أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 30















المزيد.....

سيرَة حارَة 30


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4637 - 2014 / 11 / 18 - 01:28
المحور: الادب والفن
    


1
الحارة؛ كانت فيما مضى صورة مصغرة عن الشام، بل والبلد كله. ولكن، كل شيء جميل وأصيل أخذ بالاضمحلال على أثر الحركة التصحيحية المجيدة؛ التي صارت اليوم " أم أربع وأربعين "....!
العقيد المتقاعد محمد زلفو، كان بهذه الرتبة في منتصف الخمسينيات حينما كان القائد الخالد ما يزال ملازماً، مجهولاً. ذات يوم من بداية السبعينيات، كان العقيد متجهاً بسيارته من منطقة المالكي نحو منزله، الكائن على طرف شارع العابد. فجأة، إذا بسيارة دورية مخابرات تجتاز الضوء الأحمر وتكاد أن تصدم سيارته. شرطي المرور كان هناك، فلم يحرك ساكناً إلى حين مرور تلك السيارة ذات الأرقام المخيفة. ثم ما لبث أن أخرج دفتره، وشرَعَ بكتابة ضبط مخالفة بحق العقيد. هذا الأخير، نزل من سيارته وعروقه تغلي ثم بدأ بصفع الشرطي وشتمه....!
من ناحيتي، شهدت حادثة لا يمكنني نسيانها قط؛ وهيَ كانت تُنْبأ بالتغيرات الطارئة على البلد في تلك السنوات. كان ذلك خلال انتخابات الادارة المحلية لدورة 1976، عندما انتدبت وكيلاً لابن عمي في مركز اقتراع بمنطقة الطلياني. مسؤول الأمن في ثانوية البنات، التي تم تحويلها لمركز انتخابي، كان رجلاً جلفاً من ريف الساحل. يبدو أنه كان متذمراً من شبان ثلاثة، وكلاء، كانوا يتبادلون الحديث مع زميلة لهم. هذه البنت، الرائعة الحُسْن، كانت ابنة أحد المرشحين المستقلين من نفس المنطقة. هكذا وجدنا أنفسنا، نحن الوكلاء، خارج المركز بعدما أمرنا رجل الأمن بمغادرة المكان. عند باب المدرسة، طفق أولئك الثلاثة بمجاذبة الحديث مع الفتاة الفاتنة. ما هيَ إلا سويعة أخرى، حتى قدمت سيارة مخابرات فدلف منها عدة شبان وعلى وجوههم نذر الشر. اتجهوا فوراً نحوَ الوكلاء الثلاثة، وبدون أي كلمة انهالوا فيهم ضرباً. عندما سقط أولئك المساكين أرضاً، فإن رجال الأمن استمروا في ركلهم بوحشية. ثم رموهم بالسيارة وهم مدميين، وانطلقوا بهم إلى مجاهل الأقبية المرعبة؛ التي بدأ الناس، منذ ذلك الزمن، يتداولون حكاياتها ومآسيها.

2
الأقوال المأثورة، كما نعلم، هيَ تلك المتداولة بين الناس جيلاً وراء الآخر. يمكن أن تكون على شكل جملة، أو حتى مجرد كلمة. في الحارة، تناقلنا أيضاً مثل هكذا أقوال؛ وخصوصاً لو كان أصحابها معروفين كشخصيات طريفة....!
قربينة، كان قد فاجأ أهالي الحارة حينما دلفَ ذات صباح من سيارة سوزوكي وهوَ يحمل بضائع للمحلات، القائمة على طرفي جادة أسد الدين. إذ سبق لصاحبنا أن عانى طويلاً من البطالة، حيث تعطل شغله السابق ـ كجابي باص ـ بعدما قامت الدولة باحتكار وسائل النقل. وأخيراً ها هوَ أحد أقاربه، وكان مالك سيارة سوزوكي، يعرضُ عليه العمل معه في توزيع البضائع، وكان أغلبها سكاكر للأطفال. فما أن يدخل قربينة إلى واحدٍ من تلك المحلات، حتى كان يخاطب صاحبه بلهجة أهل السوق وبالفصحى: " يوجد لدينا تشكيلة واسعة من المصاص "....!
أبو خالد، كان يملك أفضل محل سمانة على الجادة. كان الرجل من أهالي حارة جسر النحاس، مقيماً في منزل كبير بزقاق المتينية. إلا أنه استأجر هذا الدكان، الكائن بأسفل زقاقنا وفي مقابل بيت حماه. في تلك الأيام، كان العمل جارياً لتجديد عمارة مسجد سعيد باشا، وقد تطوع بعض الشبان الملتحين لجمع التبرعات من الأهالي. وإذاً، استقبل أبو خالد في دكانه أحد أولئك المتطوعين، الذي بدأ يسمعه محاضرة حول الثواب والعقاب. فما كان من صاحب الدكان إلا مقاطعة الشاب، قائلاً وهو يشير إلى الجهة المقابلة: " هناك بيت حماي؛ فأنا لا أستخدم في العادة مرحاضَ المسجد "....!
أبو أمين، كان من رأس الحارة ( سَريْ حاريْ ) وعمل في مهن عديدة، علاوة على تورطه مثل الكثير من رجالها بأشياء تمتّ للطيش والتهوّر. ما أن دبّت الكهولة في أوصاله، حتى قرر أبو أمين التوبة لخالق السموات والأرض. إمام مسجد سعيد باشا، الشيخ عبد الجليل البوطي، رحّب بتوبة الرجل وشجعه على أداء الفرائض. ذات يوم جمعة، كان الشيخ ينهي خطبته العصماء بالأدعية والمؤمنون يرددون وراءه بكلمة " آمين ". فجأة، إذا بصاحبنا أبو أمين يغرّد منفرداً: " آآآآآموووون "........!

3
أحد أصدقاء طفولتي، كان مقرباً إليّ كقرب منزله من منزلنا. هذا الطفل الجميل، ولد أصم أبكم لسوء حظه. على ذلك، فإن أولاد الزقاق أطلقوا عليه لقبَ " اوء ". وكوني لم أجارهم في هذا التشنيع، فإن والدته كانت مرتاحة لصداقتنا؛ هيَ التي كانت تغضب بشدة ممن يتجرأ على التفوّه باللقب أمامها....!
كان صديقي المسكين يتيماً، فوق ذلك. إذ انفجرت قنبلة بيد أبيه، الضابط في الجيش، أثناء احدى التدريبات. فكفل الأسرة عمّ الأم، حيث أسكنهم في منزله الصغير. آنذاك، كان الرجل يتعهّد أيضاً رعاية أسرة شقيقه، المسجون في القلعة. وأتذكّر، أنني نادراً ما كنت أزور صديقي خلال وجود عمّ أمه، الذي كان يتبرّم من ضجّة الأولاد. هذا الرجل العجوز، المترمل والمتوحّد، كان لديه محل سمانة في طلعة الحارة، المؤدية للجبل. وقد كنت وصديقي نمر أحياناً بالقرب من الدكان، فلا يلبث هذا العم أن يدعونا إليه ويحذرنا من التوجّه إلى الجبل. إذاك، كان يمنح كلاً منا لفة ورق متخمة بالقضامة الناعمة، المخلوطة بالسكر، فيما قسمات وجهه، المتجهّمة دوماً، تعبّرُ عن ألمٍ عميق وعَصِيّ....!
اعتدتُ على التفاهم مع صديقي الأخرس بالاشارات، مثلما كانت تفعل أمه وشقيقته الصغيرة، الوحيدة. عندما صرتُ تلميذاً في الابتدائي، كان هو قد انتسب لمعهد الصم والبكم. لاحقاً، تعرفت على بعض زملائه، وكانوا ثلاثة أشقاء من الحارة الفوقانية، القريبة من وادي سفيرة. غير أن لقاءاتي مع هذا الصديق أضحت نادرة، واقتصرت غالباً على ايماءة محيية في الزقاق أو في الجادة. وكنت في سنتي الثانوية الأولى بالمعهد الصناعي للاسلكي ( وهيَ السنة الوحيدة على كل حال! )، حينما بدأ صديقي تعلّم مهنة النجارة في معهد الصم والبكم. قبل ذلك ببضعة أعوام، كانت أمه قد انتقلت إلى بغداد لتقترن بأحد معارف شقيقها، المقيم هناك منذ فترة طويلة. ثم عادت والدة صديقنا في زيارة للشام، وكانت برفقة ابن صغير أطلقت عليه اسماً كردياً على الرغم من كون أبيه عربياً. في غربتي، كنت أحياناً استقي من الأهل أخبارَ الأسرة الجارة: صار صديقي معلماً ماهراً في صنعته، كما أنه أسس عائلة. والدته ( التي أصبحت أرملة مجدداً )، كانت قد عادت لدمشق في محاولة للاستقرار، على أثر غزو العراق وما تبعه من أعمال ارهابية. ولكنها ما لبثت أن غادرت البلد ثانيةً، لأنها كانت على غير وفاق مع امرأة ابنها. لقد دأبت على زيارة الوطن بين حين وآخر، إلى أن انقطعت عن ذلك تماماً بعد اشتعال الثورة السورية.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية 2
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية
- سيرَة حارَة 29
- سيرَة حارَة 28
- سيرَة حارَة 27
- سيرَة حارَة 26
- نساء و أدباء
- سيرَة حارَة 25
- سيرَة حارَة 24
- سيرَة حارَة 23
- سيرَة حارَة 22
- سيرَة حارَة 21
- سيرَة حارَة 20
- الرواية: الفصل الرابع / 2
- الرواية: مستهل الفصل الرابع
- سيرَة حارَة 19
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 7
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 5
- سيرَة حارَة 17


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 30