أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عطا درغام - الأرمن المصريون والسياسة المصرية















المزيد.....

الأرمن المصريون والسياسة المصرية


عطا درغام

الحوار المتمدن-العدد: 4634 - 2014 / 11 / 15 - 13:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نجح الاحتلال البريطاني في عزل الأرمن المصريين عن الاشتراك في مقاومته من خلال قنوات محايدة ، ولكنها استعمارية الأصل ، وذلك بتطبيق مفهوم "فرق تسد" ؛ إذ نجح البريطانيون في أن يظهروا للأرمن بأن مجابهتهم ليست في صالح المسيحيين عموما ، وأن الأعمال المضادة لبريطانيا في مصر إنما هي ثورات أو حروب ذات طابع ديني. وتماشت بعض الأقلام الأرمنية في مصر مع هذه الأفكار مثل الكاتب يرفانت أوديان الذي وصف الحركة الاستقلالية المصرية بأنها " حركة أصولية متطرفة ضد المسيحيين وضد الأرمن".
وقامت بعض الأقلام الخادمة للأوساط الأرمنية المستفيدة من خيرات الاحتلال بنشاط ملحوظ في عملية تحييد الجالية الأرمنية إزاء مسألة جلاء الإنجليز عن مصر. ووصف هؤلاء العملاء كفاح الشعب المصري الوطني التحرري بأنه" نشاط شديد الضرر". ولم يكن يريدون حتي مجرد الاستماع إلي إبعاد القوات البريطانية عن مصر، وفي هذا الصدد ، كتبت صحيفة لوسابير الناطقة بلسانهم المعبرة عن مصالحهم:" عن الازدهار غير العادي الذي تشهده مصر إنما يؤكد السياسة الحكيمة للإدارة البريطانية".
وبمرور الوقت ، اتسع نطاق الحركة الوطنية المصرية ضد الاحتلال البريطاني لا سيما بعد حادثة دنشواي (1906) وتأسيس الحزب الوطني رسميا في عام 1907 ، وما نجم عن ذلك اتساع دائرة الحركة الوطنية علي هيئة اجتماعات ومظاهرات ضد الاحتلال الذي شن حملة اعتقالات واسعة ضد الوطنيين . ليس هذا فحسب ، فقد استقالت نظارة مصطفي فهمي الثالثة (12 نوفمبر 1895- 11 نوفمبر 1908) ، وهو الشهير باستسلامه للسياسة الإنجليزية حتي صار أداة سهلة في يدي اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر (1883- -1907)، وحلت محلها نظارة بطرس باشا غالي (13 نوفمبر 1908- 21 فبراير 1910) باعتبارها أول نظارة في الفترة المعروفة ب" عهد الوفاق" (1908-1911).
وشهدت هذه النظارة الوفاقية بين مراكز القوي مرحلة من أهم مراحل الحركة الوطنية ضد الاحتلال ، فقد اتسمت بتعدد الجماعات الوطنية وتشعب ميادين ممارساتها . ومنذ البداية رفض العديد من هذه الجماعات قبول النظارة البطرسية الجديدة. وجدير بالذكر أن هذه السياسة الرفضية قد تأرجحت بين الانتماء الديني والولاء الوطني.
ويمكن تسمية الفترة التي عاشتها النظارة البطرسية بسنوات المواجهة بين ما مثله من تحالف السلطة وبين الحركة الوطنية المتزايدة . وفي هذه المواجهة ، استخدم الطرفان ما لديهما من وسائل ضغط . فبالنسبة للنظارة ، أعادت إحياء قوانين القمع في 25 مارس 1909 لا سيما قانون المطبوعات الذي يقيد حرية الصحافة بشدة. ثم وضعت النظارة قانون النفي الإداري الذي وضع في أيدي السلطة الإدارية حق نفي الأشخاص الذين تري أنهم خطرون علي الأمن العام إلي جهة نائية بالقطر المصري، واختتمت النظارة حياتها السياسية بالدخول مع شركة قناة السويس في مفاوضات لمد أجل امتيازها "40" سنة أخري (1968-2008) في نظير أربعة ملايين جنيه ونصيب سنوي من الأرباح مما يعطي شرعية للوجود البريطاني في مصر. ولكن الجمعية العمومية رفضت هذا المشروع تحت ضغط الحركة الوطنية وتلقي الاحتلال أول هزيمة حقيقية.
وبالنسبة لممثلي الحركة الوطنية ، فقد استحدثوا أساليب ضغط جديدة غير معهودة قبل ذاك في ميدان العمل السياسي المصري مثل التظاهر أو المعارضة داخل المؤسسات شبه النيابية لا سيما " مجلس شوري القوانين"، وفي هذا المناخ المشحون والمشدود ، اغتال إبراهيم ناصف الورداني – من شباب الحزب الوطني المتطرفين- رئيس النظار بطرس غالي في 21 فبراير 1910 . وبهذه الجريمة ، تحولت سياسة المواجهة بين الحركة الوطنية والسلطة التي شهدتها مرحلة الوفاق إلي سياسة القمع التي بدت جلية في خطة نظارة محمد سعيد باشا الأولي (23 فبراير 1910-5 أبريل 1914) التي أعقبتها النظارة البطرسية.
في ظل هذه التطورات ، لم يقف أرمن مصر علي الحياد فقط إزاء تصاعد الحركة الوطنية المصرية ، بل دافعت الصفوة الأرمنية – المستفيدة من خيرات رأس المال الأوربي- بحماس بالغ عن الوجود الاحتلالي لان وجودها يرتكز عليه واستمرارها مرهون به. وقامت الصحافة والأقلام الخادمة لهم بتشويه كفاح الشعب المصري الاستقلالي في عيون الأرمن بتقديم وقائعه بشكل يخدم المصالح البريطانية . كتب ليفون مجرديتشيان المنظر للصفوة الأرمنية في مصر ما يلي :" للأسف دخل هذه البلاد ميكروب السياسة الذي يهدد بشل نشاطنا التنموي السلمي ". وسخر من الشعب المصري ( المسلم) الذي اعتبر الورداني بطلا شعبيا وجريمته عملا وطنيا . وعلق علي مسار الحركة الوطنية بقوله:" عن الشعب المصري بدأ في طريق ثورة مضلل خاطئ عظيم الخطر".
وفي منظور الصفوة الأرمنية ، كانت مصر تحت الرعاية البريطانية تنمو وتزدهر وتتمتع بحقوق فردية وسياسية كثيرة جدا أكثر حتي من سويسرا السعيدة. ويرون أن الشعب المصري قبل الاحتلال كان يختنق رويدا رويدا . فالفلاح ، علي سبيل المثال ، الذي كان يخدم باعتباره قنا ، بدأ يتحول بعد الاحتلال إلي مالك ، بيد أن كل هذه المزايا قد تهددت منذ أن أخذ مصطفي كامل " الغوغائي" الماهر، المحروم، من الحنكة السياسية ، في إثارة الجماهير المسلمة ضد الإنجليز ، كما يري هؤلاء أيضا أن مصر لا زالت بعيدة عن حكم ذاتها بذاتها.
وهكذا يلاحظ أن الاحتلال البريطاني لم ينجح فقط في تحييد أرمن مصر نحو الحركة الوطنية مستغلا وضعيتهم وقضيتهم ، بل واستقطب منهم زمرة تسوغ لوجوده وتروج مشروعاته المتباينة .أكثر من هذا ، سعي الاحتلال إلي استخدام الأرمن مخلب قط ضد القضية الوطنية المصرية التي بلغت ذروتها في الانفجارات الشعبية 1919.وإبانها ، دخلت العلاقات الثلاثية المصرية البريطانية الأرمنية في منعطف جد خطير.
عندما اندلعت الثورة المصرية في 9 مارس 1919 تطالب بإلغاء الحماية البريطانية واستقلال مصر تحت شعار "مصر للمصريين" كانت نفسية الأرمن مزيجا من عقد مركبة متشابكة . فقد تكونت آنذاك عقدة أرمنية ضد الإسلام والمسلمين ، نجمت عن الأحداث الدموية التي أصابتهم علي أيدي السلطات العثمانية من ناحية ، وتصوير الاحتلال البريطاني للحركة الوطنية المصرية بأنها معادية للمسيحية عموما من ناحية أخري.
ليس هذا فحسب ، ففي أثناء فعاليات مؤتمر الصلح بباريس وشيوع أخبار اقتراب حل القضية الأرمنية- وهو ما لم يحدث- تنامت في العقل الجمعي الأرمني فكرة تلوح بانتصارهم علي المسلمين. وقد ران هذا الاعتقاد علي المزاج الأرمني العام في مصر، وهو ما أكده المطران توركوم كوشاجيان في تقريره عن أحداث ثورة 1919 قائلا:" .... إن الموقف المكفهر للمسلمين إزاء بوادر نجاح القضية الأرمنية يثير هواجس كثيرا منا ، ولكننا لا نستطيع سوي دعوة شعبنا إلي السكوت والحيطة".
كما اعتقد الأرمن وقتذاك أن المصريين(المسلمين) امتداد طبيعي للأتراك ، ولذا ، سوف يناصرونهم علي الأرمن. ويؤكد هذا ما أورده الاتحاد القومي الأرمني في تقريره عن قتلي الأرمن في أحداث ثورة 1919 :"... هل يجب علينا أيضا ان نتحدث عن الطريقة الوحشية التي هوجم بها وقتل معظم الضحايا ؟.إن الأحداث التي وقعت إنما تعبر بإخلاص عن التقاليد الأصيلة للأتراك والأكراد..."
في إطار هذه النفسية ، وتحت سيطرة تلك المعتقدات، تخوف الأرمن بشدة إثر قيام الثورة المصرية التي ربما تمسهم بالأذى علي غرار الثورة التركية . وبات الأرمن متوجسين خيفة من تطورات أحداثها وتحولها إلي حلقة في سلسلة من الاضطهاد العثماني ( الإسلامي) ضد الأرمن. ويمكن رصد وضعية الأرمن أثناء مظاهرات 1919 علي موجتين : الأولي إبان مظاهرات مارس ، والثانية خلال مظاهرات أبريل .
بالنسبة لموجة مظاهرات مارس 1919، وردت أول إشارة تتعلق بالأرمن في جريدة "وادي النيل" بعد أقل من أسبوع علي نشوب الثورة:" ومن الحوادث التي تدعو للأسف أن بعض رعاع اليهود والأرمن أطلقوا النار علي بعض الوطنيين فأصيب رجال منهم بالعاصمة". ولم يقتصر إطلاق النيران آنذاك علي "رعاع اليهود والأرمن فقط ، بل امتدت إلي اليونانيين أيضا . ففي مظاهرات 17 مارس أطلق يوناني النار علي طالب كان يحمل علما فأرداه قتيلا. وقد تزامن إطلاق النار مع اقتحام العوام المصريين صفوف المظاهرات السلمية وتحويل مسارها إلي النهب والسلب والاعتداء علي الغرباء.
وهكذا ، يلاحظ أن ظاهرة فتح النار علي المتظاهرين المصريين لم تكن حبيسة في رعاع الجالية الأرمنية فقط، بل امتدت إلي رعاع اليهود واليونانيين . وربما كان مبعثها الدفاع عن النفس ضد اعتداءات العامة أو بغرض تخويفهم بعد أن زادت أعدادهم وتوسعت نشاطاتهم التخريبية والإجرامية.
وحتئذ ، لم تسبب هذه الإرهاصات العدائية بين الرعاع من الطرفين في اضطهاد عنصر بعينه، بل شملت الاعتداءات كافة العناصر الأجنبية . وبخصوص الأرمن ، يؤكد المطران توركوم في تقريره بأنه" حتي ذلك الوقت لم يلحظ في هذه الحركة أية تحركات ضد الأرمن".
ولكن منذ 20 مارس – وطبقا لتقرير المطران- ظهرت فجأة أخبار ومقالات مثيرة في الجرائد المحلية ( المنبر والأخبار والأفكار) تفيد بأن المتظاهرين عندما كانوا يمرون أمام مطرانية الأرمن ( بين السورين) واجهوا مقاومة مسلحة وردوا عن طريقهم بالإضافة إلي إطلاق النيران علي الغوغاء من بعض المنازل الأرمنية وأقاويل مغرضة من هذا القبيل". وبسرعة ، رفعت المطرانية شكواها إلي وزارة الداخلية ضد هذه الجرائد .. وفعلا ، قررت الرقابة "اتخاذ الوسائل اللازمة حتي لا تنشر بعد الآن مقالات في الصحافة المحلية تكون ذات طبيعة مثيرة للمشاعر ضد الأرمن في مصر".
ولم يترتب علي هذه الأخبار وتلك المقالات ضد الأرمن أي ردود فعل جماعية عنيفة ضدهم في الشارع المصري بالعاصمة أو الثغر. ولكن الأقلية الأرمنية الضئيلة بأسيوط تعرضت ضمن من تعرضوا للسلب والنهب في أواخر مارس:" .. وقد وردت الأنباء بأن مدينة أسيوط أصيبت بخسارة كبيرة بسبب أعمال النهب. ووقع الاختيار بصفة خاصة علي حوانيت الأقباط والأرمن...".



#عطا_درغام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراع الحزبي الأرمني في مصر-2
- الصراع الحزبي الأرمني في مصر-1
- الأرمن المصريون وأرمينية السوفيتية-3
- الأرمن المصريون وأرمينية السوفيتية-2
- الأرمن المصريون وأرمينية السوفيتية-1
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-7
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-6
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-5
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-4
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-3
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-2
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-1
- الجمعيات الأرمنية في مصر-5
- الجمعيات الأرمنية في مصر-4
- الجمعيات الأرمنية في مصر-3
- الأرمن في مصر ( 1896- 1961 )
- الجمعيات الأرمنية في مصر-2
- الجمعيات الأرمنية في مصر
- ضبابية الموقف الأمريكي إزاء الإبادة الأرمنية
- نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر - 3


المزيد.....




- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عطا درغام - الأرمن المصريون والسياسة المصرية