إكتشاف توبينغن لأقدم قرآن بين المشاريع الزائفة والحقائق التاريخية

جورين كيلو

الحوار المتمدن-العدد: 4639 - 2014 / 11 / 20 - 00:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

أعلنت جامعة توبينغن للدراسات الألمانية وهي للمعلومة من أقدم جامعات ألمانيا للبحوث في الأديان والمقارنة عن إكتشافها لأقدم قرآن في العالم وحددت عمره الذي يعود للقرن السابع بعد وفاة محمد الرسول المفترض بـ 20 إلى 40 سنة متكتمة على بقيّة المعلومات ولم تكشف الجامعة عن السبل العلمية التي تناولتها لتحديد عمر الرق وما إن كانت قد أعتمدت على التحليل الكربوني المعروف بـ C14 على سبيل المثال في حين بعثت صيغة التلميحات التي نشرتها على القلق خاصة من المصادر التي حصلت منها على النسخة والظروف غير الدقيقة التي أرجعتها لعملية الشراء ونحن نعرف كم الأموال الخصبة التي تُضخ من الجهات الدعوية لإستثمار هكذا مشاريع بحثية لأغراض دوغمائية وعقدية بحتة في حين أعترفت بفحص جزء واحدٍ فقط من العينات التي لا نعرف كميتها لإدخال العملية في مشروع دولي بحسب تصريحها وقد تحفظت على نشر صور أو أي تصريح بمحتوياته ولمناقشة إستباقية لهذه الفرضية الأولية سنتكلم من منطلق الرواية التقليدية للإسلام بحسب ما نقلها الإخباريون فمن المعروف بأن أول مصحف جمع في كتاب واحد هو مصحف عثمان حيث يذكرنا أبن حجر في فتح الباري في صحيح البخاري الذي نقل كتابه وكما ذكر في المقدمة عن الإمام حافظ إبراهيم وأبن حجر متوفى في القرن التاسع هجري يذكرنا بأن عثمان جمع مصحفه في كتاب واحد في السنة الخامسة والعشرون للهجرة وكما ذكر أن هناك قولاً أخر يقول في السنة الثلاثين وهو التاريخ الذي يوافق أواخر النصف الأول من القرن السابع للميلاد إلى أوائل النصف الثاني وذلك يعني أن النسخة المكتشفة لابد أن تكون قد كتبت بعد مصحف عثمان الشهير وقد جاء في صحيح البخاري صفحة 922 كتاب فضائل القرآن: باب جمع القرآن: الرواية رقم 4987، أن عثمان حرق بقيّة المصاحف ثم أرسل نسخة من مصحفه إلى بقية المقاطعات فأن افترضنا بأن هذه النسخة تعود لـ 40 سنة بعد وفاة الرسول أي حوالي الـ 670 م فهي وبحسب الصحيح يجب أن تكون من مصحف عثمان وإن لم تكن فالسيرة والحديث قد غشّتا المسلمين وفي الحقيقة إن عدنا لكيفية صنع وتدوين وحفظ الرق نتعجب عن كيفية صموده كل هذه المدّة فنحن نتحدث عن رق صمد لأكثر من ألفية وهذا إن لم ندخل في الوسائل التي قد تزور فيها هذه النوعية من التدوينات مثل التنظيف عن طريق الكشط ثم الغسل ثم إعادة تدوين الكتابة بحسب الأهواء والأيديولوجيا كما حدث في مخطوطة Lat: Codex re-script-us. وإن فرضنا بصحة كل تلك التلميحات التي لا يتقبلها عقل وصدقنا بصحة النسخة الورقية أو المكتوبة على جلود الحيوان فكم جلد حيوان نحتاج لتدوين سورة البقرة لوحدها في مثل هذه الحالة؟ ولكم أن تتخيلوا الكمية التي نحتاجها لـ 114 سورة! كما أنها ستحتاج معجزة للحفظ والترتيب وإن أقنعنا أنفسنا بطريقة أو أخرى أن هذه النسخة تطابق النسخ التي بين أيدينا فهي لا تأتي على سيرة حياة محمد الرسول المزعومة ولا يحوي الكتاب أي دليل تاريخي قديم أو معاصر لزمنه فموضوع إثبات أنه يعود لتلك الحقبة لا يخدم المسلمين بشيء ولا الدارسين أو الباحثين فالكتاب لا يعتبر وثيقة تاريخية دوّن ثقافة عصره ولا يكشف تواريخه فموضوع التأكد من مصداقية الوثيقة مهم جداً لنا كباحثين.
ما هو البرغاما أو الرق؟
البرغاما وهو الرق لفظ يوناني مشتق من Pergamene أسم مدينة تقع على الساحل الغربي لتركيا اليوم قديماً سوريا اليوم بـ Bergama و الـ Membrana Pergamena تعني جلود بيرغاما ووفق مذكرة تعود للمؤرخ الروماني الشهير Pilinus الكبير أو بليني الأكبر أن الحاكم على مصر بطليموس Ptolemaios ونعتقد أنه السادس والذي حكم بين 180 ــ 145 قبل الميلاد قد حظر تصدير أوراق البردي إلى بيرغاما بسبب إستيائه من منافسة مكتبة الملك السلوقي الحاكم على برغاما يومينوس الثاني الأناضولية لمكتبة الإسكندرية. أقدم الوثائق التاريخية للرق تعود فترة تتراوح بين القرون 2 قبل الميلاد إلى 5 بعد الميلاد ونقلت الأعمال الأدبية اليونانية والقصائد والملاحم وغيرها ويقال أن التوراة كتبت عليها ثم اعيد نسخها على أوراق البردى لاحقاً إلى أن ظهرت اللفائف ثم المخطوطات. الرق يحتاج فترة طويلة حتى يتحول إلى جلد صالح للكتابة وإن قلنا أن هذا الحيوان وهو الماعز على سبيل المثال قد تم ذبحه وسلخه ونقع جلده وإخضاعه لعملية تنظيف شاملة من حك وإزالة شعر ولحوم زائدة ثم تجفيف وتنعيم ودعك والخ قبل أن يكتب عليه فان هذا الرق سيبقى حساس جدا للرطوبة ولمجرد تعرضه لغازات الجو العالية الطاقة كالهواء وأشعة الضوء يدخل في عملية تآكل حمضية إذ لا يصح تخزينه إلّا في رطوبة ثابتة لا تقل عن 40% في درجة حرارة تقدر بـ 20 مئوية. ولنفترض أن تدوين الرق المكتشف قد حدث سنة 670 للميلاد أي بعد 40 سنة من وفاة النبي بحسب الرواية التقليدية، كيف حفظ بهذه الطريقة الكيميائية الدقيقة والحساسة كل هذه المدة؟
التكشيط والتطريس.
ولما كانت الكتابة على مواد مثل البرغاما أو الرق هي الوسيلة الوحيدة لتدوين النصوص والوثائق المهمة وخاصة المقدسة منها فقد أعيد إستخدام ذات القطعة بسبب السعر الباهظ للبرغاما فتعرضت القطع أحياناً كثيرة للغسل أو التكشيط بالحبر الكيميائي وحمض الستريك مثل مخطوطة مار أفرام السوري Codex Ephraemi Re-script-us المحفوظة في المكتبة الفرنسية الوطنية والتي أعيد كتابتها في القرن الثاني عشر للميلاد ونذكر بان الكاتب الألماني غيرهارد كراوس قد فرد له مجلداً كاملاً في كتاب Theologische Realenzyklopä-;-die, Band 6 وبذلك لم ينجو من كتابات القرون الاولى للميلاد وما قبلها إلّا النذر اليسير من المخطوطات وأوراق البردي ككتاب أرخميدس الذي أكتشفه عالم اللاهوت الألماني قسطنطين تشيندورف مع عدّة مخطوطات أخرى مثل مخطوطتي مار إفرام ومخطوطات دير سيناء آلا أنه لم يفهمها، ترجم جزء من الكتاب العالم اللغوي الدنماركي J. L. Heiberg وعند فحصه بالأشعة السينية تأكد أن الخط أصلي.
إذن لتلك الجلود ميّزة هي التكشيط أو الحذف ثم إعادة التطريس أو كما يقال باليونانية palimpsestos وتعني التطريس، حدث مع العديد من النصوص البيزنطية وكتابات الأديرة الرهبانية ونصوص المهرطقين وسميت بـ novaculum وحين كانت الكنيسة تحتكر الخط وكيفية إستغلال هذه الميزات انتهج رجال الدين وبقيادة سلطات الكنيسة مهمة تزوير النصوص والمخطوطات القديمة والسجلات القانونية ومراسيم البابوات وملفات الشهداء ورؤى وتقارير القديسين والأساطير والشهادات والخ. وقد بلغ هذا التزوير بين القرن الثامن حتى الثالث عشر ذروته وأقيمت ورشات عمل غير قانونية للقيام بالمهمة على نطاق واسع على الأقل من قبل قسطنطينيوس بوصفه أعلى سلطة كنسية وقد سمعنا عن إعادة تطريس كل الموسوعة البيزنطية في القرن العاشر بأوامر رسمية منه شخصياً ايضاً شاركت الأديرة في هذه المهمة مثل دير كورفاي، باللاتينية كورباي المركز الروحي والثقافي السكسوني بين القرنين التاسع والعاشر للميلاد وهو موضوع على موقع التراث العالمي لليونيسكو ودير لومان الفرنسي مقر الروم الكاثوليك ودير راينشاو وقد أفرد الألماني Peter Rückert كتاباً يحوي معظم وثائقه المزيفة سنة 2003 م. وهذا التزوير إن كان بحسن نيّة أو لم يكن فقد رمى لزيادة قوة الكنيسة وتحسين مستواها وممتلكاتها وأوضاعها ودخل مؤسساتها الكنسية فجعلت الأعداء دائماً هم الأشرار وهكذا أنتهى بنا المطاف إلى تزوير شامل للتاريخ يتوجب التعامل معه بحذر شديد والأمر يرتبط بالقرآن المكتشف حديثاً في حال بقيت الفرضية على ما هي.

#جورين_كيلو (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات