لا يوحد الله..." ص115، بهذه الصورة كانت السياسي ينظر إليه، فكأنه غريب عن المجتمع، ورغم النقد البناء الذي وجهه الشيخ ابن مسعود لعبد العزيز والذي يعترف بخطاه لاحقا ويعتذر لعابد ربه بطريقة صادقة وتحمل الندم والتوبة معا، إلا أن فكرة بعض السياسيين عن الدين كانت لا تخدم مشروعهم التحرري، ولا ينسجم مع مزاج الجماهير.
ولنستمع إلى ما يطرحه الأستاذ حرب الأضرس هو يناقش الشيخ احمد بن مسعود فيقول : " ـ ... لم نتفق إذن ...العنف والجماهير فوق الجميع .. أما خزعبلاتك يا شيخ فهي دقة قديمة ولا قيمة لها" ص128، الطرح المتطرف لهؤلاء السياسيين، وأيضا سلوكهم غير السوي اتجاه الطلاب، جعلهم في عزلة عن الجماهير التي ينشدونها.
التأثر بالنص القرآني
كما قلنا هناك أكثر من خمسة عشر اقتباسا من القرآن الكريم، وهذا إشارة إلى الثقافة الدينية التي يتمتع بها الكاتب، وأيضا كانت تلك الاقتباسات تؤكد توجه المجتمع الريفي في "بلاد جبال" الديني، وسنورد بعض ما جاء في الرواية "ثلاثة أيام حسوما" ص27، فهل تطيق معي صبرا" ص29، "أذرعتها طلعها مثل / رؤوس الشياطين" ص32، "نداء خفيا"ص 35، "عهن/ داكن/ منفوش" ص47 "النفس اللوامة" ص59، "وجاء من أقصى المدينة رجلا يسعى..." ص68، "العاديات الموريات" ص99، "ولا الضالين آمين" ص120، "يدخلون البيوت من أبوابها " ص122، "ولا تزر وازرة وزر أخرى" ص129، "توجس خيفة" ص156، "ولا تأسوا على ما فاتكم" ص193، "ستغشى /القوم/ ثيابهم" ص202 اعتقد هذا الكم يؤكد التوجه الديني عن الكاتب، كما انه يجعل من روايته تقدم إشارة للقارئ إلى أهمية الرجوع للقرآن الكريم، الذي أقتبس منه الكاتب تلك الأجزاء من الآيات. فمعروف أدبيا بان العديد من الكتاب يذكروا بعض الأعمال الأدبية أو بعض الكتاب حتى يدفعوا القارئ إلى الرجوع إلى تلك الأعمال لما لها من أهمية.
صورة الملك
الملك شخصية ذات هيبة لما لها من مكانة، لكنها هنا كانت قريبة من الناس وتتعامل معهم بطريقة تجعلهم يحترمون الملك ويحبونه في ذات الوقت، فها هو يتفقد المدرسة وأحاول الناس، كما نجده يحب الخيل لما لها من أهمية ومكانة عنده "قال لمرافقيه ... أترون .. أترون معي؟ هذه عاديات، موريات ضامرات تسابق الموت، ذكرتني بالزمن .. بأيام لها ... أيام والدي الشريف" ص171، فاهتمام الملك بالخيل يعطي إشارة إلى الناس بأنه يحب ويهتم بالأشياء التي يهتمون بها، وهذا يجعله قريبا منهم. لكن اهتمام الملك لم يكن بهذه الناحية وحسب بل نجده يتفقد المدرسة ويعطي توجيهاته إلى المدير والمعلمين فيقول لهم: "إياكم وقمع الأطفال.. لا تحزنوهم أو تميتوا قلوبهم فتغلقوا منافذ الفهم عندهم.. إن عيونهم تذكرني وبعد الحنفية حين كان عندهم .. يكفيكم أن يكون للمعلم مهابة ومكانة" ص171، الاهتمام بالتعليم يعد احد أهم الأركان لبناء المجتمع، والملك كان معني بهذا الشأن، من هنا يدعوا إلى عدم البطش وقتل روح الحرية عند الطلاب، وأكد في ذات الوقت على مكانة المعلم عندما قال "يكفيكم أن يكون للمعلم مهابة ومكانة".
الملك يوصي الحاكم على الوقوف على شؤون الناس، "ارتاح ملك البلاد أياما، وتحدث في ثلاث أمسيات بين جلسائه عن فترات التاريخ... أوصى حاكم البلدة الجديد... إن أسعف الناس واحرص على شؤونهم" ص171، بهذا الشكل كان الملك يقوم بواجباته اتجاه الناس، فهو يتفقد أحولهم، ويعطي توجيهاته لكل مسؤول لكي يعطي أفضل ما عنده.
رائد الحواري



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية -العودة من الشمال- فؤاد قسوس
- رواية -وجه الزمان- طاهر العدوان
- رواية -الجذور- حليمة جوهر
- الانتقائية
- -مدن وغريب واحد- علي حسين خلف
- -الصهيل- علي حسين خلف
- -الغربال- علي حسين خلف
- -مرسوم لاصدار هوية- محمد عبد الله البيتاوي
- -طيور المحبة- يحيى رباح
- الحوار والإثارة
- -سامي لبيب- وخداع القارئ
- فكرة
- فكر القبيلة هو الأساس
- رواية -الأنفس الميتة- نيقولاي غوغول
- -المسكوبية- اسامة العيسة
- هجوم غير عقلاني على مؤسسة ابن رشد
- -ذات مساء في المدينة- مجمد خليل
- مجموعة -الخيمة المحاصرة- إبراهيم العلم
- رواية -كيلا- اسعد العزوني
- مجموعة -بحر رمادي غويط- زكي العيلة


المزيد.....




- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - رواية -حوض الموت- سليمان القوابعة