أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد رشيد العويد - صيف حار















المزيد.....

صيف حار


ماجد رشيد العويد

الحوار المتمدن-العدد: 1302 - 2005 / 8 / 30 - 07:56
المحور: الادب والفن
    


بدا الجو صيـفاً حاراً، وكانت كأس الماء غير بعيدة عنهم، ولكن ماذا تراه يفعل مصطفى للحصول عليها، وأعين رفيقيه من حوله لا تفارقها؟. فكر طويلاً من دون أن يسعفه التفكير بشيء. كأس الماء المنعشة تتلوى أمامه كأنها فتاة في ريعان الصبا، فتزداد شهيته لها، وقد بلغ منه العطش مبلغاً قاسيـاً، فريقه جفّ ووجهـه شحب. فمنذ ثلاثـة أيام لم يذقه، وإن استمر الأمر يومـاً آخر فستنتهي حياته، فماذا يفعـل؟ هو الآن على استعداد لأن يبيع كل ما يملك لأجـل جرعـة واحدة، برغم أن ما يملكه لا يساوي شيئاً بالقياس إلى ما كان يملكه هارون الرشيد ، ولكنهما يشتركان في المبدأ، فهما معاً ومن أجل جرعة، بل ومن أجل قطرات منه يضحيان بالدنيا أجمع.
كان الماء في الكأس ينط تارة ويتلوى في أخرى مبتهجاً، حتى تخيل مصطفى أنه رأى فعلاً فتاة قفزت منه ثم أخـذت تضحك له، وكلما اقترب منها ابتعدت عنه حتى اتسعت المسافة بينهما.
أما السجان فقد أطلقهم في الساحة بعد أن أعطشهم، وقام بمنعهم من العـودة إلى الداخل وجعل من أمامهم الكوب المثلج، غير أنه لم يكن بمقدورهم الحصول عليه. ثم أنه لابد لأحدهم فقط أن يناله، وليتحقق هذا لابد من الإجهاز على البقية. كان الخيار قاسياً، بيد أن العطش بدا أقسى وأمرّ.
أمام هذه الكأس سقط من حساب السجناء أنهم أبناء صحبة في السجن امتدت إلى أعوام وأعوام، وأنهم هنا تجمعهم الهموم ذاتها. هذا كله إلى جانب أشياء أخرى تحطمت أمام الكوب الذي زين لهم في لحظات كثيرة أن في داخله فتاة على غاية الحسن والجمال.
فكر مصطفى وهو يغالب عطشه بطريقة تمكّنه من الانفراد بأعطية السجّان. لقد زحف العطش إلى جوفه تحت الهجير فتركه كتلة جافة شائنة، ولكن كيف؟ أيقوم بقتل رفيقيه؟ ولم لا فحياته أبقى وأعز من حياة البقية، ثم إنهما لو تمكّنا منه لما ترددا لحظة في قتله للحصول على هذه الأعطية الكفيلة بالقضاء على النار المشتعلة في أحشائهم. إذاً فما عليه إلا أن يخطط لإزاحتهما عنه بكل الطرق الممكنة والمتاحة، حتى ولو أدى به الأمر إلى سحقهما معاً. إن الحياة جميلة وتستحق أن تعاش، وإن ارتفع ثمنها.
هتف به هاتف: لا تدع أحداً يقترب منه، فما في الكأس ليس ماء قَراحاً راداً للعطش فحسب وإنمـا هو أيضاً يمنحك الخلود، فاسع إليه بكل جوارحك. لقد داعبه هذا الهاتف طوال الساعات الأربع والعشرين الماضية حتى تمكن منه، وأضاف الهاتف إن الفتاة التي تخرج من الكأس سوف تعانقك، ومن رحيقها سوف تشرب ما يمنحك الأبدية.
ازداد ريقه جفافاً، الشمس من فوقه تقذفه بلهيبها، فلم يعد به حراك وكذلك صاحباه. باتـوا كالخرق المبلولة مقذوفة في العراء، وقد جفت من كل شيء إلا من الرغبة المتوحشة بقطرة منه. ولكن كيف الوصول إليه وهو معلّق في أعلى؟
بدت الطرق كلها مستحيلة، فمع أية حركة غير محسوبة سيندلق الماء على الأرض التي تغلي من شدة الحر، ويصبحون جميعاً في عداد الموتى. ثم إنهم غير متفقين، والذي سيحصل عليه أحدهم دون البقية حسب الشرط، وإذاً سيدخلون في عراك لأجله، ربما يكون من غير طائل.
هنا قال مصطفى لنفسه: يجب النظر في الأمر قبل الدخول في معركة طائشة يضيع معها الماء. ثم استدرك قائلاً ولكنّ الحربَ إلغاء للعقل فكيف ستكون المعركة صائبة؟ ثم قال: يجب علي قتلهما وليس مهماً بالغدر أو بالحيلة.
على هذا قال لرفيقيه:
ـ ما رأيكما لو تقاسمنا ما في الكأس؟
ونظرا إليه مشككين مكذبين ثم قال الطويل منهما:
ـ وما أدراني أنك صادق؟
وأردف الثالث قائلاً:
ـ حتى لو اتفقنا على الماء فلن نتفق على الفتاة، فماذا تقول هل تدع لنا الفتاة وتأخذ نصيبك منه؟.
كانوا جميعاً مرهقين، ومن بين التعب قال لرفيقيه:
ـ هذا محال.
ورد الطويل معنفاً:
ـ ولماذا؟ أتريد أن تستأثر بها وحدك؟ هذا لن يكون أبداً.
عند هذا الحد شعر بأن الحيلـة لن توفر له الفرصـة المناسبة، لأن التعـب بلغ منه الغاية ومن صاحبيه. إنهم الآن أشبه بالموتى، ولن يحصل أي منهم على نقطة منه، ولا على الفتاة أيضاً. صاحباه كذلك أدركا أنهما لن يحصلا على شيء، وأن المعركة خاسرة.
كل هذا جرى أمام السجّان الذي اتخذ منهم ركناً قصياّ مظللاً، وبارداً، ينظر إليهم مشمولاً بالسعادة، وممنوعاً منهم لا يصلون إليه مهما خططوا لذلك. قال لهم:
ـ أنتم تنسون الشرط.
ورد مصطفى:
ـ أي شرط؟
ـ تدخلون في عراك، والغالب يحصل على الكأس؟. وهنا دفع إليهم ثلاث سكاكين، وتابع بلهجـة آمرة:
ـ ليحمل كل منكم سكينه، وليجهز على الآخر، هيا.
بدورهم حسموا المسألة، فالحياة ثمينة، ولن يتهيأ لهم الحصول عليها، بغير ما أراد السجّان الذي يتحكم بحركة ما يتنازعون عليه.
كان الثلاثة عبارة عن جثامين صرعى من شدّة الحر والعطش. دبّ الوهن في عروقهم، ثم تركهم للشمس تفتك بالبقية الباقية من روحهم. غير أن رؤية الماء المثلج والفتاة التي ما تلبث أن تغيب حتى تظهر ثانية في حلّة جميلة دفعت بالرجال الثلاثة إلى أن يستمدوا منها روحاً جديدة، روحاً من الشيطان، فوثبوا على بعضهم بالسكاكين. كانوا جثثاً تتحرك بالرغبة المتوحشة بالحياة. وبرغم الإعياء الشديد الذي انتهوا إليه، فقد تحفّز كل منهم للانقضاض على الآخر. واستطاع مصطفى أن يغافل الطويل، فدفع إليه بطعنة أصابت القلب فاختلج قليلاً ثم مات. وهنـا قال القصير:
ـ ما رأيك أن تدعني وأترك لك الماء والفتاة معاً؟
بلغ منهما العطش كل مبلغ، وانهارا على الأرض جوعاً وعطشاً وإرهاقاً. الحر من فوقهما اخترق الجلد فتقيحت جروحهما، كانا يصرخان من الألم، ويتلويان. أثناء ذلك بادر القصير إلى سكّينه يريد الغدر بمصطفى، غير أن هذا ومن بين تعبه، ومن بين الوهج الذي يحرق العيون استرق النظر إليه فانتبه في اللحظة الأخيرة وغرس سكينه في بطن القصير.
انقلب مصطفى على ظهره ودخل في غفوة برغم الإعياء والعطش. وبينما هو كذلك تجلت له أنثاه بدراً ينثني ويميد على إيقاع إعيائه وعطشه. مدّ إليها يديه فلامس خصرها، لحظتها نسي عطشه وانتهى إلى حال من الوجد، مسّه سناه مسّاً رقيقاً، ثم ارتفع محلّقاً عالياً، ضاماً أنثاه التي حاول تقبيلها وقبل أن يفعل صحا فإذا به وحده في عـراء الساحة. مات صاحباه، واختفى السجّان.
نظر إلى أعلى فلم يجد للماء أثراً، وإلى أسفل فوجد الأرض يغلي أديمها. حاول النهوض فلم يفلح، ثم ارتمى إلى جانب رفيقيه...



#ماجد_رشيد_العويد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وأخيراً رأيته
- العباءة
- في الجحيم
- في الليلة الأولى
- التماعة
- المِذَبّة
- مشكلتنا ليست في اللغة
- شهداء الغضب
- صناعة الألقاب
- حديث إلى الشريك في الوطن
- لنبدد معاً سوء الفهم
- مع وزير الإعلام مرة أخرى
- مع وزير الإعلام في الرقة
- شيء من الروح
- مع وزيرة المغتربين بثينة شعبان
- مواطن فرنسي من أصل سوري
- كلمة حب في سمير قصير
- العلاقة الخاطئة بين الحكام العرب وشعوبهم
- البعثيون السوريون في مؤتمرهم القادم
- البعث مفرخة للشعارات وفقط


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد رشيد العويد - صيف حار