أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في أية بيئات سورية ظهرت السلفية العسكرية؟















المزيد.....

في أية بيئات سورية ظهرت السلفية العسكرية؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4640 - 2014 / 11 / 21 - 16:32
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


داعش ظاهرة عراقية أساساً، ولها هناك تاريخ يقارب اليوم عقدا من السنين، وما قبل تاريخ أفغاني عمره نحو عقد نصف. عمرها في سورية عام ونصف، وهي هنا أقرب إلى قوية استعمارية بدائية.
ما يميز "جبهة النصرة" عن داعش هو ضعف المكون العراقي في الأولى، وقوة المكون السوري. الفرق بين داعش والنصرة يضاهي الفرق بين البعثين السوري والعراقي. الأول عنيف كفاية، لكن الأخير أعنف. الفرق أن البعث ذهب من سورية إلى العراق، فيما جاءت القاعدة من العراق إلى سورية. تعرض المجموعتان في الآن نفسه ضروب التماثل البنيوي والتضامن الجهادي والخصومة السياسية التي سبق أن عرضها البعثان.
في سورية، غير النصرة، مجموعات سلفية عسكرية، تشبه القاعدة فكريا، لكنها خرجت من الظلمات السورية، وليس من ظلمات خليجية ومصرية وعراقية. الجامع المشترك لهذه المجموعات كلها هو الداعشية أو الاستعداد الداعشي، أو أيضا السلفية العسكرية، مزيج من حكم فاشي وتطهير ديني وحركة عدمية غاضبة، من وراء وتمايزات سياسية أقل أهمية.
في أي بيئات سورية ظهر هذه المجموعات؟
طبعا، في بيئات مسلمة سنية. هذا شرط إمكان تأسيسي لظهورها. لكن ما الذي طرأ على هذه البيئات حتى أنتجت القاعدة وأشباهها؟
يبدو لي أن هذه المجموعات ليست وليدة تسييس إسلامي بديهي لبيئات لديها هذا الاستعداد المبدئي، بل هي بالعكس وليدة الحجر السياسي على هذه البيئات، المصادرة التامة للحركية السياسية فيها، وكل ضروب العمل العام المستقل. بعبارة أخرى، ليست هذه المجموعات هي التعبير السياسي الطبيعي عن البيئات السنية، بل هي وليدة منع هذه البيئات من إنتاج تعبيرات سياسية مستقلة طوال نصف قرن.
معلوم أن سورية خبرت درجة متقدمة من استئصال وحظر كل نشاط عام، سياسي أو ثقافي أو اجتماعي طوال سنوات الحكم البعثي. وخلال نحو جيلين، لم تشهد أحياء وبلدات وقرى يقطنها أكثرية السوريين أي قدر من النقاش العام، أو تسمع وتتداول آراء مغايرة، أو يجري فيها تنافس سياسي بين مختلفين. ولم يتح لبيئات السنيين السوريين الذين خرجت منها التشكيلات السلفية العسكرية الفرصة للتحزب، أو تجريب ممثلين سياسيين منتخبين خلال نصف قرن طويل، ولد وعاش في ظله ما قد يزيد على 90% من السوريين.
هذا الشرط العام أقل تأثيرا على الجماعات الأهلية السورية الأخرى لأسباب مختلفة. تماهي العلويين بالنظام ميسور، بصورة تلبي تحققا سياسيا للجماعة، وحتى شعورا بالعز. ولدى الكرد تنظيمات سياسية كثيرة، تشكل بمجموعها ما يشبه منظمة التحرير الفلسطينية بين ستينات القرن العشرين وثمانيناته كوطن سياسي لمحرومين من كيان خاص. والمسيحيون كانت تتراجع نسبتهم، ويوفر تماهيهم بـ"الحداثة" وجهة اجتماعية وهوية مميزة. السنيون عانوا أكثر من غيرهم من حرمان سياسي نسبي. أمامهم سلطة النظام، وهي تجمع بين الفوقية والإكراه والفساد والتمييز، ولديهم الدين كحد للفقر السياسي، وهو "دين عام"، يجري تعلمه في المدارس، ويحتكر سلطة تعريف الإسلام، ويحمل ذاكرة ومخيلة متشربتين بالسلطان. ولم تجر إعادة هيكلة له في ظل "الدولة الوطنية" المعاصرة، لا على مستوى المؤسسات، ولا على مستوى التعاليم والقراءات. ما فيه من ظلام قديم حمله معه.
وحين سحق النظام الإخوان المسلمين سياسيا في مطلع ثمانينات القرن العشرين، لم يكن ذلك في إطار مواجهة قوى متطرفة، وإفساح المجال أمام تعبيرات سياسية معتدلة. عِيشَ الأمر في الأوساط التي كان ينتشر فيها الإخوان كقطع رأس سياسي.
هناك، في المقام الثاني، حالة الانكشاف الأمني والسياسي والإنساني الشديد لهذه البيئات ذاتها في شروط الثورة السورية، واستهدافها التمييزي والانتقامي بأشد بطش الدولة الأسدية، بما في ذلك المذابح الطائفية. هذا يوفر شروطا هي الأنسب للطلائع السنية التي جعلت من سياستها مزج الدين بالحرب. يريد السلفيون العسكريون أن يكونوا طليعة السنيين السوريين وأبطالهم. وميزة السلفيين المقاتلين للنظام هي طائفيتهم المبدئية الحازمة جدا. إنهم يحدودون "شعب"ـهم تحديدا صريحا، وهو يتعرض للعدوان، ويحددون عدوهم تحديدا صريحا بعبارات طائفية.
ولافتقار هذه البيئات ذاتها لأي شكل من الحماية، بينما تواجه باستباحة متطرفة، شهدت عليها الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية في تقارير ووثائق معروفة، ما يعزز عدم الثقة بالعدالة الدولية والمؤسسات الدولية، وبقوى المعارضة العاملة معها والمتكلمة بلغتها، وبالقيم التي يفترض أن هذه القوى تدافع عنها، بما في هذه قيم حقوق الإنسان والسمااوة المبدئية بين البشر والقانون الدولي. الواقع أن الغرب أظهر استعدادا طيبا لخيانة هذه القيم بسهولة أكبر حين يتصل الأمر بسورية منذ 44 شهرا، وبفلسطين في كل يوم. وحين نقرن بين الانشغال الإعلامي المدهش بكوباني/ عين العرب، وتنزيل الأميركيين إمدادات غذاء ودواء وسلاح فيها، وبين موت الناس جوعا بالفعل في المعضمية ومخيم اليرموك والحجر الأسود والغوطة الشرقية، كيف لا يغذي ذلك مواقف عدمية تجاه العالم كله ومؤسساته؟
وفي مطلع هذا العام، بدا أن سورية مكونة من بلدة كَسَب ذات الأكثرية الأرمنية التي لم يقتل فيها شخص واحد، والباقي السوري الذي كان يقتل فيه يوميا العشرات. هذا أيضا قبيح سياسيا، وأقبح أخلاقيا، ويؤلب السوريين على بعض بوعي أو دون وعي.
وهو فوق ذلك منبع فياض للعدمية. إنه يزرع داعش.
وبصرف النظر عن البعد السياسي والحقوقي لهذه المسالك التمييزية، فقد دمرت القيم الأخلاقية التي تستند إليها أي مجموعات ديمقراطية وعلمانية في مجتمعنا، بقدر يكمل تدمير النظام لهؤلاء الديمقراطيين العلمانيين.
ما العمل حين يفقر الناس سياسيا طوال جيلين، ولا يجدون أمامهم عروضا فكرية وسياسية بديلة، ويتعرضون للعدوان بكل الوسائل، ولا يحميهم أحد، ممن يظهرون استعدادا ميسورا لحماية غيرهم؟ وهذا مع وجود خميرة تنشيط نمّاها النظام ذاته، وأطلقها معوِّلا على دورها التخميري العدمي؟
هذا يوفر شروط إمكان كافية للتطرف والتطرف الفائق، إلى درجة أن ينقلب السؤال من: لماذا تظهر داعش؟ إلى: لماذا لا يكون السلفيون العسكريون كلهم مفرطو التطرف والوحشية مثل داعش؟ ولعل السبب أن داعش هي الوحيدة المستقلة فعلا بين هذه المجموعات. ما يجعل الباقين أقل داعشية، والعقيدة هي العقيدة والمثال هو المثال، هو أنهم مرتبطون بدرجات متفاوتة بدول وقوى إقليمية هي نفسها تابعة لغيرها. اعتدالهم "مستورد"، وليس ذاتيا. وتحول مجموعات فرعية "معتدلة" إلى الالتحاق بداعش تعبير عن برانية هذا الاعتدال ووهن أساسه الفكري.
والخلاصة، أن داعش وشبيهاتها ليست سياسة الإسلام الطبيعية، ولا السياسة المفضلة للسنيين، بل هي نتاج استعمار بيئات إسلامية سنية وتفريغها من كل سياسة. هذا يوفر تهيؤا مناسبا لضرب من "وطنية سنية" استعدادها قوي للتطرف. شروط العدوان والانكشاف ليست مناسبة للمعتدلين، والتطرف في مثل هذه الشروط صلابة في وجه العدوان، واستراتيجية لحيازة السلطة والنفوذ على حساب المنافسين. يُقوي التطرف الفائق ويضعف أية بدائل أخرى سحب الثقة العام من العالم والقوانين الدولية.
وهذا على خلفية مركب مخيلة- ذاكرة مسكون بالعتو والسلطان.
الداعشية أو الاستعداد الداعشي وليد اجتماع ظلم فادح بظلام مكرس. ومواجهة الاستعدادات بالطائرات والصواريخ لا تثمر. فقط تزيد الظلمات ظلمات.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/ 1- طماشتان
- أنماط الاعتقال السورية من وجهة نظر الأهالي
- علمانيو سورية وإسلاميوها: شراكة غير مؤسسة أو مخاصمة غير تحرر ...
- أنماط الموت السورية، مصنفة حسب القاتلين
- جانب من سيرة الإشاعات السياسية في سورية
- ياسين الحافظ وعبالله العروي
- طفرة في التفكير لفهم طفرة -داعش-
- كرد، عرب وترك، وأميركيون...
- بعد ركود مديد، هذه الجِدّة السورية التي لا تطاق
- تقاطع تاريخي: تشيُّع السنة وتسنُّن الشيعة
- إرهاب أعمى، ومحاربة إرهاب حولاء!
- صراع المناهج: في الحاجة إلى منهج مركب لمقاربة الظاهرات الإسل ...
- العربية والأصولية: تأملات لغوية (ودينية) سياسية
- في شأن التطرف والتطرف الإسلامي، والاعتدال
- حول خرافة عدم التدخل الأميركي في الصراع السوري
- تسعة أشهر، الجريمة مستمرة والمجرم معروف
- ثلاث مستويات لمواجهة داعش
- حوار/ سين وجيم بخصوص داعش وسورية والعلمانية والحرية
- في الضعف الفكري للاعتدال الإسلامي
- موجة الكتاب السوريون الجدد، بداية ونهاية


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في أية بيئات سورية ظهرت السلفية العسكرية؟