أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد الله الظفيري - السلام على الطريقة اليمنية















المزيد.....


السلام على الطريقة اليمنية


محمد عبد الله الظفيري

الحوار المتمدن-العدد: 4625 - 2014 / 11 / 6 - 11:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


السلام على الطريقة اليمنية
محمد الظفيري
(باحث يمني)
مازال شهر سبتمبر شهر التحول والمفاجآت في اليمن. ما فعله انصار الله خلال الأيام القليلة الماضية كان ملفتاً للنظر داخلياً وخارجياً. اعترف أني كنت واحداً من الذين تفاجئوا بل وكنت متشككاً لفترة طويلة أن تتمكن جماعة صغيرة كهذه من تحقيق مثل هذه الانتصارات المذهلة-- وأقصد هنا الانتصارات المعنوية والأخلاقية وليس العسكرية. ما حدث كان غريبا على اليمن وخاصة عند اعتبار الظروف المعقدة التي أعقبت ثورة الربيع العربي. ليس من تفسير إلا أن نعزو كل ذلك إلى لطف الهي قيّضه الله لهذا البلد حقناً لدماء أهله ورحمة بهم وبمن حولهم. لقد اصبحت جماعة انصار الله شغل الناس الشاغل في هذه الايام، وخاصة بعد دخولهم صنعاء بهذا الاسلوب وبهذه الكيفية التي لم نعهدها بل ولم يحدث مثلها في تأريخ العالم الحديث.
كيف نفسر نجاح أنصار الله؟ لابد اولاً من التذكير بمعاناة أنصار الله حين كانوا ضحية ظلم كبير بشهادة القريب والبعيد. لقد تكالبت على صعدة موطن انصار الله كل انواع ألشدائد إذ ظلت الدويلات اليمنية المتعاقبة تضربهم طوال السنين بمتنفذين ومسئولين لقهرهم وامتصاص خيرات بلادهم، ثم شنت عليهم حروباً ستة وما بعد الستة ظلوا فيها صابرين محتسبين حتى جاءهم الفرج تصديقا لقوله تعالى "اذن للذين يقاتلوا بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير."
لقد حقق أنصار الله ما وعدوه على الاقل في اهدافهم المعلنة، ولكن ما فتئ الناس يتساءلون من هم انصار الله وماذا يريدون؟ أطامعون هم في حكم اليمن ام في مناصب ومكاسب تدر الاموال والجاه ومكانه سياسية في العالم؟ أيقصدون إقامة حكومة إسلامية شبيهة بأختها في ايران؟ ام انهم صادقون في نيتهم إحلال السلام والأمن والخير لليمن؟ أني كمراقب للأحداث اتمنى أن يكون الهدف الأخير هو هدفهم ولا شي سواه. كما أتمنى أن يتم ترسيخ ذلك من خلال خطواتهم المستقبلية حتى لا يعرضوا أنفسهم لحملات شعواء يشنها عليهم خصومهم إعلاميا وعسكرياً.
قد يقول قائل أن هناك نوايا لم تعلن بعد. ولنفترض وجود مثل هذه النوايا، فهل يظل اليمنيون متفرجين على الأحداث بدون التفاعل معها ايجابياً؟ أقصد باليمنيين اولئك الصادقون غير الملتزمين بفكر ايديولوجي يفرض عليهم ما يقولوه وما لا يقولوه. فلم لا يسعى هؤلاء وهم الأغلبية في معاونة انصار الله وتوجيههم بالنصح والكلمة الأمينة للالتزام بما قطعوه على أنفسهم ووعدوا به هذا الشعب المسكين الذي يستحق أن يعيش كريماً وحراً رافعاً رأسه في عزة بدلاً من الخضوع والمذلة واستجدا الآخرين وبعيداً عن كل الولاءات الإقليمية والخارجية؟
ولكي أدلي بدلوي وشهادتي أقول وبإخلاص أن ما أخشاه على انصار الله هو أن تتحول مسيرتهم تدريجياً نحو السلطة لتحقيق مكاسب دنيوية فوق طاقتهم وفوق طاقة هذا الشعب المسكين وحتى لا يعود التأريخ القهقرى ويعود الاستبداد وسلب الحريات وتعود الأحقاد مرة أخرى. فالاستحواذ بالسلطة هو بداية البلاء والفساد في كل مكان وعصر، والتاريخ العربي بكامله خير شهيد. انها لعمري غلطة وأية غلطة لو تورطت جماعة أنصار الله في الحكم وخاصة أنهم في غنى عن أن يردوا أنفسهم هذا المنزلق. اليس الأولى بهم أن يظلوا حراساً امناء على هذا البلد بينما هم في مأمن من مكايد السياسة وأطماعها؟ إنهم إن تمكنوا من الابتعاد عن السلطة يكونوا بذلك قد نجحوا في البقاء على عهودهم ومبادئهم بل ويزدادوا محبة وقرباً من هذا الشعب الذي وجد فيهم خير سند لإعادة الأمل في الحياة الآمنة بعيداً عن فوضى السياسيين وألاعيبهم. ثم ما الذي سيجنوه من السلطة غير الوقوع في المحذور؟
إن تجنب انصار الله اقتحام معترك السياسة لهو صمام الأمان الذي تحتاجه البلاد للخروج من أزمته السياسية والاقتصادية وغيرها بل وأستطيع أن اؤكد أن سلوكهم الأخلاقي وغير السياسي قد تجلى عمليا في تصرفاتهم الأخيرة. إنه بحق لنموذج فريد يستحق الدراسة ذلك أنه لم يحدث على حد علمي مثله في تاريخ الانسانية جمعاً. فمتى حصل أن يحجم المنتصر في أي نزاع عن الامساك بزمام الحكم؟ ومتى احجم الزعيم الأوحد من القضاء على جميع مناوئيه؟ ومتى حصل أن دعي المنتصر الى التسامح والتآخي كما هو حاصل الآن في اليمن؟
إن هذه التصرفات لهي بحق مواقف اجتهادية جريئة وهي في غاية الابداع السياسي والشرعي لم تخطر على بال الكثير. وهي مواقف تضيف قيمة ومعنى جديدين للديمقراطية التي يكثر الحديث عنها في العالم وخاصة في بلادنا. ويحق لي أن أزعم أنه لو جاء رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل لأعلن للعالم أن المثال اليمني الذي صوره انصار الله هذا الاسبوع هو افضل نموذج للديمقراطية بلا مراء. اقول هذا مذكراً أن تشرشل هو نفسه صاحب المقولة الشهيرة "الديمقراطية ليست هي النموذج الامثل للحكم ولكني سألتزم بها حتى اجد البديل." وهذه عبارة مشهورة تتضمن اعتراف تشرشل أن الديمقراطية ليست نظام حكم مثالي مائة بالمائة ولكنها تجربة لها مالها وعليها ما عليها. وإذا كان الحال كذلك، فيجوز لنا ان ننصح الساسة اليمنيين بالتوقف ولو لبرهة من الزمن عن تطبيق مبدأ الحزبية السياسية لأنها تؤدي إلى تجزئة الشعب في احزاب متناحرة سياسياُ وعملياً. وبإمكان انصار الله أن يعوا هذه المسألة بأنفسهم اولاً من خلال تحولهم من حزب سياسي الى تيار أخلاقي فلسفي عالمي المنحى والاتجاه يعلن بموجبه أنصار الله أن جماعتهم لم تعد حزباً سياسياً يسعى إلى السلطة بل يسعى مع بقية الأحزاب والمكونات الى ألانصهار مع بقية ابناء الشعب في بوتقة واحدة تجتمع على الصحيح من مخرجات الحوار. وعندئذ يمكن الدعوة الى تجميد تلك المواد "الدستورية" التي تشجع على التجزئة والتشرذم وزرع نبتة الخلاف بحيث لا يتم الغاء التعددية السياسية كمفهوم ولكن توضع ضوابط تكفل وتمنع تقطيع نسيج المجتمع اليمني كما حصل في الماضي.
إن المشكلة في اليمن ليس عدم تطبيق الديمقراطية وانما تقع في الاحزاب السياسية القائمة في اليمن ونشأتها المشوهة ساهمت الأنظمة الحاكمة أنذاك في ذلك. فالجميع يعلم أن دخول الحزبية إلى اليمن كان دخولا غير شرعي من الناحية الديمقراطية والوطنية لأنها اعتمدت—ولو أنها كانت مضطرة الى ذلك في بدايتها--على العمالة والطاعة المخلصة للخارج وخدمة أفكار جاهزة معظمها اجنبي الهوية والهدف. ولو تضمن الدستور اليمني الجديد إلغاء الأحزاب الحالية ووضع شروطا محددة لنشؤ أحزاب جديدة تعتمد الولاء للوطن أولاً وأخيرا وتركز على برامج عملية لإصلاح البلاد بكاملها لكان ذلك كافياً لليمن كخطوة اولى. إن إلغاء الحزبية في اليمن هو البلسم الناجع للأمراض السقيمة التي عانى اليمنيون منها كثيرا بل هو العلاج الوحيد الناجع لمشاكل المذهبية التي تعمقت في النفوس مع مجيء الأحزاب. وأذكر مقولة أسرها لي أحد الحزبيين الذين عرفتهم في الخارج أعترف فيها أنه لم يكن يستطيع أن يصرح بأي انجاز ايجابي يحققه حزب آخر أو جماعة مختلفة خوفا من زملائه في الحزب. بل أكد الى أن بعض الأحزاب تأبى على أتباعها إقامة علاقات طيبة مع جيران أو زملاء لهم في العمل ينتمون الى أحزاب أخرى. أليس هذا هو التعصب المنهي عنه؟ وإذا كانت جميع الأحزاب تنصح أتباعها بمثل هذا فهي أحزاب جاهلية لا يرتجى منها أي خير وهي بهذا مصداق الآية الكريمة "كل حزب بما لديهم فرحون."
وقد يقول أحدهم أننا بإلغاء الحزبية نلغي الديمقراطية. أقول أن العكس هو الصحيح (ومن شاء فليتابع كتاباتي السابقة في هذا). فالديمقراطية التي ننشدها هي تلك التي تجمع وتنشر المحبة في الشعب الواحد والأمة الواحدة وليست تلك التي تزرع الأحقاد في داخله كما أثبتت تجربتنا "الفتية." ثم لماذا لا نعتبر بتجارب من سبقنا من البلدان العريقة ديمقراطيا التي لا تسمح بممارسة الطائفية والمذهبية بل انها تكتفي بحزبين (أو ثلاثة في الأغلب) يعتمدان التنافس على إصلاح البلاد وتطويره وليس التنافس الفكري الايديولوجي.
إنه لمن المؤمل لأنصار الله أن لا يقعوا ضحية وفريسة المروجين من داخلهم وخاصة الطامحين من الهاشميين (أقول هذا وأنا وأحد منهم) الذين قد تسول لهم انفسهم إعادة الإمامة وممارساتها الدنيوية الضيقة. هذه لعمري الكارثة والطامة الكبرى ليس على اليمن بل على انصار الله بالذات لأن ذلك يؤدي إلى تحطيم النموذج الايجابي الذي بدأوه فينفتح الباب على مصراعيه أمام كل من يريد أن يدعي الامامة من هنا وهناك يسانده في ذلك من يروج ويزين الأمور ويحدث ما لا يحمد عقباه. اقول هذا في حين اشير إلى ايجابيات هذه التجربة الجديدة التي يمكن أن تشكل اجتهاداً إسلامياً زيديا جديداً يحل اشكالية الإمامة والخلافة التاريخيتين. فإذا كان الناس يتخوفون من الإمامة بسبب التنافس السلبي الذي يحصل بين مرشحي الإمامة يؤدي غالباً إلى النزاع والاقتتال فيما بينهم كما حصل في الماضي، فإن النموذج الذي قدمه انصار الله حتى الآن يعد نموذجاً فريداَ للعاقل المخلص الذي يفضل أن يعم السلام والوئام دون إقحام نفسه في اطماع الحكم والملك العضوض. بل اعتقد جازماً أن هذه التجربة يمكن أن تشكل تأصيلا شرعيا ناجحاً في الحكم الاسلامي يطمئن اليه الجميع خاصة المتوجسين خيفة من المذهب الزيدي ونظرية الخروج بالسيف. وسنجد في مقولة أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب "اسلّم ما سلمت امور المسلمين" وكذلك في قوله "خير لكم أن اكون لكم وزيراً من أن اكون لكم أميراً" قاعدتين شرعيتين تؤصلان لهذا النموذج الذي يجسد الشورى في اصدق صورها العملية وتجعله نموذجاً مقبولاً ليس في اليمن فحسب بل وفي العالم الاسلامي قاطبة.
لو تمكن انصار الله تحقيق هذا التحول فسينتج عن ذلك فوائد جمة اهمها اقناع الداخل والخارج أن ليست لديهم اهدافاً تطمح في الدنيا والسياسة وإنما هدفهم الإصلاح ما استطاعوا، وهم بهذا يؤكدون قدرتهم على التسامح والصفح عما سلف ويطلبون الشيء نفسه من غيرهم. وحين يفعل الجميع ذلك ستكون هذه لعمري خير هدية يقدمونها لهذا الشعب المسكين الذي ضاع الامل من محياه ومعاناته الطويلة في الشمال والجنوب. فلا ضير البته في التصالح والمبالغة في التسامح مع الآخر لأنه قد يكون في ذلك وسيلة لاعتراف الآخر بخطئه وحدوث الانسجام والمودة التي نطمح زرعها في النفوس. لو نجح الجميع في التعاون لتحقيق هذا العمل نكون قد انتصرنا على انفسنا ليس عسكرياً ولكن معنوياً وأخلاقيا لأنه يتماشى مع الشرع الشريف وسلوك المصلحين الأوائل. فالحسن بن علي عليه السلام أصلح الله به أمة عظيمة في تفضيل الصلح مع خصومه ولم يكن بهذا مخالفا أخاه الشهيد الحسين (وكلاهما امامان قاما أو قعدا).
إني لعلى ثقة أنه من خلال المصالحة والأمان قد تتحقق أمور تعجز البندقية والمدفع تحقيقها ولا أكون مبالغاً حين اقول أنه حين تشعر جماعة كحزب الاصلاح مثلا (وهي جماعة كبيرة ومؤثرة) أنها غير مستهدفة للإقصاء فأن ذلك سيرسل رسالة جميلة إلى جميع أفرادها بل حتى الجماعات المتشددة في اليمن وخارجه لإعادة النظر في معنى هذا الحدث الجديد (وهو حدث أزعم أن الجميع ساهم في صنعه دون استثناء داخلاُ في ذلك خصوم انصار الله انفسهم). اقول عند حدوث مثل هذا الانسجام سيشعر المتشددون بوجود الأمان الذي هم اصلاً كانوا ينشدونه طوال السنوات الثلاثين الماضية. إن الإصرار على النظر الى الآخر ككيان مختلف ومعادي يساعد على استمرار العداوة واستفحالها. ولكن حين يعمل الجميع معاً كشركاء في تحقيق السلام يؤدي ذلك إلى طمأنة الخصم بصدق السرائر فيدخلون في السلم كافة كما دخل غيرهم. ثم يترك الباب مفتوحا للجميع للادلاء بدلوهم وخاصة اولئك المخلصين من الذين التزموا لسبب أو آخر بتنظيمات حزبية غير أن فيهم حمية من إخلاص ويتمتعون بكفاءات عملية وأخلاقية قل وجودها في غيرهم.
اقول وكلي ثقة أن هذا قد يحدث وخاصة إذا تذكرنا أن اصل نشؤ الجماعات الإسلامية المتشددة كالقاعدة وغيرها إنما كان سببه اليأس الذي اجتاح القلوب بسبب فساد الانظمة العربية والإسلامية في الثمانينات والتسعينات والتي سببت في اعتقاد جيل كبير من المسلمين الصادقين في احاسيسهم وآمالهم آنذاك إلى أن الحل الوحيد هو الكفر بهذه الأنظمة وكل ما اقترن بها. أقول ألم يأن لليمنيين بل المسلمين قاطبة أن يتفهموا ما حل بهؤلاء واستشعار ما عانوه من أسى وحرمان بعد الحرب الافغانية عندما نبذتهم اوطانهم وأصبحوا بلا مأوى ولا أهل. أليس هؤلاء الذين يقتلون الأبرياء اليوم ويقطعون الرؤوس بلا رحمة كانوا يوماً يأملون قيام مجتمع مثالي تسود فيه قيم الإسلام وعدالته ورحمته التي شوهتها واغتصبتها تلك الأنظمة؟
لقد سعدت كما سعد غيري من اليمنيين وغير اليمنيين أن السيد عبدا لملك الحوثي لم يصغ إلى كلام المتشددين من الداخل والخارج ممن قد يصر على الانتقام وإقصاء من نابذهم العداء في الماضي. كما سعدت برفعه راية المصالحة والبدء في احداث تحول في لغة ايجابية في الخطاب والتركيز على اشراك الجميع في بدء عصر جديد يسوده الأمن والرفاهية للجميع. لقد كانت للشروط والمعايير المطلوبة في أعضاء الحكومة الجديدة صداها المحلي والعالمي فقد كانت هذه مبادرة عظيمة من أنصار الله يشكروا عليها وبالذات إصرارهم على معايير خاصة في رئيس وأعضاء الحكومة الجديدة مثل الكفاءة والنزاهة. بل وأكثر من ذلك لم يقع أنصار الله في فخ الطائفية التي وقع فيها العراقيون الشيعة حين أصروا منذ 2003 على أن يتواجدوا في الوزارات لاستعراض كثرتهم العددية فحدث ما حدث. ولذا فقد نجح أنصار الله حين رفضوا وبعناد عجيب ان يكون لهم حتى وزير واحد في الحكومة، رغم إصرار خصومهم على ذلك، ولغاية في أنفسهم. إنهم بهذا يؤسسون قاعدة أخلاقية وشرعية فريدة يحسدهم عليها غيرهم وهي تمسكهم بقاعدة الاحتساب الشرعية في الرقابة على اداء الحكومة وضمان عدم اختلاس المال العام وهي قاعدة فقهية غابت عن الساحة الاسلامية مدة طويلة من الزمن. هذا الانجاز في حد ذاته يحرج إي حكومة قادمة تحاول أن تنافس هذا النموذج أو تحاول الغاء المبادئ الاخلاقية التي تم ارسائها. فمن ذا ياترى سيغامر بنفسه مستقبلاً كي يصبح وزيراً في حكومة لن تسمح له بالتجاوزات الشخصية كما كان الحال سابقاً. وحسب اليمانيين اليوم أنه اصبح من الصعب الآن على أي مسئول أن يحابي قريباً او صديق.
إن ما تم الاتفاق عليه سيمثل تجربة تستحق الدراسة والتمحيص في اروقة الجامعات العالمية لسنوات طويلة في المستقبل. ويظل الامل يحدوني أن يتفهم اليمنيون عظم المسئولية ليشحذوا طاقاتهم التنافسية في الاعمال التي تفيد البلاد وتخلق الود والتعايش. اما اقتصادياً فينبغي أن لا نبالغ في الخوف من الأوضاع الاقتصادية لأنه بمجرد امتناع المسئولين عن الفساد فإن في ذلك انجاز وأي انجاز حيث يؤدي ذلك إلى انتعاش اقتصادي معتمدا على اطلاق حرية الناس وحركتهم اللذين يمثلان جوهر النشاط الاقتصادي وديناميكيته. كما يؤدي توقف الفساد الى نتائج ايجابية على حياة الناس ومعيشتهم فينتهي التسابق على الوظائف العامة ويتفرغ الجميع للأعمال والإنتاج في القطاع الخاص المحلي والخارجي على حد سواء.
بالنسبة لأنصار الله لازال أمامهم الكثير مما يجب عمله للتخلص من بعض الهواجس وخاصة نظرتهم المتشائمة نحو العالم الخارجي، وقد يكون لهم الحق في بعض ذلك. ولكن عليهم ألا يستسلموا لنظرية المؤامرات التي يمليها علينا الناس من الخارج لان هذه تفقد الثقة في النفس فنقوم بانتاج اعداء وهميين يشغلوننا عن اهدافهنا المحلية المتواضعة. كما أن المبالغة في الاعتقاد المطلق بوجود اعداء يريدون النيل من الاسلام والمسلمين يضعف الأيمان بقدرات المسلم في تحويل ذلك العدو الى صديق حميم وربما هدايته ليرعوي عن غيه على أقل تقدير. وأعتقد أنه لن تكتمل التجربة في اليمن إلا حين يأتي ذلك اليوم الذي نسلم فيه جميعا أن ليس هناك عدو مطلق للإنسان سوى النفس الأمارة بالسوء (إلا ما رحم ربي.)
كما أن رفع الشعارات الحماسية يحتاج الى اعادة نظر من الناحية الشرعية لأنها عملية يكتنفها الكثير من المخاطر ولأنها تعتمد على التشدد والإفراط في الحماس الذي نهى عنهما الشرع والمصلحون الأوائل كما سيأتي. والواجب هنا الاستفادة من تجارب الثورات الانسانية الاخرى كالفرنسية والروسية التي تورطت برفع سقف شعاراتها وكراهيتها للآخر ولم تتنازل عنها إلا في وقت متأخر وبعد أن دفعت ثمناً غالياُ أدى أخيرا الى سقوطها. ونحن اليوم أمام قضايا خطيرة تحتاج إلى تفكير هادئ وعقلانية نستفيد من تجارب الحياة ومن تجارب الآخرين المخالفين لنا في الدين. ومن اجل توضيح الفكرة اضرب مثلاً بسيطا اسوقه من الأحداث الأخيرة وهي انشودة سمعناها من اذاعة سام اف ام بعنوان "سرق سرق" كانت جميلة وظريفة في وقتها (والحق يقال إن كل الاناشيد جميلة في موسيقاها وأظهرت لنا مفاجأة وإبداعا يوازي مفاجأة وإبداع الثورة في كلماتها ووقعها الذي يخاطب القلب قبل العقل.) ومع ذلك فلم نعد بحاجة إلى تذكير الناس كل يوم بالسرق والفساد وخاصة بعد الاعلان عن البدء بصفحة جديدة من اجل خلق روح التسامح والإخاء مع جميع ابناء الشعب بما فيهم المسئولون السابقون.
ان اموراً بسيطة كهذه بحاجة إلى التأمل والتفكر فيها والنقد البناء من خلال تشكيل لجان من العارفين ذوي الاختصاص لتحليل الاحداث والنظر الى الخطوات الجديدة المطلوبة. وقد أستبق الزمن وأقترح هنا اقامة منابر ثقافية يتم فيها توجيه الدعوة للجميع بتقديم النقد الموضوعي للأحداث جميعها الايجابي منها والسلبي بحيث نتعلم من هذه التجارب ونتحاشى السيئ بعد أن نعترف به وبكل شجاعة أمام الجميع. ستشكل هذه المنابر فرصة ثمينة لتوثيق اهداف الثورة مع التركيز على دعوة من يريد المساهمة بالإدلاء برأيه حتى وان كان من المخالفين المعترضين لأنه في حد ذاته حالة صحية للغاية. بل ويستفاد في هذه المناسبات دعوة الصحفيين والإعلاميين ذوي الخبرات على مستوى العالم شرقه وغربه للوقوف على هذه التجربة. ولو كنت مسئولاً عن هذا المؤتمر لدعوت مسئولي الجزيرة وصحفيها بالذات للحضور والمشاركة بالرأي والنقد. وبهذا تتلاقح الافكار وتكون المحصلة مفيدة لأنها تصب في معرفة الحقيقة وتوثيقها. كما إن حضور الخبرات العالمية تساعد في نقل انطباعات الآخرين السلبي منها والايجابي عن التجربة اليمنية إلى شعوبهم الذين لم تسمح لهم ظروفهم معرفة الحقيقة ومغزى الحكمة اليمانية المتواضعة والمسالمة التي تتجلى في مظهر ومحيا أتباعها الشعث الغبر (الذين لو أقسموا على الله لأبرّهم.)
أقول أن مثل العمل سيسهم في اظهار شرعية الوضع الجديد في اليمن أمام الآخرين وبالذات في الخارج ويعمق أجواء التصالح والتفاهم مع الجيران وبقية دول العالم والإيقان بأن النصر العظيم ليس ذاك الذي يعتمد القوة والعضلات بل أن التعقل والحكمة اليمانية تغنيان عن الكثير من التصلب والتشدد ونتأمل قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "اللين ما دخل في شيء إلا زانه وما خرج من شيء إلا شانه." والله أعلم.
Email: [email protected]



#محمد_عبد_الله_الظفيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد الله الظفيري - السلام على الطريقة اليمنية