أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد الحمداني - أحداث في ذاكرتي / الحلقة السابعة















المزيد.....

أحداث في ذاكرتي / الحلقة السابعة


حامد الحمداني

الحوار المتمدن-العدد: 4623 - 2014 / 11 / 3 - 17:55
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


احداث في ذاكرتي
الحلقة السابعة
حامد الحمداني 3/11/2014

نشاطي في منظمة أنصار السلام

كانت الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي قد بلغت ذروتها في بداية الخمسينات، وخصوصاً بعد الأزمة السياسية التي حدثت بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة والاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي من جهة أخرى، حيث أقدم الاتحاد السوفيتي على حصار برلين، والذي هدد بنشوب حرب ذرية بين المعسكرين، مما دعا القوى الخيرة في العالم أجمع للنضال من أجل السلام، وكبح مساعي مشعلي الحرب نظراً لما يتهدد البشرية من أخطار جسيمة لا أحد يستطيع تحديد مداها، وربما تقضي على مجمل الحضارة البشرية على كوكبنا.

وهكذا فقد بادرت القوى السياسية، والعديد من الشخصيات المؤمنة بضرورة الحفاظ على السلام بين شعوب العالم، ودعم الجهود الرامية إلى قيام علاقات سلمية بين المعسكرين على أساس التعاون والمصالح المشتركة بين الشعوب والدول، لتأسيس حركات ومنظمات تدعو إلى صيانة السلام في العالم أجمع، وكبح جماح الذين يدفعونه إلى حافة حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر.

وهكذا تشكلت في الثاني من أيلول عام 1952 منظمة عالمية للسلم والتعاون بين الشعوب تضم شخصيات بارزة مشهود لها بدورها النضالي في هذا السبيل كي تقود الحركة العالمية، وتنسق الجهود بين مختلف منظمات السلام في العالم مما جعل المنظمة العالمية هذه تأخذ دوراً كبيراً ورائداً لتوطيد السلام بين المعسكرين، وعلى النطاق الدولي.

كان الحزب الشيوعي العراقي سباقاً في المبادرة إلى المساهمة بمنظمة أنصار السلام، والتي ضمت نخبة رائدة من رفاقه وأصدقائه من العناصر الديمقراطية المعروفة على النطاق الوطني، وكان في مقدمة تلك النخبة كل من الشهيد المحامي [توفيق منير] والشهيد الدكتور [محمد الجلبي]، والدكتورة الفقيدة [نزيهة الدليمي] والدكتور [طلعت الشيباني] والدكتور [فاروق برتو]، ورجل الدين المعروف الشيخ [عبد الكريم الماشطة]، والفنان [يوسف العاني] والعديد من الشخصيات الوطنية التي لا تسعفني الذاكرة في سرد أسمائهم، والذين مثلوا كافة محافظات القطر، وكان لي شرف المشاركة في تلك المبادرة ممثلاً لمحافظة الموصل مع عدد من رفاقي أعضاء الوفد، وكان في مقدمتهم المناضل الشيوعي المعروف [إسماعيل رشيد النجار].
بادرت تلك الشخصيات الإعداد للمؤتمر التأسيسي بادئين بحملة واسعة ومنظمة شملت كافة أرجاء العراق للنضال من أجل السلام، وتشكيل المنظمات في كل محافظة، واختيار الوفود الذي ستشارك في المؤتمر، والذي جرى عقده في صيف عام 1954.

بدأ أعضاء الوفود بالوصول تباعاً إلى بغداد استعداداً لافتتاح المؤتمر، ومن حسن الصدف أن التقي مع الشيخ الجليل[عبد الكريم الماشطة] الذي نزل في نفس الفندق الذي كان وفدنا قد نزل فيه، وكانت أيام رائعة قضيناها مع ذلك الرجل الكبير ورفاقه، وكنا نتبادل معهم خلالها هموم ومشاكل شعبنا، ومواقف السلطة الحاكمة، واضطهادها للحريات، وقمع أي تحرك شعبي من اجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن أجل السلام في العالم أجمع، فقد كانت السلطة آنذاك تهيئ الظروف لعقد ميثاق حلف بغداد، وربط العراق بالمشاريع الإمبريالية، وزجه في الحرب الباردة بين المعسكرين.

حان موعد افتتاح الجلسة الأولى للمؤتمر الذي جرى عقده بصورة سرية في حديقة دار الشهيد الدكتور [محمد الجلبي]، وبادرت الوفود بالحضور أفراداً وجماعات، حتى إذا ما حانت ساعة بدء الجلسة نهض الشهيد [توفيق منير] ليلقي كلمة الافتتاح مرحباً في البداية بأعضاء الوفود كافة، ومستعرضاً الأوضاع العالمية والصراع بين المعسكرين، والأخطار التي كانت تهدد مستقبل البشرية، مما تطلب ذلك الدعوة لعقد المؤتمر، وتأسيس حركة السلام العراقية لكي تناضل جنباً إلى جنب مع سائر المنظمات الأخرى في مختلف بلدان العالم من أجل أقرار السلام، وكبح نشاط تجار الحروب.

وبعد انتهاء الأستاذ توفيق منير من إلقاء كلمته بادر إلى مصافحة أعضاء الوفود فرداً فرداً، وأخذ يعلق شعار حركة السلام [حمامة السلام] على صدورهم وسط تصفيق الحاضرين. ثم تتالت كلمات الوفود لسائر المحافظات القطر في جو رائع من الجدية والتصميم على خوض النضال من أجل السلام مهما كانت المعوقات والصعوبات.

وفي النهاية جرى تشكيل اللجان التي تولت دراسة المهام الملقاة على عاتق المنظمة وسبل تحقيقها، والمقترحات التي أبداها المؤتمرون، وتوزعت اللجان على عدة دور للأخوة المشاركين في بغداد لكي تدرس وتقرر ما ترتأيه من أساليب العمل في اليوم التالي، وتقدم ملخصاً لقراراتها من أجل إقرارها في اليوم الثالث للمؤتمر.

كان نصيبي في لجنة العلاقات الخارجية التي بادرت في اليوم الثاني للمؤتمر للاجتماع في دار الدكتور [ طلعت الشيباني ]، وكان من ضمن اللجنة الأستاذ الفنان يوسف العاني وشخص آخر لا تسعفني الذاكرة بتذكر اسمه، حيث قضينا ذلك اليوم في دراسة المقترحات، وإقرار ما رأته اللجنة صائباً ويخدم قضية السلام.

وفي اليوم الثالث التأم شمل المؤتمرين من جديد، وجرى قراءة ومناقشة مقررات اللجان والتصويت عليها وإقرارها، ثم جرى بعد ذلك انتخاب الهيئة القيادية لحركة السلام برئاسة المحامي القدير البارز الشهيد[ توفيق منير]، وبذلك انتهت أعمال المؤتمر، وأعلن الرئيس أن حفلة عشاء على شرف المؤتمرين هذا المساء في دار والد الدكتور فاروق برتو، الأستاذ القانوني الكبير[عبد الجليل برتو] عضو محكمة تمييز العراق، وكانت حفلة رائعة بعد عناء وتعب الأيام الثلاثة التي جرى فيها العمل المركز والجهد المتواصل للخروج بالقرارات الصائبة، وتهيئة الظروف للعمل بجد ونشاط في مختلف المدن العراقية من اجل تطبيق ما اتفق عليه المؤتمرون.

وفي اليوم التالي بادرت الوفود للعودة إلى مدنهم والجميع ممتلئون همة وعزماً على النضال بكل ما يستطيعون لتنفيذ مقررات المؤتمر بكل أمانة واندفاع. وفي اليوم الرابع ظهرت الصحف وعلى صفحتها الأولى البيان الختامي للمؤتمر ومقرراته، والتي فاجأت السلطة الحاكمة بعقده، وبدأت تعد العدة لمجابهة المنظمة، وقمعها والحد من نشاطها بأقصى ما تستطيع إلى ذلك سبيلاً.

فقد بادر نوري السعيد الذي تولى السلطة عام 1955 إلى تعديل قانون العقوبات فيما يخص النشاط السياسي للأحزاب والذي كان قد منع الحزب الشيوعي من مزاولة نشاطه العلني، حيث أضاف فقرة جديدة للمادة 89 المتعلقة بذلك المنع.ونصت الإضافة على ما يلي:
{سواء كان ذلك بصورة مباشرة او بواسطة هيئات او منظمات تهدف إلى خدمة أغراض المذهب المذكور تحت ستار أي اسم كان، كأنصار السلام، والشبيبة الديمقراطية، وما شاكل ذلك}.
وبذلك أصبح نص المادة كما يلي:
{كل من حبذ أو روج أياً من المذاهب الاشتراكية أو البلشفيةـ الشيوعية ـ والفوضوية والإباحية، وما يماثلها، سواء كان ذلك بصورة مباشرة، او بواسطة هيئات، او منظمات، تهدف إلى خدمة أغراض المذهب المذكور تحت ستار أي اسم كان، كأنصار السلام، والشبيبة الديمقراطية، وما شاكل ذلك، والتي ترمي إلى تغيير نظام الحكم، والمبادئ والأوضاع السياسية للهيئة الاجتماعية المضمونة بالقانون الأساسي، جرماً يستحق عقوبة الحبس لمدة سبع سنوات، وبالسجن المؤبد، أو الإعدام إذا كان التحبيذ بين القوات المسلحة}.

وواضح أن عبارة [وما شاكل ذلك] هي عبارة مطاطية غير محددة استخدمتها السلطة الحاكمة لقمع أي تحرك جماهيري ضد سياسات الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم، ومنع المطالبة بالحقوق والحريات الديمقراطية.


بادر نوري السعيد إلى شن حملة شعواء ضد الحزب الشيوعي، وضد المنظمات الشعبية، وفي المقدمة منها حركة السلام، حيث أقدم على نزع الجنسية العراقية عن الشهداء توفيق منير وكامل قزانجي و عزيز شريف والدكتور صفاء الحافظ والشاعر الكبير الأستاذ كاظم السماوي وجرى تسفيرهم إلى تركيا.
بقي المناضلون في المنفى حتى قيام ثورة 14 تموز 1958، حيث جرى إعادة الجنسية لهم وعادوا إلى العراق، وجرى لهم استقبالاً رسمياً وشعبياً كبيراً شاركت فيه شخصيات وطنية كبيرة من مختلف الأحزاب السياسية، وجموع غفيرة من الجماهير الشعبية.

وقد جرت حفلة تكريم وعشاء للمناضل الكبير الشهيد كامل قزانجي في الموصل من قبل والد زوجتي المناضل المعروف محمد عبد اللطيف الذي يحتفظ بعلاقات وثيقة وقديمة مع الشهيد قزانجي أيام كانا معتقلين، وكان معهما الشهيد المناضل المحامي توفيق منير عام 1948 على اثر وثبة كانون الثاني المجيدة، وتم إبعادهم فيما بعد إلى عين تمر حيث عاشوا معاً في بيت واحد طيلة فترة الأبعاد.

كانت الحفلة رائعة جداً حيث ضمت نخبة من المناضلين الذين قارعوا طغيان نوري السعيد، وقد تحدث الشهيد كامل قزانجي عن فترة الأبعاد التي قضاها مع رفيقه الشهيد توفيق منير على أثر إقدام نوري السعيد على إسقاط الجنسية العراقية عنهما بالإضافة للشهيد صفاء الحافظ والأستاذ عزيز شريف.

تكلفني بتمثيل العراق في مؤتمر السلام في هلسنكي

في الأول من حزيران عام 1955 تلقيت رسالة من الحزب للسفر إلى بغداد بمهمة خاصة لم تفصح عنها الرسالة، وكل ما في الأمر كان عنوان لأحد الرفاق في بغداد لكي اتصل به مع كلمة السر، كما زودتني اللجنة المحلية في الموصل برسائل حزبية مغلفة لقيادة الحزب في بغداد.
شددت الرحال إلى بغداد بالقطار حيث وصلتها صباح اليوم التالي، وأسرعت إلى عنوان الرفيق الذي كان يعمل بمحل تاجر في سوق الأقمشة عائد لشخص من عائلة مكية. وبعد أن تعرفت عليه وأعطيته كلمة السر، وأجابته على تلك الكلمة سلمته البريد الخاص بقيادة الحزب، وقد طلب مني أن نلتقي عصراً في نفس المكان.

وفي الوقت المحدد جرى اللقاء القصير بيني وبينه، حيث ابلغني بالذهاب إلى عيادة الدكتورة نزيهة الدليمي في منطقة الشواكة، وستكون بانتظاري، وعلى الفور توجهت نحو منطقة الشواكة، وصرت ابحث عن عيادة الدكتورة نزيهة الدليمي، وقد توصلت إليها دون عناء، ودخلتها وسجلت نفسي كمريض لديها.

وجاء دوري للفحص، ودخلت إلى الدكتورة نزيهة، وحييتها تحية رفاقية، وأبلغتها أنني قادم إليها بطلب من الرفيق الذي جرى الاتصال به من قبل. رحبت بي الرفيقة نزيهة الدليمي أجمل ترحيب، وتبادلنا الحديث عن نشاطات حركة السلام والحزب في الموصل.
ثم انتقلت بعد ذلك إلى موضوع المهمة التي جئت من أجلها من الموصل قائلةً: أيها الرفيق أنك غير مكشوف للسلطة، وأن لديك جواز سفر نافذ وحقيقي، كما أُبلغنا من منظمة الموصل، فإن المنظمة تكلفك بمهمة تمثيل العراق في مؤتمر السلام في هلسنكي، وأعتقد أنك على استعداد لتنفيذ هذه المهمة. وقد أجبتها على الفور:
{بكل سرور أيتها الرفيقة، وسأنفذ الواجب بكل أمانة}، وبادرت الرفيقة نزيهة إلى فتح حقيبتها، وأخرجت ظرفاً يحتوي على خطاب الوفد العراقي المعد سلفاً من قيادة الحركة لكي القيه في المؤتمر.

كما أعطتني رقم هاتف لأحد الرفاق في بيروت مع كلمة السر لكي اتصل به كي يرتب لي أمر السفر من هناك، حيث جري تجمع الوفود العربية في بيروت، وقد أرسلت فلندا سفينة إلى بيروت لنقل الوفود العربية إلى هلسنكي، طالبة مني السفر فوراً بسبب محدودية الوقت وقرب إبحار السفينة.
وعلى الفور ذهبت إلى [نقليات نيرن] للسفر عبر الصحراء وحجزت مقعداً لي في اليوم التالي والفرح يغمرني لتكليفي بهذه المهمة الكبيرة.

وانطلقت بنا السيارة عبر الصحراء بين العراق وسوريا، لكن الحظ التعيس كان لي بالمرصاد حيث تعطلت السيارة في الصحراء، وتعذر إصلاحها بسبب كسر احد المكابس في المحرك [البستن]، مما تطلب إرسال سيارة أخرى والذي أدى إلى المبيت في الصحراء.
وفي اليوم التالي واصلنا السفر نحو دمشق ومنها انتقلت مباشرة ودون توقف إلى بيروت التي كان أول عهدي بها حيث وصلت بيروت على ما أتذكر عصر يوم 7 حزيران 1955، وطلبت من سائق التاكسي أن يأخذني إلى فندق متوسط السعر ونظيف حيث أخذني إلى فندق[ناسونال] وكان الفندق راقياً ونظيفاً، وغرفه واسعة، وأثاثه جيد، وأجرة المبيت لليلة الواحدة 7 ليرات لبنانية آنذاك.

كنت منهكاً جداً من تلك السفرة، ولم اعد أتمالك نفسي من شدة الإعياء، فقلت في نفسي ينبغي أن آخذ قسطاً من النوم لساعة أو ساعتين كي استعيد شيئاً من الراحة، واذهب لتناول العشاء، ومن ثم اتصل بالرفيق الذي استلمت رقم هاتفه من الدكتورة نزيهة الدليمي.
وألقيت جسدي المنهك على السرير من دون أن أغير ملابسي ورحت في نوم عميق، وعند استيقاظي من النوم ظننت أنني قد نمت ساعتين أو ثلاث ، لكني وجدت أن الشمس قد أشرقت من جديد، ونظرت للساعة للتأكد من ذلك فوجدتها تشير إلى الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي.
إذا لقد نمت منذ عصر اليوم السابق وحتى الساعة العاشرة من اليوم التالي 8 حزيران، حيث أسرعت نحو التلفون واتصلت بالرقم المطلوب، وتحدثت إليه بكلمة السر، فطلب مني اسم الفندق ورقم الغرفة، واسمي الحقيقي في الجواز، وأبلغني أنه قادم إلي خلال ساعتين على أبعد تقدير، طالباً مني عدم مغادرة الغرفة.

وقبل انتهاء الساعتين وصل شخصان لم التقي بهما من قبل، وعرفاني بشخصيتهما وهما يصافحاني،[الدكتور صفاء الحافظ] و[الأستاذ عبد الجبار وهبي] والمعروف بأبي سعيد، وقد فاجأني الرفيق صفاء الحافظ بقوله رفيقنا لقد تأخرت في الوصول، وأبحرت السفينة صباح يوم أمس.
كان حديثه كنازلة حلت بي وصدمتني وأصابتني بالذهول، وخيبة الأمل من الوصول إلى هلسنكي، وأدرك الدكتور صفاء ما يجول في خاطري فبادرني بالحديث سنحل المشكلة لا تحزن، سأتصل بالدكتور المهندس [ أنطون ثابت] رئيس حركة السلام اللبنانية لكي يدبر لك الأمر، ويسهل موضوع سفرك.

ثم جلسنا نتبادل الحديث عن أوضاع العراق، وكان الرفيقان يوجهان لي العديد من الاستفسارات حول وضع الحزب، وحول نشاط حركة السلام العراقية، وحول إرهاب نوري السعيد، ورد فعل الأحزاب السياسية الوطنية وجماهير الشعب على مراسيم نوري السعيد، والتي أفرغت الدستور من مضامينه الديمقراطية.
كانت الجلسة الأولى مع الرفيقين الخالدين رائعة جداً أشعرتني أننا لم نلتقي قبل ساعات، بل كأنها علاقة سنوات، وشاءت الظروف أن تتكرر لقاءاتنا يومياً في بيروت ولعدة أيام.
اتصل الرفيق صفاء الحافظ بالدكتور[ انطون ثابت ] في مكتبه الهندسي، وابلغه بمقدمي إليه طالباً منه تدبير أمر سفري بالطائرة.

وذهبت إلى مكتب الدكتور أنطون ثابت وقابلته، وقد رحب بي كثيراً، وشرحت له الأمر، وما حدث للسيارة التي أخرت وصولي، ورجوته بذل الجهود من أجل تدبير سفري واللحاق بالمؤتمر قبل انعقاده، وقد أجابني الدكتور ثابت بأنه سيتدبر أمر بطاقة السفر خلال بضعة أيام حيث أن أحد نواب البرلمان اللبناني الذي كان مدعواً لحضور المؤتمر من المحتمل أن يعتذر عن السفر لظروفه الخاصة، وإذا تأكد لنا عدم سفره فسوف نعطيكم بطاقة سفره.

وهكذا انتهى اللقاء وصافحته وخرجت وأنا بين الشك واليقين أن أتمكن من الوصول إلى هلسنكي قبل بدء أعمال المؤتمر، وبقيت انتظر ذلك بفارغ الصبر، وكنا نخرج كل يوم أنا والرفيقين صفاء الحافظ وأبو سعيد الذي كان يصطحب معه أحياناً طفله سعيد، وابنته الصبية نادية، وكنا نجلس في مقهى البحرين، ونتبادل أطراف الحديث حول الأوضاع العراقية والعربية والدولية.

في اليوم الثالث لوصولي وكنا جالسين في المقهى سألني الدكتور الحافظ إن كنت سأبقى في فندقي الذي يعتبر غالياً نسبياً آنذاك قائلاً :
[يبدو أنك برجوازي رفيقنا لماذا تدفع 7 ليرات يومياً وبإمكاني أن آخذك إلى فندق نظيف وبسعر ليرتين يومياً فتوفر 5 ليرات عن كل ليلة].
ووافقت على الفكرة في الحال، وتم انتقالي إلى فندق آخر نظيف حقاً وجيد، ولكن من دون مصعد وكان علي أن أصعد عدة طوابق مراراً كل يوم، وقد خطر لي أن اسأل الرفيقين عن أوضاعهما المادية، وعلمت أنهما يعانيان من وضع مالي صعب للغاية، كان معي 100 دينار عراقي فبادرت على الفور مخاطباً إياهم أيها الرفاق الأعزاء لنقتسم ما عندي فنحن رفاق الطريق في كل الظروف، وتم لي ما أردت رغم رفضهم ذلك بادئ الأمر.

بعد أيام ابلغنا الدكتور أنطون ثابت بأن البطاقة قد دُبرت، وأصبح السفر متاحاً لي، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان. فقد وصل في ذلك اليوم الرفيق عطشان الأزيرجاوي، ومعه رفيق آخر اسمه عبد القادر، وكان الاثنان مطاردان ويحملان جوازين مزورين، واقتضت الضرورة أن يعود أحدنا إلى بغداد لإيصال التعليمات الخاصة بمهرجان الشباب في وارشو ببولندا في تموز القادم، والعودة مع الوفد العراقي إلى دمشق حيث سينتظرنا اليخت الخاص بملك رومانيا السابق [ليبرتاتا] في ميناء اللاذقية، حيث نتوجه إلى ميناء [كونستانزا] في رومانيا، ومنها نأخذ القطار إلى وارشو عبر بخارست وبودابست.

وتحادثنا حول من يستطيع العودة دون مخاطر، ويوصل المعلومات إلى الحزب في بغداد، وكان لا بد من أن تكون العودة من نصيبي حيث أنني غير مكشوف للسلطة أولاً، وأمتلك جوازاً حقيقياً نافذاً ثانيا، وكان لا بد من تقبل الأمر، فقد كان من المستحيل عودة أي واحد منهم إلى بغداد، والتفت إلي الرفيق صفاء قائلاً ستأتي معنا إلى مهرجان الشباب الرائع ، وبادرته قائلاً سأتقبل الأمر بكل سرور. ينبغي أن لا أعرض أحد الرفاق للخطر، وما دمت غير مكشوف، واحمل جوازاً حقيقياً فبإمكاني إيصال البريد بسلام .



#حامد_الحمداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحداث في ذاكرتي/ الحلقة السادسة
- أحداث في ذاكرتي / الحلقة الخامسة
- أحداث في ذاكرتي / الحلقة الرابعة
- أحداث في ذاكرتي / الحلقة الثالثة
- أحداث في ذاكرتي / الحلقة الثانية
- احداث في ذاكرتي / الحلقة الأولى
- رسالة إلى قارئاتني وقرائي الاعزاء كافة
- داعش، وما أدراك ما داعش؟
- معالجة محنة المواطنين المسيحيين في الموصل مهمة وطنية ودولية ...
- ثورة 14 تموز وعبد الكريم قاسم والصراعات الحزبية
- ثورة 14 تموز والصراعات الحزبية واخطاء الزعيم عبد الكريم قاسم ...
- العراق يُغتصب وزعماء الكتل يتصاعون على المناصب!!
- حذار: العراق بات على شفير الحرب الأهلية الطائفية المدمرة
- الانتخابات البرلمانية القادمة وحلم الشعب بعراق ديمقراطي
- شهادة للتاريخ/ انقلاب العقيد الشواف في الموصل والاحداث التي ...
- شهادة للتاريخ: انقلاب العقيد الشواف بالموصل والاحداث التي را ...
- من أجل تحرر المرأة العربية وتمتعها بحقوقها الديمقراطية
- دروس وعبر من انقلاب 8 شباط واغتيال ثورة 14 تموز/ الحلقة الثا ...
- دروس وعبر من انقلاب 8 شباط الفاشي واغتيال ثورة 14 تموز
- دروس وعبر من انقلاب 8 شباط الفاشي واغتيال ثورة 14 تموز/ الحل ...


المزيد.....




- -بعد فضيحة الصورة المعدلة-.. أمير وأميرة ويلز يصدران صورة لل ...
- -هل نفذ المصريون نصيحة السيسي منذ 5 سنوات؟-.. حملة مقاطعة تض ...
- ولادة طفلة من رحم إمرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة
- بريطانيا تتعهد بتقديم 620 مليون دولار إضافية من المساعدات ال ...
- مصر.. الإعلان عن بدء موعد التوقيت الصيفي بقرار من السيسي
- بوغدانوف يبحث مع مدير الاستخبارات السودانية الوضع العسكري وا ...
- ضابط الاستخبارات الأوكراني السابق يكشف عمن يقف وراء محاولة ا ...
- بعد 200 يوم.. هل تملك إسرائيل إستراتيجية لتحقيق أهداف حربها ...
- حسن البنا مفتيًا
- وسط جدل بشأن معاييرها.. الخارجية الأميركية تصدر تقريرها الحق ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد الحمداني - أحداث في ذاكرتي / الحلقة السابعة