أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - حسين السكاف - حوار شامل مع الفنان باهر هاشم الرجب - الجزء الأول















المزيد.....


حوار شامل مع الفنان باهر هاشم الرجب - الجزء الأول


حسين السكاف

الحوار المتمدن-العدد: 1302 - 2005 / 8 / 30 - 10:12
المحور: مقابلات و حوارات
    


" المقام العراقي " روح عراقية تعرضت للإغتيال
حوار شامل مع الباحث الموسيقي العراقي عازف آلتي القانون والسنطور الأستاذ باهر هاشم الرجب

كثيراً ما تداولت الأفكار والألسن ذلك السر الذي تكتنزه مفردة " المقام العراقي "، تلك الكلمة التي جعلت الفن الموسيقي والغنائي العراقي ينفرد بصورة فنية خاصة تميزه عن باقي بلاد الله. هذا ما يعرفه الأغلبية الغالبة من غير العراقيين ممن اهتموا وانشغلوا بجمال الموسيقى وسحرها، ولكن، ماذا بشأن تسميات أخرى يعرفها العراقيون حيث مجالهم الموسيقي الذي عرف " المقام البغدادي " و "الجالغي البغدادي " وغيرها من التسميات.
تلك الأفكار وغيرها، أناقشها اليوم في حوار شامل مع أحد أبرز الموسيقيين العراقيين. شخصية موسيقية عراقية خرجت من عباءة أحد أهم المؤرخين العراقيين لمسيرة المقام العراقي وتاريخ الموسيقى العراقية.
أحاور اليوم الأستاذ عازف السنطور والباحث الموسيقي العراقي باهر هاشم الرجب، الذي سبقته السمعة الفنية والعلمية لوالده الراحل الحاج هاشم الرجب منذ بداية ستينيات القرن المنصرم.

* أريد أن أبدأ معك الحوار من أغنية " الليلة حلوة " الذائعة الصيت، فهي أغنية عراقية شهيرة مسجلة بأسمك كونك من اكتشفها، ترى كيف حصل ذلك؟
- كنت ذات يوم في زيارة صديق لي في شارع النهر يدعى " عبد الرضا " وهو صاحب معمل لصناعة الأحذية، كان ذلك تحديداً في العام 1972، حينها قال لي: باهر لدي اغنية ربما تفيدك. فقرأها لي، وبعد سماعها اعجبت بها، وطلبت منه أن يغنيها عدة مرات كي أدوّن نوتاتها واكتب كلماتها. والأغنية تتحدث عن فتاة حسناء تبيع ( القيمر ) اسمها جميلة، لذا أصبح مستهلها ( جميله حلوه حلوه وجميله ). عدت الى والدي فأسمعته الأغنية وتعجب من أن أحداً لم يسمعها من قبل، وبعد ذلك قدمناها في الجمعية البغدادية مع فرقة الجالغي المتكونة آنذاك من " الحاج هاشم الرجب وصهيب وباهر الرجب، وجميل جوزي والقارئ مجيد العاني " ومن شدة اعجاب الجمهور بها طلبوها ثلاث مرات عند تلك الليلة، وقمت بتحفيظها بعد ذلك إلى طلاب معهد الدراسات النغمية ولما سمعها الأستاذ الراحل شعوبي ابراهيم حفظها وبدوره قام بتحفيظها الى المرحوم يوسف عمر الذي بدل كلمة جميلة بكلمة " الليلة " كون الغناء والفن يسمو ليلاً وصارت ( الليلة حلوة ) وهي منشورة في كتابي ( اصول غناء المقام البغدادي ). ولم تكن تلك الأغنية الوحيدة التي أعددتها لعالم المقام العراقي، بل كانت اغنية ( النوم محرْم ) التي سمعتها من والدي فأعددتها ومن ثم قمت بتحفيظها الى الفنان الهام المدفعي الذي صار يغنيها في حفلاته. ايضا أغنية ( اليدري يدري ) وكذلك اعداد أغنية ( يا أهل المروة شلون ) وغيرها كثير.
* من هم الأساتذة الذين تعلمت عليهم علم الموسيقى؟
- في الحقيقة اساتذة ثلاثة اكنّ لهم بالجميل والعرفان لما أبدوه لي من مساعدة وتشجيع ومحبة، وأولهم لأستاذ الراحل الحاج هاشم الرجب، والدي ، الذي كان لي المعلم والناصح والمستشار، فلقد تعلمت عليه اصول العزف على آلة السُنطور فترة طويلة حتى عام 1967 أي قبل دخولي معهد الفنون الجميلة. وقد درست عليه أيضاً اصول المقامات البغدادية وعلومها، اضافة الى دراسة المخطوطات العباسية التي اخذت منّا مشواراً طويلاً حيث كنّا نقوم بفك رموزها وتحليلها وتدقيقها وشرحها. ومن هنا كانت انطلاقتي العلمية الموسيقية الصحيحة فكان لي الأستاذ والمصدر الذي استند عليه. أما الأستاذ المبدع الفنان روحي الخماش " العالِم و المُعلم " بكل ما تحمله هاتين الكلمتين من معنى، فقد درست عليه الموشحات بموازينها وأصولها وقواعدها وكان لي الأستاذ والصديق. وهنا لابد من الإشارة الى أنه كان عالماً متخصصاً بعلوم الموسيقى العربية، لكنه للأسف لم ينل الحظ الوافر من التقدير والعناية. وكان يلقبني بـ" العالِم الصغير" حين وجد في داخلي الإصرار على المعرفة والتحليل والمقارنة الموسيقية وأنا لم أبلغ سن الرشد بعد. بعد ذلك يأتي دور الأستاذ المبدع والعالم الموسيقي الأستاذ الفنان جميل سليم، الذي تعلمت عليه اصول التلحين والتأليف الموسيقي، وكان من ابرز وأكفأ اساتذة المعهد بعلم الموسيقى العربية والعراقية بل هو عالِم يخشى من علمه كثير من الموسيقيين والأساتذه وهذا ما وضعه في حال لا يحسد عليه حين حاربه الدخلاء من الموسيقيين الأميين. فلم ينل المبدع جميل سليم نصيبه من العناية والإهتمام والتقدير والإعلام. وللأسف فقد خسرنا برحيله موهبة علمية كبيرة دُفنت وهي حية. فمن منا لا يتذكر اغنيته الشهيرة " على شواطئ دجلة مر " التي عرفها الناس أجمع كأغنية رائعة دون أن يعرفوا من هو واضع لحنها وكاتب موسيقاها. ثمة دليل موسيقي كبير آخر في حياة هذا الفنان العملاق ، وهو اغاني الفنان الراحل ناظم الغزالي، التي قام الأستاذ جميل سليم بإعداد معظمها وتقديمها إلى الغزالي الذي زادها جمالاً وإبداعاً على ابداع جميل سليم "رحمه الله" .
* هل كان الجو الأسري لعائلة الرجب الموسيقية تأثيرها على تكوينك الفني، وهل صحيح أنك عرفت طريق الشاشة التلفزيونية قبل أن تدخل أي مؤسسة تعليمية لدراسة الموسيقى؟
- لقد كانت نشأتي الفنية من البيت كما ذكرت .ولم يكن البيت يُعنى بشؤون الموسيقى فقط فالكل يعرف ان دار الرجب منتدى يحضره الشعراء والأدباء والموسيقيين والملحنين والممثلين والرسامين وحتى السياسيين . اسماء لامعة مثل عبد الأمير الطويرجاوي، ابراهيم وفي، جبوري النجار، عباس جميل، شعوبي ابراهيم، ناظم الغزالي، جميل الأعظمي، يوسف عمر، عبد الرحمن خضر وكثير من شخصيات العراق الفنية التي لا مجال لذكرها ناهيك عن طلاب الدراسات وقرّاء المقام واساتذة الموسيقى. تلك الأجواء مضافاً لها الشغف والحب والموهبة الموسيقية، دفعتني للتعلم السريع والإبداع . وفي عام 1968 وقبل أن أدخل المعهد لدراسة الموسيقى، سجلت اول عمل فني على شاشة تلفزيون بغداد برفقة والدي واخوتي الفنان صهيب الرجب على آلة ( الجوزة ) والفنان مهنا الرجب على آلة( الرق ) وكان عمره ( 10) سنوات فقط وكذلك الفنان الراحل حسين حسن الفلسطيني على آلة ( الطبلة)، سجلنا حينها مقام الأوج عزفاً وبشكل كامل مع اغنية ( لا تظن عيني تنام ). وبعد دخولي المعهد للعام الدراسي 1968/1969( القسم الشرقي - آلة القانون) ازدهرت معرفتي اكثر وصرت اتابع واقارن واسأل استاذيّ الفاضلان روحي الخماش و جميل سليم عن كل ما يدور بخلدي ولم يبخلا عليّ بالإجابة مطلقاً وكنت اجازيهما بالتفوق الدراسي سنوياً وكنت احصل على أعلى الدرجات في مادتي العملي والأنتاج الفني حيث كان لزاما على الطالب عند تخرجه تقديم مؤلفاً موسيقياً أو أكثر وبعض من الألحان . وقد ألفت وقتها "سماعي عجم" نال اعجاب كل اساتذة المعهد، ومن ثم قدمّ العمل على شاشة تلفزيون بغداد بمناسبة يوم الفن الذي أقيم على قاعة ( الخلد ) آنذاك.

* الفنان الراحل الحاج هاشم الرجب، هو الأستاذ والمؤرخ وهو علم من أعلام الموسيقى العراقية، وهو والدك أيضاً، ترى كيف تصف لنا شغفه بالموسيقى؟
- نعم شغف والدي بالموسيقى كبير وبالتحديد المقام العراقي. ولكون عائلته محافظة جداً كبقية العوائل البغدادية العريقة فقد كان يتردد على المقاهي وجلسات الرواد بدون علم الأهل من شدة حبه لهذا الفن. ولما تمكن من قراءة المقامات بثت له اذاعة بغداد على الهواء مباشرة وبإسم مستعار خوفاً واحتراما لوالده، الى ان عرف والده بالأمر وكان ماكان، ولكنه سرعان ما غير نظرته لشغف إبنه بالغناء وصار يستمع الى تسجيلاته التي كانت تُبث في الإذاعة العراقية وكذلك الإسرائيلية في فترة الستينيات. وللأمانة الفنية والتاريخية لابد من ذكر حقيقة هامة، وهي ان الفضل في تعلمّ والدي العزف على آلة " السُنطور " والفنان شعوبي ابراهيم على آلة " الجوزة " يعود الى رئيس الوزراء نوري السعيد الذي كان يعشق المقام أيضاً، فلقد أمر بتأخير تسفير اليهوديان العراقيان ( يوسف بتو وصالح شُميّل ) عازفََي ( السنطور والجوزة) إلى فلسطين المحتلة ( إسرائيل ) إلا بعد أن يعلمّا هاشم الرجب وشعوبي العزف على الآلتين. وهكذا كان نوري سعيد سبباً مباشراً في بقاء هاتين الآلتين في تراثنا.
كانت اول قراءة للحاج هاشم الرجب، وأقصد قراءة المقام، في عام 1950 من دار الإذاعة وقد قرأ مقام ( البيات ) فأجاده وحين انتهائه وصلته، فوجئ برئيس الوزراء في دار الإذاعة يسأل عمّن كان القارئ؟ ولما عرف أمر بتكريمه، ومنذ تلك الأيام، ومنذ قراءته الأولى حظي المرحوم هاشم الرجب بإحترام وتقدير كل من استمع إليه. لكن، وكما هو حال معظم أعلام العراق وفنانيه الكبار، تعرض هاشم الرجب الى إجحاف وظلم وتعتيم اعلامي بسبب أقلام صحفية دخيلة ومأجورة ، فلم تنصفه ولم تواكب كل ما كرّسه من وقت وجهد وتفكير سواء في حياته أو بعد رحيله. وحتى برنامجه الشهير " سهرة مع المقام العراقي " الذي بني بجهوده الشخصية البحتة رغم كبر سنه، حرصاً منه على نتشر التراث وتعليم أكبر عدد من القرّاء فلقد أُغتصب منه وصار بأسم أحد الدخلاء، وما يحزّ في نفسي انه مد يد العون والمساعدة للكثير من الصحفيين والقراء والموسيقيين، فما كان من بعضهم إلا وعضّ تلك اليد التي ساعدته وأخرجته إلى الساحة. وبرأيي كانت تلك احدى اخطائه التي عانى ونعاني منها الكثير حتى يومنا هذا، حيث صار كل مَن هبّ ودب يتكلم عن المقام ويتوكأ عليه وهو لا يعي حتى مفهوم المقام للأسف !! وهنا لابد لي ان اذكر ان المرحوم الرجب هو مؤسس ( الجالغي البغدادي ) المعروف، والبرنامج التمثيلي الغنائي ( قهوة عزاوي ) الذي شارك فيه كبار الأساتذة الفنانين امثال : خليل الرفاعي، محمد القيسي، محمود القطان، الحاج ناجي الراوي، سليم البصري، كامل القيسي ، وغيرهم الكثير.
* بمناسبة ذكر " الجالغي البغدادي " الكثير يسأل عن تسميتي الجالغي البغدادي والمقام العراقي، فهل تعطي لنا الفرق بين التسميتين؟
- الجالغي: كلمة تركية معناها جماعة او فرقة، وأصلها " جالغي طقمسي " أي جماعة الملاهي. جاءت هذه الكلمة الى العراق مع الإحتلال العثماني ولازمتنا بعده. وقد أضاف الحاج هاشم الرجب لفظة البغدادي بديلاً عن " طقمسي " تيمناً ببغداد الحبيبة ولإنتشار الفن فيها أكثر من باقي المدن العراقية الأخرى وبديلاً عن مفهوم المعنى السابق " الملاهي ". و يتكون الجالغي من أربع آلات موسيقية هي السُنطور والجوزة والرق والطبلة.
اما تسمية المقام العراقي، فالمقام هو لون من الوان الغناء في العراق اختصت به بعض المدن العراقية كبغداد والموصل وكركوك والبصرة مع الإختلاف في طريقة الأداء والأصول والقواعد بين مدينة واخرى واختلاف اللهجة ونوع الشعر ومحتوى كل مقام من حيث عدد القطع والأوصال والميانات والتحرير والتسليم والأغاني المرافقة بعد قراءة المقام في كل مدينة من تلك المدن. والمقام اصطلاحاً كما عرّفته بكتابي الجديد " شجرة سلالم الموسيقى العربية " هو مجموعة نغمات بشكل متسلسل أو غير متسلسل, وأي تغيير يحصل في تكوين محتوى هذا النظام ينتج عنه مقام آخر. أما المقام في العراق، فهو صيغة غنائية تقليدية متعارف عليها عند ذوي الاختصاص، وحسب تعريفي الخاص للمقام العراقي ( هو الغناء الكلاسيكي المتكوّن من مجموعة الألحان الغنائية والمؤلّفات الموسيقية التقليدية المبنية على قواعد وأُصول تسمى " أركان المقام " وللقارئ حرية الارتجال في الأداء الغنائي ضمن ضوابط وحدود سير كل مقام. له بداية تسمّى التحرير أو البدوة ونهاية تسمّى التسليم وبينهما انتقالات نغمية غنائية ( modulation) من قرارات وميانات وقطع وأوصال يرتكز بناؤها على قواعد مثبّتة ). لذا فإن هناك فرقا كبيراً بين المفهومين. وثمة نقطة أساسية أخرى جديرة بالذكر تتعلق بصلب الموضوع، مما تقدم ذكره يتبين ان تسمية المقام البغدادي هي الأصح بالنسبة لقراءته في بغداد وللأسباب السابقة. وهذا ما اختلفت عليه مع الحاج هاشم الرجب، لذا فقد كان كتابي الأول بعنوان " أصول غناء المقام البغدادي ".

* تعد مؤلفات الحاج هاشم الرجب من المصادر المهمة في وقتنا الحالي لدارسي الموسيقى والغناء العراقي، ولكن لم يسبق لنا أن قرأنا دراسة تتناول عدد تلك المؤلفات أو حصرها، فهل يمكنك أن تذكر لنا مؤلفاته، وقبلها ولعه بالبحث عن المخطوطات والكتب النادرة؟
- كان الحاج الرجب يستمتع بسماع الموشحات والقدود الحلبية، لكنه صبّ جلّ اهتمامه على تراثنا الأصيل، فبحث وشرح وحقق في المخطوطات. وله نفس طويل في حفظ الشعر والأبوذية وكان ينصت الى الطويرجاوي ووفي والنجار اثناء المطاردات الشعرية الممتدة لساعات الفجر الأولى. وبما يخص كتب التراث والتاريخ، فلم يولع الفنان الرجب بشئ غير الموسيقى سوى ولعه ببغداد وتاريخها وقد ضمت مكتبته كثير من المراجع والكتب القيمة التي حرص على اقتنائها منذ عشرات السنين وكان يوصي اخيه الأكبر وهو صاحب أكبر وأشهر مكتبة ومطبعة في العراق " مكتبة المثنى " بجلب ما لم يتوفر لديه من كتب قيمة من خارج العراق، وقد احتوت مكتبته على مخطوطات موسيقية قيمة جلبها بنفسه من لندن وتركيا وباريس.
للأستاذ الرجب المؤلفات التالية:
المقام العراقي بطبعتيه الأولى (1961) والثانية (1983)
الرسالة الشرفية في النسب التأليفية للأرموي - شرح و تحقيق الحاج هاشم الرجب
شرح كتاب الأدوار للأرموي.
الموسيقيون والمغنون خلال الفترة المظلمة.
حل رموز كتاب الأغاني ( للأصفهاني )
الأبوذيات ( طبع في دولة قطر )
من الشعر العامي المذيَّل
وهكذا تجدون ان سيرة ذلك الفنان والباحث طويلة وزاخرة، عبقها الشعر والموسيقى والتاريخ، فقد أفنى حياته في سبيل المقام وخدمته وتوثيقه لفترة تزيد عن النصف قرن وللأسف لم يهتم به احد وعتبي أرفعه الى وزارة الثقافة التي لابد لها من تكريمه وامثاله حق التكريم واقصد طبعاً المعنوي والتاريخي فمسيرة الفنانيين الكبار أعظم من ان تحجب او تنسى.
* كم فنان خرج من بين أفراد عائلة هاشم الرجب؟
- سؤال جميل ومهم، لا سيما في الوقت الحاضر، حيث يجب الوقوف عند المرحلة انتهاء التي غُبن فيها حق فناني هذه العائلة المثابرة في العقود الماضية. وجواباً على سؤالكم فقد خرج من عائلتنا بالإضافة لي كل من الفنانين:
صهيب هاشم الرجب، عازف آلة " الجوزة " الأخ الأكبر الذي لم تثنيه مهام وظيفته في وزارة التخطيط - مدير احصاء المحافظات - من تعلمه واتقانه للعزف على آلة الجوزة ومرافقته للوالد ولكثير من قراء المقام سواء في برنامج سهرة مع المقام العراقي او في أحد اشهر مطاعم بغداد لسنوات جاوزت السبع، ولظروف عمله الصباحي التحق بمعهد الدراسات النغمية، ولكن وبسبب قرارات الخدمة العسكرية الإلزامية والتحاقه بالخدمة خارج بغداد، لم يتوفق للأسف من انهاء الدراسة لكنه درس على يد والده ما فاته وصار خبيراً في المقام واصوله بجدارة.
مهنا هاشم الرجب، أستاذ آلة الكمان ومادة الصولفيج الغربي - معهد الفنون الجميلة - القسم الغربي، وعازف كمان في الفرقة السمفونية الوطنية العراقية، وأحد الأعضاء البارزين في الفرقة المركزية للمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون.
مهلب هاشم الرجب، عازف هاوي على آلة " الطبلة "، حبه ورغبته في مشاركة الأخوة والوالد دفعه لتعلم هذه الآلة والموازين المصاحبة للمقام فكان أن شارك فرقة الجالغي في كثير من الأمسيات والحفلات داخل وخارج القطر إضافة الى مشاركته للفرقة في كثير من حلقات البرنامج الإسبوعي "سهرة مع المقام العراقي " على شاشة تلفزيون بغداد.

* من خلال عملك الطويل في مجال الموسيقى العراقية، فالمعروف عنك أنك عزفت لأشهر مقرئي المقام العراقي، ما هي القصيدة التي حين تغنى في حضرة المقام تهز مشاعرك؟ .. وما هي الأجواء التي كانت تقيم خلالها أمسيات غناء المقام العراقي؟
- رافقت كل قرّاء المقام تقريباً وحتى الذين لم اواكبهم في الخمسينيات والستينيات لصغر سني فلقد حضرت واستمعت لأكثرهم اثناء مرافقتي للوالد رحمه الله وكنت فعلاً استمتع بسماعهم. وهنا لابد من الإشارة الى افتقار الساحة الفنية لقارئ مُلم بعلوم هذا الفن الغنائي إلماما صحيحاً وكاملاً. وللأسف ايضاً فإن أكثر المقامات تركت بعد رحيل الأوائل بسبب صعوبتها وعدم قدرة قراء المقام - للصوت الرجالي - على اعطاء المقام حقه رغم توفر ظروف جيدة ومناسبة لهم من تسجيلات وستوديوهات وأرشيف ومعاهد موسيقية الخ. ومن المؤلم جداً ان نسمع القارئ يردد كالببغاء ما قد حفظ دون معرفة تفاصيل المقام وسيره، وأين يكمن الإبداع في هذا المقام عن غيره!! حتى صارهذا اللون الغنائي الجميل جامداً لا روح فيه.
اما عن القصيدة التي تهز مشاعري فهي القصيدة التي تصل القلب والأذن عن طريق الإحساس المرهف للقارئ وكفاءة أدائه واحساسه بالكلمة معنى ولحنا. ففي مقام الرست للمرحوم حسن خيوكة قصيدة ( نشرتُ في موكب العشاق أعلامي .. وكان قلبي بُلي بالحب أعلامي ). وأما في مقام النوى بصوت يوسف عمر وقصيدة ( وأما الصَبوح فإنه فرضُ...فعلامَ يكحلُ جفنيك الغمضُ ) وفي مقام البيات قصيدة ( كم بعثنا مع النسيم سلاما... للحبيب الجميل حيث أقاما )
كانت هناك طقوس واجواء خاصة تقام مع المقام البغدادي وأكرر هنا البغدادي حيث اللهجة البغدادية المزدانة بالزي البغدادي المميز. وقبل افتتاح الإذاعة عام 1936 كانت هناك مقاهي خاصة عاشت هذه الأجواء الجميلة. وكان المقام البغدادي يقدّم في الأذكار والمناسبات الدينية بشعر المديح والثناء في الله جلّ وعلا وفي مدح الرسول المصطفى (ص). وكانت هذه القراءات تقرأ في التكايا في شهر رمضان و بعد صلاة الظهر في مسجد عبد القادر الكيلاني، و قراءة المقام في المقاهي كانت على شكل فصول كفصل البيات وفصل الحجاز والرست والنوى والحسيني وهكذا. ومن أشهر المقاهي:
مقهى عزاوي في الميدان ،اما اشهر قرائها ( احمد الزيدان ونجم الشيخلي )
مقهى المميز مقابل القشلة على نهردجلة بجانب جامع الآصفية ، ولازالت هذه المقهى موجودة إلى الآن.
مقهى الشابندر في سوق السراي ومن اشهر قرائها( نجم الشيخلي ورشيد القندرجي )
مقهى قدوري العيشة وتقع في منطقة الشورجة.
ولا يفوتني هنا ان اذكر اهتمام ورعاية بعض عوائل بغداد العريقة بهذا التراث حيث كانت هذه العوائل تقيم في منازلها الحفلات والأمسيات الخاصة بقراءة المقام فكان ان حافظت هذه العوائل على التراث بصورة غير مباشرة وساهمت في تداوله ايضاً.
* كيف تصف لنا أهم الميزات الخاصة بشخصية كل من: يوسف عمر .. محمد القنبجي .. الحاج هاشم الرجب؟
- لكل من الفنانين الثلاثة خصال وميزات مختلفة ولكنها تلتقي بنقطة واحدة وهي حبهم اللا محدود للمقام وقراءئه. اما عن ميزة كل من:
( يوسف عمر) : فنان محب ومولع بغناء المقام، وقد كان صاحب نفس طويل، وكان يستطيع لوحده و برفقة الجالغي من أن يُحيي حفلاً كاملاً ولساعات طويلة حتى لو كان مريضاً، بل ويؤديه كما ينبغي.
( محمد القبانجي ): فنان أضاف الكثير الى المقام ووضع صيغ مقامية كثيرة أغنت هذا اللون الغنائي وكان يجيد نظم الشعر والأبوذية ويتمتع بمساحة صوتية كبيرة أهلّته لأداء اكثر المقامات. لحن الكثير من الأغاني منها اغنية يللي نسيتونة المعروفة ، وبالمناسبة فقد قمتُ بوضع موسيقى لهذه الأغنية وأعددتها لبرنامج اذاعي عام 1991 يتناول سيرة هذا الفنان الراحل وكان العمل يبث يومياً.
( الحاج هاشم الرجب ) : فنان اعطى فأجزل العطاء وتفانى في خدمة التراث والحفاظ عليه. أضاف الى المقام الكثير من القطع والأوصال. وهو القارئ الوحيد الذي تمكن من قراءة المقام مستغنياً عن الألفاظ الأعجمية المصاحبة لقراءة المقام حيث اعتمد الشعر العربي فقط منذ عام 1958، وكان ذلك بأمر من مدير الإذاعة آنذاك الذي منع استخدام تلك الألفاظ في القراءة. أفنى شبابه وعمره في دراسة المقام وتوثيقه لآخر ايامه. ومن ميزاته الواضحة انه كان سريع الحفظ وكان لايحتاج الى دفتر لتسجيل أرقام الهواتف حيث كان يحفظها عن ظهر قلب وكذلك الحال مع الشعر والأبوذية.

حاوره حسين السكاف
[email protected]



#حسين_السكاف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناجاة عازف عود عراقي
- - الطريق إلى بغداد - ألبوم موسيقي يغازل قامات النخيل
- أوبرا - سيغفريد - على المسرح الملكي الدنماركي
- شكوى مدينة تحولت من الثقافة والأدب والفن، إلى مثلث موت
- صديقي الدانماركي والفن العُماني
- سرقة سنوات المنفى بقرار وزاري
- إلى شهيد الديمقراطية، سعدي جبار البياتي
- ثمن بطاقتي الإنتخابية


المزيد.....




- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...
- انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي ...
- هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي ...
- عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با ...
- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - حسين السكاف - حوار شامل مع الفنان باهر هاشم الرجب - الجزء الأول