أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - رواية -وجه الزمان- طاهر العدوان















المزيد.....



رواية -وجه الزمان- طاهر العدوان


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4640 - 2014 / 11 / 22 - 02:06
المحور: الادب والفن
    


الروايات التاريخية تأخذ أهمية متعددة الجوانب، منها المعرفة التاريخية لحقبة الزمن الذي تتناوله الرواية، فهناك جوانب اجتماعية اقتصادية سياسية لا يتناولها التاريخ كما تتناولها الروايات التاريخية، كما إن الصيغة الأدبية للنص ترسخ أكثر في الوجدان، وتجعل القارئ يعيش الفترة وكأنها حقيقة.
"طاهر العدوان" بروايته "وجه الزمان" قدم لنا مادة تاريخية كنا بأمس الحاجة إليها في زمن النعرات الإقليمية والطائفية والقبلية والحزبية، هو يرد على واقعنا المتشذي بهذا النص النافذ إلى العقل والقلب، نص يبكيك، وفي ذات الوقت يفرحك، أيضا يمدك بالمعرفة التي تصل إلى الحكمة، هو يجمعنا ويوحدنا في الأردن وفلسطين ، ويحدثنا عن أصول البعض منا إلى جذوره العراقية، ويجعل من التاجر الشامي، أرحم علينا من بني جلدتنا.
لم يهمل دور الاحتلال الانجليزي فيما وصلنا إليه من تشرد، ودور التجار المرابين وأعوانهم، الحالة الاقتصادية والفقر أخذ مساحة جيدة من النص، موضحا الترابط بين الفقر والاستغلال والاستغفال والظلم.
وعندما تناول الحديث عن عائلة فاطمة وما يحدث في فلسطين، كان يربط بين دور الاستعمار الاستيطاني الاستعماري والاستغال من قبل التجار والمرابين، فكلاهما يقوم بنفس العمل، من هنا كان النص اجتماعي، اقتصادي، سياسي، تحرري.
شخصيات الرواية عديدة، المرأة إن كانت أما أم زوجة، الرجل، إن كان أبا أن ابنا، تاجر أم مزارع، جندي أم حارس شخصي، المكان، حدده الكاتب بسهل البقعة، لكنه يتحدث عن صويلح والسلط، وينتقل إلى فلسطين والقدس، وكأنه يريد إن يقدمنا من حالة الوحدة الجغرافية والسكانية التي كانت قائمة بين الأردن وفلسطين، وجعل من استشهاد "أحمد العلي" على أبواب مستعمرة "كفار عصيون" تأكيدا على هذه الوحدة إلى أصبحت في خبر كان.
دور الجيش العربي في حرب ال48، يؤكد المكانة التي يحتلاها هذا الجيش، إن كان من خلال أبراز الوعي الوطني لعناصره، أم من خلال المهام الحربية الملقى على كاهله، فكان الجنود العرب ينتظرون بشوق بالغ يوم الخلاص من قيادة الانجليز للجيش، وكأنه عيد الاستقلال، وتمثل هذا الشوق وهذا الانتظار بقول أحمد لأمه فاطمة "والله يا أمي إنهم أساس البلاء، والله يا أمي مايصير وطن إلا يوم نتخلص منهم" ص187.
الرواية من حيث المضمون أو من حيث الشكل الروائي رائعة وممتعة، من خلال لغتها وأسلوب الكاتب الشيق، أو من خلال المعرفة والأفكار النيرة التي يقدمها لنا "طاهر العدوان" رواية استثنائية في هذا الزمن، تجعلنا ننتشي، تفرحنا بما كنا عليه، وتجلنا نتقدم إلى الأمام .
الرواية من منشورات وزارة الثقافة، عمان، 2008، تقع في مائتي وواحد وخمسون صفحة حجم متوسط، الحدث الرئيس فيها هو:
الربا والمرابي ومساعده
الربا الذي يقوم به "عليان" ومساعده "سعود" فهما يعملنا على سلب الأرض من أصحابها، بطرق تبدو للوهلة الأولى سليمة، حيث يقدم عليان بضاعته بكافة أنواعها لسكان السهل، على إن يسترد ثمنها في موسم الحصاد، وهنا يتم ربط المجتمع الزراعي بحبال المرابي، الذي يمد لهم الحبل أكثر، وهم يغرقون في وحل الربا أكثر، حتى تصل قيمة الدين مع فائدته مساويا لسعر الأرض، وهنا تقع المصيبة على عائلة فاطمة.
أول حديث للمرابي "عليان" كان مع "فاطمة" وبهذا المنطق: "ـ أسمعي يا أم ضيف الله .. حسابكم تضاعف، لأنكم لم تدفعوا، دينكم صار ثلاثة مجيديات ذهب.
ـ يا رجل حرام عليك .. هذا بيدنا أو بيد رب العباد.. المطر شحيح والزرع مثلما رأيت، أرحمنا يرحمك الله.
ـ الحق حق، إن لم يعجبك لا تشتري مني، اشتري من غيري.
ـ من أين نشتري " وش لزك على المر غير اللي أمر منه" ص13، الكاتب لم يتحدث نيابة عن المرابي، بل جعله يتحدث بكل حرية، حتى إن مشاعره وهواجسه نقلها لنا، إن كانت مشاعر خوف أو التوغل أكثر في مشاريعه الربوية، فهو شخصية أساسية، ولها أن تسمعنا منطقها بشكله الكامل، "أنت تقول : ديون كثيرة.. ولو جاءت المواسم غلالا لمدة خمس سنوات متتالية، لما استطاع إلا القليل منهم التخلص من دينه ... والله لئن صارت السنين كلها غلال سترى أخاك عليان فاتحا فمه للذباب .. أنا رأيي نبدأ من هذه السنة في تحصيل الديون كاملة، وبدون تأجيل، حتى لا نترك بيد الناس حباً أو غلالا يتصرفون بها وأن جاءت السنة القادمة .. من لا يدفع دينه كاملا استولي على أرضه، ارض مقابل الدين" ص87، طريقة تفكير المرابي تجعل من أحلامه قريبة من الواقع، ومن ثم ستكون واقعا، فهو يتعامل بالقلم والورقة، الحساب بالربح وكيف يتضاعف، ثم النقلة النوعية، تحويل الربا وما فيه من دين بسيط إلى ارض، ولا شيء أغلى من الأرض.
كان هذا منطق المربي في الوضع العادي الطبيعي، حيث كان مسار الحياة يسير حسب الطبيعة، فلا وجود لظروف استثنائية أو طارئة، لكن كيف سيكون تفكير هؤلاء القوم في الحالات الاستثنائية، الحالات التي تجعل الكل في مصيبة، فهل يتعدل سلوكه؟ أم يستمر فيما هو فيه من قذارة؟.
"طاهر العدوان" يقدم لنا منطق وطريقة العمل الربوي، فهو سرطان ينتشر في الحالات الطبيعية ويستفحل أكثر في حالات المرض، فنجد المرابي يفكر بالمنطق الربحي المجرد فيقول لمعاونه سعود : " ـ ..أن التجارة هذه الأيام تدر أرباحا كبيرة على أصحابها... أن البلاد تغرق بآلاف المهاجرين، وهؤلاء يحتاجون للطعام واللباس، هذا الموسم، لن أسامح أحدا، إني بحاجة لكل حبة قمح أو ذرة، أو عدس، كما أني أحضرت ما يكفي من النقود لشراء ما يفيض به الموسم عن ديوني.. هذا إذا فاض .. ومن لم يوف بدينة سأحجز أرضه" ص238 و239، طريقة تفكير التاجر تكمن في تحقيق الربح، وتحقيق أحلامه التي لا تعرف الحدود، فكلما وصل إلى مرحلة يفكر بالتي تليها، وهذا ليس عيبا أو ممنوعا أو حراما، لكن تنميتها عن طريق استغفال الناس، ووضع الكمائن لهم، وتجويعهم بعد فقرهم، وطردهم من أرضهم التي هي حياتهم وروحهم، يعد جريمة بحق هؤلاء الناس، فما بالنا إن كانت البلاد والعباد في ظروف استثنائية، والناس بحاجة إلى التراحم فيما بينها، وتوسع المحبة والأخوة، في الحالات الصعبة الظرف يوجب على الجميع العمل بالتراحم، فالكل يعاني ويمكن أن يكون أي واحداً في ذات الظروف الطارئة التي يشاهد الآخرين بها.
بمثل هذا المنطق يتعامل التجار المرابين، فليس لهم هم سوى زيادة ممتلكاتهم وتوسيع قدرتهم على لاستملاك.
الشخصية التي ساعدت "عليان" على التوغل بين الفلاحين وأستملك قوتهم وعملهم ثم أرضهم، "سعود" ابن السهل، ونسيب وعدو ضيف الله اللدود، وخصم أهل السهل، شخصية انتهازية بكل معنى الكلمة، يفكر بذات الطريقة التي يفكر بها "عليان" يعمل بطريقة العميل المزدوج، يرضي هذا ويرضي ذاك، لكنه في كلتا الحالتين يخدم سيده ونفسه، فيقول عنه عبد القادر "... لقد ارسي مكانته بين العشيرة على قاعدة الخوف والكراهية .. ليس الخوف منه، وإنما من قيود المرابي ومن عواقب تنامي ديونه وفوائدها" ص 145، هذه حال سعود، يضرب بسيف "عليان" ومن هم الذين يضربهم؟، هل عشيرته، أبناء عمومته، وهنا كان سعود يعد نقلة نوعية في عادات أهل السهل، الذي يعتبرون الأخوة والقرابة أهم رابط بينهم، لكن تعرف سعود على عليان جعله يفكر بطريقة جديدة، مصلحته الشخصية فوق كل مصلحة، لم يعد تجدي معه كل القيم والمفاهيم السابقة، فهو شخصية تتمرد على مجتمعها ولكن بطريقة سلبية، طريقة تحطيم المجتمع لصالح الذات فقط، من هنا يضيف "عبد القادر" كلامه عن "سعود" : "فإذا ما ذهب هذا الخوف، لن يبقى غير الكراهية، وإذا ما وجه كراهية الناس بدون سيف عليان المسلط فوق رؤوسهم، فان الدائرة ستدور عليه" ص145، حال "سعود حال أي مستخدم من قبل الآخر، مجرد أداة للوصول لغاية محددة، ومن ثم الاستغناء عنها، التخلص منها، وبأي طريقة، فاستمرار مثل هؤلاء يعتمد على الغاية التي كلفوا بها أولا ، وأيضا على قدرتهم على الاستفادة من وضعهم القوي في ظل السلطة التي تكفل حمايتهم ثانيا.
سعود استفادة من سلطة دين عليان، أولا ضرب خصومه وشكل له مكانة بين أهل السهل، "ويوما بعد آخر، تحولت سيطرة سعود القائمة على الرهبة إلى نفوذ يقوم على المصلحة، وخضع بموجب الظروف الجديدة بعض رجال العشيرة لإرادته .. وبعد أن كان أداة تنفيذ بيد المرابي، أصبح له عصابة من الرجال تقف ضد من يعارضه أو يتجرأ على الوقوف بوجهه" ص160، بهذه الطريقة استطاع "سعود" إن يكون له مكانة في العشيرة، فهو يعي ماذا سيكون في المستقبل إذا بقية رجلا وحيدا، ويعرف أهمية الكثرة العددية دورها في حسم الخلافات، كما إن كثرة الظلم والقهر الواقع على أهل السهل، جعله يحتمي ببعض الرجال.
إذن "سعود" شخصية ليست على الهامش، فهو يقوم بدوره جيداً، يخدم سيده، يشكل له حماية من الرجال، ويقوم بتطوير مصالحه وقدراته مع "عليان" فيقوم بالاستفادة من ضعف "عليان" الذي يجعل له نصيبا من الأرضي التي يستولي عليها، وهكذا يتنامى سلطته سعود بين أهل السهل وأيضا أملاكه من الأراضي.
أثر الربا على المجتمع
الإنسان الذي يخضع لمال المرابي يكون في حالة من الاضطراب والصراع، الصراع بين الأمل والرهبة من المستقبل، فيكون المرابي كالليل المظلم الذي يلاحقه أينما كان وحيثما اتجه، ويكون الأمل دائما مقرونا ومصاحبا لهذا الرعب فيقول "أحمد ابن فاطمة" حول هذا الأمل : "ـ إذا كان الموسم جيدا هذا العالم .. وإن سلم من المرابي عليان، سأتزوج من شيرة في الصيف" ص32، هناك شرطين للفرح، الموسم الجيد، وهذا يمكن أن يكون، إن لم يكن في هذا الموسم، فهناك موسم قادم، بمعنى، سيؤجل الفرح عام فقط، لكن الشرط الثاني هو المستحيل، فهناك عملية تلاشي في الأمل، حركة تسير الأحداث والواقع نحو الهاوية، وبسرعة مضطردة، فإذا كان الدين مجيدة واحدة، سيكون العام القادم ثلاث مجيديات، والذي يليه ثمانية والذي يليه خمس عشرة مجيدية، وهكذا، فاقتران ومصاحبة الأمل بالطرف الثاني ستجعل الفرح مستحيل، أو تجعل صاحب الفرح مربوطا وموحلا أكثر مع هذا المرابي وبهذا الربا.
وهذه المعادلة أوضحها "ضيف الله" شقيق أحمد وابن فاطمة عندما قال "ـ كيف أسد ديني، وهو مثل نبع الماء كل ما فيه يفيض، انه يكاد إن يغرقنا" ص43، منطق وواقع الربا، هو بهذه الكيفية، يجعل صاحبه ـ المعطي والآخذ ـ يغرق أكثر، فتكون المسافة بينهما في اتساع مضطرد.
هذا ما يتعلق بالنفسية التي يكون فيها من يتعامل في الربا، لكن يصاحب ذلك تغير في سلوك، في المفاهيم الأخلاقية المتعلقة بالشهامة والكرامة، فالربا سرطان أخلاقي ينخر المجتمع ويحطمه، وأحد هذه التأثيرات يتمثل في : "ـ.. والله يا ولدي الواحد منا لا يكون مسخا، إلا يوم أن يقف مثل الذليل، مطأطيء الرأس أمام عليان، وهو يتوسل لكي يؤجل دينه، أو حتى يعطيه جنيها أو اثنين يشتري لقمة يملا بها بطنه ليوم واحد" ص100، بمثل هذا الحال يكون المتعامل في الربا، يفقد احد أهم عناصر الكرامة التي يعتز بها الإنسان، فما بالنا إن كان هذا الإنسان تربى على العزة والكرامة، وعدم الخضوع للآخر؟
ومن تأثيرات الربا على المجتمع تحويل العمل المفرح إلى غم ونكد، "والواقع إن الرجال على البيدر يجتاحهم الارتباك، منذ يبدأوا بتذرية التبن يعلو الشحوب وجوههم، وينتقلون بنظرهم بين وقت وآخر نحو بيت عليان، يترقبون خروجه من الخيمة، وكأنه القضاء المحتوم" ص 130، حال المتعاطي للربا بهذا الشكل البائس، من يعرف موسم الحصاد وما يمثله للفلاح يعرف حجم مأساته بهذا الوصف، كما إن العمل في هذا الموسم، يعني قطف الثمر، وحصاد نتائج التعب، والذي يترتب عليه قضاء الحاجات المادية، من سلع وأغراض، ومعنوية من خطوبة وزواج، كل هذا الأمل والفرح يتحول إلى غصة، إلى شوكة الحلق.
تفسخ العلاقة الأسرية، وجعل الإنسان يفكر بطريقة شيطانية بحق اقرب الناس عليه، يعد اكبر اثر سلبي على المجتمع، هذا ما قاله "ضيف الله" عن سعود وأعماله، "... بماذا ستفيدني الأرض إن بقى وجهي بوجه، شوفه أخت سعود .. أنهم سيرثوني، إن كان عن طريق عليان أو عن طريق ملك الموت.." ص192، عندما يبدأ الإنسان بالتفكير السيئ بأقرب الناس عليه ـ الزوجة ـ يكون في الحضيض، فلن يكون هناك أشخاص يرتاح لهم، وأيضا يشير هذا التفكير إلى حجم اليأس الذي يمر فيه الإنسان، فيدفعه إلى التفكير السلبي المحبط والمثبط للعزيمة.
ضمن هذا الواقع يجعلنا "طاهر العدوان" نحارب الربا والمرابين، فالصور التي قدمها لنا تدفعنا إلى اتخاذ موقف معادي للربا وللمرابي، فلا لقاء بيننا وبينهم.
تناول الكاتب تفاصيل دقيقة للحالة الآخذ والمعطي للربا، تجعلنا نقف ضدهما معا ـ رغم تعاطفنا مع الآخذ ـ إلا إن أثر ذلك على الأفراد والمجتمع تجعلنا نحرم ونبتعد عن الربا.

الدين والإيمان
الرواية تتحدث عن مجتمع ريفي بسيط، الدين يشكل جزء أساسي من أفكاره ومفاهيمه، معاملات، الأخلاق، حتى أثر الإيمان الايجابي يكون حاضر في هذا المجتمع، فها هو "ضيف الله" يقوم بتلبية نداء الصلاة، "استأذن ضيف الله والدته لأداء صلاة العصر في المسجد الكبير القريب من المستشفى" ص66، هذا السلوك ينم على حالة التدين في المجتمع الريفي.
فهنا كانت الصلاة عادية، هي اقرب إلى سلوك عادي يقوم به الإنسان، لكن الكاتب قدم لنا صورة أخرى للصلاة من خلال "فاطمة" التي كانت تخشع منيبة إلى ربها ليتقبل منها، "في ركن من أركان المسجد الأقصى اتخذت لها مكانا، حرصت فيه أن تكون بعيدة بما يكفي عن ما حولها من المصليات، وقفت فاطمة رافعة يديها بالدعاء الممزوج بالدموع قائلة:
ـ ... يا رب أحفظ لي ضيف الله واحمد وجميلة، يا رب خذ عمري وأعطيه لهم..
ركعت تقبل ارض المسجد، كادت أن ترسل صوتها بلحن حزين شجي تحت وطأة الدموع المنهمرة من عينيها، غير أنها فجأة أحست بالرهبة تجتاح جسدها كله.. جفت دموعها، فتحت عينيها ترسلهما عبر صحن المسجد الواسع، ارهبها السكون.. المصلون من حولها ظهروا وكأنهم أجساد صامتة، غارقة في الابتهال ابدي.. ملكها الإحساس بان عيني الخالق ترقبانها، وإنها قريبة جدا إليه.. حاولت إن تلهج بالدعاء فوجدت صعوبة في تحريك لسانها المتحجر داخل فمها" ص93، هذا الحالة لا تكون إلا مع المؤمن الحقيقي، الذي يصل إلى درجة الصوفية، حيث يتوحد الإنسان مع ربه، لا يشغله شيء عنه، متجاهلا الدنيا وما فيها.
تكمن أهمية هذا المشهد انه حدث مع امرأة فقيرة، وأيضا مظلومة، وكان المكان ـ المسجد الأقصى ـ يعطي ميزة إضافية لها التنسك وهذا الخشوع، الإنسان والمكان هنا يشكلان عنصرا واحدا، الناس الذين يبتهلون لله والمسجد وقدسيته ومكانته يعطيان المشهد صورة حقيقية عما يحصل للمصلين فيه، فذكر التفاصيل الدقيقة لحالة "فاطمة" أعطي رهبة للمكان، وأيضا احتراما ل"فاطمة" الصادقة والمؤمنة.
شخصيات الرواية المؤمنة لم تكن تمارس الدين على انه عبادات وحسب، بل أخلاق وسلوك قبل ذلك، فها هو التاجر الشامي يوضح مفهومه عن الدين قائلا: "ـ اسمع يا بني.. الكذب حرام أم حلال؟
قال ضيف الله وقد فأجئ بسؤاله:
ـ حرام
أضاف الشامي:
ـ الزنا حرام أم حلال؟
ـ حرام
ـ السرقة حرام أم حلال؟
ـ حرام
ـ إيه بقى سيدي، ما حاجتك بواحد مثلي .. المهم أن تصلي وأن لا تسرق ولا تكذب ولا تزني.. ارحلوا الله معكم" ص72 و73، تقديم الشخصيات بهذه الأخلاق وهذه المفاهيم يجعل المتلقي يقف معها ويؤيدها، فهنا كان الدين بالإضافة إلى انه مسألة شخصية، كان أيضا يتمثل بسلوك اجتماعي يجب إن ينعكس بعلاقة وتصرفات وأخلاق من يحمله، فاهم أساس للدين الأخلاق والصدق وعدم أخذ ما ليس لنا، فهنا يمثل الدين رؤية عصرية حديثة، تتناسب مع مفهوم الحرية وفي ذات الوقت ترضي وتقنع الآخرين بصدق هذا المؤمن وحقيقة أخلاقية هذا الدين.
المرأة
الشخصيات النسائية بمجملها لعبت دورا ايجابيا في الرواية، وإذا استثنينا شخصية "أمنة" زوجة "سعود" الثانية تكون المرأة في "وجه الزمان" ايجابية أكثر من الرجل، والعنصر النسائي قدمه لنا بحالة أفضل من الرجل، فكانت "الجليلة" زوجة المرابي "عليان" تحد من طغيانه وظلمه للناس، حتى أنها تخلت عنه وتركته، بعد إن استفحل في ظلمه، و "مريم" زوجة "سعود" كانت تقف في وجه وتدعوه إلى التوقف عن التعامل مع "عليان" أما "فاطمة" فهي اللبؤة التي تلد الأشبال، وتتحمل عبء تامين متطلبات العيش لأولادها ـ بعد إن توفى زوجها وهم صغار، وترفض كل عمل أو سلوك يمكن إن يمس سمعتها، وقبلت إن تعيش هي وأولادها في خيمة على إن يقول عنها الناس، كلاما غير مقبول.
سنورد موقف "الجلية" وكيف تكلم زوجها "عليان": "ـ كل هذا يحدث لفاطمة وأولادها، أنا لا اعرف، لقد أغواك سعود، إني لأخشى منه ومن تصرفاتك على بيتي وأولادي
ـ أرجعي إلى بيتك ولا تتدخلي في شؤون الرجال
ـ أولادي لن يتربوا بأموال الحرام.. إن لم ترجع الأرض، فحرام بيني وأولادي وبين أموالك.. اذهب وأورثها لسعود" ص183، موقف سليم وصلب يصدر عن المرأة، فتبدو وكأنها سيدة الموقف، ويظهر الزوج ضعيفا أمام قوتها وحزمها، كما نجدها مؤمنة ـ حسب المفهوم الديني الأخلاقي الذي تكلم به الشامي، فمفهوم الدين كان مرتبطا بالأخلاق والسلوك، وهنا كانت المرأة تمثل هذا الربط المقدس بينهما، متخلية عن الزوج مقابل الانسجام بين فكرة الأخلاق والسلوك الذي تؤمن به.
صورة الانجليزي
العديد من الكتاب تحدثوا بواقعية وطنية وقومية عن الانجليزي، فهو سبب كل المصائب التي تعاني منها الأمة ـ خاصة في المشرق العربي ـ الذي وقع تحت الاحتلال، فهنا كانت صورة الانجليزي غارقة في السلبية وتصوره على حقيقته الاستعمارية، فهو من سلم فلسطين لليهود، وهو من بطش بالفلسطينيين، وهو من حد من تدخل العرب لإنقاذها من الحركة الصهيونية، الكاتب يقدم لنا صورة الانجليزي قائلا على لسان "ضيف الله" الذي ذهب إلى يافا للعمل فيها : "ـ حدثهم عن اشتراكه في المظاهرات قام بها أهل يافا ضد اليهود، وكيف جاء الانكليز بالدبابات والبواريد " وبدأوا بقتل الناس" ص23، هكذا كانوا يتعاملون مع الفلسطينيين لكنهم في شرق الأردن حيث كان الجيش تحت إمرتهم فكانوا كما يلي "ـ لا تخافي، من أين نضرب النار، والانجليز يعدون الفشك علينا عدا" ص47، مفارقة كبيرة بين التصرف الانجليز في فلسطين، الذي يقدمون لليهود كل الدعم والسلاح ألازم، وفي شرق الأردن يعدون الرصاص على الجيش عدا،
الدعاية الكاذبة التي يستخدمها الانجليز لتبرير دخول اليهود إلى فلسطين كانت بهذا الشكل ".. الانجليز يضحكون علينا بقصص ذبح الألمان لليهود.. حتى نفتح بلادنا للمهاجرين" ص52.
وكانوا يستخفون بالعربي ويذلونه بهذا السلوك الفوقي المتعالي، " أوقف سيارته وسط السوق، تجمع حوله أولاد صغار .. يتفرجون على سيارته .. نزل الانجليزي وفي فمه غليون قصير مد يده على جيبه واخرج منها تعاريف ورماها من فوق السيارة على الشارع.. ركض الصغار لجمعها.. والانجليزي يتفرج عليهم ضاحكا" ص107، السلوك الاستعماري الانجليزي لم يقتصر على الأرض وإذلال الكبار بل تعداه إلى ممارسة سادية بحق الأطفال، كما أنه لا يتعلق بتنفيذ التعليمات الصادرة من القيادة وحسب، بل هناك سلوك شخصي فوقي يذل الصغار قبل الكبار.
التاجر الفلسطيني والسوري
يقدم لنا الكاتب صورة ايجابية عن التاجر الفلسطيني والسورين على النقيض من التاجر السلطي، فيقول عن "أبو سليم تاجر من مدينة نابلس... ويحظى أبو سليم بترحاب النساء اكر من الرجال، مما طال شوقهن إلى ارتداء ثوب جديد" ص44، أما التاجر الشامي فقدم لكل الدعم لكي يساعد "ضيف الله وفهد" في فتح الدكان، إضافة إلى أخلاقة وتدينه.

القدس
المدينة المقدسة لابد إن تكون حاضرة في ذهن الكاتب الوطني القومي، "طاهر العدوان" الذين عمل لفلسطين كثيرا وقدم من حياته سنين طويلة من اجلها، جعل من القدس جزءً من المكان الذي تناولته الرواية، فيصف المدينة قائلا: "خرج معه إلى شوارع المدينة المسقوفة داخل الأسوار، حيث يكتظ المارة وتمتلئ واجهات الدكاكين بالبائعين والمشردين، في حركة بيع وشراء لا تتوقف"ص76 حديث عن مدينة تعيش حالة من الحيوية والحركة التي تنم عن الحياة والتطور.
هذا على صعيد التجارة، أما على صعيد العبادة فكانت كما يلي: " ـ لو انك تستطيع الانتظار حتى يوم الجمعة، لكنت شاهدت هذه الساحة الواسعة مزدحمة بالمصلين الذين يأتون للصلاة من مختلف مدن فلسطين .. ومن مصر والأردن وسوريا ولبنان، هذا الساحة لا تتسع للخلق وقت الصلاة ص76، نجد الدقة والواقعية لما كانت عليه المدينة المقدسة، مدينة تعج بالمؤمنين، يحضرها لكل الناس، أينما كانوا، فهي مقدسة.
وليس هناك ابلغ من قول "فاطمة" عن القدس عندما قالت: "ـ هنيئا للناس المجاورين.. آه ما أجمل إن يعيش الإنسان هنا يملا أذنيه بصوت المآذن وتكبيرة الله اكبر" ص95، إذن هي مدينة لها ميزة عن بقية المدن، فالقدسية وحالة الرهبة التي يشعر الداخل إلى مسجدها تمثل خاصية فريدة لهذه المدينة.
الأردن وفلسطين
قبل التقسيم السياسي للوطن لم يكن هناك تفرقة بل الأهل، الكل كان للوطن الواحد، ولم تكن فلسطين للفلسطينيين وحسب، ولم يكن الأردن للأردنيين وحسب، كان الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان شيئا واحدا، لا تفريق بيننا، الوطن واحد والشعب واحد، الكاتب يرسم لنا مشاهد عن هذه الوحدة، " ـ كنت مرة في حيفا مع اثنين من السرية، استضافنا صاحب دكان فلسطيني، قال لنا (أهلا بالأبطال .. والله مجرد وجودكم بشوارع حيفا، يخلي اليهودي ما يفكر يدخلها) .. أضاف ابنه الذي كان جالسا بجواره، كنت في يافا مرة، عندما مرت سيارة جيب فيها جنود أردنيون، وإذا باثنين من اليهود يتجمدان من الخوف وهما يصيحان : اهرب خبيبي.. جيش عربي .. جيش عربي" ص165، إذن كان الجندي العربي يمثل الحامي لفلسطين و وللفلسطينيين، و للطرف الآخر كان يمثل حالة من الرعب والخوف، فهو جيش عربي يدافع عن العرب.
ونجد الحرص على فلسطين وحمل همومها يعتبر واجب عند الجندي العربي فيقول احمد عن الجيش العربي "كان الجيش في سباق مع الزمن.. المدافع التي أخرجها الانجليز من المخازن تحتاج إلى ستة أشهر للتدريب عليها.. بينما تشير الوقائع على الأرض الفلسطينية بان تدخل الجيش أصبح واجبا وطنيا وقوميا، وهو لا يحتمل التأخير" ص198 و199، بهذا الحرص والحب والاندفاع كان الجندي العربي معلقا بفلسطين، مندفعا إليها، مستعدا للموت من اجلها، فلم تكن فلسطين تقل حبا عن الأردن، فهما كيانا واحدا، الجندي العربي هكذا يفكر، من هنا نجد احمد يقدم على عمل بطولي استثنائي، يمثل ذروة البطولة عندما يقدم نفسه لاقتحام مستعمرة كفار عصيون، "وبينما كان فالح يندفع خلف قائد مجموعة وسط ارض مزروعة بالألغام، أصابته رصاصة في يده، أما قائده فقد أصيب برصاصة أسفل بطنه، مما اضطر الفئة إلى الانسحاب، وأثناء انسحابها سقط صديق فالح الجندي سعد شهيدا، نتيجة احد الألغام الأرضية، نقل فالح إلى المستشفى الفرنسي في بيت لحم."ص224
... توقف الهجوم بعد العصر بقليل، القوات الصهيونية المحاصرة في المستوطنة أرسلت برقيات استغاثة عاجلة، وقبل الغروب كانت طائرات صهيونية تنزل جنودا مظلين بالقرب من المستوطنة، كما أنزلت براميل مليئة بالعتاد والمتفجرات..
القائد العربي أرسل برقية إلى قيادته يطالب فيها بإرسال نجدات إضافية... ومع الفجر كانت السرية قد التحقت بالقوات المحيطة بالمستعمرة... الساعة قاربت الثانية عشرة ظهرا، ارتفعت أصوات الجنود والمناضلين بنداءات حماسية تدعو للهجوم وتطهير المستوطنة، حاول قائد السرية التقدم عبر الأرض المكشوفة غير انه ما لبث إن أصيب في يده، فتراجع إلى موقعه مع فيئة.. كانت اصابة القائد سطحية، حيث رفض التراجع إلى الصفوف الخلفية لتلقي الإسعاف...
ـ نريد قوة من المتطوعين المستعدين لاقتحام المستوطنة..
تقدم قائد السرية وخلفه الجندي الأول احمد العلي، وأربعة آخرين ابدوا استعدادهم للقيام بهذه المهمة المشرفة...
تمكن احمد ورفاقه من الوصول إلى الأسلاك الشائكة تحت غطاء من نيران القوات الخلفية.. حيث عملوا على تقطيع الأسلاك الشائكة بواسطة المقصات، ... عندما نهض الجندي الأول احمد العلي يحمل بندقيته بعد الالتحام وتطهير الخندق، قفز نحو الخندق الآخر، غير إن رصاصة أصابته في عنقه، فسقط احمد مضرجا بدماء الشهادة والشرف" ص223-226، هذا الاقتباس الطويل كان لتأكيد على الدور البطولي للجيش العربي، الذي كان جنوده يقومون بعمل بطولي فدائي، فمثل هذا الإقدام لم يكن ليحصل لولا العقيدة القتالية وحب الوطن ومفهوم الشهادة لدى الجنود، كما يمثل هذا الاقتباس ردا على من يقول بعدم أهلية الجندي العربي للقتال، فهو محارب باسل في المعركة، فنجد القائد يرفض الانسحاب رغم اصابة، ويصر على إكمال مهمته رغم الصعوبات وقلة العتاد، وهنا يضيف الكاتب جانب مهم في دور هؤلاء الجنود، ويقول لنا بان المعنوية للمقاتل تتفوق على العتاد والعدة، وما حدث في "كفار عصيون" يؤكد هذا الأمر.
عقيدة الجندي العربي
من حلال شخصية احمد العلي يقدم لنا الكاتب الصورة الزاهية والحقيقية للجندي العربي، فهو شخصية محاربة، صادقة مع ذاتها، يتحمل التغيرات في السلوك الذي اعتاد عليه، "...لم يكن مرتاحا في البداية للقسوة والصرامة التي يعامل بها الجنود، تحت اسم الطاعة والنظام.. تنازعنه طبيعته البدوية التي تعودت على الحرية فشعر بالضيق والاختناق.. غير انه ما كادت تمر الأسابيع الأولى حتى أحس بانتمائه إلى مجتمع جديد" ص33، التكيف مع وضع قاسي وصعب بعد حياة الحرية والراحة يعد امرأ صعب، ولم يكن ليتجاوزه احمد لولا الدوافع الوطنية التي يحملها، فمن أسباب صموده وتخطي حالة التغير وتكيفه مع الحياة الجديدة كان الدافع الوطني للدفاع عن فلسطين وأهلها، بعدما سمعه ما يحصل فيها.
من هنا عندما يناقش احد أفراد عشيرته عن دور الجيش فيقول له: "ـ الجيش ما هو مخافر، الجيش بنادق ودبابات ومدافع، النار حيث يستعد لقتال اليهود في فلسطين" ص37، مثل هذه العقيدة القتالية لم تكن لتوقفها اعتي قوة على الأرض، فالجندي كرس نفسه للحرب، فإما النصر أو الشهادة، ولا يوجد خط بين الأبيض والأحمر.
يؤكد احمد عقيدة الجندي العربي من حلال حديثه مع أمه "فاطمة" فيقول لها: "ـ أحيانا اشعر يا أمي، باني حبي للجيش يفوق أو يساوي حبي للأرض، أشم رائحة ملابسي، وكأنني أشم رائحة الأرض.. أحس أحيانا وأنا احمل بندقيتي على ظهري بأنني احمل احد أولادي.. هل تدرين باني أصبحت مقربا من ضابط الأركان العربي" ص185، كلام ينم عن التوحد مع العسكرية، فهي أصبحت الحلم الذي سيحقق كافة أحلام احمد، أحلامه في التطور والمعرفة وتحقيق النصر أو الشهادة، فالجندي ليس موظفا، هو اكبر من هذا، هو شيء لا يمكن للإنسان العادي إن يستوعبه، فالتماهي والتوحد مع الجندية لم يكن ليصل إلى هذا الوصف دون وجود القناعة بهذا الجيش، ودون وجود قائد يوجه مقاتليه ـ فعلا قبل القول ـ نحو الحب والانتماء والإخلاص لهذا الجيش.
الأم
العديد من الأعمال الأدبية تذكر الأب بصورته السلبية، وأحيانا يتجنب الكاتب ذكره بان يجعل الأم أرملة، تجنبا لذكره، لكن الأم في الغالب تأخذا لدور الايجابي ويتم ذكرها، وكأن الأدباء يردون على المجتمع العربي ألذكوري الذي لا يعترف إلا بسلطة الأب، فهم من خلال إعطاء الأم الدور الايجابي ينقضون نظرة المجتمع. هذا ما فعله "طاهر العدوان" قدم لنا الأم المعطاءة، الفاعلة، القوية، حيث تتصدى لكل الظروف وتواجه الصعاب بصبر وتجلد، إنها تقوم بدورا أهم واكبر وأفضل من الرجل.
نلخص الفكرة عن الأم "فاطمة" بهذا الحوار الذي يدور بينها وبين ولدها "ضيف الله" "ـ إذا أرسلوا احمد للحرب .. تزعلي يا أمي؟
ـ يا ولدي .. احمد فلذة من فلذات الكبد.. أين هي الأم التي تفرح وهي ترى ولدها ذاهبا إلى ساحة الحرب.. ساحة حياة الإنسان فيها نصيب.. نصيب يعيش.. ونصيب يموت.. بعيد الشر .. لكن ماذا في يد الأم.. هي مخلفة رجال ولأ نسوان.. الرجال لا يفعلون غير أفعال الرجال.. وأن بدت منه أفعال الحريم، أول ما تدير عنه وجهها هي أمه" ص217 و218، قد يبدو للبعض بان فاطمة امرأ’ حجرية، صخرة بشرية، لكنها في حقيقة الأمر ذرفت دموعا في كافة أجزاء الرواية، وكانت تغدق عاطفتها على أبناءها، تعمل بكل جهد على تجنيبهم الخطر، فأكثر من مرة كانت تدعو "عودة"، للحد من انطلقت "ضيف الله" المندفع لمواجهة سعود أو عليان، كما نجدها تبكي لأي حديث يحمل الفراق عن أبناءها، أنها امرأة تحمل الحب والحنان، لكنها تعرف كيف تفرق بين هذا الحب الكبير للام وبين الواجب الوطني.
الحكم والأقوال البليغة
"مثله لا يقبله الجيش.. من لا خير فيه لأهله لا خير فيه لبلاده" ص108
"هذا الولد يحمل عذابا، لو تحول إلى ينبوع ماء، لأغرق السهل" ص192
"أن راح الذيب ابشر يا واوي" ص196
"الحرامية صاروا يسرقوا بالنهار ما هو بالليل" ص218
"ـ حروب تشد الرجال لساحاتها، وأخرى تقذفهم إلى أماكن بعيدة مع هبوب الريح.
"الكل مهاجر.. هجرة من السهل.. هجرة من فلسطين . هجرة إلى أمريكيا، أنها موسم الهجرة" ص235
"ـ لا ادري هل يعشق الإنسان التراب لان الحياة ابتدأت به، أو لان خاتمته تراب في تراب؟
آه يا وجه الزمان .. نقعت وجهي ووجه والدتي بالحزن والدموع. سأقتص منك.. سأقتص منك"ص 242، كلام ليس بحاجة إلى تعقيب، فكلها أقوال بليغة وتصلح لتكون حكم يستفاد من كل الناس، يصرف النظر عن مكانتهم أو قوميتهم.
الصور الفنية
الرواية تحمل العديد من الصور الفنية التي تجعل المتلقي يشعر بالمتعة الأدبية، والتي يمهد الكاتب من خلالها لما سيكون من أحداث فيقول عن حالة الشؤم "هبت رياح شديدة على السهل.. رياح شمالية تصفر مثل أفعى يغلي السم في جوفها من القيظ .. قبل الغروب بدا السهل مقفرا" ص156، وصف الطبية التي تمهد لحدث سيء، سيترك أوجاعا للناس ويصيبهم الأذى.
"رياح مرباعنية باردة، تصفر وهي تتلوى بين الدور تتقلب على سفوح الجبال والوديان" ص178
قبل الانتهاء من الرواية نقول بأننا أمام عمل روائي مذهل، شكلا ومضمونا، يدفعنا لتقدم للأمام، متجاوزين كافة العوائق والحواجز التي نصبها الآخر بيننا نحن الفلسطينيين والأردنيين، فيجعلنا النص نخطو بسرعة وقوة وثقة بأننا جسدا واحد، وليس أجزاء متفرقة، ونشكر الكاتب الذي أمتعنا وعلمنا ما كنا عنه غافلين.
رائد الحواري



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية -الجذور- حليمة جوهر
- الانتقائية
- -مدن وغريب واحد- علي حسين خلف
- -الصهيل- علي حسين خلف
- -الغربال- علي حسين خلف
- -مرسوم لاصدار هوية- محمد عبد الله البيتاوي
- -طيور المحبة- يحيى رباح
- الحوار والإثارة
- -سامي لبيب- وخداع القارئ
- فكرة
- فكر القبيلة هو الأساس
- رواية -الأنفس الميتة- نيقولاي غوغول
- -المسكوبية- اسامة العيسة
- هجوم غير عقلاني على مؤسسة ابن رشد
- -ذات مساء في المدينة- مجمد خليل
- مجموعة -الخيمة المحاصرة- إبراهيم العلم
- رواية -كيلا- اسعد العزوني
- مجموعة -بحر رمادي غويط- زكي العيلة
- العرب في مهب الريح
- ديوان -نوم كما أرى- أشرف الزغل


المزيد.....




- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...
- رواية -خاتم سليمى- لريما بالي.. فصول متقلبة عن الحب وحلب


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - رواية -وجه الزمان- طاهر العدوان