أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - وديان عثمان - اﻹ-;-غتراب واحد...بأوجه كثيرة















المزيد.....

اﻹ-;-غتراب واحد...بأوجه كثيرة


وديان عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 4639 - 2014 / 11 / 20 - 15:37
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


يعرّف الفيلسوف الألماني كارل ماركس الإغتراب على أنه إبتعاد الإنسان عن طبيعته الإنسانية القائمة على الإنتاج و الإبداع فيه، كمجال لإظهار فرديته و خصوصيتها من خلال المنتج، و يقسمه لأربعة أنواع:
أولاً: إغتراب الإنسان المنتِج عن المنتَج، وهو، برأي الفيلسوف المذكور، نتيجة أن شكل المنتَج لا يحدده لا المنتِج، و لا المستهلِك، بل البرجوازية الحاكمة(أرباب العمل و أصحاب وسائل الإنتاج)، لتكون من حيث مكوناتها الأولية و القيمة العملية(الجهد)، اللازم للإنتاج، في الحد الأدنى لرفع القيمة الربحية للحد الأقصى الممكن للمنتَج الذي تحوله البرجوازية المذكورة إلى سلعة، قابلة للبيع.
ثانياً: إغتراب المنتِج عن عملية الإنتاج، كما يحدد ماركس، أن المنتِج يشعر نفسياً، بأنه غريب عن المنتَج الذي ينتجه لسببين:    
   السبب الأول: أن عملية الإنتاج تتحول لوظيفة-عمل، مدفوع بأجر هو الحد الأدنى الممكن، لتحقيق أعلى قيمة ربحية، و بالتالي يستنتج أن العامل مستغل، و هو مسلوب القيمة الإنتاجية.   
    السبب الثاني: الإنتاج الجزئي على خطوط الإنتاج. إذ لا يمكن للعامل أن يحقق فرديته كونه ينتج جزء من المنتَج، و بالتالي يشعر نفسه غريباً عن منتَج لا يعرف كيف يتمم إنتاجه. ومن هنا العلاقة الجدلية بين الآلة-التي كان من المفترض أن تتم عملية الإنتاج- والمنتِج إذ هي(الآلة) تحولت لأداة إغترابية و عدوة للمنتِج، و عائق بينه و بين غاية الإنتاج، كما أنها حلّت محل المنتِج في مراحل معينة من الإنتاج مُقصِية إياه نحو البطالة. لذا بدل أن تكون الآلة أداة طيعة في يدي المنتِج إستحالت بديلاً عنه في إتمام عملية الإنتاج.
ثالثاً: إغتراب المنتِج عن روح(جوهر) الجنس البشري. إذ يعتبر الفيلسوف نفسه أن العمل هو نشاط مؤثر في المجتمع، و بأن المنتِج ينتج لغاية مستقبلية، و يستطرد الفيلسوف بأنه في فترة الحرفة، كان الحرفيون ينتجون بما يثبت ذاتهم و يحقق غايات مستقبلية في تطوير حياة الجماعة، في حين كان مالكو وسائل الإنتاج يستفيدوا من القيمة الربحية للإنتاج دون التدخل في سياقه، أما مع ظهور  الآلة بعد الثورة الصناعية فأصبح أرباب العمل، يحددون نمط الإنتاج و غايته، بما  لا يحقق تطوير حياة الجماعة بل أحياناً، بما يدمرها(صناعة الأسلحة مثالاً). ومن هنا جدلية علاقات الإنتاج. ويستنتج أن هذا الإستغلال النفسي و الجسدي، و مكننة العامل-المنتِج، من ضمن مكننة الإنتاج ككل، من خلال جعله يردد العملية نفسها طوال الوقت. هذا الإستغلال سيؤدي إلى الثورة، بغية تغيير الشروط الوضعية للإنتاج، والوصول إالى الأفق الإشتراكي، ويحدد الأفق الإشتراكي بمجتمع  كفاية حيث كل عامل سيعمل بكامل قدرته الإنتاجية، و سيحصل على كل حاجاته.
رابعاً: إغتراب المنتِج-العامل عن بقية العمال. يفسر كارل ماركس بأن الرأسمالية تخفض من القيمة الإنتاجية للعامل، إلى سلعة تجارية تبادلية، بدلاً من أن تكون نشاط إنتاجي إجتماعي، و بالتالي تدور المنافسة في سوق العمل بين العمال. فالبرجوازية الحاكمة تبحث عن أدنى أجر، للحصول على أعلى قيمة ربحية، و بالتالي إن هذا التنافس الشرس بين العمال نفسهم، يشكل حالة إغترابية بينهم، بدلاً من تعاونهم في العملية الإنتاجية، فيصبح لديهم، ودائماً، بحسب ماركس، وعي مزيف يغربهم عن بعضهم، و يعميهم عن مصالحهم و إهتمامتهم الإقتصادية المشتركة. هذا الوعي هو نتاج سيطرة أيديولوجية للبرجوازية الحاكمة.
كان ماركس بفلسفته معارضاً لمثالية هيغل، و أعطى للإغتراب مفهوماً أعمق من مفهوم فيورباخ الذي إختصر الإغتراب بالتأثير الديني، و فكرة "الله" في الفرد و تأثيراتها، و من فرويد الذي يرمي بالإغتراب على الإنسان نفسه.
الإغتراب في عالمنا العربي المعاصر:
  لقد تغيّر العالم كثيراً من زمن ماركس، فالإقتصاد لم يعد منتجاً إجمالاً، بل أصبح ريعياً بشكلٍ عام، بعد أن إستنفذت البرجوازية كافة الحلول لتصريف فائض الإنتاج، من قروض و بطاقات إستلافية و غيرها. تركزت أزمة هذا النمط في العام 2008، و إنعكست إنهيارات في قطاعات ضخمة، من مصارف ومؤسسات مالية، ودخل النمط الريعي كل البلدان العربية، و يظهر ذلك جلياً من خلال الموازين التجارية لهذه البلدان، إذ لا فائض سوى في الدول النفطية، وبغياب الإحصاءات الدقيقة، يتعذر إعطاء صورة شاملة. لكن ما يتضح مع الأيام أن النمط الريعي لا يمر عبر القنوات الرسمية بل يحتال عليها، كحال الإستيراد اللبناني من تركيا، إذ يمرّ أغلبه بطرق ملتوية عبر الجمارك، مما يسهل إكتساحه للسوق، و منافسته الإنتاج المحلي بشراسة.
و ما حصل في سوريا من إنهيارات للصناعات المحلية، مقابل صعود نجم إمبراطورية مخلوف-الأسد، و تدفق الإنتاج التركي و الصيني إلى سوريا إلا مثالاً.
إذاً أصبح للإغتراب أوجه جديدة، في عالم المنتَج فيه هو سلعة، و إضافة إلى ذلك أنها بلا قيمة حقيقية، والقصة ذاتها مع المنتِج، إذ أصبح أيضاً هو بلا قيمة، و أصبحت مع الوقت تتلاشى الحاجة له، و أصبحت قطاعات كبيرة من العمال تقصى عن عملية الإنتاج إلى حيز البطالة، و ما هذا التهميش إلا لتدميرها أو لإستثمارها في صراعات البرجوازية الحاكمة، على قيمة ربحية جديدة. إذاً الأدلجة ما زالت مستمرة و ما داعش إلا واحدة من تجلياتها، فبعد التهميش دروب عبثية كثيرة، كلها إستثمار للإغتراب في عملية تركيزية له. فالإغتراب اليوم في أقصى درجاته، إذ إن المنتِج محروم من تحقيق جوهره القائم على الإنتاج، و يسير إما للإستهلاك بشكل مرضيّ، و بالتالي العمل بشكل مرضيّ، و إما للضياع في البحث خارج إطار التاريخ عن الدولة الإسلامية.
خرجت الجماهير العربية، من بعد إشتعال البوعزيزي في 17-12-2010، بكثافة تاريخية في بلد تلو الآخر و هي تقول "الشعب يريد"، بالطبع الكثافة كانت ناتجة عن شعور مركّز لدى الشعوب العربية بالإغتراب، أما الشعار و هو الأهم فهو يعبر عن مكبوتات النفس، إذ يريد الفرد المشارك في هذه الإنتفاضات الإنتهاء من الإغتراب بينه و بين بقية أفراد طبقته، بالعودة إلى التكافل الإجتماعي، فهو لا يتوجه بالتعبير عن فرديته سوى من خلال الجماعة(الشعب). و في الكلمة الثانية ما هو أهم إذ إنه يعبر عن إرادته، و نواياه، هو يريد إنهاء إغترابه عن التأثير في الواقع، هو يريد إسقاط النظام، و هنا الزبدة، إسقاط النمط الذي ينتج فقره و تهميشه و سحقه، إذاً هو يريد أن يثور فيغيّر، ليستعيد طبيعته الإنسانية المنتجة.
لكي تفهم شيئاً ما أي شيء، إبحث عن الإقتصاد فهو لغة العصر و كل العصور. قامت الثورات العربية لتغيير نمط الإقتصاد الريعي السائد، بعد الوصول إلى حائط مسدود من قبل فئات ضخمة من المجتمع. هذا الأفق المسدود جعلها تبحث عن أفق جديد، مع الأيام تطورت مطالبها، و أصبحت لا ترضَ سوى بإسقاط النظام، إذ فهمت و بشكل جيّد أن المشكلة في النظام كلّ النظام.
لكنّها لتتمكن من التغيير، عليها أن تتجاوز الوعي الزائف الناتج عن أدلجة المجتمع من قبل البرجوازية الحاكمة، فالطائفية و المذهبية و القومية و الوطنية و القُطرية، ما هي إلا عصبيات مُنتَجة من قبل البرجوازية الحاكمة، لتأطير الطبقة المنتِجة كما تلك المهمشة، و خلق صراعات ثانوية، لا تسمن و لا تغني عن جوع. فما حققته داعش في أشهُر للنظام السوري العفن، لم تحققه ماكينة القتل التابعة له في سنوات، هي جعلت الناس يندمون لأنهم خرجوا للشوارع ليطالبوا بالتغيير، و يستدركون الأمر كأنه غلطة لا تغتفر، لذا يجب على تنسيقيات الثورة أن تخرج اليوم بصوتٍ عالٍ، مطالبة بإسقاط عسكرة الثورة إلى جانب إسقاط النظام.
يسرد المسرحي الألماني برتولت بريشت، في مسرحيته "أوبرا القروش الثلاث"، وصفاً لعالم إفتراضي إذا ما تحول سمك القرش إلى بشر، في إسقاط لصفات سمك القرش على البرجوازية الحاكمة، وبالعكس للتعبير عن وحشية البرجوازية بصفات القرش. ويذكر في إحدى المقاطع أن سمك القرش سيجعل للأسماك الصغيرة قضايا تقاتل بعضها لأجلها، و في حال توفيت سيمنحها كمكافأة على شجاعتها أوسمة مصنوعة من عشب البحر!
إذاً تؤدلج البرجوازية الحاكمة الطبقة العاملة و تلك المهمشة، للتكثيف من إغترابها، ولتحييدها عن الصراع معها على السلطة، فتجعلها تتلهى بالصراعات الثانوية. لذا للقضاء على داعش لا حاجة لتحالف دولي، هو أصلاً، لا يريد القضاء عليها، بل الحاجة لوعي حقيقي من خارج إطار الأدلجة، الوعي لحقيقة أن الصراع هو طبقي، و لطالما كان، و أن كلما هو خارج ذلك، فهو كمقارعة طواحين الهواء. الثورة هي الحل، و لا حل سواها لكي نستعيد طبيعتنا الإنسانية، و روحها الجمعية القائمة على الإبداع و التطور و التقدم.
لذا سنتناول في المقال القادم، المشروع الثوري للتحرر من الإغتراب و التبعية و الإستغلال، و لتحقيق الكفاية في عالمنا العربي.



#وديان_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراع الطبقي بأعماقه
- جائزة إبن رشد..لنهج بلا رشد!
- الهرب من الموت...إلى الموت
- في الفعل التقدمي


المزيد.....




- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - وديان عثمان - اﻹ-;-غتراب واحد...بأوجه كثيرة