أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - الذي رفض أن يكون إنسانًا














المزيد.....

الذي رفض أن يكون إنسانًا


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4648 - 2014 / 11 / 30 - 21:34
المحور: المجتمع المدني
    


"الإنسانُ، هو المخلوقُ الوحيد الذي يرفضُ أن يكونَ كما هو عليه." Man is the only creature that refuses to be what he is.. عبارة قالها ألبير كامو، في منتصف القرن الماضي. وربما المعنى واضح. الفيسلوف الوجودي الفرنسي يُدين الإنسانَ، ويُخرجه من طور الإنسانية بسبب تلك الأعمال الإجرامية التي مارسها هذا المخلوق التعس منذ بدء الخليقة، ضد الطبيعة، ثم ضد الحيوان، ثم ضد أخيه الإنسان، حتى توّج جرائمه بحربين عالميتين هائلتين أزهقتا ملايين الأراوح وأفسدت الچينوم البشري على مدى عقود.
ولكن، هل يجوز لي أن ألعب لُعبة التأويل مع عبارة واضحة كتلك؟ من حقي طالما آمنّا بمذهب "موت الكاتب"، حيث تصبح المادةُ المكتوبة، مقالا كان أو كتابًا أو قصيدة، كائنًا حيًّا مستقلا بذاته ومنفصلا عن كاتبه، الذي لا يحقُّ له أن يدافع عن نصّه فيقول: "كنتُ أقصد كذا، ولم أقصد كذا!” فالكاتب يُصبح في عداد الموتى، بمجرد ميلاد النص، الذي عليه هو (النص) أن يدافع عن نفسه بنفسه، دون اتكاء على كاتبه. فإن كان نصًّا جيدًا، كُتب له الخلود والحياة، وإلا نُسي ومات. لأن "البقاء للأقوى" مبدأ ينطبق على النصوص مثلما ينطبق على الكائنات الحية.
سأبدأ لُعبتي وأفكر في تأويل إيجابي لعبارة كامو، بدلا من تأويل الإدانة. ماذا لو قلتُ إن اللهَ تعالى قد خلقَ الإنسانَ ليكونَ إنسانًا: يمشي على قدمين، ويسعى في مناكبها، يتعلّمُ الأسماءَ كلَّها، ثم يتكلم بلسانه، فيُفضي بما في رأسه من أفكار، في أوجز الكلمات، دون مجاز، أو بلاغة، ودون معاظلة أو مبالغة. ولكن، ماذا فعل الإنسانُ بإمكاناته البشرية المحدودة ظاهريًّا، واللامحدودة فعليًّا؟ أطلق بصرَه نحو خطّ الأفق، يفصلُ صفحةَ الماء عن زرقةِ السماء، فشاهدَ مخلوقًا آخر، اسمه السمكة. تأملَها وهي تمخرُ عبابَ الموج بزعانفها المرنة وجسدها الانسيابي. شعرَ الإنسانُ بالغيرة، وقرر محاكاتها. فابتكر فنَّ السباحةِ. ثم صنع القاربَ، وشيّد السُّفنَ العملاقة واليخوت، بعدما ألقى قطعةَ خشبٍ في الماء فطفتْ وأبتْ أن تغطس. ولم يقنع. رمى ببصره صوب السماء، فشاهد ذاك الذي يطير. فرفض أن يكتفي بالسعي على قدمين، كإنسان، وأصرَّ أن يحاكي الطيرَ ويخترق الجوَّ! كسا جسدَه بالريش، وصنع جناحين، مثلما الأمازيغيّ الأندلسيّ أبو القاسم عباس بن فرناس في القرن التاسع الميلادي، ثم وثب في الهواء وثبةَ نسرٍ وطار حينًا، ليسقطَ مهشِّمًا ظهرُه. حتى جاء الأخوان رايت، ويلبر وأورفيل، ليتسَّلما الفكرةَ أوائلَ القرن العشرين، ويصنعان أولَ طائرة في تاريخ كوكبنا الطيب. ولم يقنع. التفتَ الإنسانُ برأسه فرأى الفهدَ والغزالَ والحصان. وخزته الغيرةُ؛ فتمرّد على المشي والركض، وابتكر الرقص والباليه، ليحاكي رشاقة تلك المخلوقات الفنّانة! ولم يقنع. أصغى إلى البلبل وخرير الماء ووقع خطوات النوْق على الرمال فابتكر الموسيقى والإيقاع الصوتيّ والبحور التفعيلية. ثم غنّى وابتدع البلاغة والشِّعرَ، حينما ضجر من حيادية اللغة الإيصالية الاعتيادية، ورامَ أن يصوّر المشاهدَ البصرية بالكلمات والمبالغة والبلاغة والتوقيع. ولم يقنع. تأملَ الخفّاشَ، فاخترع الرادار؛ تأملَ الدبَّ فاخترع الثوبَ يقيه قرس البرد؛ تأمل خُفَّ الجمل ووسائدَ أقدام القِطّة، فاخترعَ الخُّفَّ والحذاء؛ تأمل العصفورَ يبني أعشاشَه بعيدان القشّ، ودودة القزِّ تنسجَ خيوطَ الحرير حول جسدها، فابتكرتِ النساءُ أعمالَ الخيط والإبرة بالتريكو والكوروشيه، وابتكر الرجلُ الكبسولةَ تغلِّفه ليغطسَ بها في قاع المحيط. ولم يقنع. تأمل الحصانَ فابتكر العربة؛ تأمل الدودة فاخترعَ القطارَ؛ تأمَّلَ البعوضةَ فصمّمَ الهليوكوبتر؛ تأملَ نابَ الفيل وقرنَ الوعل فصقلَ النصْلَ والسكينَ والسيفَ، تأمل عينَ النحلة والذبابةَ فصنع العدسةَ ثم الكاميرا؛ تأملَ السنجابَ يحفرُ مُستقرًّا له في جذوع الشجر، فأنشأ فنَّ النحت في الصخور وشيّد المعابدَ؛ تأمل النملةَ تحملُ حبّةَ القمح إلى سراديبَ عميقةٍ في بطن الأرض، فجعل يحمل الصخورَ ويبني الهرمَ والقلوع، وحفر السراديب والقبوات. ولم يقنع. تأملَ الفِطْرَ بمظلّته والسلحفاةَ بصخرة ظهرها فصنع مِظلّةَ المطر والشمسية، وابتنى القبّة والقبو؛ تأمل زهرةَ اللوتس فأنشأ الأعمدة الكورنثية والبيزنطية. أعجبته زهرةُ عبّاد الشمس ترنو بوجهها الأصفر صوب قرص الشمس فاكتشفَ علوم الفلك والمجرّات. ولم يقنع. نظر إلى النحلة تبني خلايا العسل فتعلّم الهندسةَ والعمارةَ. نظر إلى صفحة الماء وشاهد وجهه فاخترع المرآة، بعدما دقّقَ النظر في بلورة الرمل وصنع منها الزجاج الشفيف. ثم ضجر الإنسانُ من الأرض كلهّا، بمَن وما عليها، وتطلّع ببصره نحو الكواكب الأخرى والمجرّات، يروم غزوها. فتنته الطبيعة، فحاكاها، لكنه مهما أتى لن يحاكيها جمالاً واكتمالاً. ربما لهذا قال ليوناردو داڤ-;-نشي: "دِقَّةُ الإنسان لا تُمكّنه أبدًا من اختراع شيء أجملَ وأبسطَ مما تصنعُ الطبيعةُ، لأن في مخترعاتها لا شيءَ ناقصًا، ولا شيءَ زائدًا عن الحاجة." يبقى فقط أيها الإنسان، أن تتعلم أن تكون إنسانًا.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الركضُ تحت المطر
- كأننا نتعلّم! (2) احتراق التلاميذ!
- -مؤشر السعادة- المصري
- كلمة الشاعر اللبناني شربل بعيني لتقديم الشاعرة فاطمة ناعوت ق ...
- يومٌ لجبران وفيروز
- كأننا نتعلّم! (3) الحاج -عبدة-
- لا تخاطر باسم الله
- احذروا حزب النور
- حربنا مع صهيون
- البُوق وال(بُقّ)
- قناة (مكملين) ايه بالظبط؟!
- نعلن الحبَّ عليكم
- العنصريّ في سلة القمامة
- رانيا وصاحبتها
- فتاوى تكسيح الأطفال
- كأننا نتعلّم (1)
- فاطمة ناعوت -كاتبةٌ صحفية وشاعرة ومترجمة مصرية - في حوار مفت ...
- أنا ابن مصر العظيم
- استلهموا هجرة الرسول
- أنا أعلق إذن أنا موجود


المزيد.....




- أبو الغيط يُرحب بنتائج التحقيق الأممي المستقل حول الأونروا
- الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين لاستئناف تمويل الأونروا بعد إ ...
- مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف ...
- مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...
- مسؤولان أمميان يدعوان بريطانيا لإعادة النظر في خطة نقل لاجئي ...
- مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة
- ضابط المخابرات الأوكراني السابق بروزوروف يتوقع اعتقالات جديد ...
- الأرجنتين تطلب من الإنتربول اعتقال وزير داخلية إيران
- -الأونروا- تدعو إلى تحقيق في الهجمات ضد موظفيها ومبانيها في ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - الذي رفض أن يكون إنسانًا