أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تيسير حسن إدريس - مساومة أم تغيير راديكالي جدل الحصان والعربة!















المزيد.....

مساومة أم تغيير راديكالي جدل الحصان والعربة!


تيسير حسن إدريس

الحوار المتمدن-العدد: 4629 - 2014 / 11 / 10 - 18:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



(1)
بينما تواصل القوى المعارضة بعثرتها للطاقة والجهد بكثرة المبادرات والإعلانات السياسية المفتقرة لآليات التنفيذ، يتسع الفتق بين مكوناتها، ويواصل النظام المتسلط ترتيب أوراقه، وحبك فصول مسرحية توحيد الصف الإسلاموي في عملية خداع مكررة، يقوم بها في كل مرحلة لإعادة إنتاج الذات، واسترداد الأنفاس، كسبا لمزيد من الوقت على سدة السلطة؛ لتبقى با نوراما المشهد السياسي السوداني على حالها، مرتجة بين تيه قوى المعارضة، وعجزها عن إحداث التغيير، وجنون النظام بالسلطة، وتمسكها بها رغم الفشل البيِّن، بينما الوطن يعاني سكرات التشظي واندثار معالم الدولة في انتظار رحمة السماء.
(2)
البون الشاسع بين تفريط قوى المعارضة، وعجزها عن الوصول لتفاهمات بينية، تقود لاتفاق مكوناتها على برنامج حد أدنى، واجتهاد النظام ونشاطه في جمع شعث تياراته التي يدب بينها الخلاف أحيانا على تقاسم (الأنفال)، يشير بوضوح لمكمن العلة الوطنية التي شوهت الضمير الجمعي، وقادت لاصطفاف سياسي أعرج، غابت عنه القيم النبيلة، واختلطت تحت غبار مجادلاته الرؤى والمفاهيم، حتى بات من العسير على المرء التمييز بين مناهج السياسة التي يمكن الاختلاف حول متغيراتها، وبين "الوطنية" كقيمة عليا ثابتة لا خلاف عليها. فمن المحزن حقا ألا تستطيع النخب السياسية التمييز بين مصالح أحزابها الضيقة، ومصالح الوطن العليا التي يفترض في الجميع الحرص عليها وعدم التفريط فيها.
(3)
المراقب لحالة تراخي الهمة الوطنية والعجز المقيم، يرى أنها علة لا يعاني منها النظام الحاكم وحده ولا تقتصر على مكوناته الإسلاموية فقط؛ بل تتعداه لتصيب كبد الصف المعارض، وتؤطر للخلاف المزمن المستعر بين أطيافه السياسية، وتياراته الفكرية المتناطحة على طبيعة التغيير المنشود، لدرجة أهملها للهدف الرئيس، وانصرافها لفسطاطين متناطحين، طرح كلاهما أوهن من بيت العنكبوت، يتبنى الأول حل الأزمة الوطنية بمساومة تاريخية كسبيل آمن للتغيير، بحجة الحفاظ على "كيان الدولة"، بينما يصر الثاني ويدعو لصراط التغيير "الثوري" الراديكالي، بذريعة أن قوائم المعبد القديم قد نخرها سوس الفساد ولا مجال لترميمها، وكلا الفسطاطين عجز عن تقديم مشروع مقبولٍ للشرائح كافة، وفشل منطقه في إقناع (الكتلة الحرجة) ولف قاعدة جماهيرية عريضة لها القدرة على المضي ببرنامجه نحو التغيير؛ لتظل القضية الوطنية المركزية -المتمثلة في ضرورة إزالة النظام المتسلط- معلقةً حائرة تتأرجح بين الفسطاطين.
(4)
لا اختراق سياسي أنجز، ولا مخرج مشرف من وحل الأزمة الوطنية تم الوصول إليه طوال ربع قرن، وقوى المعارضة في شتاتها تبدو مهتمة بما يفرقها، أكثر من اهتمامها بالذي يوحدها، ويدفع بعجلة التغيير قدما للأمام؛ فالانشغال بفرض الرؤى والتوجهات الحزبية بغرض كسب نقاط عجاف على حساب إنضاج اشتراطات التغيير، وضمان لحمة الصف المعارض، هو الشغل الشاغل لأطياف المعارضة كافة، وهو عبث لا يمت للسياسة الواقعية الرشيدة بصلة، وموقف يصب في صالح النظام الحاكم، يمده بالوقت اللازم لإعادة ترتيب أوراقه، والبحث عن حيل جديدة كالانتخابات المشكوك في نزاهتها، التي يصر على قيامها لمواصلة تفرده بالسلطة. وهذا لعمري دعم مجاني ظلت تقدمه المعارضة لنظام يعيش مترمما على تناقضات المشهد السياسي مستغلا تشاكس مكوناته مما ساعده على تنفيذ سياسة فرق تسد الاستعمارية.
(5)
بالنظر لطرحي قوى المعارضة السودانية، تجدر بنا الإشارة إلى أنه مثلما أن لنجاح التغير الثوري اشتراطات محددة يجب توفرها، كنضوج الظرف الذاتي والموضوعي، وانتشار الوعي، وقوة التنظيم وانضباطه، فإن نجاح المساومة السياسية يرتبط بتوفر اشتراطات محددة أيضا، وغني عن القول إن المساومات المشروعة تتطلب توفر قدر كبير من الحرية، وأجواء طبيعية غير مشروطة، وعزم صادق، واستعداد من جميع الأطراف على تقديم تنازلات متقابلة، بشرط أن لا تخرق هذه التنازلات حد المشروعية، ليظل كل طرف على يقين بأنه قد عقد صفقة رابحة، رغم ما قدمه من تنازلات، وهذا أمر ممكن متى ما صدقت النوايا، وخلصت لوجه الله ثم الوطن. والتاريخ يقدم أمثلة كثيرة على كفاءة المساومات كأداة لحل المعضلات السياسية، بشرط أن تكون المساومة مشروعة، حيث تعتبر من آمن وأنجع أدوات معالجة الاعتلال السياسي، وتفوق في شمول حلها للأزمات بقية أدوات التغيير التي تتضاءل أهميتها بضعف قدرتها على الوصول إلى حلول متكاملة وجذرية تمتاز بالديمومة والاستمرار.
(6)
أهملت القوى السياسية المعارضة قضية وحدة الصف وضرورة التفاف مكوناتها - بعيدا عن العصبية الحزبية- حول قيادة سياسية موثوق فيها لها القدرة على السير بحراك التغيير قدما بالشجاعة والحكمة التي تجعل من ضروريات اللحظة الثورية واقعا قابلا للتنفيذ، فأجهضت بهذا السلوك غير الراشد عملية إنضاج العامل الذاتي، وشلت يد الحراك الثوري الذي ظل يصفق بيد العامل الموضوعي وحده، ومعلوم أن اليد الواحدة لا تصفق، ولا يسمع لها رجزا، فحين استطاع النظام الحاكم وحركته الإسلامية جر قطاعات مقدرة من النخب المعارضة لمستنقع سياساته الجهوية والعنصرية، عوضا عن وقوف هذه النخب حجر عثرة في طريق تمدد هذه السياسات الخبيثة، انغمست بلا وعي حتى أذنيها في ذاك الوحل، وباتت تتعامل وفقا لها كردة فعل لفعل الإقصاء الذي مارسته السلطة، وأفضى لنسف استقرار ولُحمة المجتمع السوداني.
(7)
استفاد النظام من ركون القوى المعارضة للتعامل بردود الأفعال في إطالة عمر سلطته، وظلت خيل المعارضة تعرض وتدبك خارج حلبة الاشتراطات المطلوبة؛ لجعل أحد الخيارين هو المطلب الجماهيري الغالب؛ فقد افتقرت الدعوتان لآليات التنفيذ التي تجعل من تحقيق أي منهما واقعا ملموسا، وليس حلما طوباويا معلقا بأستار العدم. أما النظام الذي أتقن لعبة شراء الوقت، فقد ظل يضع العراقيل في طريق الوصول لأي تسوية تقود لعقد مساومة مشروعة، وآثر المناورة والالتفاف على تعهداته، ومن ثم نقضها، بينما القوى السياسية التي تبنت خيار المساومة عجزت -رغم التنازلات الكبيرة التي قدمتها - عن إرغامه على المضي قُدما في هذا الطريق، والإيفاء بما وعد، حتى فاجئها بإصراره على قيام الانتخابات في مواعيدها، متحججا بأن مواعيد إجرائها التزام دستوري لا يمكن الإخلال به، ومؤكدا بأن قيام الانتخابات لن يتعارض مع دعوته للحوار!. ورغم هذه الانتكاسة التي أعادت الكرة لمعلب دعاة التغيير الثوري، لم يحرك هذا الفريق ساكنا، ولم تبرح دعوته لانتفاضة شعبية الحناجر التي تصرح ليل نهار بقرب اندلاع عاصفة التغيير.
(8)
ملت الجماهير مماحكات المعارضة والسلطة معا، وانصرفت مكللة بالإحباط، ترى فيهما ما رآه المتنبي من نَقصِ القادِرِينَ على التّمَامِ، فغالبية أهل السودان على قناعة من أن المساومة المشروعة هي أفضل السبل لحل الأزمة الحالية، وترصين الصف الوطني، ثم الانطلاق إلى بناء البلاد على المنهج القويم، وهي ضرورة قصوى لما لها من قدرة على مخاطبة القضايا العالقة كافة، في مجتمع متعدد المعتقدات والأعراق مثل السودان الذي يعيش اليوم أزمات متوالية، ونزاعات متفاقمة، ، لكن يظل أمر نجاح المساومة مرتبطا ارتباطا وثيقا برغبة وتمسك طرفي النزاع وقناعتهما بضرورة انجازها، واستعدادهما لتقديم أقصى التنازلات المتقابلة، وهو الشرط المفقود اليوم بسبب تعنت النظام الحاكم، وتشبثه الأخرق بالسلطة، الشيء الذي يدفع خيار المساومة المشروعة للتراجع، ويجعل من التغيير الثوري الراديكالي رغم المخاطر الجمة التي تحيط به الخيار الوحيد المتاح أمام الجماهير، بعد طول انتظار تجاوز الربع قرن.
الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.

تيسير حسن إدريس 10/11/2014م



#تيسير_حسن_إدريس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العصا والجزرة الأمريكية وشد الأطراف السودانية!!
- داعش الفصل الأكثر قبحًا في أسطورة فرانكنشتاين
- نواطير المعارضة وثعالب النظام الشهد والدموع في المشهد السودا ...
- اسْتِبْهَامِ الثورة السودانية !
- نهج تدوير الأزمة السودانية!
- التعويذة الوطنية أعمدة حصانة الوطن!!


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تيسير حسن إدريس - مساومة أم تغيير راديكالي جدل الحصان والعربة!