أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي المدن - ما يستفزني














المزيد.....

ما يستفزني


علي المدن

الحوار المتمدن-العدد: 4645 - 2014 / 11 / 27 - 22:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من يظن أن موضوع الكتابة (وكذا التدريس والمحاضرة ... إلخ) أمر سهل يسير، تُرك للمبتدئين، فهو واهم. من يتخيل أن بناء عمارة النص، أي نص، قضية منفصلة عن إتقان طرق الاستدلال، وتوظيف المفاهيم، وأشكال النقد والاعتراض، ثم أساليب استخلاص النتائج، فهو مجرد هاوٍ للكتابة، وليس محترفا لها. هذه في رأيي قضية ليست ترفا أو تنطّعا، بل هي واحدة من أهم القضايا، إن لم تكن أمها جميعا. إنني لا أتحدث عن قضايا على شاكلة بعض تلك العناوين البهلوانية التي نجدها في بعض الدورات التدريبية للكتابة: كيف تكتب مقالا؟، تعلم الكتابة في خمسة أيام، كن كاتبا بلمحة ... إلخ، بل عن قضايا تدخل في صميم صناعة العقول، وتدريبها فن تفكير والتعبير. وهذه مسألة من النادر جدا أن لا تجد مفكرا حقيقيا لم يقف عندها بنحو من الأنحاء، ولقد قضى مفكرون بمستوى برتراند راسل وكارل بوبر وأمثالهما شطرا مهما من حياتهم للتأكيد على أهميتها والالتزام بمقتضياتها. ولو كان لي أن أصف هذه القضية لمسؤول سياسي في بلد مثل العراق، لاعتبرتها، دون مبالغة، جزءا من الأمن الوطني للعراق، ومهمة تربوية استراتيجية لا يمكن إشاحة النظر عنها ولو للحظة.
لماذا أقول ذلك الآن؟
لأنني، ولستُ الوحيد في ذلك، أكاد أفشل في مقاومة "استفزازات" بعض الكتابة العراقية!!
يستفزني غياب التفكير الواضح وفوضى التحليلات
يستفزني النص المقعّر والتراكيب الميتة المتحذلقة
يستفزني أولئك المتكلفون الباحثون عن إثارة الاعجاب دون أن يكون لديهم ما يقولونه
يستفزني أولئك الظانون أن من الممكن تكريس سمعتهم ككتّاب بغير قوة الفكرة ومتانة الاستدلال، وإنما من خلال الاستشهاد بنقولات مبتسرة لمفكرين مشهورين
يستفزني العبث تحت ذريعة إشكاليات ما هي إلا مصطنعة أو زائفة
يستفزني التبجح باستيعاب مفاهيم الفكر الحديث والمعاصر ومناهجه
يستفزني نقص المعرفة بتراثنا العربي الإسلامي المترامي الأطراف
وأخيراً وليس آخراً، يستفزني الجهل المركب أو المكابرة بعدم وجود ذلك كله
لعله كان من الأفضل أن يقول هذا الذي تقدم شخص آخر غيري؛ إذ كما قال الشاعر: (وَقَدْ يَسْتَفِيدُ الظِّنَّةَ الْمُتَنَصِّحُ)، ولكن إذا استبعدنا تبادل النقد جانبا، وتغافلنا مؤقتا عن فكرة الاعتداد بالنفس التي قد تشي بها هذه السطور، وهو ما لن أدعيه بكل تأكيد، فإنني أتصور أن إنكار هذا الواقع الذي وصفته من الصعوبة بمكان. وهذا ليس تثبيطا للعزائم، ولا نظرة عابسة تنوي خلق كائن انطوائي وشبه مجنون حتى يستحق لقب "كاتب أو باحث"، بقدر ما هو دعوة للتفكير بجدية هذا المأزق الخطير الذي يكتسح مشهدا فكريا وثقافيا بأكمله. من الواضح أن من يستأثر باهتمامي حتى الآن هم أولئك الكتّاب الذين نضجت تجربتهم الاجتماعية، الذين يُتوقع تحسّن حالهم إذا ما تعاهدوا أنفسهم بالمثابرة العلمية والدقة وتدريب المخيلة والتركيز واعتياد التفكير النسقي والنقاش المنتظم ومقاومة ضغوط السطحية الاجتماعية وإغراءات النجومية في هذه المسيرة الشاقة، ولكن ما هو أهم وأعقد منهم هم أولئك "الصغار" الذين لازالوا في طور التكوين اليوم، والذين سيتحوّلون يوما ما إلى كتّاب أو منتجين للأفكار لاحقا. هنا تحديدا، نكون بحق أمام مشكلة تربوية ونفسية قبل كل شيء، أمام خللٍ في أعماق المؤسسة التعليمية. والاثنان يعانيان معا، عاجلا أم آجلا، من انعدام التوازن بين الرغبة بالنجاح والاستعدادات اللازمة لتحقيقه، بين معنى الإبداع الذي يحلم به الجميع وبوارق الخاطر الساذج، بين الذكاء وعمق الحياة الباطنية الثرية بالتأمل، بين التخصصات العلمية التجريبية (ذات العائد المالي الجيد) وتأهيل الوعي بالحياة وأسئلتها ... إلخ. إننا بذلك نفشل كأمة في تغذية تطلعات أبنائها بحياة غنية ومثمرة حقا، وهو ما يعني بعبارة أخرى: غياب الوعي بضرورة تحديد "من نكون؟ " داخل هذا العالم التنافسي البالغ الجدية. إن تقاليد الكتابة في أي أمة تعد التجلي الأبرز لروح تلك الأمة وضميرها وعقلها واتجاهاتها المستقبلية، فإذا ما تضررت، فهي مؤشر على أزمة أمة أكثر منها أزمة فئة معينة.



#علي_المدن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بؤس الوجود الرمزي للمثقف
- نقد الممارسة الأيديولوجية عند ريمون رويَّه
- عذابات النص بين كاتبه ومترجمه ومتلقيه
- رسالة من الجماهير الغاضبة في البصرة
- التراث .. أداةً لتزييف الوعي
- بذرة التفلسف
- السياسة والأمل
- الرئيس فيلسوفا
- متى يكون السياسي فاشلا؟
- الأساطير المؤسسة للعمل السياسي في العراق: السياسة كحرفة
- هل يؤسس الإلحاد مذهبا إنسانيا في الحب؟ نقاشات تنموية في فضاء ...


المزيد.....




- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...
- احتجاز رجل بالمستشفى لأجل غير مسمى لإضرامه النار في مصلين بب ...
- برازيلية تنقل جثة -عمها- إلى البنك للحصول على قرض باسمه
- قصف جديد على رفح وغزة والاحتلال يوسع توغله وسط القطاع
- عقوبات أوروبية على إيران تستهدف شركات تنتج مسيّرات وصواريخ
- موقع بروبابليكا: بلينكن لم يتخذ إجراء لمعاقبة وحدات إسرائيلي ...
- أسباب إعلان قطر إعادة -تقييم- دورها في الوساطة بين إسرائيل و ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي المدن - ما يستفزني