أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ميثم الجنابي - الخوارج والدواعش- قطبا الحق والباطل















المزيد.....

الخوارج والدواعش- قطبا الحق والباطل


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 4623 - 2014 / 11 / 3 - 11:51
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


توسعت في الآونة الأخيرة دائرة التشبيه بين الخوارج وبين تيار "داعش". مع ما ترتب عليه من محاولات حثيثة للتشبيه بين ما يدعونه "بخوارج" الأمس و"خوارج" اليوم. ومن ثم جعل سلوك التيارات السنية المتطرفة الحالية استمرارا لتقاليد الخوارج القدماء.
أما في الواقع، فإننا نقف هنا أمام تشبيه لا يجافي الوقائع والحقائق التاريخية والفكرية والعقائدية والعملية والثقافية فحسب، بل ويناقضها أيضا. إذ ليس هناك من تيار اجتماعي سياسي وفكري تعرض في تاريخ الإسلام للأذى والتشويه والملاحقة والمطاردة والسجن والقتل والتخوين والتجريم والتحريم أكثر من الخوارج. واشترك في ذلك الجميع (سنة وشيعة، ملوك ورعاع). لكن الكمية والنوعية الأكبر للعداء جاء من جانب السلطة (الأموية) وأتباعها الأوائل والأواخر. ومن ثم لم يكن "تاريخ" الخوارج المؤرخ له في الأغلب سوى مواقف وأحكام تابعة للسلطة (الغاشمة) ونابعة منها ومؤيدة بمرتزقتها من رواة وقصاصين وشعراء وفقهاء ومتكلمين.
والنصيب الأكبر من كل هذا التشويه يعود للأموية الدموية ومرتزقتها من بين التيارات السنية بشكل عام والحنبلية بشكل خاص. وهذا بدوره لم يكن معزولا عن كون التسنن هو إسلام بلا إيمان، أو إسلام العادات والعبادات الجسدية، اي بلا روح ولا عقل. وهو السر الكامن وراء عداءه العنيف للفلسفة والفلاسفة (العقل)، والتصوف والمتصوف (الروح)، والتشيع والشيعة (الوجدان)، والخوارج وكل ما لا يدخل ضمن تصوراتهم ممن يكافح الاستبداد والطغيان. وليس مصادفة أن لا يحتوي تاريخ التسنن على امتداد ألف وخمسمائة سنة على انتفاضة واحدة أو تمرد وليكن صغيرا ضد السلطات المستبدة وطغيان الطغاة. بل أن خطاب "أهل السنة والجماعة" يخلو من هذه العبارات. إذ لا تتعدى أيديولوجية التسنن من حيث الجوهر أكثر من استنزال العبودية لله إلى عبودية للسلطة والنصوص الميتة واستحضارها الدائم بوصفها الحقيقة الوحيدة في الوجد والوجود. وليس مصادفة أن يكون اغلب ما كتب عن الخوارج لا علاقة له بحقيقة الخوارج، بدأ بالتسمية (الخوارج والمارقة وما شابه ذلك) وانتهاء بمواقفهم وآراءهم وشخصياتهم.
فالتسميات المتبادلة جزء من الاحتراب الأيديولوجي والسياسي. "خوارج" و"مارقة" بمعنى خروجهم عن الدين ومروقهم عن الإيمان، أما في الواقع فقد كان خروجهم على الاستبداد والظلم والطغيان والرذيلة. و"روافض" بوصفهم يرفضون إمامة الخلفاء الأوائل و"خلفاء السنة" بشكل عام، بينما في حقيقته هو الرفض بوصفه الصيغة الضرورية للعقل والوجدان الخالص ورفض الخطأ والخطيئة. أما "النواصب"، فهو اللقب الذي أطلقه الشيعة على "أهل السنة والجماعة". ولعله اللقب الوحيد الأكثر دقة من حيث الأصل والجذر والتأويل والواقع، وذلك لأنهم ناصبوا العداء أولا للإمام علي ثم للتشيع، ثم ناصبوا العداء لأحرار المتكلمين (المعتزلة) وأحرار الشعراء والأدباء، وناصبوا العداء المطلق للفلاسفة والمتصوفة العظام، وبعدها للجميع من يختلف عنهم، بما في ذلك ممن هم منهم. ومناصبة العداء كانت تختمر دوما بمعايير التكفير والتخوين والتجريم والتحريم. وهي الصفة الوحيدة التي لم تتغير في التسنن منذ البدء ولحد الآن. الأمر الذي جعل ويجعل منه قوة التخريب والتعفن الروحي والعقلي والأخلاقي، ومصدر الوباء الدائم للتحلل والانحطاط، والإثارة الدائمة للاستعداء، وانعدام الروح الإنساني، ومناصبة قيم الحرية والتسامح.
لقد درست تاريخ الخوارج وأفكارهم ومواقفهم بمختلف حيثياتها ودقائقها، إضافة إلى البحث الدقيق في حياة وفكر شخصياتهم الكبرى (حوالي عشرين شخصية)، فلم اعثر في تاريخ الإسلام اللاحق على من هو أفضل وأنبل واصدق منهم.
فتيار "الخوارج" هو التيار الوحيد المتجانس مع نفسه، الصادق في قوله وفعله، المبتعد عن السلطة وخدمتها الوضيعة، الخالي من الخونة والمرتزقة، السالك من حيث النية والغاية لتحقيق مبادئ العدل والمساواة والحرية والحق وأولوية الأمة ومصالحها. من هنا يمكن فهم هذا الإجماع المتشدد تجاه "الخوارج" القدماء من جانب سلطات الاستبداد وعبيدها ، ودعم "الخوارج الجدد" من جانب سلطات الاستبداد ومرتزقتها (ويكفي المرء إلى إلقاء نظرة سريعة على الجرائد الممولة من جانب آل سعود وال موزة وأمثالهم، باختصار من كل قبائل الصحراء الروحية والأخلاقية والقومية، لرؤية هذه الحقيقة.
من هنا لا معنى لمقارنة "الخوارج" بالتيارات السنية المعاصرة وبالأخص أكثرها تشددا وتخلفا كما هو الحال بالنسبة للقاعدة وداعش وأمثالهما المحتملة. وذلك لجملة أسباب تاريخية وفكرية وسياسية وثقافية ومستقبلية.
فمن الناحية التاريخية، ارتبط ظهور الخوارج بصعود الإسلام والدولة العربية (الخلافة). ومن ثم فان صيرورتهم التاريخية كانت جزء من حالة الارتقاء والتراكم الكبيرة للدولة والأمة والثقافة، وليس كما هو الحال بالنسبة لداعش وأمثالهم، التي تمثل حالة السقوط والانحطاط في الدولة العربية، وسقوط التيار الإسلامي بشكل عام والسني بشكل خاص.
ومن الناحية الفكرية، كان الخوارج الأوائل يمثلون الاجتهاد العلمي والعملي الأول فيما يخص قضايا الإمامة والأمة والأخلاق، اي الدولة والنظام السياسي وفكرة الحق.
ومن الناحية السياسية، مّثل الخوارج الأوائل فكرة الحرية، والنظام السياسي الشرعي، وأولوية الفرد والجماعة والأمة المحكومة بقوة القانون وليس العائلة والقبيلة والمذهب والعرق.
ومن الناحية الثقافية، إنهم أول من وضع خميرة الصراع الفكري بمعايير القوة الاجتماعية السياسية والأخلاقية الواعية. من هنا أثرهم الهائل في صعود مختلف الحركات المعارضة والمؤيدة والموازية لهم من قدرية أولى ومرجئة ومعتزلة واشعرية. بهذا المعنى أنهم كانوا يمثلون فكرة المستقبل وليس الماضي. وفي هذا كان وما يزال يكمن سر الاتهام المتعمد لإلغاء قيمتهم التاريخية والثقافية والروحية. كما أن المواقف منهم، ضمن هذا السياق، يؤشر إلى الحالة "الأبدية" للصراع بين الفضيلة والرذيلة.
فسوف يبقى البشر على الدوام بشرا ما لم يرتقوا إلى مصاف الإنسان والإنسانية. بمعنى أن إشكالية البشر والإنسان سوف تبقى على الدوام مفارقة حادة ما لم يجر تجفيف مصادر الرذيلة. ومن بين أهم مصادرها في مجال الوعي هو تشويه وتشوه وعي الذات التاريخي والثقافي. وليس مصادفة أن نقف أمام الحالة المثيرة للعقل والوجدان القائمة في واقع تعرض الشخصيات النبيلة على الدوام لهجوم الأراذل، اي لهمجية الرذيلة؟ والسبب العام يكمن في أن أصحاب الرذيلة مجرد بطون تقرقر، بينما النبل بمعايير الجسد كالنبال تتطلب مهارة اليد وقوة الجسد وحدّة البصر في الرماية من اجل الغاية، وبمعايير الروح مهارة كل ما فيها. وهذا عمل لا يطيقه إلا القلة النادرة، ولا يبرع فيه إلا من ندر بين الندرة. من هنا أهمية وضرورة إعادة الاعتبار للحقيقة في مجال الرؤية التاريخية. فهو يعادل معنى التأسيس الفعلي لوعي الذات الحقيقي، اي المتكوّن والمؤّسس بمعايير الحق والحقيقة. وهذا بدوره احد المصادر الجوهرية للرؤية المستقبلية، وذلك لأنه الأسلوب الضروري لصنع مرجعيات متسامية للوعي النظري والعملي. وغاية الحلقات التالية ترمي إلى كشف ماهية الخوارج وإعادة تأسيس الوعي التاريخي والثقافي القومي العربي بمعايير الحق والحقيقة. (يتبع)
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراع الروسي – الأمريكي حول المشرق العربي وإيران(3-3)
- الصراع الروسي – الأمريكي حول المشرق العربي وإيران (2)
- الصراع الروسي – الأمريكي حول المشرق العربي وإيران (1)
- الخلافة العربية عند محمد عبده والخلافة الإسلامية عند داعش
- المركزية الإسلامية المعاصرة- قوانين التاريخ ومنطق الثقافة
- المالكي وعبد الكريم قاسم - نهاية المأساة وبداية المهزلة
- التحدي التاريخي الأكبر للبديل الوطني العراقي
- القضية السورية وإشكالية صراع الشرق والغرب
- الدولة والأمة والإصلاح في سوريا
- الدولة الشرعية والإصلاح في سوريا
- المالكي وملكوت الدولة العراقية
- الإخلاص في فكرة المقاومة عند (حزب الله)
- (حزب الله) والقضية السورية
- الكينونة الملهمة لجمال عبد الناصر وحسن نصر الله
- إشكالية الفكرة القومية والإسلامية للإخوان المسلمين
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (26)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (25)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (24)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (23)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (22)


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ميثم الجنابي - الخوارج والدواعش- قطبا الحق والباطل