أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - النوابُ اليومَ والشعبُ غداً















المزيد.....

النوابُ اليومَ والشعبُ غداً


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 1303 - 2005 / 8 / 31 - 11:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


-1-

خرج الدستور العراقي إلى النور بعد مخاض ديمقراطي طويل، استطاع أن يقدم للعالم العربي تجربة ديمقراطية ناصعة، عساها أن تكون درساً عميقاً يُحتذى به في العالم العربي الذي يعيش بلا دساتير ، وما كان منه بدساتير فهي دساتير لم يُستفتَ فيها الشعب. وما كان بدساتير تم الاستفتاء فيها، فقد أصبحت هذه الدساتير بساطير في أرجل الحكام الديكتاتوريين خاصة.

خرج الدستور العراقي إلى النور. وغداً في 15/10/2005 سيُطرح على الشعب للاستفتاء عليه. وسوف يخرج الشعب العراقي الشجاع والحر بعيداً عن أي ضغط محلي أو اقليمي أو أجنبي ليقول كلمته، كما قالها في الثلاثين من يناير 2005 في الانتخابات التشريعية، أمام دهشة العالم كله وإعجابه بإصرار العراقيين على نيل حريتهم، وتحقيق ديمقراطيتهم.

-2-

بعيداً عن تعليقات أصحاب الأعمدة اليومية في الصحافة العربية، وأصحاب الأفواه الكبيرة في الفضائيات العربية، ممن يفتون في الدستور والطنبور، والفيدرالية والملوخية، ولا يتورعون عن الإجابة على كل سؤال وحال، فيما يعلمون وفيما لا يعلمون، فقد لاحظ الدستوريون العرب، ومنهم الدستوري والسياسي المغربي العريق عبد الهادي بوطالب مؤلف (المرجع في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية) وأستاذ القانون الدستوري في الجامعة المغربية، أن صياغة الدستور العراقي تحتاج إلى "سبك قانوني" من قبل قانونيين متخصصين بكتابة الدستور من العراق ومن غير العراقيين. بعد أن لاحظ بوطالب هلهلة الدستور العراقي، وعدم ترابطه القانوني المحكم. ولم يمانع بوطالب الاستعانة بخبراء من الأجانب من ذوي الباع القانوني الطويل في صياغة الدساتير. ومرد هذا الطلب، ملاحظة هؤلاء الدستوريين من أن العرب قليلو الخبرة في الصياغات الدستورية. فلم يعد لدينا أمثال القانوني المصري عبد الرزاق السنهوري (1895-1971) الصائغ الماهر للكثير من الدساتير والقوانين العربية في مصر والعراق وسوريا وليبيا والكويت والسودان والبحرين والإمارات العربية المتحدة، إلى حدٍ وصفه الأصوليون بأنه "طاغوت القوانين الوضعية المعاصرة".

-3-

كما لاحظ الدستوريون العرب، أن الدستور العراقي تضمّن مواد قانونية لا توضع عادة في الدستور الذي يتعالى على مثل هذه القوانين، بل توضع في قوانين منفصلة. وكل هذا يعود إلى السرعة الجنونية القصوى التي تمَّ فيها وضع الدستور العراقي تحت الضغط الأمريكي بأن ينتهي وضع هذا الدستور في الموعد المحدد له (15/8/2005) دون أي اعتبار لتعقيدات الوضع الأمني والسياسي والاجتماعي والمذهب الديني في العراق.

فالدستور هو المدماك الأول والأساسي في بناء صرح العراق الجديد. وكان يجب التأني في وضع هذا المدماك في مكانه الصحيح وبالشكل السليم. لقد قضت أمريكا ثلاث سنوات من البحث والتنقيب والمراجعة والتصحيح لدستورها، فلماذا تطلب من "الجمعية الوطنية" الإسراع في الانتهاء من الدستور مسلوقاً ونيئاً، وليس مطبوخاً بتؤدة وتأنٍ وعلى نار خفيفة دون (شلوطة)، لكي يسجل بوش نقطة نجاح، ترفع من شعبيته المتدنية الآن في الشارع الأمريكي؟

صحيح أن الظروف الآن اختلفت. فلا العراق أمريكا ولا الشعب العراقي هو الشعب الأمريكي، ولا اللحظة التاريخية قبل أكثر من 250 سنة هي اللحظة التاريخية الآن. ولكن هذا لا يمنع أن نعطي الدستور العراقي الوقت الكافي للصياغة والتفهم والمناقشة، باعتباره سيكون أهم دستور عربي نتيجة لوضع العراق التاريخي والديني والعرقي والحضاري.. الخ.

-4-

أما وقد انتهت "الجمعية الوطنية" العراقية من وضع مسودة الدستور، وسوف تطرحه في 15/10/2005 للاستفتاء العام ، فالخطوة التالية يجب أن تكون القيام بحملات توعية وشرح لمواد الدستور لجماهير الشعب العراقي من خلال الإعلام المقروء والمسموع والمشاهد، ومن خلال المدارس والجامعات والمعاهد، ومن خلال الندوات الشعبية التي على الأحزاب العراقية المتعددة أن تنظمها لمناصريها وخاصة فيما يتعلق بالفيدرالية المقترحة التي يجب أن لا تقوم في العراق على فوارق الدين، والمذهب، والطائفة، والعرق، واللغة، بل على تقسيم جغرافي إقليمي جهوي تذوب فيه الفوارق، وتلتقي به الفصائل على وحدة المواطنة والوطن والتراب والعُملة الوطنية وما دون ذلك فهو تكريس للتقسيم والتفتيت، ستصبح معه فيديرالية العراق حالة خاصة شاذة متميزة بندرتها، تجعل منها بدعة مستهجَنة كما لاحظ كثير من المفكرين الليبراليين العرب، ومنهم عبد الهادي بوطالب. فمثل هذا التنوير الإعلامي العقلي من شأنه أن يقنع لا جموع السُنَّة العرب من أيتام صدام، الذين ساروا بمظاهرات بالأمس في شوارع تكريت رافعين صور الديكتاتور المخلوع، ولكن هذا التنوير الإعلامي سيقنع أشراف السُنَّة العرب الأحرار من الناخبين العراقيين – وما أكثرهم – للتصويت للدستور الذي هو لهم ولابنائهم وأحفادهم، وليس لمن عارضوه ورفضوه معارضة ألواح الخشب الذي نخرها السوس لبزوغ الفجر، ورفض الحصى لتدفق النهر. وعدم تفويت الفرصة الأخيرة لمشاركتهم في بناء العراق الجديد، كما سبق وفوّتوها في الانتخابات التشريعية في نهاية يناير الماضي، لاحداث فراغ سياسي سُنّي متعمد في العراق بتشجيع من دول الجوار، وأقصوا أنفسهم بأنفسهم عن عملية البناء السياسي للعراق، ولم يتم اقصاءهم من أحد، كما يدّعي الكتّاب العرب والعجم، وعلى رأسهم الكاتب الأمريكي ديفيد فيلبس (هل سيقود الدستور العراقي إلى حرب أهلية؟ واشنطن بوست، ولوس انجلوس تايمز)

-5-

فلماذا نصرُّ على منتصف اكتوبر لطرح الدستور للاستفتاء، دون أن نترك للشعب العراقي الفرصة الكافية والزمن اللازم لقراءة هذا الدستور، والتمعن في مواده، وفهم مضمونه، كما حصل في عدة دول متقدمة، ومنها المانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وهذا كله مما يستدعي وقتاً أطول من الموعد المحدد، وهو منتصف اكتوبر القادم.

ولماذا موعد منتصف اكتوبر الضيق والقصير للاستفتاء على الدستور، والعراق انتظر عقوداً وعقوداً دون دستور ديمقراطي؟

فهل كان منتصف اكتوبر موعداً مكتوباً في اللوح المحفوظ؟

أم أن منتصف اكتوبر هو ليلة القدر العراقية؟

أم أن في منتصف اكتوبر ستقترب الساعة وينشق القمر؟

-6-

السُنَّة العرب العراقيون من أيتام صدام (لا تتجاوز نسبتهم 5٪ من سكان العراق) سوف يقترعون غداً، ضد الدستور، كما أعلن دهاقنتهم وكهنتهم، من على المنابر والفضائيات.

فليكن ذلك.

فلا يوجد دستور في العالم تمَّ الاقتراع عليه بالإيجاب من قبل الشعب كله. فلكل شعب خوارجه. ولكل زمان خوارجه. والسُنَّة العرب من أيتام صدام، هم خوارج العراق الآن، ولكن بلا فلسفة، وبلا خطاب سياسي أو ثقافي، غير خطاب الموت والدمار، وعودة "الديكتاتور المنتظر".

فليكن.

وأنظروا ماذا فعل الأوروبيون (أرقى شعوب الأرض) بالدستور الأوروبي الموحد؟

ليبقَ السُنَّة العرب من أيتام صدام بدون دستور، وبدون ديمقراطية، وبدون حرية، ويحلمون بعودة "الديكتاتور المنتظر". ولكن عليهم أن لا يرفعوا عقيرتهم بالصراخ غداً، والقول انهم معزولون، ولا دور لهم في بناء العراق الجديد.

فما عُزِلوا، ولكن كانوا لأنفسهم عازلين.

وليتذكر السُنَّة العرب من أيتام صدام جيداً ، أنه لم يكن بمقدورهم على الاطلاق، أن يعترضوا على الدستور، أو على أي قرار كان بهذه الحرية، وبهذه الصراحة، وبالقيام بالمظاهرات ضده، لو أن الديكتاتور المخلوع ما زال يحكم العراق حتى الآن. فكان مصير مثل هؤلاء المعترضين المقابر الجماعية، وليس شاشات الفضائيات.

وهذا هو العراق الجديد، يمنح الحرية للجميع، وحتى للناكرين لها، والهاربين منها، والحاقدين عليها، والحارقين لأعلامها الخفّاقة.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السُنَّة والفيدرالية والدستور العراقي
- مكاييل الأردنيين شارعاً وإعلاماً
- عندما يرفضُ الملكُ مصافحةَ رعاياه!
- ما هو مستقبل الهاشميين في الأردن؟
- هل سيصبح الأردن النموذج الديمقراطي العربي؟
- ثقوب في -الشورت- الديمقراطي الأردني
- لماذا لم يُفتِ أحد بقتل ابن لادن حتى الآن؟
- الدستور العراقي ومسؤولية الليبراليين
- وباء الديكتاتوريات يلتهم المليارات
- كيف سيثأر العرب لقتلاهم؟
- كفى ضحكاً على ذقون الفلسطينيين
- العرب وصمت القبور !
- هل يريد الأصوليون حقاً قتل القمني، ولماذا؟
- سيّد القمني: بئس المفكر الجبان أنت!
- الليبراليون الجُدد أبناء المستقبل
- ذوقوا عذاب الإرهاب الذي كنتم به تستضيفون
- هل دُودَنا مِن خَلِّنا، أَمْ مِن خَلِّ الآخرين؟!
- -الإخوان الموحدون-، بدلاً من -الإخوان المسلمين-
- هل ستبقى المرأةُ السعوديةُ مُكرّسةً للعَلَف والخَلَف فقط؟!
- -الزلفيون- والمسألة النسوية السعودية


المزيد.....




- تحويل الرحلات القادمة إلى مطار دبي مؤقتًا بعد تعليق العمليات ...
- مجلة فورين بوليسي تستعرض ثلاث طرق يمكن لإسرائيل من خلالها ال ...
- محققون أمميون يتهمون إسرائيل -بعرقلة- الوصول إلى ضحايا هجوم ...
- الرئيس الإيراني: أقل عمل ضد مصالح إيران سيقابل برد هائل وواس ...
- RT ترصد الدمار في جامعة الأقصى بغزة
- زيلنسكي: أوكرانيا لم تعد تملك صواريخ للدفاع عن محطة أساسية ل ...
- زخاروفا تعليقا على قانون التعبئة الأوكراني: زيلينسكي سيبيد ا ...
- -حزب الله- يشن عمليات بمسيرات انقضاضية وصواريخ مختلفة وأسلحة ...
- تحذير هام من ظاهرة تضرب مصر خلال ساعات وتهدد الصحة
- الدنمارك تعلن أنها ستغلق سفارتها في العراق


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - النوابُ اليومَ والشعبُ غداً