أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إدريس ولد القابلة - كيف خطط الدليمي لاغتيال الحسن الثاني؟















المزيد.....


كيف خطط الدليمي لاغتيال الحسن الثاني؟


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 4644 - 2014 / 11 / 26 - 02:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تمّ الإفصاح منذ الوهلة الأولى عن انقلاب الصخيرات في 10 يوليوز 1971 وعن مدبريه دون أدنى تردد. وتمّ أيضا الإفصاح عن تعرض الطائرة الملكية للهجوم الجوي في 16 غشت 1972 لكن تمّ اعتماد التريث في الكشف عن عقله المدبر إلى حين. في حين ظلت محاولة الجنرال أحمد الدليمي ملفوفة بالسرية التامة، ولم يتم الكشف عن الانقلاب الذي خطط له، وذلك رغم إجهاضه في المهد.
خطة تصفية الملك
فكّر أحمد الدليمي في اغتيال الملك الحسن الثاني أثناء الزيارة الرسمية التي كان يزمع الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران القيام بها إلى المغرب، لأنه اعتبرها طريقة مواتية لمباغتة الملك الراحل الذي أصبح مرتابا جدا ولم يعد يعهد بأمنه سوى لجهاز أمنه الخاص : SSS ، جهاز "السينات الثلاث" وخبراء الاستخبارات السرية الصديقة.
هندسة المخطط
علم أحمد الدليمي أن اللحظات الوحيدة التي تُخفّض فيها درجة حدّة الحراسة اللصيقة، هي لحظة المرور على البساط الأحمر أثناء الزيارات الرسمية لزعماء الدول.
عدد قليل جدّا من أطلعهم الدليمي على خطّته، مرافقه النقيب الطوبجي والعقيد بوعطار قائد مظليي كوماندو الحرس الملكي.
فضّل أحمد الدليمي اعتماد ضربة منفردة، لدى أجرى القليل من الاتصالات السياسية. كما أنه لم يرغب قط في توفير حياة الملك الحسن الثاني وإنمّا عزم كل العزم على تصفيته. لقد آثر خطة الاغتيال الجسدي على طريقة الانقلاب العسكري كما هي متعارف عليها. ورأى أنه يكفي قنّاص ماهر لبلوغ الهدف، وهذه طريقة لا تستوجب سوى عدد قليل من الأشخاص المطّلعون على الأمر فبل تنفيده، سيما وأن أحمد الدليمي كان يعلم، علم اليقين، أنه مراقب من طرف جهاز "السينات الثلاث" وأنه مهدد في أية لحظة.
كان على قائد مظليي كوماندو الحرس الملكي أن يُجنّد ضابطا موثوقا به وخبيرا بالأسلحة النارية وقناصا ماهرا من الرماة الممتازين. وهذه خطة تناسب رغبة أحمد الدليمي الرامية إلى تنفيد اغتيال الملك الحسن الثاني على يد رجل واحد منفرد. وقد وقع الاختيار على مقدم شاب من مظليي الحرس الملكي اجتمعت فيه المواصفات السالفة الذكر. لكن سرعان ما تبيّن أن هناك صعوبة في تطبيق هذه الخطة.
ففي اللحظة التي سيستقبل فيها الملك الراحل الحسن الثاني ضيفه الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران في المطار، ستُقدّم فرقة الشرف التحية الرسمية المعتادة للزعيمين. والحال أن البروتوكول والتقليد والدواعي الأمنية التي تشددت بعد الانقلابين الفاشلين، تقتضي بأن تكون أسلحة فرقة الشرف خالية من القادحات والذخيرة، وتكون سرية الدرك الملكي التي تنتظر وصول الرئيس الفرنسي قد عاينت المكان بدقة متناهية ومشّطته تمشيطا محكما وتقصّت ودرست كل التفاصيل وفكّرت في مختلف الاحتمالات، وهذا فبل ساعات من هبوط طائرة فرانسوا ميتيران على المدرج، ولن يبارح أفراد السرية مواقعهم حتى تتمّ كل إجراءات الاستقبال ويغادر الملك وضيفه المطار.
كانت هذه عقبة كأداء في وجه المخطط الذي أعدّه أحمد الدليمي، لذلك قام بتعديله، سيما وقد بدا له أنه من شبه المستحيل استخدام سلاح ناري لتصفية الملك في ظل هذه الظروف والحالة هاته.
تعديل الخطة
حينما يستعرض الملك الحسن الثاني صحبة الرئيس الفرنسي فرقة الشرف، سيسير مقدم الحرس الملكي – الذي يقود الفرقة – على بعد خطوات قليلة منهما، وقبل أن يغادرا البساط الأحمر، على هذا الضابط ، وفق البروتوكول المعمول به، أن يقدّم التحية عن قرب للملك وضيفه، إذ عليه أن يُسلّم على ميتيران وينحني لتقبيل ظهر يد الملك وبيده سيف الضباط.
أراد أحمد الدليمي أن يستثمر هذه اللحظة بالذات، فيقوم الضابط بطعن الملك الحسن الثاني بسيفه. وفي ذات الوقت سيقوم عناصر حرس الدليمي الخاص الموثوق بهم بإطلاق النار إن دعت الحاجة لذلك، كما سيكون على مرافقه، المحجوب الطوبجي، إلقاء قنبلة دخانية لضمان المزيد من الارتباك.
عزم أحمد الدليمي أن لا يحمل سلاحا ناريا واكتفى بارتداء سترة واقية من الرصاص وحيازة محقنة طبية تحوي سائل مادة سامة مميتة، وفي حالة لم يلق الملك الحسن الثاني حتفه حسب الخطة المرسومة، سيتظاهر بالقيام بنجدته، ومن ثمة سيقوم بحقنه بالسم للإجهاز عليه.
هكذا قضت خطة أحمد الدليمي لتصفية الملك الحسن الثاني.
الاتصالات
بعد إنهاء إعداد الخطة، أجرى أحمد الدليمي اتصالات جد حدرة مع بعض الضباط الكبار، وقام ببعض الرحلات إلى باريس، كما التقى جزائريين لإبرام اتفاق معهم على تسوية قضية الصحراء في حالة تمكنه من قيادة البلاد بعد تصفية الملك. وتباحث أيضا مع أصدقائه في المخابرات الفرنسية.
إن أكثر ما أقلق الملك الراحل الحسن الثاني، العلاقات، التي بدت ممتازة للعيان، والتي احتفظ بها أحمد الدليمي مع المسؤولين الجزائريين على الرغم من التحولات البيّنة التي طبعت نزاع الصحراء.
لقد تعرّف الدليمي على هؤلاء المسؤولين الجزائريين حينما كان مساعدا للجنرال محمد أوفقير الذي فاوضهم بخصوص الصحراء قبل أن يأمر الملك بإيقافها. كما كانت للدليمي صداقات متينة في الكيان الصهيوني وداخل وكالة المخابرات الأمريكية ( سي. إي .يا ) وجهاز الاستخبارات الفرنسية ( DGSE ).
كيف انكشف الأمر؟

بانخراط الملك الراحل الحسن الثاني، بعد انقلاب أوفقير، في عملية السلام بالشرق الأوسط، استعاد بعض القوّة في الخارج، سيّما لمّا تحوّل إلى مُحاور لا غنى عنه للتقريب بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

المعلومة الثمينة
بفضل أجهزة مخابرات الدول الصديقة تزوّد الحسن الثاني بمعلومات موثوقة غاية في الأهمية، مفادها أن أحمد الدليمي عزم على إقصائه سنة 1983 لأنه فقد الأمل برؤية الملك يضع حدا لنزاع الصحراء.
كما أنه وجب اعتبار الدور الذي قد يكون قد لعبه المحجوب الطوبجي بهذا الخصوص، علما أن وضعه وقصة هروبه وهو في حالة اعتقال لدى الدرك الملكي وفراره إلى الديار الفرنسية ثمّ إعادة ظهوره على حين غرّة وعلامات النعمة ظاهرة عليه، كل هذا يدعو إلى الشك المريب في عيون الكثير من المتتبعين والعارفين بخبايا تاريخ المغرب الحرّ.
الاعتقالات وتفكيك خلية التنفيذ
قبل بضعة أيام من وصول فرانسوا ميتيران إلى المغرب اعتقل جهاز "السينات الثلاث" العقيد بوعطار والمقدم الشاب الذي تكلف بطعن الملك بالسيف. آنذاك كان الجنرال أحمد الدليمي بمقره في الصحراء قبل استدعائه إلى قصر مراكش للتباحث بخصوص الوضع بالصحراء.
جرى كل شيء بسرعة فائقة وبدقة كبيرة، ولم يعلم الدليمي بأمر اعتقال المتآمرين معه. إذ اعترف بوعطار ورفيقه بكل التفاصيل.
وضع جهاز "السينات الثلاث" يده على جملة من الضباط وتم أُيداعهم بثكنة الدرك الملكي بالرباط، وكان المحجوب الطوبجي ضمنهم.
لكن الغريب في الأمر، أنه بعد بضعة أشهر من اعتقاله، ظهر الطوبجي بالديار الفرنسية على حين غرة ومن حيث لم يكن يدري أحد، وصرّح لإحدى الإذاعات قائلا: " بعد موت الدليمي، تمّ اعتقالي رفقة حوالي عشرين ضابطا. تمّ حبسنا في ثكنة الدرك الملكي في الرباط، وتمكّنت من الفرار ووصلت إلى فرنسا حيث أتمنى أن أحظى بحق اللجوء... ليس لدي أي شيء آخر لأضيفه."
ثمّ اختفى الطبجي تماما، لكن في تسعينات القرن الماضي، انكشف أمره وتبيّن أنه يعيش بالعاصمة، الرباط، وينشط في عالم الأعمال ووسط رجال الأعمال.
بعد أن لقي أحمد الدليمي مصيره، تمّ إلقاء القبض – علاوة على بوعطار ورفيقه – على مساعديه المقربين واختفى أثرهم لأكثر من سنة ونصف. ومن هؤلاء، المفوض هبي الطيب، رجل الجنرال محمد أوفقير، وهو الذي كان الدليمي قد طرده، لكن تمّ تجنيده في "لادجيد"، وقد نجا من هذه المحنة. زمنهم أيضا المدعو الدكالي، رجل أعمال، كان مقرّبا من الدليمي، لقي حتفه في حادثة سير.
وكانت آخر مهمة قام بها عامل سطات آنذاك، الدخيسي، السهر على تنظيم الاستقبال الملكي بالمدينة رفقة الرئيس الفرنسي، فرانسوا ميتيران، ومنذئذ توارى عن الأنظار.
الدليمي وأوفقير وانقلاب 16 غشت 1972

في 7 نونبر 1972 انتهت محاكمة الطيارين المتورطين في الهجوم على الطائرة الملكية، وكان الكولونيل أحمد الدليمي ضمن هيئة القضاء الجالس التي أشرفت على المحاكمة، رفقة الكولونيل سكيرج. كانا معا من ركاب طائرة البوينغ الملكية المستهدفة.
هل الدليمي متورط مع أوفقير ؟
كان صهر الدليمي، عبد السلام الصفريوي، هو من ساهم في خطّ مساره تحت ظل الجنرال محمد أوفقير. وقد اضطلع هذا الصهر بعدة مهام، من بينها عامل وجدة ثم عامل الدار البيضاء ومدير المدرسة العسكرية بمكناس، وعندما ارتقى لرتبة جنرال تكلف بقيادة الحرس الملكي. وفي محاكمة انقلابيي 1972، عندما سُئل الصفريوي عن طبيعة علاقاته بمحمد أوفقير كان جوابه:" كانت مجرد علاقات عمل".
وقد كشف المقدم أمقران في ذات المحاكمة، أنه كان من المفترض أن يضم مجلس الوصاية العقيد أحمد الدليمي، صهر الجنرال الصفريوي.
وفعلا، لم يتم كشف ما يدل بالملموس عن تورط أحمد الدليمي بجانب محمد أوفقير بخصوص التآمر على الملك الحسن الثاني، لكن قبيل الانقلاب – وحسب رؤوف نجل الجنرال أوفقير – حدث لقاء سري بين الرجلين على شاطئ أكادير في الهواء الطلق بعيدا عن الأنظار.
الدليمي ينقد الجنرال أوفقير
وهناك أيضا نازلة قدوم أحمد الدليمي على إخبار الجنرال أوفقير بأن الطائرة التي كانت ستنقله إلى الجزائر كانت مفخخة. لكن لم يُعرف بشكل علني، في أي وقت، تحالف الدليمي مع أوفقير.
ففي غضون سنة 1972 كلّف الملك الحسن الثاني الجنرال أوفقير بالتوجه إلى الجزائر لتسليم رسالة شخصية للرئيس هواري بومدين. وكان من المقرر أن يقوم بالرحلة على مثن طائرة من نوع "فالكون 20" انطلاقا من القاعدة الجوية الأولى في مدينة سلا. استعدت الطائرة للإقلاع، ابتعدت لكنها توقفت في نهاية المدرج ورجعت القهقري نحو منطقة التوقف.
ويحكي رؤوف، نجل الجنرال: "هرعتُ نحو الطائرة، وما كاد بابها يُفتح حتى دلفتُ إليها. شاهدت والدي ممددا في الممرّ الفاصل بين المقاعد وأحد أعوانه منحنيا عليه... تلوى أبي ألما مشتكيا من ألم فظيع لا يُطاق في الكليتين... كنّا على وشك نقله إلى المستشفى، لكنّه رفض وأمر بالذهاب إلى المنزل... ثارت ثائرتي واستشطت غضبا وصرخت، فهمس إليّ والدي قائلا: " لا تقلق، أنا بخير، إنّه مجرد تمارض..."، في البيت لزم سريره وطلب استدعاء طبيب صديق له... أرسل الحسن الثاني والدته، للا عبلة، لعيادة الجنرال، وتلقى الملك بنفسه عبر الهاتف أخبار أوفقير..."
سيعلم رؤوف بعد ذلك أن مخبرا سريا كان قد حذّر والده قبل الرحلة. كانت الطائرة تحمل قنبلة موقوتة يُفترض أن تنفجر أثناء الطيران. ولضمان أمن المخبر لجأ الجنرال محمد أوفقير إلى خذعة التمارض والأزمة الكلوية الحادة والمفاجأة حتى يبدو الأمر مجرد صدفة.
وكان المخبر السرّي الذي أنقذ حياة الجنرال أوفقير هو أحمد الدليمي.
الدليمي يُوطّد استقلاليته عن الجنرال
في سنة 1970 قاد أحمد الدليمي الأمن الوطني، وبقربه من الملك الراحل الحسن الثاني، تمكّن من استقلاليته عن الجنرال محمد أوفقير.
بعد أيام من انقلاب الصخيرات، تكلف جهاز "السينات الثلاث" – وكان الدليمي أحد رجالاته – بالتحقيق مع المتورطين في الانقلاب. وفي اجتماع الوزراء مع الملك أشهر الجنرال أوفقير مسدسه ووضع سبطانته على صدغه وقال للملك : "لقد أعطيت كل شيء وضحيت بكل شيء في سبيل العرش وفي سبيل جلالتكم وذلك ليس ليصل بنا الأمر إلى هذا الحال... إذا أصررت على ألاّ تعتبر ممّا حدث، أرفض الاستمرار...ينبغي أن تكون الملكية أفضل من الجمهوريات، إن لم تقدّر ذلك تقديرا حقيقيا، فإن المأساة التي وقعت في الصخيرات لن تكون الأخيرة، أفضل أن أنهي حياتي الآن على أن أقتل في لباس السباحة..."
وبدءا من 16 يوليوز 1971 أمر الملك بإيقاف التعذيب في حق متمردي الصخيرات، كما أمر مولاي حفيظ وأحمد الدليمي بتسليم المعتقلين إلى الشرطة الرسمية.
وفي فبراير 1972 زار الجنرال مولاي حفيظ والعقيد الدليمي على حين غرة الجنرال أوفقير ببيته وأخبراه بأن الرئيس الليبي معمر القدافي يتهيأ لاختطاف ابنته مليكة في باريس حيث تتابع دراستها، وكان عناصر جهاز "السينات الثلاث" قد أعدناها إلى الوطن. وتبيّن أن المسألة كانت مجرد اختلاق، وعادت مليكة مع بداية مارس 1972 إلى باريس. وخلال هذا الشهر لاحظ رؤوف أوفقير أن والده أضحى يقوم بزيارات متكررة ومفاجأة للكولونيل أمقران في القاعدة الدوية بالقنيطرة.
في أبريل 1972 علم رؤوف أوفقير باختطاف صديقه علي موريس السرباتي، نجل المعارض أبراهام السرفاتي. وعندما أخبر والده فوجئ بالأمر، ثم رفع سماعة الهاتف وطلب إدريس حصار، معاون مدير الأمن الوطني آنذاك أحمد الدليمي، وقال له: "أين موريس السرفاتي؟" وأجاب أنه لا يعلم عنه شيئا وأكد أن المختطف بيد رجال الدليمي. فاتصل الجنرال بهذا الأخير الذي أوضح له أن الأمر روتيني لمعرفة أين يختبئ أبوه، مضيفا أن موريس في مكان مريح لا ينقصه شيء في انتظار استعداده للتعاون. لكن الجنرال أنهى الحديث بالقول: "أمهلك نصف ساعة لإطلاق سراحه وإلاّ سآتي بنفسي لأخذه..."، وردّ الدليمي: " أنا لا أقوم سوى بتنفيد الأوامر..."
وفي نازلة مشابهة، أخبر أحمد الدليمي الملك الحسن الثاني عن أصحاب نجل الجنرال أوفقير، رؤوف، غير الفاضلين والمشبوهين. وقد استغل صداقته لابن أحد المحامين المعارضين، الأستاذ بوحميدي، وحاول إقناع الملك أنها مجرد خدعة لاختطاف ابن أقوى جنرال في البلاد. قصد الدليمي ورجاله منزل المحامي، وبعد استنطاقه، أكّد له أنه جاء لزيارته بناء على أمر من الجنرال محمد أوفقير لأنه لا يريد أن يقترب ولده من ابنه. وبعد أيام لاحظ نجل أوفقير أن صديقه، ابن المحامي، يتحاشاه فعلم بالأمر بعد الاستفسار. ولمّا علم الجنرال أوفقير بالأمر نفى أن يكون قد أمر بذلك، فاتصل بالمحامي وأوضح له النازلة.
الدليمي يعاين آخر لحظة حياة الجنرال
في 21 غشت 1972 كشف الملك الراجل الحسن الثاني عن انتحار الجنرال محمد أوفقير في مؤثمر حضره 160 صحفيا، وقال: " (...) أخرج (الجنرال ) مسدسه، حاول الحاضرون (العقيد الدليمي والجنرال مولاي حفيظ) منعه من ذلك، وبدأ بإطلاق النار عشوائيا، بدليل أنني استطعت أن أكلع إدغار بو على آثار الطلقات حتى على السقف (...) حتى أنه أوشك أن يقتل أو يجرح شخصا حاول منعه من الانتحار. وكانت الطلقة الأخيرة قاتلة."

المشوار
ولد حمد الدليمي سنة 1930 بسيدي قاسم، وعرفت هذه المدينة تألقا ساير سطوع نجم مولودها في سماء السلطة والجاه والمال، ولما أفل تقهقرت.
القرب من وفقير
عندما اضطلع الجنرال محمد أوفقير بتسيير الأمن الوطني، وظّف شابّا لا يتجاوز عمره 31 سنة، تنحدر عائلته من الصحراء (تيريس الغربية) من قبيلة أولاد دليم. درس بثانوية مولاي يوسف بالرباط، واشتهر بين أقرانه بشغفه الكبير بالروايات البوليسية. وقد تخرّج من مدرسة الدار البيضاء العسكرية بمدينة مكناس متفوّقا إذ احتلّ الرتبة الأولى مُتقدما عن جميع زملائه. إنه أحمد الدليمي الذي عاين انطلاقة تألقه في مشواره سنة 1961.
رجل طموح أكثر من اللازم وعنيف وغضوب
خضع لتدريب عسكري سنة 1955 بمدرسة سان ميكسانت، وانخرط شاب الجيش الفرنسي في القوات الملكية المسلحة سنة 1956. وفي سنة شارك في عملية مطاردة عدي أوبيهي حيث لاحظه عن قرب الملك الحسن الثاني ولي العهد آنذاك. كما شارك عي عمليات التصدي لانتفاضة الريف تحت إمرة محمد أوفقير، ومن ثمة تأسست صداقتهما.
ترأس القبطان الدليمي "الكاب 1" في غشت 1964 تحت إشراف أوفقير إذ كان ذراعه الأيمن ورجل المهمات القدرة. ففي ما بين 1960 و1965 كان له دور في جملة من الملفات الساخنة ( قضية المهدي بن بركة، شيخ العرب، الفقيه البصري...). وفي إطار المهام التي اضطلع بها سافر مرارا إلى الكيان الصهيوني، وقيل أنه كان الوسيط الرسمي مع الموساد منذ سنة 1963.
كاد المقربون منه أي يجمعوا على أنه كان رجلا طموحا أكثر من اللازم وعنيفا وغضوبا، لكنه ذكي وشجاع وعاشق النساء والسلطة والثروة والخمر. وكان يعتبره الجنرال أوفقير وريثه في مهامه.
بعد قضاء بضعة أشهر من الحبس الاحتياطي بباريس على خلفية المحاكمة المرتبطة باختطاف المهدي بن بركة واختفائه، حصل الدليمي على البراءة. حين خروجه من السجن صرّح أن مدة الاعتقال أعادته إلى أجواء المدرسة والدراسة، حيث دأب على مطالعة كتب الفلسفة والتاريخ. فلمّا كان معتقلا زاره المحامي عبد الرحمان الربيع – الذي سيخلفه على رأس إدارة الأمن الوطني – ومعه رواية "البؤساء" للكاتب الفرنسي فيكتو هيجو، لكنه رفض تسلّمها وطلب منه تعويضها في الزيارة القادمة بكتب تخص الصين والحرب الباردة.
بعد عودته عيّنه الملك الحسن الثاني عاملا دون مهمة في وزارة الداخلية قبل تعيينه مديرا لديوانه العسكري.
في سنة 1970 عيّنه الملك الحسن الثاني على رأس الأمن الوطني ومنذئذ ظهرت معالم ثروثه وميوله للفساد للمزيد من مراكمة المال. وعندما تمّ تفكيك "الكاب 1" في مارس 1973 اضطلع الدليمي بقيادة "لادجيد". ومن سنة 1974 إلى 25 يناير 1983 (يوم وفاته) دبّر وأدار حرب الصحراء كقائد لمنطقة الجنوب. دُفن جثمانه بمقبرة الشهداء بالرباط بعد جنازة رسمية. إلاّ أن أرملته، فاطمة ، صرّحت بعد سنوات لمجلة "نوفيل أوبسيرفاتور"، أن زوجها ظل قيد الحياة معتقلا على الأقل 5 سنوات بعد الإعلان عن وفاته.
زواج المصلحة
في سنة 1958 ، كان من المقرر أن يعقد أحمد الدليمي قرانه مع نجلة أحد كبار الوطنيين القريبين من الملك الراحل محمد الخامس. وقبل حفل زفافه شاءت الظروف أن يحضر الدليمي حفل زفاف عبد السلام الصفريوي، خريج مدرسة الدار البيضاء العسكرية ، بإبنة رئيس المخابرات آنذاك. وكانت لزوجته هاته شقيقة تُدعى زهرة بوسلهام تعلّق بها على حين غرّة ودون سابق إنذار.
للتخلص من خطيبته ادّعى الدليمي ، ليلة دخلته على عروسه، أنها غير عذراء. وقيل، إن الغرض وراء ذلك تمكنه من ولوج المخابرات المغربية من بابها الواسع لتحقيق الحلم الذي ظل يراوده منذ أمد طويل. اصطفّ الملك الراحل محمد الخامس بجانب صديقه الوطني المخلص والد الخطيبة، وتمّ تعيين أحمد الدليمي بإحدى الثكنات العسكرية بمدينة فاس. وبعد وفاة محمد الخامس أعاده محمد أوفقير إلى جانبه.
وبعد فترة بالمخابرات العسكرية، تمّ تعيين القبطان الدليمي على رأس " الكاب 1" تحت الإمرة المباشرة لأوفقير.

يوم الصخيرات العصيب
حين رغب العقيد أحمد الدليمي سنة 1970 في تعيين إدريس البصري رئيسا لديوانه في الإدارة العامة للأمن الوطني سأله وقتذاك عمّا يطمح أن يكون مستقبلا، ووضع عليه السؤال التالي: " في الملعب، ماذا تفضل، أن تكون لاعبا في الميدان أو حكما أو متفرجا؟".
في العاشر من يوليوز 1971، عندما كان ضيوف الملك بقصر الصخيرات مُلقون على الأرض واضعين أيديهم فوق رؤوسهم، انطلق صوت ينادي على جملة من الأشخاص بأسمائهم ويدعوهم إلى التعريف بأنفسهم... نطق الصوت المجلجل باسم العقيد أحمد الدليمي، الذي كان منبطحا بجانب الكولونيل المهدي بلمجدوب، رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم زمنئذ. ذلك اليوم، رغب الدليمي أن تبلعه الأرض، وهمس بلمجدوب في أذنه ليخبره أنهم ينادون عليه، فكان رد العقيد: إسمي ليس أحمد الدليمي. آنذاك كان يدرك جيدا أن المناداة على اسمه تعني شيئا واحدا لا ثاني له، اقتياده إلى الجحيم. فالعقيد اعبابو كان قد أعدّ قائمة بالأسماء المرشحة للتصفية فورا.
وسبق لمحمد عابد الجابري أن قال إن أوفقير والدليمي، على الرغم من أنهما كانا حاقدين حقدا مريرا على العديد من المعارضين، إلاّ أن ذلك لم يمنعهما – كلا على حدة – عن إرسال أحيانا إشارات وتنبيهات كان من نتائجها أن نجا الكثير من المناضلين الاتحاديين مما كان سيؤول بهم إلى المجهول.
الصحراء قبر الدليمي
بعد انقلاب الصخيرات نقم الملك الراحل الحسن الثاني على الجيش، وزاد نقمه بعد الهجوم على طائرته سنة بعد ذلك. لم تكف عمليات التطهير في صفوف القوّات المسلحة، وجاءت قضية الصحراء سنة 1975 واستقطبت أهم قوّات الجيش.
كانت الخسائر باهظة في البداية بفعل سوء تدبير القوات المسلحة هناك وفساد رئيسها وقتئذ، الجنرال أحمد الدليمي. وتُحكى الكثير من النوازل بهذا الخصوص، منها أن إحدى وحدات القوات المسلحة طلبت الدعم والنجدة في إحدى المعارك حينما حوصرت وقُصفت وكادت تُسحق عن آخرها، فكان الرد أن الملك الراحل الحسن الثاني نائم ولا يُمكن إيقاظه لأخذ موافقته حتى تتمكن الطائرات الحربية من الإقلاع لتلبية طلب النجدة. آنذاك، ومنذ أن هاجمت طائرات "ف 5" الطائرة الملكية في سماء مدينة تطوان، لم يكن من الممكن لأية طائرة حربية من سلاح الجو أن تُقلع أو تغادر الأرض إلاّ بإذن صريح من طرف الملك، القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، مهما كان الأمر. وقد تمّ قد تمّ اتخاذ هذا القرار بعد 19 غشت 1972 ، عندما استقبل الملك الراحل الحسن الثاني القادة المتبقين من الجيش بقصر الصخيرات ليُلقي أمامهم خطابا مطبوعا بنبرة التحدي. وفي يوم الغد ( 20 غشت 1972) خاطب الملك الراحل شعبه، وجاء في خطابه " (...) نصّبني الله على العرش لكي أحافظ على الملكية (...) الشعائر المالكية تتيح لي أن أُبيد ثلث المغاربة الملوّث بالأفكار الإلحادية لإنقاذ الثلثين الآخرين السليمين من الشعب".
ولم يخف على المتتبعين أنه على الصعيد الدبلوماسي، تفاوض الدليمي بمساعدة أحمد رضا اكديرة (مستشار الحسن الثاني) سريا مع البوليساريو. لكن الدليمي – الذي حافظ على علاقة جيدة مع أنور السادات وجنرالات الجزائر – ظل من المدافعين على ضرورة التفاهم مع الجزائر.
ففي سنة 1978 بعث الملك الحسن الثاني أحمد الدليمي بمعية مستشاره اكديرة للتفاوض مع الجزائريين بخصوص حل حول نزاع الصحراء. وقد قابلا عشر مرّات وزير الخارجية الجزائري، أحمد الطالب الإبراهيمي بجينيف، إلاّ أن وفاة هواري بومدين في 27 دجنبر 1978 ساهمت في نسف هذه المفاوضات.
نهاية الدليمي
حسب رواية تستند على بعض التسريبات، يُستفاد أن الملك دعا أحمد الدليمي ليرافقه إلى قاعة بقصر مراكش يستخدمها مركز قيادة للتنسيق مع الجيش. وما إن ولج بابها حتى انقض عليه المديوري ورجال جهاز "السينات الثلاث" وطوّقوه وشلّوا حركته. وقد قيل أن الجنرال مولاي حفيظ هو الذي قاد هذه العملية بإحكام. كما قيل أن طبيبا يوغوسلافيا حضر الاستنطاق والتحقيق. وكان المراد هو الاطلاع على تشعبات المؤامرة بسرعة والتمكن من وضع اليد على كل المشتبه فيهم وإخلاء المكان قبل وصول الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران. وذلك ما تمّ بنجاح، اعترف أحمد الدليمي تحت الضغط وبفعل حقنه بعقاقير.
اقتضت الخطة أن يخرج الدليمي من القصر كما دخله على مثن سيارته التي قادها أحد عناصر جهاز "السينات الثلاث"، ووُضع فيها الدليمي المخدر. بعد مغادرة المرسيديس القصر، تمّ وضع الدليمي في سيارة رباعية. هذا ما يُستفاد من التسريبات.
على طريق ضيق، تمّ إركان شاحنة – صهريج لحمل الوقود أو الغاز وسيارة الدليمي وجها لوجه، ثم فُجّرت ذخائر موضوعة في المركبتين معا. وهذا ما أصبح اصطداما بين مرسيديس الجنرال والشاحنة الطائشة، كما تمّ الإعلان عن ذلك. وسيُعثر بأعجوبة على ظاقم أسنان الدليمي محفوظا عاليا بين أغصان شجرة غير بعيدة عن موقع الحادث المميت.
ثروة الدليمي
بشهادة الكثيرين، جمع الدليمي وزوجته زهرة، بأساليب ملتوية، واحدة من أكبر ثروات البلاد.
ولم يكن الدليمي تخفي ثراءه الفاحش غير المشروع، وظل يزعم أنه ناجم فقط عن الراتب الذي يتقاضاه لقاء المخاطر التي ظل يتعرض لها في مهامه.



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعاون الأمني والعسكري بين المغرب و الولايات المتحدة الأمري ...
- المغرب ليس عن منأى من مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب
- مدرسون صنعوا المغرب وحكموا المغاربة: رجال بصموا التاريخ السي ...
- إلى متى ستعيش بلادنا بالقروض والهبات؟
- الحكم الفردي في المغرب
- إدماج جيش التحرير في القوات المسلحة
- المجلس التأسيسي في المغرب
- أ و ط م رحلة مكوكية عبر الزمن
- الحسن الثاني والفلسفة والسوسيولوجيا: -العلوم الإنسانية لا تخ ...
- عبد الرحيم المؤذن من الرجال الذين لا يموتون
- التأثيرات السلبية للنزاعات القائمة في العالم المغرب يستفيد س ...
- لما كان التجنيد الإجباري عقابا للرؤوس -السخنة- والخدمة المدن ...
- على خلفية الزيارة الملكية المرتقبة لروسيا في أكتوبر القادم: ...
- الخطر جدي: التهديدات الإرهابية فعلية ضد المغرب
- الجواز المغربي ضمن أسوأ 20 وثيقة سفر في العالم
- سبتة ومليلية: هيئة المخابرات الدفاعية تتوقع استقرار نفقات ال ...
- مشتريات من الأسلحة الألمانية ارتفع إلى عشرة مليار أورو: ضد م ...
- لن يموت الدّكتور المهدي المنجرة
- الجنرال بوشعيب عروب منذ 2008 راجت إمكانية توليه منصب المفتش ...
- البطالة تزداد استفحالا ... والغالب الله


المزيد.....




- رصدته كاميرا بث مباشر.. مراهق يهاجم أسقفًا وكاهنًا ويطعنهما ...
- زلة لسان جديدة.. بايدن يشيد بدعم دولة لأوكرانيا رغم تفككها م ...
- كيف تتوقع أمريكا حجم رد إسرائيل على الهجوم الإيراني؟.. مصدرا ...
- أمطار غزيرة في دبي تغرق شوارعها وتعطل حركة المرور (فيديو)
- شاهد: انقلاب قارب في الهند يتسبب بمقتل 9 أشخاص
- بوليتيكو: المستشار الألماني شولتس وبخ بوريل لانتقاده إسرائيل ...
- بريجيت ماكرون تلجأ للقضاء لملاحقة مروجي شائعات ولادتها ذكرا ...
- مليار دولار وأكثر... تكلفة صد إسرائيل للهجوم الإيراني
- ألمانيا تسعى لتشديد العقوبات الأوروبية على طهران
- اكتشاف أضخم ثقب أسود في مجرة درب التبانة


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إدريس ولد القابلة - كيف خطط الدليمي لاغتيال الحسن الثاني؟