أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - نبيل عودة - يوميات نصراوي: لذكرى أمي...














المزيد.....

يوميات نصراوي: لذكرى أمي...


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 4637 - 2014 / 11 / 18 - 13:30
المحور: العلاقات الجنسية والاسرية
    


يوميات نصراوي: لذكرى أمي...
نبيل عودة
في الصباح الأول بعد وداعك (29 – 11 – 2000) وعلى غير العادة كانت جريدة "الاتحاد"* ملقاة على باب بيتك.. ودافع قوي يشدني لأقرع عليك الباب وأذكرك انك، على غير عادتك.. لم تأخذي الجريدة بعد.
وقفت طويلا متأملا الباب الموصد بحيرة.. متخيلا إياك وراءه.. وانك بين لحظة وأخرى ستفتحين الباب وأشاهد وجهك بهدوئه والابتسامة التي لا تفارقه.. وستأخذين جريدتك، تماما كما تفعلين كل صباح.. وأن ما ظننته وداعا أبديا لك هو حلم مزعج، وهم ثقيل سرعان ما يبدده ظهورك. كانت الجريدة الملقاة أمام بابك تقول عكس ما نعرف، كنت أريد أن أصدق، كنت أنتظر، كجريدتك... أن ينشق الباب لتملئيه بتفاصيلك المعروفة لي، ثم تأخذين جريدتك.لا يمكن أن نفقدك بدون أي إنذار مبكر وأنت في قمة نشاطك وعطائك وصحتك...لم أكن مستعدا لأتعود على غيابك الأبدي، على بابك الموصد وعلى جريدتك المنتظرة.
قبل أقل من عشرة أيام من وداعك رأيت صورتك ترفعين الشعارات ضد جزاري شعبنا الفلسطيني، لم تكن عليك حتى أقل الدلائل للمرض العضال الذي يفتك بك...مما عزز يقننا انها معاناة عابرة تنتظم بعدها الحياة كما كانت.
حين قرر ابنك الطبيب ان يجري لك فحصا، بعد أن ثارت لديه الشكوك بمرضك، حاولت إقناعه انه لا ضرورة لهذه "الغلبة" وانك ما عدا قليل من الإمساك، تعالجينه بالدواء المناسب ، لا تشعرين بأي عارض صحي يوجب هذا الإصرار على الفحص. أنت حقا بصحة جيدة ونشاط كامل.. تبدين عصية عن المرض وبأحسن حال لمن في جيلك!!
لا ادري ان كنت تخفين آلامك هنا؟ لكن وجهك الذي يجعلك تبدين أصغر من عمرك بعقد أو عقدين يؤكد ما تصرين عليه بان صحتك جيدة ولا توجب القلق والفحوصات المتعددة التي حاولت التهرب منها. لماذا لا نصدقك؟ لكن طبيبك يصر على موقفه وهو ليس أي طبيب .. إنما ابنك. كان قراره ملزما.. وكان ضجرك من قراره واضحا جليا، واصلت بين فحص وآخر حياتك الطبيعية، كنت أشعر بسخريتك من قرار "تعذيبك" بالفحوصات.. وكانت "الاتحاد" تنتظرك كل صباح امام باب بيتك. كان لا بد لي أن انظر كل صباح لبابك فأرى انك سبقت الجميع في استلام صحيفتك. كنت تبقين باب بيتك اقل بقيراط من الإيصاد الكامل، لأن قهوتك جاهزة بانتظار كل من يطرق بابك من أبنائك حتى بائعات اللبن والبقول..
كان أملنا كبيرا أن لا تتجاوز الشكوك خانتها، ثم صار أملنا كبيرا وقادرا على تجاوز المنطق، لأنك أمنا.
انظر اليوم إلى الباب الموصد بعجز عن التصديق، برفض لقبول ما أرى، بإحساس مجنون متفجر انك لا بد تقفين ، كما أعهدك.. وراء الباب الموصد ، أو تجلسين بمكانك المعهود، تطالعين جريدتك وتحتسين قهوة الصباح.
وقفت طويلا أمام الباب وانأ بين دافع الإقدام ودافع التراجع.. وشعور بالثقل يتزايد وأقاوم دمعة تكاد تطفر من عيني.
كنت أشد قرائي حماسة وأكثرهم حفظا لما أكتب، كنت تبحثين أولا عن أسمي بين صفحات "الإتحاد" ، تقرئين ما أكتب وتحفظين العدد ... كثيرا ما استعنت "بأرشيفك" لإيجاد ما افقده من مواد منشورة قبل أن يصبح بابك موصدا للأبد.
قبل أن تصبحين مجرد ذكرى فاجأتني بأن "أرشيفك" يحوي مختلف المجلات والصحف التي نشرت فيها منذ السبعينات، أي مع أول عمل أدبي نشرته. بدأت تنقلين لي دفعات وراء دفعات أعدادا مختلفة من مجلات "الجديد"، "الغد"، "الأسوار"، "نداء الأسوار"، "الآداب"، "الكاتب"، "البانوراما" وغيرها .. ففوجئت بكتابات نسيتها، بل غابت تماما عن ذهني.
هل كنت تعلمين ما بك؟ هل فعلت ما فعلته من نقل "أرشيفك" لي لتزيديني هما وإحساسا بالفقدان؟ كم اشعر بالضيق من مواصلة الحياة وانا على يقين ان هذا الباب لن ينشق لتقفي في فتحته مرة أخرى.
كم تألمت في الصباح الأول بعد فقدانك،حين نظرت لصحيفة "الاتحاد" مسجاة أمام بيتك، دون أن يجرؤ احد منا أو من أولادنا على التقاطها للاحتفاظ بها لك، كما تعودنا في أيام وجودك خارج البيت.
أبقينا جريدتك تنتظر علك تطلين أخيرا، علها تكون إعجازا يعيدك إليها والينا. يعيد لي اشد قرائي حماسة ومثابرة. هل استطيع ان اكتب الآن وانا على يقين بفقدانك مع ما يعنيه فقدانك لي..؟
ربما ما جعلني مثابرا على الكتابة والنشر هو أن لا أخيب أملك بالبحث دون جدوى عن اسمي وكتاباتي.
ماذا يسعني اليوم أن أقول إمام بابك الموصد؟ أمام جريدتك المنتظرة بخشوع ان ينشق باب بيتك..؟ ربما أطمئنك إذا قلت أني سأبقى مخلصا لقلمي ولما زرعته في من حب للمطالعة والكتابة.. وان نسيت، لن أنسى أبدا انك جعلت من "الإتحاد" كتابي المدرسي الأول والوحيد ، الذي تعلمت على صفحاته القراءة وأنا في طريقي لجيل الخامسة ولم أكن بعدها بحاجة لأي كتاب مدرسي أخر لتعليم القراءة.
بفقدانك سأعزز ما كسبته منك في طفولتي، علني أجد فيه عوضا عن غيابك.. ستبقين حية فينا.. ستبقين أجمل ذكرى مع إطلالة كل فجر.
ستبقين أمي!!
• - الإتحاد – صدرت باسم "مؤتمر العمال العرب" في فترة الانتداب البريطاني، اليوم ناطقة باسم الحزب الشيوعي، الصحيفة اليومية العربية الوحيدة في إسرائيل. من أبرز محرريها: المؤرخ د.إميل توما، الكاتب إميل حبيبي والشاعر والمفكر سالم جبران.
[email protected]



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تفقد اللغة العربية مكانتها في اسرائيل؟
- سياسة التوحد البيبية
- دراستان علميتان رصينتان حول اليهودية والتلمود
- بروفسور سليمان جبران في حوار ثقافي شامل
- يوميات نصراوي: وطنيون بالمراسلة!!
- معضلة العالم العربي
- في ذكرى رحيل صاحب اعظم تجربة تحررية:
- اليوم آرامي .. غدا أسكيمو؟!
- الاحتلال يطبق سياسة -هنود حمر- مع بدو الأغوار
- العنصريون عابرون واللغة العربية باقية
- اطلالة على العالم القصصي للقاص المغربي عبده حقي
- لإعادة اللحمة للنخب السياسية والمثقفة في المجتمعات العربية
- اسطورة فلسطينية... وكابوسا لاسرائيل
- لقاءٌ مع الأديبِ والناقدِ - نبيل عوده -
- توقف القتال .. لم تتوقف الحرب!!
- ورطة جنرالات اسرائيل
- اللغة العربية من منظار الواقع السياسي-الاجتماعي
- المنتصر على الطفولة
- اوشفيتش غزة: -امواتا يمشون -حتى متى؟!
- حين يصير المحتل مدافعا عن النفس


المزيد.....




- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...
- البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
- مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة ...
- “سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف ...
- إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى ...
- هل تؤثر صحة قلب المرأة على الإدراك في منتصف العمر؟
- اغتصاب وتحويل وجهة وسطو وغيرها.. الأمن التونسي يوقف شخصا صدر ...
- “الحكومة الجزائرية توضح”.. شروط منحة المرأة الماكثة في البيت ...
- جزر قرقنة.. النساء بين شح البحر وكلل الأرض وعنف الرجال
- لن نترك أخواتنا في السجون لوحدهن.. لن نتوقف عن التضامن النسو ...


المزيد.....

- الجندر والجنسانية - جوديث بتلر / حسين القطان
- بول ريكور: الجنس والمقدّس / فتحي المسكيني
- المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم / رشيد جرموني
- الحب والزواج.. / ايما جولدمان
- جدلية الجنس - (الفصل الأوّل) / شولاميث فايرستون
- حول الاجهاض / منصور حكمت
- حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية / صفاء طميش
- ملوك الدعارة / إدريس ولد القابلة
- الجنس الحضاري / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - نبيل عودة - يوميات نصراوي: لذكرى أمي...