أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية 2















المزيد.....

مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4628 - 2014 / 11 / 9 - 10:55
المحور: الادب والفن
    


قبل أن نعرّج إلى تقييم أداء مريم فخر الدين فنياً، دعونا في البدء نحيط قليلاً بماهيّة التمثيل كتاريخٍ وفن. فالمعروف، أنّ المسرح كان أساس فن التمثيل. وارتبط المسرح عند الاغريق بما يمكن تسميته العمل الدعائيّ، الدينيّ؛ في بداياته على الأقل. إنّ ثنائية الفرد والجماعة، التي ستكون بؤرة النظريات الفنية الحديثة، كان أساسها ثمّة في المسرح الاغريقي. إذ بدأ التمثيل بشكلٍ جماعيّ ( الجوقة )، ثم ما لبث أن طوّرته على التوالي نصوصُ الشاعرين الشهيرين، اسخيلوس وسوفوكليس، بإدخال الممثل الثاني والثالث بغيَة اثبات قيمة الفرد الانساني من جهة، وتنويع الحدث الدرامي من جهة أخرى. إنّ أول وثيقة انسانية تنظّر للمسرح ( التمثيل )، كان كتاب أرسطو " فن الشعر "؛ الذي عرَّف الفن بأنه تقليدٌ للطبيعة.
ظهرت إذاً النظريات الحديثة ( المشار اليها آنفاً )، مع الانتقال من المرحلة الكلاسيكية إلى المرحلة الواقعية، وعلى شكلٍ شبيه بالمذاهب والمدارس الأدبية؛ الرومانسية والطبيعية والرمزية وغيرها. على ذلك، لم يعد فن التمثيل موهبة حَسْب، بل دراسة أيضاً. ولأن المسرح، كما سبق وأشرنا، هوَ أساس هذا الفن، فقد نشأت المعاهد المسرحية في العديد من البلدان المتطورة وكانت تعد طلبتها للسينما قبل كل شيء. كانت مصر، وبحكم وقوعها تحت الحماية البريطانية منذ نهاية القرن التاسع عشر، أول دولة في المشرق تدرّس التمثيل في معاهد خاصّة. وقد كان من حسن حظ أجيال الطلبة، ولا ريب، أن يدرسوا على أيدي فنانين وكتاب مسرحيين مرموقين؛ كيوسف وهبي وزكي طليمات وسعد الدين وهبة وألفرد فرج. في هذه المعاهد، تعرّف من سيصبح فنان المستقبل على الفارق بين التمثيل المسرحي والتمثيل السينمائي، كما وعلى مذاهب الفن بشكل عام.
بعيداً عن طنين الاطناب والألقاب، المُصاحَبُ عادةً مع تقييم أداء الممثل، سنحاول هنا الاشارة إلى أهم ما يميّز ابداع مريم فخر الدين. لعل أول ما يمكن ملاحظته، في السيرة الفنية لهذه النجمة الموهوبة، أنها أتت إلى التمثيل من باب الاعلانات التجارية ( موديل )؛ هيَ من كانت متفرّدة بحُسْنٍ يمتّ إلى مفرداتٍ أوروبية أكثر منه شرقية. ومثل معظم بنات جيلها من الفنانات، فإن مريم فخر الدين لم تلتحق بمعهد للتمثيل. ولكن يبدو أنها حصلت بدايةً على بعض الدروس والتوجيهات من مكتشفها، أحمد بدرخان، المعروف بلقب " المخرج المعلّم "، ثمّ لاحقاً على يد زوجها؛ المخرج محمود ذو الفقار. أي أن معرفتها بأصول التمثيل، والحالة تلك، كانت تقليدية تماماً. بكلمة أوضح، أنّ أداء مريم فخر الدين كان متوافقاً مع طريقة التمثيل في السينما الكلاسيكية، المعتمد على تجسيد الفنان للشخصية حدّ تقمصها، مثلما هوَ الأمر على المسرح. هذه الطريقة، كانت متغربة عن مذاهب الحداثة في التمثيل، القائمة على أهمية الانفعالات النفسية الخاصة للفنان بدلاً عن محاكاته للشخصية وتقمّصه لها بشكل مطلق. بيْدَ أن اتجاه مريم فخر الدين إلى الاستديو السينمائي مباشرةً، جعل أداءها خالياً من المبالغة، التي تحكمُ انفعالات المعتادين على الوقوف على خشبة المسرح. ولكن، من ناحية أخرى، فإن الطريقة التقليدية في التمثيل جعلت أداء مريم فخر الدين يعتمد مبالغةً من نوع مختلف؛ وهوَ اظهار تعبيرات الوجه ورنة الصوت بشكل لا يتغيّر تقريباً: اطلالة ساحرة؛ رقة متناهية؛ ابتسامة مشرقة؛ اختلاج الصوت وتهدجه؛ سهولة ذرف العبرات؛ ضعف الشخصية وعجزها أحياناً.

*
قدّر لمريم فخر الدين العملَ في وَسَطٍ سينمائيّ، عريق، كان يعجّ بالنجوم والمشاهير سواءً من جيلها أو ممن سبقها. إنّ موطنها، مصر، كان مركزاً للفن في العالم العربي، وخصوصاً السينما. في العقود الثلاثة الأولى، التي أعقبت مرحلة التأسيس للسينما المصرية، كان من الصعب على الممثلات المحليات منافسة أندادهن من ذوي الأصول الشامية واليهودية والأوروبية. ففي تلك الحقبة الكلاسيكية، كان الجمال والوسامة من أهم شروط قبول المرء في مجال السينما. إلا أنّ الأفلام الرومانسية، المعتمدة على بطولة المغنين المعروفين، كانت مُجبرة على غض الطرف عن هذا الشرط سواءً أكان بطلها امرأة أو رجلاً.
من ناحيتها، كانت مريم فخر الدين قد دخلت الاستديو بعدما تمّ " تمصير " السينما. حيث برزت فنانات، من البيئة المحلية، أثبتن جدارتهن بالنجومية كونهن يتمتعن بالموهبة، وفي آن واحد، بالحُسْن والرشاقة وخفة الدم: إنّ الثلاثي النسائي، المُشكَّل من مديحة يسري وهند رستم وفاتن حمامة، كان آنذاك في المقدمة ويهيمن على سوق الانتاج السينمائي. كان مما له مغزاه، ولا شك، أن تحصل الأولى على لقب " سمراء الشاشة " والثانية على لقب " نجمة الاغراء ". أما الفنانة الثالثة، فإنها استحقت فيما بعد لقب " سيّدة الشاشة العربية ". هذا اللقب الأخير، سيثير حفيظة زميلتها ( وسلفتها السابقة ) مريم فخر الدين؛ التي كانت تعتقد أنها أجدر به، ولو أنها لم تصرح بذلك علناً. وربما أن ذلك يتفق مع إيمانها القديم، الراسخ، بكون الجمال هو المقياس الأهم للفنان. في مقابلاتها التلفزيونية والصحفية، حاولت مريم فخر الدين المداورة على الموضوع، بالزعم أن ذلك اللقب يعني أنّ فاتن حمامة هيَ " السيّدة " بينما زميلاتها لسن أكثر من " جواري "..!
مثلما ذكرنا في مقالنا الأول، فإن مريم فخر الدين وشادية شكلتا خلال الخمسينيات ثلاثياً جديداً في السينما المصرية مع زميلتهن فاتن حمامة. هذه الأخيرة، كان اسمها يسبق اسمَ أيّ من الفنانين في شارة الفيلم ( مقدمته )، علاوة على أنها كانت تهيمن على كادره ومشاهده. وكذلك الحال بالنسبة لشادية، التي أثبتت موهبتها العظيمة كممثلة ومغنية معاً، وكانت أفلامها ذات شعبية طاغية. أما مريم فخر الدين، فقد كان من النادر أن يكون اسمها هوَ المتصدّر شارة الفيلم، مثلما أن مشاهده لم تكن غالباً لتسجّل حضورها المهيمن. هذا الأمر، ينطبق على أفلامها الرومانسية والواقعية على حدّ سواء. غيرَ أنّ حضورَ مريم فخر الدين كان مختلفاً أحياناً، وخصوصاً في ثنائياتها السينمائية مع المطرب فريد الأطرش. تلك الأفلام، تعهّد اخراجها هنري بركات، والذي صرّح ذات مرة بأن فريد الأطرش لم يكن موهوباً كممثل. وفي التالي، نستنتج بأن المخرج كان يغطي مساحة الكادر بحضور ممثلة كبيرة، بحجم مريم فخر الدين، لتعويض ضعف تمثيل بطل الفيلم.
" رسالة غرام "، المنتَج في عام 1954، يُعتبر من أروع أفلام الثنائي مريم وفريد. الفيلم، مأخوذ عن القصة الرومانسية المشهورة، " ماجدولين "، للمؤلف الفرنسي الفونس كار. هذه القصة، ذات الأجواء المأسوية، نقلت مراراً للسينما في الغرب والشرق. وقد تعاون المخرج هنري بركات مع كاتب السيناريو، يوسف عيسى، على ادخال ثيمة جديدة في القصة؛ وهيَ الإخلاص والوفاء بمقابل الخيانة والغدر. لعل فيلم " رسالة غرام " كان أفضلَ مثالٍ على حضور مريم فخر الدين في السينما الكلاسيكية، الرومانسية: تتعرّف بطلتنا على مطرب صاعد ( فريد الأطرش )، إلا أن والدها يرفضه للحال نظراً لفقره. عندئذٍ، تتواصل البطلة مع حبيبها بوساطة الرسائل بالنظر لأنها تقيم في الفيوم بينما هو يعيش في القاهرة. إحدى هذه الرسائل، تبعثها مع صديق للحبيب؛ مع من سيكون لاحقاً سببَ شقائها بسبب خيانته وغدره. هذا الشخص ( قام بالدور كمال الشناوي )، الذي يحيا عالة على أبيه الغني ويضيّع ماله بالمقامرة والمغامرة مع النساء، يعتقد أن حبيبة صديقه صيداً سهلاً وأنه أحق بحُسنها الساحر كون أبيه غنياً. إذاك، يلجأ لحيلة حقيرة تجعل الفتاة تثق به، بعدما أوهمها أن من كانت تحبه ليسَ اكثر من انسان مخادع وزير نساء. وإذاً، يتقمّص الشرّ صفة الخير، فينتصر ولو مؤقتاً. إلى النهاية، تكتشف البطلة أن من تزوجته كان خائناً، ولكن بعد فوات الأوان.
فيلم " رسالة غرام "، على رأيي البسيط، يكشف عن خصال مريم فخر الدين خلال أداء الأدوار ذات المواضيع الرومانسية: إنها هنا ساحرة، برقتها وتألق ابتسامتها، حينما كانت تظن أن القدَر سيجمعها بحبيبها؛ وهيَ في نفس السحر، بكآبتها وبكائها، عندما يرميها القدر بين يديّ شخص آخر، مستهتر وغادر. مشهد الاغراء الوحيد، المفترض أن يكون حافزاً لذلك الشخص في التفكير باستحواذ حبيبة صديقه، ما كان سوى لقطة سريعة تظهر ربلة ساقها حينما كانت بجانبه في السيارة: هكذا كان مسلك مريم فخر الدين، متحفظاً في جميع أفلامها؛ هيَ من كانت من أم أوروبية، متدينة ( أنشأتها على التمسك بالصلاة في الكنيسة خلال أيام الآحاد )، مثلما أن أباها كان رجلاً مسلماً من أصل تركيّ أو ربما كرديّ..!



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية
- سيرَة حارَة 29
- سيرَة حارَة 28
- سيرَة حارَة 27
- سيرَة حارَة 26
- نساء و أدباء
- سيرَة حارَة 25
- سيرَة حارَة 24
- سيرَة حارَة 23
- سيرَة حارَة 22
- سيرَة حارَة 21
- سيرَة حارَة 20
- الرواية: الفصل الرابع / 2
- الرواية: مستهل الفصل الرابع
- سيرَة حارَة 19
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 7
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 5
- سيرَة حارَة 17
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 4


المزيد.....




- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية 2