أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بيرم ناجي - الجبهة الشعبية التونسية، الدورة الثانية من الرئاسية و الحكومة المقبلة: وجهة نظر.















المزيد.....



الجبهة الشعبية التونسية، الدورة الثانية من الرئاسية و الحكومة المقبلة: وجهة نظر.


بيرم ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 4648 - 2014 / 11 / 30 - 09:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة:

1-

نظرا لما أسفرت عنه نتائج الانتخابات التشريعية و الدور الأول من الرئاسية من استقطاب ثنائي ،غير محسوم مؤقتا، من ناحية و من تأكيد لمكانة الجبهة الشعبية كقوة ثالثة من ناحية ثانية فانه يمكن القول ان الجبهة اكتسبت مكانة هامة جدا في الساحة السياسية –اذ يمكنها مثلا المساهمة في حسم الوضع لصالح قوة ضد أخرى- و لكنها مكانة خطيرة جدا عليها كجبهة قد تهدد مصيرها و بالتالي مصير كل من آمن معها بضرب الاستقطاب و اجتراح طريق ثالثة أخرى لتونس.

2-

ان الجبهة قد تكون اليوم تعيش أعقد مرحلة من تاريخها القصير و انني أعتقد ان أهم الأسباب التي تهدد وجودها نفسه هو الاضطرار الى التفكير و السلوك وسط تناقضات خارجية ووطنية و جبهوية في نفس الوقت. و لهذا أعتقد انه من الضروري التفكير جيدا في مجمل تلك التناقضات الثلاثة للخروج من الوضعية المعقدة لصالح الشعب أولا و لصالح الجبهة ثانيا.

3-

و انني أنبه منذ البداية انه لا بد من التفكير لصالح الشعب قبل صالح الجبهة نفسها – بوصفها تنظيما موحدا مع ان هذا لا يناقض ذلك بالضرورة - ان لزم الأمر لأن ما يخسره الشعب اسوأ مما قد تخسره الجبهة ...ان لزم الأمر مرة أخرى... طالما كان هدفنا من تأسيس الجبهة خدمة الشعب و ليس خدمة أنفسنا و مصالحنا الجبهوية الخاصة و طالما حرصنا دائما ألا يحصل تناقض بين الهدفين .و لكن هذا سيكون مرهونا بالطريقة التي نفكر و نسلك بها الآن ، خاصة اذا فكرنا بأدوات بسيطة لحل واقع معقد و مركب أيما تركيب في حين انه علينا و يمكننا محاولة التفكير و السلوك بطريقة مركبة و هو هدفي من هذا المقال.

4-
ان التفكير بطريقة مركبة يتطلب أمرين الآن: أ- الوعي بالمرحلة التي وصلت اليها تونس و –ب- النظر في التناقضات الثلاثة الدولية و الوطنية و الجبهوية الداخلية التي وصلنا اليها. و ج : تقييم مشاريع المتنافسين على الحكم رئاسة و حكومة . وبالتفاعل مع ذلك يمكننا اتخاذ القرار التكتيكي الأقل ضررا ، كي لا أدعي القول انه ،وربما الأسلم للشعب و الجبهة في نفس الوقت.

أولا: الوضع في تونس.

5-

انتقلت تونس من ذهنية /وضعية الانتفاضة-الثورة الى ذهنية /وضعية الانقاذ و هي تستعد الى - و يجب أن تنجح في- الانتقال الى ذهنية ووضعية الاستقرار الديمقراطي ولكن... الديمقراطي الوطني و الاجتماعي ...كما نريد و كما سنحاول... حسب موازين القوى. و هنا توجد ثنائيات / مغالطات يجب الوقوف عندها كثيرا للخروج من المأزق.

6-

عرفت تونس الى حدود اعتصام القصبة الثانية المد الانتفاضي/ الثوري الذي كلل باستقالة حكومة محمد الغنوشي و حل التجمع و مجلس النواب و مجلس المستشارين و الدعوة الى انتخاب مجلس تاسيسي... مع ذلك تشكلت حكومة الباجي قايد السبسي المؤقتة ورضيت كل الأطراف بالرئاسة المؤقتة لفؤاد المبزع وقاية من الفراغ الدستوري و رغبة في حسم الأمور سلميا و انتخابيا. بهذه المرحلة انتهى المد الانتفاضي الثوري عموما و ان عقبته تحركات اجتماعية كبرى و لكنها لم تكن انتفاضية- ثورية جذرية.

7-

بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 ووصول النهضة/ الترويكا الى الحكم عرفت تونس مرحلة جديدة تمثلت في الاتجاه نحو نموذج جديد حاول السيطرة باتجاه اسلاموي و لكنه عجز عن ذلك بفعل موازين قوى داخلية و خارجية. لكن المهم فيه هم سحب البلاد الى منطق "الانقاذ الوطني" بدل الانتفاض-الثورة. ان وصول النهضة الى الحكم و تهديدها ما أصبح يسمى " النموذج التونسي" و " الدولة الحديثة" – خاصة جناحها المتطرف و السلفيون و حزب التحرير- و صمت المرزوقي / حزب المؤتمر و بن جعفر/ حزب التكتل عن ذلك و تطور الارهاب و الأزمة الاقتصادية ، الخ . كلها عوامل أدت الى التراجع من المنطق الانتفاضي/ الثوري الى المنطق الانقاذي خاصة بعد استشهاد شكري بلعيد – محمد البراهمي من ناحية و رسكلة النهضة لعدد كبير من التجمعيين من ناحية ثانية مما فتح الباب لتطور قوة نداء تونس من ناحية مقابلة و مما أجبر الجبهة الشعبية على الدخول في "جبهة الانقاذ " كتقاطع تكتيكي مؤقت من ناحية أخرى.

8-

ان هذه الأوضاع التي تسببت فيها النهضة التي لم تقطع مع نزعتها الاسلاموية التقليدية و احتمت فيها بمحور دولي قطري- تركي مسنود ببعض الدوائر الأمريكية و غيرها هي التي دفعت البلاد الى أزمة عميقة اقتصادية و أمنية تحولت الى أزمة مجتمع و دولة مما أدى الى الاطاحة بالترويكا و تعويضها بحكومة انقاذ مستقلة- حكومة المهدي جمعة - في نفس الوقت الذي أعطت فيه كل الشروط الضرورية لاستقواء نداء تونس ذي الجذور الدستورية – التجمعية و المسنود بدوره عالميا و تحقيقه الآن للنتائج التي نعرفها في التشريعية و الدورة الأولى من الرئاسية.

9-
ان ما وقع اذن هو ان عدم وصول اليسار و الوسط الى السلطة عبر الانتخابات التاسيسية و سيطرة الاسلاميين – كيمين محافظ- استدعى قوة كبرى مضادة ساهمت النهضة في أن تكون نداء تونس تحديدا بسياساتها العامة من ناحية – و خاصة ترددها في اتخاذ كل اجراء ثوري – و فتحها أبواب سلطتها و حزبها لعدد من التجمعيين .و قد ساعد على ذلك الوسط الموجود في الترويكا و الوسط الذي راهن على نداء تونس الى أخر لحظة . وكان ذلك يخدم النظام العالمي الذي هدف الى منع الثورة التونسية من التجذر و ابقائها عند مربع الصراع حول "النموذج المجتمعي" الموروث و "هيبة الدولة" و لقمة العيش و الأمن و الحريات الشخصية و غيرها.
بعبارة أخرى: ان التطرف اليميني للنهضة و ضعف الوسط و تذيله هو الذي فتح الباب الى اليمين المتجدد " ليبيراليا" ليعود بقوة و اضطر اليسار الضعيف و المشتت رغم نضاليته نفسه الى سلوك "الانقاذ" بسبب المخاطر الحقيقية التي أصبحت تهدد المجتمع و الدولة.

10-

ان نتائج الانتخابات التشريعية و الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية الحالية لم تقلب المعادلة جذريا بل عدلتها فقط و ان انتقلت السلطة الحكومية الى نداء تونس و حصل هذا الأخير على المرتبة الأولى في الانتخابات الرئاسية في انتظار الحسم في الدورة الثانية.
و لكن بعض المؤشرات مهمة جدا لتصور العلاقات المحتملة بين النهضة و نداء تونس في السنوات المقبلة أهمها: عدم تمرير السن القصوى في الترشح الى الرئاسة مما مكن الباجي قايد السبسي من الترشح. اشتراط موافقة المجلس النيابي بالثلثين على مجموعة من القوانين مما يعني ضرورة تعايش كتلتي النهضة و النداء. القبول بدور الرباعي في "تفسير " فصول الدستور مما يعني الاستعداد للتعايش و " المعاضدة" و عدم ترشيح النهضة لمرشح خاص بها و بحثها عن رئيس توافقي و التصريحات الأخيرة من الطرفين و المغازلة المتبادلة بينهما، الخ. و في المستوى الدولي تكفي عودة العلاقات بين قطر و مجلس التعاون الخليجي للاشارة الى تغيير ما بصدد الحدوث و هو قد – و قد يكون ذلك مؤقتا لا غير- يسند " التوازن" التونسي و التعايش بين النهضة و النداء. و في هذا الاطار تصبح مساندة النهضة للمرزوقي من باب "تحسين شروط التفاوض" مع النداء لا غير بقطع النظر عما يريده هو كمترشح و ما قد يقترفه من حماقات هو وأنصاره و المتطرفين داخل النهضة و من السلفيين و روابط " حماية الثورة" ..و أخطرها على الاطلاق التجييش الجهوي جنوب/ شمال . لكن في المقابل توجد أجنحة في نداء تونس و أخرى خارجه من الدستوريين و التجمعيين يمكن أن يفعلوا نفس ما تفعله العناصر المتطرفة من النهضة و الاسلاميين و المؤتمريين الآخرين. هذا طبعا قد تكون له أيضا علاقات بمحاور أو أجنحة دولية متطرفة قد تفكر حتى في احتمال ادخال البلاد في نزاع جهوي أو حرب أهلية خدمة لمصالحها و ربما عينها على تحريك الجزائرمثلا، الخ.

11-

المهم الآن اذن هو العمل على تحقيق الاستقرار الديمقراطي حتى ننتقل ديوقراطيا الى مرحلة المؤسسات المستقرة الدائمة بعيدا عن البديل الاسلاموي وعن العودة الى الاستبداد البورقيبي – التجمعي من ناحية و بعيدا عن احتمال الانهيار الاقتصادي و الأمني او الفراغ الدستوري من ناحية ثانية و لكن بأكثر ما يمكن من الوطنية و الديمقراطية و الشعبية في الدولة الديمقراطية ...و هنا يأتي دور الجبهة الشعبية الأول و الأساسي.

ثانيا : التناقضات الحالية و محاولة فهمها المركب.

12-

سوف أتناول هذه التناقضات كما تظهر في الخطاب السياسي الحالى للمتصارعين و أنصارهما و في خطاب الجبهة نفسها و أحاول تنسيبها تركيبيا و أتناول طبيعة المتصارعين على الحكم لأخلص الى ما أرى انه يجب فعله في الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية و تشكيل الحكومة.و لكن للوعي بذلك أعتبر انه من المهم التذكير بثلاثة أمور:
ألأول : هو ان ثورة وقعت في البلاد هي الى حد الآن ثورة سياسية حققت الحرية السياسية و فتحت أفقا جديدا للتطور في ضوء مكسب الدستور الذي تحقق بالنضال و التضحيات.
الثاني : هو ان النهضة هزمت بالشارع أولا ثم هزمت انتخابيا ثانيا و لكن الصاعد هو "نداء تونس" ومن المهم الوعي بذلك حتى لا نحلل مجرد تحليل نظري أو بمقولات " جبهة الانقاذ" السابقة التي حققت أهدافها الأساسية .
الثالث : هو ان كل من نداء تونس و النهضة يعيشان مرحلة انتقالية حتمتها التغيرات التونسية و الدولية و لم تحتمها قناعات نظرية و سياسية و لم تنجزها أجيال سياسية جديدة داخلهما بل ان الوجوه القديمة هي التي لا تزال تتحكم في المشهد مما يجعله غير مستقر و يتطلب كل الحذر اللازم.

13-

ان الصراع بين القطبين في تونس اليوم لا يدور بين الثورة و الثورة المضادة اذ لا هذا القطب و لا ذلك يمثل الثورة. ان وصول الاسلاميين الى السلطة لم يعن انتصار الثورة و ان وصول نداء تونس الى السلطة لن يعنيه ايضا. ان قوى الثورة - بالنظر الى شعاراتها و المشاركين فيها - انهزمت انتخابيا بالنتائج الضعيفة التي حققتها الجبهة الشعبية و قوى أخرى ديمقراطية و تقدمية و مستقلة و بذوبان الوسط التونسي أو التحاقه بأحد القطبين. ان القطبين الحاليين هما شكلان معدلان نسبيا من اليمين السياسي المحافظ الديني و المدني. اليمين السياسي الديني يبحث عن المحافظة الدينية و اليمين السياسي المدني يبحث عن " هيبة الدولة" و كلا هما مضطر مؤقتا الى لعب لعبة الديمقراطية بسبب موازين القوى المحلية و الدولية و كلا هما يتقاطع مع النظام العالمي و لكن كل حسب محوره الخاص. و يمكن القول ان النهضة قد مثلت، بمعنى ما، ثورة مضادة حاولت تغيير وجهة التاريخ التونسي و لكنها فشلت مما سمح لثورة مضادة أخرى، بمعنى ما، من التأقلم و العودة في ثوب جديد و لكن الأولى و الثانية مضطرتان للعب الدور ضمن الاطار الديمقراطي الشكلي مؤقتا و لكن دون مراجعات نظرية سياسية حقيقية تبشر بل برواسب كبيرة و قوية تهدد المسار بكامله خاصة لو تدخلت قوى دولية.
على سبيل المثال: لو عاد اقصى اليمين الجمهوري الأمريكي الى السلطة و قرر التدخل في المنطقة و في تونس تحديدا فان كل المعادلات قد تنقلب تماما الا اذا أثبت الشعب التونسي قوة جبارة في التصدي لذلك و هذا قد يتطلب مواقف استثنائية من النهضة و النداء لا ننتظرها منهما ...الى حد الآن.

14-

كما ان الصراع بين القطبين لم يعد بين الليبيرالية الديمقراطية و الفاشية أو غيرها من التصنيفات. ان الاسلاميين قبلوا – ولو دون مراجعات نظرية كبرى و مضطرين بفعل موازين القوى- باللعبة الديمقراطية مؤقتا و في المقابل فان نداء تونس ليس بالقوة الديمقراطية الليبيرالية الطبيعية و لا المتجانسة بل هو عرف منذ أشهر عودة كبيرة للدستوريين و التجمعيين و داخله احتمالات كبيرة نحو التسلط اليميني الذي لا علاقة له بالليبيرالية و الديمقراطية حاليا على الأقل. و ان العناصر و المجموعات اليمينية الكبرى داخل النداء بامكانها افتكاك الحزب عند أول مؤتمر ديمقراطي داخله لأنها الأغلبية القاعدية التجمعية الساحقة التي تعززت مؤخرا بعودة و مساندة رموز التجمع مما ينذر باحتمالات عديدة في تطور الحزب لا حقا و يخيف من فقدانه أجنحته الأقرب الى الديمقراطية. و هو مسار لم ينته وقابل للا نتكاس مثلما مسار قبول النهضة بالديمقراطية قابل للانتكاس بدوره حسب موقع الأجنحة داخلها و موازين القوى الدولية.

15-

كما ان الصراع لا يتم بين الدولة و اللادولة كما يحاول البعض تقديمه - لصالح نداء تونس- بل هو صراع على الدولة و ان استعمل قوى خارج الدولة – أو داخلها- للضغط.
ان النهضة تصارع نداء تونس على السلطة للامساك بالدولة. و قد تساهلت مع قوى خارج السلطة من مجموعات سلفية و ما يسمى باطلا " روابط حماية الثورة " للضغط على "الدولة العميقة" من ناحية و على المجتمعين السياسي و المدني المعارضين من ناحية ثانية .و ان انتصار الدولة و المجتمع المؤقت في الحد من تأثير هذه المكونات لا يعني زوال الخطر و لكنه في المقابل استدعى عقلية " هيبة الدولة" التي جربها الشعب مع السبسي الذي "لا يحكم معه أحد" و قد تؤدي الى التسلط و الاستبداد بحجة المحافظة على تلك الهيبة.
انه من الممكن القول " ان ستين سنة من حكم جائر خير من ليلة واحدة دون سلطان" لمساندة هيبة الدولة الندائية على حساب " اللادولة" النهضاوية و لكن مثل هذا الخطاب فيه مبالغة مقصودة من ناحية باسم الديمقراطية- على الطريقة الاسلامية- والثورة - على طريقة روابط حماية الثورة- و من ناحية ثانية باسم " هيبة الدولة" على الطريقة البورقيبية التجمعية التي لا تتردد في تحويل أجهزة الأمن الى أجهزة فوق الدولة و القانون لممارسة السلطة. وان المطروح هو النضال ضد التطرفين معا لأنهما يؤديان الى الاستبداد و ان بطرق مختلفة و كل واحد منهما يستدعي الآخر للتخويف منه لصالح قوة على حساب الأخرى اما "ندائيا" متناسيا ان الدولة قائمة و لا تزال قوية و اما "نهضويا" متناسيا ان الديمقراطية ليست خارج الدولة بل داخلها و هو ما تخاف منه النهضة خوفها من الأمن و الجيش غير المضمونين .

16-

كما ان الصراع ليس بين الدولة الوطنية و ما قبل الدولة الوطنية – أو بين الدولة الوطنية و الدولة العميلة .ان الصراع هو على الدولة الوطنية و لكن انطلاقا من تصورين مختلفين نسبيا واحد اسلاموي و الآخر حداثوي و كلاهما قد يصبح متسلطا بل و مستبدا لو ضعفت المعارضة الداخلية وساندته قوى اجنبية. ان مديح بورقيبة من قبل طرف و مساندة قطر لطرف ثان يكفي وحده لمعرفة مآلات الدولة لو سيطر احدهما عليها بشكل كبير. ان ذلك يرجع تونس الى مفهوم تسلطي عن الدولة الوطنية او يجعلها تحتذي النموذج الخليجي سياسيا . و رغم ان الفارق لصالح نداء تونس هنا الا ان المقارنة ليست نظرية بل يجب أن تكون واقعية حالية من ناحية و أن تكون في ضوء ثورة 14 جانفي من ناحية ثانية . اننا لا نفكر الا من زاوية ما فتحته من امكانيات التطور الديمقراطي السياسي الذي يفترض أن يقطع مع كل تسلط و استبداد و لا يرهن الاختيار بين السيء و الأسوأ طالما هنالك ضمان دستوري و آخر سياسي و مدني لا يزال قادرا على الدفاع عن مطالب الثورة.
لو اننا كنا أمام وضعية كارثية كما كدنا نتدحرج اليها عندما اضطررنا الى "جبهة الانقاذ" لكان الوضع آخر و لكن النهضة انهزمت و التعادل حاصل نسبيا و من المهم المراهنة على أمل ثالث الآن قبل فوات الأوان ربما.أما عن مسألة الدولة الوطنية مقابل الدولة التابعة فلا نعتقد اليوم انه توجد اختلافات كبرى بين النداء و النهضة الا في خصوص التقاطعات مع محاور دولية مختلفة لا غير. و يبدو ان الاستقطاب الأمريكي الأوروبي يلعب دوره هنا من خلال وكلاء في حالة - قطر و تركيا- و دونه في حالة ثانية. وعموما لا توجد اختلافات كبرى في العلاقة بالبنوك و المؤسسات المالية الدولية تقريبا.

17-

أما عن المقارنة بين النزعة التقليدية الاسلاموية و الحداثية الندائية ، ورغم وزن هذه الثنائيات جزئيا، فانه يمكن قول ما يلي: ان الدستور حسم المسألة مؤقتا لصالح الديمقراطية و الحداثة و دفع النهضة و النداء معا الى الاقتراب منهما و لكن دون ضمانات واقعية سيكون المحدد فيها الشعب و قواه السياسية و المدنية فان هذين الاقترابين سيكونان ضعيفين لأنهما حصلا دون مراجعات فكرية -و خاصة بشرية لأن نفس الشخوص القديمة هم الفاعلون الآن- و بسبب موازين قوى ضاغطة لم يخترها الطرفان و قد يتراجعان عنها لو تمكن أي منهما بسلطة كبرى. و من المهم الآن بسبب الفرصة التاريخية المراهنة على الوقاية المزدوجة من المحافظة الاسلاموية و التسلط الحداثي في نفس الوقت.

18-

باختصار ، من أجل الانطلاق، يمكن البدء من خلال التعبير المكثف الذي تشير اليه عبارتا " التغول" و " التعطيل" المستعملتين اليوم خوفا من تغول نداء تونس في السلطة بسيطرته على كل السلطات و من تعطيل المنصف المرزوقي لعمل أجهزة الدولة برفضه التعامل مع الحكومة الندائية في صورة فوزه بالرئاسة.
من المهم المقارنة بين التغول و التعطيل من زاوية مصلحة البلاد و خاصة من زاوية قدرة الشعب على الحد من الخطرين الممكنين. من المهم توضيح الآتي: ان الصراع الشعبي ضد التغول المحتمل أسهل برأيي من امكان النضال ضد التعطيل. انه من الأسهل النضال ضد ميل نداء تونس الى التسلط من خلال البرلمان و الشارع و ايقاف الميولات الى الاستبداد مقارنة بشبه انعدام امكانية النضال ضد ميل المرزوقي الى تعطيل التنسيق بين الرئيس و الحكومة لأنه من الصعب جدا اجبار شخص على فعل شيء ما مقارنة بمنع شخص من فعل شيء آخر. بمعنى انه سيصعب كثيرا اجبار المرزوقي على امضاء قوانين أو على الموافقة على وزير يعين في الدفاع أو الخارجية مثلا مقارنة بالنضال من أجل تعطيل مفعول من يعينه نداء تونس في نفس المنصب. في الحالة الأولى سيكون النضال ضد شخص أثبت انه قادر على أي فعل أرعن و سيكون من المستحيل تقريبا اجباره على امضاء ورقة أو قرار بينما في الحالة الثانية سيكون أسهل النضال ضد سياسة من يعينه النداء في نفس المنصب و اجباره على عدم تنفيذها بالنضال البرلماني و الشعبي.
و رغم انه يبدو ان احتمال التعديل بين الطرفين صعب جدا ظاهريا ،خاصة بعد ما ظهر في الأيام الأخيرة. ولكن سياسة النهضة المجبرة على المرونة و سياسة نداء تونس المجبر على قبول " المعاضدة" التي كان يلوح هو بها قد تحيل الى وجود وضعية مركبة فعلية وراء استعار الخطاب الانتخابي الحالي. لكن وجود المرزوقي في الوسط بعدما خسر كل شيء في الانتخابات التشريعية سيجعله قادرا على ارتكاب أي شيء للي عنق نداء تونس و لجر النهضة الى مناطق نزال لن تستطيع مجاراته في الذهاب اليها لأن لها اعتبارات حزبية خاصة و جماهير شعبية مساندة و اعتبارات دولية ضاغطة مما سيؤدي الى أحد أمرين: اما انه سيتحول الى دمية تحركها النهضة كما تريد بشكل تام –مما سيفقد الرئاسة أي قيمة- و اما انه سيهرب الى الأمام ضد النهضة نفسها و لكن بالقفز في الفراغ طالما لا وزن له في البرلمان و لا لحزبه في الشارع و هنا خطر كبير على الرئاسة و على الشعب والدولة.
ان هذه المقارنة قد تدفع البعض – عن حق- الى تفضيل مساندة السبسي في الرئاسة على حساب المرزوقي و لكن المسألة لا تقف هنا اذ لا بد من تحليل الصراع الاستقطابي بكامله.

19-

ان احتمال "التغول" الوارد فعليا كان سيكون أفضل للبلاد من " التعطيل" و دون تردد في الحكم عليه لو أن نداء تونس كان قد حسم أمر تحوله الى حزب ديمقراطي تم اختباره من خلال الممارسة الطويلة و من خلال تغير القواعد و القيادة و العقليات و غيرها. ولكن هذا لا يتوفر الآن بل ان عكسه متوفر أكثر نظرا لقوة القاعدة التجمعية و تأثير التجمعيين المالي و عودة رموز التجمع و مساندتهم و اختصار الحزب في زعيمه و عدم القدرة على انجاز مؤتمر حزبي و غيره.

20-

ان احتمال " التعطيل " الوارد فعليا كان سيكون افضل للبلاد لو أن المرزوقي ليس هو المرزوقي الذي نعرفه كسجين محبسين "محبس النهضة في الداخل و محبس قطر في الخارج". واذا أضفنا صفاته الشخصية – التي بالمبناسبة قد لا تكون أسوأ من صفات السبسي الشخصية و لكن المسألة سياسية-سياسية و ليست شخصية صرفا- و تفاعلها مع السياسية سيكون كارثيا. لو كان المرزوقي وفيا لمبادئه العروبية الحقوقية الديمقراطية العلمانية كما يقدم نفسه ما كنا وصلنا أصلا الى ما وصلنا اليه. ان المسألة مع المرزوقي كفت عن كونها مسألة تقييم نظرية حزبية سياسية وأصبحت ،مع الأسف، مسألة تقييم حجم التناقضات بين الخطاب و الممارسة في سياسة و شخص المرزوقي و هو ما أدى الى تدمير حزبه وأنصاره. ان التعطيل قد يحدث فعلا بسبب الصراع حول منصبي وزيري الدفاع و الخارجية و الهيئات التعديلة و عبر رفض المصادقة على القوانين و غيرها و هو ما قد يهدد البلاد فعلا بفراغ دستوري أو بتصعيد التوتر الى أقصاه .

21-

في حالة انتخاب المرزوقي فان النهضة هي التي ستتحكم لوحدها في مسارات التغول و التعطيل في نفس الوقت بما انها صاحبة ثاني أكبر كتلة برلمانية و رئيس جمهورية – سيكون المرزوقي- و بهذا سنهرب من الرمضاء الى النار.اما اقتتال النهضة – المرزوقي و النداء أو اتفاق النهضة و النداء على حساب الرزوقي اذا اراد هو توريط النهضة في ما لا تريده أو لا تستطيعه و في الحالتين فان الكارثة ستكون محدقة لأن كل العلاقات بين الحكومة و مجلس النواب و الرئاسة ستتأثر.

22-

في حالة انتخاب السبسي فان التغول قد يصبح بدوره خطرا على البلاد ليس فقط لأن نداء تونس سيمسك بالسلط الثلاث بل لأنه لا شيء يضمن كيف سيتصرف مع النهضة خاصة و انه داخل و حول نداء تونس من لا يزال يحمل عقلية حزبي الدستور- التجمع في اقصاء النهضة و الاسلاميين نهائيا من الحكم و من السياسة أصلا - بما في ذلك بعض المثقفين المهووسين من الاسلام السياسي و الاسلام عموما- ولا يقبلون اليسار الا كمناضل ضد الاسلاميين و لكنهم هم أيضا قد يهددونه بالمشانق لو تمكنوا .
من ناحية ثانية هنالك احتمال "المعاضدة" الندائية- النهضاوية الممكنة التحقق اذا لم تسيطر الأجنحة المتطرفة في كليهما و اذا أتتهما تعليمات دولية. في هذه الحالة فان مساندة السبسي سوف لن تكون سوى مساعدة له على تحسين شروطه في التفاوض مع النهضة مثلما مساندة المرزوقي سوف لن تكون سوى مساعدة للنهضة في تحسين شروط تفاوضها مع النداء. ان قوة الكتلة النيابية للنهضة و تكتيكها الساعي الى اللعب مع الديمقراطية ولو لوقت طويل و الضغوطات الدولية من بعض الأطراف ليست في صالحها جزئيا و هذا قد يدفعها حتى الى التضحية بالمرزوقي لخطب ود النداء. و ان التصويت للسبسي في هذه الحالة سوف يكون أما هدية مجانية دون مقابل و خطأ تاما في كل الحالات لأنه لا توجد أية ضمانات -الا الشعبية و النضالية- ضد تغوله أو ضد " تعاضده" مع النهضة.

23-

ان مساندة الجبهة الشعبية لأي من المترشحين سوف تكون اما مساندة للتغول وأما للتعطيل أو "للمعاضدة" الندائية- النهضاوية و ستكون الجبهة العصا التي سيحاول كل منهما ضرب خصمه به أو الورقة التي تستعمل لتحسين شروط التفاوض بينهما اذ على الأرجح ان النداء لن يستطيع الحكم الا بتعايش من نوع ما مع النهضة لأن قوانين عديدة تتطلب الثلثين في المجلس النيابي لإصدارها ثم مصادقة الرئيس عليها. و في كل الحالات ليس لها و لا للشعب التونسي أية مصلحة في نصرة هذا على ذلك حتى لو أعطيت وعودا حكومية أو برلمانية لأن المهم هو انقاذ البلاد من خلال برنامج و سياسة و طنيين و ديمقراطيين يكونان أكثر ما يمكن في صالح الشعب وليس تحمل مسؤوليات في ظل سيطرة الطرف الآخر على كل المقاليد تقريبا "في الحرب و السلام"- " التغول و التعطيل ".

ثالثا: حول الدورة الثانية من الرئاسية و الحكومة المقبلة:

24-

بناء على هذا أعتقد ان من الأصوب، ولكن السياسة ليست علما صحيحا و لربما لذلك ،تحديدا في الظرف الحالي، على الجبهة اتخاذ المواقف التالية من الانتخابات و الحكومة:
أ-
الانتخابات الرئاسية:

- عدم مساندة اي من المترشحين رسميا و لكن دعوة أعضائها وأنصارها الى المشاركة في الانتخابات و ترك الحرية لهم في التصويت لأي مترشح يريدون أو حتى التصويت بورقة ملغاة لمن يريد منهم تعبيرا عن رفض الاستقطاب و تمايزا عن المقاطعة السلبية في نفس الوقت.
- دعوتهم الى الاستعداد للنضال اللاحق ضد المخاطر السلبية لكل من التغول و التعطيل و "المعاضدة" الممكنين بكل الطرق الديمقراطية التي يضمنها القانون داخل و خارج البرلمان .
ب-
الحكومة:
- عدم المشاركة في الحكومة القادمة بسبب عدم توضح ميولات نداء تونس السياسية بجلاء.
- اعطاء الثقة للحكومة لتجنب الفراغ الحكومي مع الضغط من أجل اعلان بيان حكومي يوضح الخطوط العريضة التي تقطع مع الماضي ما أمكن و تتقدم في اتجاه حل مطالب الشعب سواء تشكلت الحكومة ضد النهضة أو بمساندتها .أما في حالة مشاركتها ( النهضة) فيها فان الحكومة لن تكون بحاجة الى أصواتنا أصلا .
- التعامل مع التعيينات و القوانين و السياسات حسب محتواها و حالة بحالة – مما قد يعني التقاطع مع كل نائب يشاركنا في الموقف مهما كان- و الانتباه الى المطالبة بابعاد غلاة التجمعيين عن المناصب الأساسية.
- التعامل معها من منطلق الجمع بين المعارضة الايجابية و الاحتجاجية حسب ما سيظهر من الممارسة الحكومية دفاعا عن مصالح الشعب.
ج-
رئاسة مجلس النواب
رفض رئاسة مجلس النواب التي تشاع لأنه لن يكون لهذه الرئاسة من معنى في ظل هيمنة كتلة نداء تونس على البرلمان و الحكومة و ربما الرئاسة أو في ظل احتمال "المعاضدة" النهضاوية و ستكون على الأرجح ديكورية صورية لا تتجاوز تنظيم الحوار بين النواب رغم ما فيها من قيمة اعتبارية.

25-

على الجبهة حسب رأيي ألا تتجاوز مؤقتا سياسة التقاطعات دون التحالفات – كما مارسته في "جبهة الانقاذ"- و ذلك لسبب أساسي هو ان القوى السياسية الكبرى في تونس لم توضح بعد بما فيه الكفاية مواقفها من المسائل الكبرى المتعلقة بمطالب الشعب و لم تتطور بعد بشكل واضح في الاتجاه الديمقراطي .
و هنا لا بد من الحذر من المقارنات الخاطئة التي يجريها البعض مع فرنسا مثلا عندما يعلن اليسار مساندته لليمين ضد أقصى اليمين في الدور الثاني.
ان تونس الثورة – الانتقال الديمقراطي ليست فرنسا المستقرة ديمقراطيا و ان ما يفصل أقصى اليمين الفرنسي عن اليمين ليس كمثل ما يفصل النهضة عن النداء و ان اليمين الديمقراطي و و الوطني الفرنسي ليس كنداء تونس في الوطنية و في الديمقراطية مثلما اليسار الفرنسي ليس اليسار التونسي في تشبعه بالديمقراطية.
هناك الخارطة واضحة بين اليمين و الوسط و اليسار و أقصى اليمين و البلد مستقر ديمقراطيا أما نحن ففي مرحلة انتقال و القوى السياسية الأساسية لها ما يربطها بالماضي أكثر مما يربطها بالمستقبل و من عقد الأمل في كل ذلرة تحول نحو المدنية و الديمقراطية و المهم الحذر كل الحذر لأن موازين القوى العامة داخليا و خارجيا هي في صالح الردة الى الوراء أكثر منها في صالح التقدم و لا يجب أن نبارك لأحد مشاريعه "غير الواضحة" و هو الذي قد يكون أقرب من ينقلب عليها لاحقا بما في ذلك عبر الرجوع الى أولى مربعات الانتماء و أكثر أسوء أشكال الممارسة السياسية.

خاتمة:

سيكون على الجبهة ، اضافة الى مهمة المحافظة على وجودها ووحدتها و تطويرهما ، واجب القيام بمهمة شاقة جدا و هي الضغط على الجميع لسحبهم الى مربع الديمقراطية بمضامين وطنية و شعبية ما أمكن حتى لا يتقاتلوا و لا يتحالفوا و لا يتعاضدوا على حساب الشعب .
ان هذا الدور لن يكون بالانحياز لطرف ضد الآخر بل بالتعامل النقدي تجاههم منعا للتغول و التعطيل و التعاضد السيء و لكن كل حسب خصوصية جناحه اليميني المتطرف الذي قد يسحب البلاد الى مربعات تصفية الحسابات و العودة الى الاستبداد و ضرب آمال الشعب في " الشغل و الحرية و الكرامة الوطنية".
علينا نحن أيضا أن نتجاوز ردود الأفعال النفسية و العقلية الكلاسيكية التي كانت ترتبط بحسم مسائل السلطة خارج الانتخابات و بالعنف الثوري. ان النداء و الاسلاميين قوى سياسية أساسية في تونس اليوم وسيكون مهما دفعها بالاتجاه الديقراطي و كسبها - أو اجنحة منها- له . و على الجبهة أن تبين انها أكبر من يدافع عن الديمقراطية و الا تسقط سجينة لاوعي قديم كان يوجه ردود أفعال اليساريين و القوميين و البعثيين العرب باتجاه أشكال أخرى من "التغول" و "التعطيل"- الثورييين- خاصة .
كما عليها أن تناضل ضد كل من يريد منهما تصفية الآخر لأن ذلك لا يهدد فقط بعودة الاستبداد بل باحتمال الحرب الأهلية خاصة اذا دخلت القوى الدولية على الخط. وقد نبه الرفيق شكري ذات يوم كيف ان الثورة سلمية و ديمقراطية و كيف ان العنف لا يخدم الا الرجعية ،الخ.
ان بعض من يتحمس لمساندة الباجي قايد السبسي من المناضلين الجبهاويين يعبرون أحيانا عن وعي او دونه عن رغبة يشتركون فيها مع بعض مثقفي نداء تونس المهووسين بالتصفية النهائية للاسلام السياسي. ان هذه الرغبة قد تصبح كارثية على الجميع دون استثناء و هي الآن لا تساعد سوى الجناح المتطرف من نداء تونس على اعتماد الأسلوب الأمني المتسلط في مقاومة التطرف الاسلاموي و لا تخدم لا اليسار و لا الشعب و لا تترك أية فرصة لتطور اسلام تونسي ديقراطي ممكن التحقق و قد تظهر داخله تيارات اسلام تقدمي حقيقي.
ان استسهال تعميم ووصف الاسلام السياسي بالعمالة و الرجعية و التطرف في حين انه طيف عام يمكن ان تحدث داخله تمايزات بالاتجاه الديقراطي مثلما تحدث في كل التيارات السياسية- الدينية في العالم مصدره اما تصور متطرف عن الدين عموما واما عن الاسلام خصوصا . وفي الحالتين هنالك خطأ فكري و سياسي كبير يقترف في حق السياسة و في حق الدين في نفس الوقت.
و انه من الغريب أن نجد يساريين تونسيين يمدحون شافيز و اليسار الأمريكي اللاتيني الذي له رؤية أخرى تماما من المسألة الدينية ساهم فيها "لاهوت التحرير"مثلا . كما انه من الغريب تعاطف كثير من اليساريين التونسيين مع "حزب الله" اللبناني ضد الاسلام السياسي السني على قاعدة النزعة الوطنية لحزب الله في حين انه من الاسلام السياسي أيضا- و لكن الشيعي لا غير- و هو ما يناقض فكرة عمالة الاسلام السياسي عموما و يشير الى عقدة جلد الذات السنية التاريخية التي سببها كون أغلب حركات الاحتجاج الشعبي التاريخية كانت ضد الحكم السني من قبل حركات شيعية اسماعيلية أو غيرها.
أعتقد انه آن الأوان لاعادة التفكير في السياسة عموما بالنسبة الى اليسار التونسي و بالتالي في السياسة الدينية وحول الاسلام السياسي خصوصا دون تنازل في الدفاع عن التقدم و الحرية و العدالة و لكن من منظور جديد علينا أن نبدأ في تربيته و خاصة عند شيوخنا الذين تقولبوا وفق عقليات و نفسيات زمن " الحرب الباردة" و شبابنا الرائع المتحمس و لكن الذي تنقصه الرؤية و التجربة كثيرا .
انها واحدة من المداخل الضرورية لفهم الاسلام السياسي و الاقتراب من الشباب الاسلامي بكل أطيافه لفهمه و اقناعه بالمراجعة و التقدم على قاعدة التعايش الديمقراطي "بقطع النظر" عن الاختلاف في البدائل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و خاصة عن العقيدة التي يجب ابعادها أكثر ما يمكن عن الصراع السياسي.
و لكن ذلك سيكون مستحيلا اذا عارضنا عقيدة بايديولوجيا هي نفسها عقائدية و ممارسة سياسية هي نفسها متطرفة: في هذه الحالة و في مجتمعاتنا ستنتصر الايديولوجيات و الاستبدادات المقدسة أو سيدخل المجتمع في حروب طاحنة لن تبقي و لن تذر كما يحصل الآن في العراق و سوريا و غيرهما.
ان تـكتيك الجبهة في الدور الثاني من الرئاسيات و حول الحكومة المقبلة سيكون امتحانا للجبهة و اليسار – بمعناه الوطني و الشعبي- في الوضع الحالي المعقد أيما تعقيد.
فلنكن في مستوى اللحظة التاريخية الجديدة و لنتصرف وفق نفسية وعقلية و مسلكية جديدة حتى لا نخطئ الهدف الذي استشهد من أجله أبناء شعبنا و خيرة قادتنا.
هذا رأيي الذي لا أزعم انه الوحيد الصحيح فما هو الا اجتهاد شخصي أردت ايصاله اليكم و سأبقى منفتحا على كل الآراء الأخرى و على قرارات قيادة الجبهة ما أستطيع.









#بيرم_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة الى الشعب التونسي : انتخبوا حمة الهمامي -ولد الشعب- رق ...
- تونس و يسارها الجديدين: من- التاريخ الانتخابي- الى -الانتخاب ...
- الانتخابات التونسية و مستقبل تونس: قراءة اجتماعية- سياسية و ...
- من الجبهة الشعبية إلى حزب -نداء تونس-: أ تريدون فعلا تحالف - ...
- الى الجبهة الشعبية: نداء من القلب الى كل يساريي و قوميي و تق ...
- إلى الجبهة الشعبية و برلمانييها القادمين: برقية سريعة.
- تونس بين الانتخاب و الإرهاب: نحو تحالف قوى اليسار و الوسط ال ...
- تونس : رسالة سياسية- انتخابية شخصية إلى الشيخ راشد الغنوشي .
- اليسار و الوسط التونسي في غياب الوحدة الانتخابية: مازال من ا ...
- الجبهة الشعبية التونسية و معادلاتها الانتخابية و السياسية :ر ...
- الجبهة الشعبية و القائمات الانتخابية: تقييم وآفاق منتصف الطر ...
- الجبهة الشعبية التونسية و بعض نقادها: مكاشفة ثانية مع الرفيق ...
- الجبهة الشعبية التونسية و بعض نقادها: مكاشفة سياسية - أخلاقي ...
- اليسار التونسي و الانتخابات القادمة : أبعد من المشاركة أو ال ...
- الى مجلس الأمناء العامين للجبهة الشعبية التونسية و الرفيقين ...
- توقيت الانتخابات الرئاسية و التشريعية في تونس :اللعبة و الره ...
- راشد الغنوشي و -النموذج التركي-: حقيقة الاسلام الاخواني التو ...
- تونس و-الانقاذ من الانقاذ-: نحو جبهة و طنية جمهورية ديمقراطي ...
- الجبهة الشعبية التونسية -مبادرة الشهداء -: حان وقت التقييم و ...
- تونس -ما بعد- النهضة : نقاط من أجل التقييم ومن أجل خارطة طري ...


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بيرم ناجي - الجبهة الشعبية التونسية، الدورة الثانية من الرئاسية و الحكومة المقبلة: وجهة نظر.