أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسام عزيز - مساهمة أولية في نقد -الميثاق الوطني للتربية والتكوين-















المزيد.....



مساهمة أولية في نقد -الميثاق الوطني للتربية والتكوين-


حسام عزيز

الحوار المتمدن-العدد: 4622 - 2014 / 11 / 2 - 19:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مساهمة أولية في نقد "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"




دبــــــــاجـــة:

لقد شكل قطاع التعليم مجالا تاريخيا للصراع بين البرجوازية الكومبرادورية، وبين الشعب المغربي كقطب مستقل تتقاسم كل الفئات والطبقات المكونة له واقع الاضطهاد والاستغلال والحيف الاجتماعي بكل أشكاله، وخاصة بعدما اختلت موازين القوى بين تطور البنية التحتية، وبين تطور الجامعة كمؤسسة تعليمية توجد في البنية الفوقية، والذي ستتحول الجامعة بموجبه إلى إنتاج قوى منتجة، هي في حقيقة الأمر وبحكم نظام الإنتاج التبعي للمجتمع المغربي تصير قوى غير منتجة .

وفي هذا السياق سيبدأ مسلسل الهجوم المباشر على قطاع التعليم، وسيتجسد بشكل واضح في القرار الذي أصدره وزير التعليم- بلعباس- أنذاك، والقاضي بمنع التلاميذ الذين تجاوز سنهم الثامن عشر من الانتقال إلى مرحلة الثانوي، ولقد ردت الجماهير التلاميدية والطلابية بقيادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب على هذا الاستهداف المباشر، بانتفاضة شعبية عارمة في سنة 1965، واجهها عملاء الامبريالية بقمع شديد وهمجي خلف أكتر من 1400 شهيدة وشهيد.

وبعدها ستتكرر محاولات الإجهاز على مجانية وعمومية التعليم، وخاصة مع إصلاح 1965 وإجراءات 1983 وإصلاح 1985 وصولا إلى "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" ونسخته المشوهة "المخطط الاستعجالي"، الذي جاء ليسرع من وتيرة تطبيق بنوده التخريبية.

و ستتصدى الحركة الطلابية لهذه المحاولات بتفجيرها لمعارك بطولية قدمت من خلالها قافلة من الشهداء، في سبيل الحفاظ على مجانية وعمومية التعليم، ومن أجل المراكمة لهدفها الاستراتيجي المتمثل في تحقيق تعليم ديمقراطي شعبي.


1- نشأة الجامعة المغربية


لقد أدى تعرض المغرب للاستعمار المباشر من طرف الامبريالية الأوربية (فرنسا، اسبانيا ...) إلى تحطيم بنيته الاقتصادية بالحديد والنار، وإرساء بنية اقتصادية جديدة تمثلت في نمط الإنتاج الرأسمالي التابع للدوائر الامبريالية، ولقد أدى هذا إلى نشأة برجوازية كومبرادورية مغربية تختلف من حيت نشأتها وسيرورة تطورها عن البرجوازية الأوربية، وذلك لأنها تكونت عن طريق التدخل الاستعماري، وما نتج عنه من ربط بنية مجتمعنا بالقوة مع البنية الاقتصادية للدول الامبريالية، مما جعلها - أي البرجوازية المغربية - في علاقة تبعية مند ولادتها مع البرجوازية الامبريالية.

ولقد أدى هذا التغير في التشكيلة الاجتماعية- الاقتصادية، إلى ظهور نمط جديد من التعليم تمثل أساسا في نوعين أساسيين، تجلى الأول في المدارس التي بناها المستعمر والتي كانت تهدف إلى خلق الأطر التي ستضمن له إعادة إنتاج نفس علاقة الإنتاج السائدة.

أما النوع الثاني فينقسم إلى قسمين، تمثل الأول في المدارس الخاصة التي أنشأتها الحركة الوطنية في إطار مجابهتها لإيديولوجية المستعمر، أما الثاني فتمثل في التعليم التقليدي الذي اخترقته الموجة الإصلاحية الآتية من الشرق، ولقد كانا يهدفان إلى خلق وعي بالثقافة الوطنية ومناهضة الثقافة الاستعمارية التي كان ينشرها المستعمر وعملائه.

غير أن الفئات التعليمية التي كانت تدرس في النوع الثاني من التعليم لم تكن تصل إلى الجامعة، نظرا لانحدار أغلبها من الفئات التي كان يمارس عليها الحيف والاضطهاد من طرف المستعمر وعملائه المحليين، في حين أن الفئات التعليمية التي كانت تدرس في النوع الأول من التعليم كان في استطاعتها الدراسة في الجامعات الأجنبية، لأنها تكونت من أبناء المعمرين والبرجوازية الكومبرادورية والملاكين الكبار للأراضي، وحتى من بعض أبناء البرجوازية الوطنية الذين كان آباؤهم محسوبين على الخط الوطني قبل أن يفتضح أمرهم للجماهير الشعبية، وخاصة بعد معاهدة "ايكس ليبان" الخيانية سنة 1956 التي باعت الوطن بدراهم معدودة واستباحت خيراته .

وبعد الاستقلال الشكلي، ستغادر مجموعة من الأطر الفرنسية والاسبانية الإدارات المغربية، مما سيترك خصاصا كبيرا على مستوى الأطر التي ستعوض أطر المعمرين في تسيير البلاد، والذي لم تستطع الأطر المتخرجة من الجامعات الأجنبية والخاصة تغطيته، لأن هذه الأخيرة لم تعد قادرة على إنتاجهم بهذا الكم الكبير وبجودة متوسطة، وهذا ما سيوفر الشروط الموضوعية لنشأة الجامعة المغربية.

أما الشرط الذاتي فلقد تجلى في نضال الجماهير الشعبية، التي وعت بأن قضية الجامعة قضيتها، لأن وجود جامعة عمومية ومجانية في المغرب، سيوفر لأبنائها التعليم المجاني الذي كانت محرومة منه في مرحلة الاستعمار المباشر، نضرا للمصاريف الباهظة للجامعات الأجنبية والخاصة، وفي هذا السياق تأتي مطالبتها بإنشاء الجامعة المغربية.

كما لا يمكن هنا تجاهل الدور الذي لعبته الحركة الطلابية المغربية في مطالبتها بالجامعة المجانية و العمومية، وذلك إذا علمنا أن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي شكل أرقى حلقة تنظيمية في مسيرة نضالاتها ضد المستعمر ومن أجل مطالبها، قد تأسس في سنة 1956 بينما أول جامعة في المغرب قد تأسست سنة 1957/1958.

ومن هنا يمكن القول أن الجامعة المغربية، قد فرضت على البرجوازية الكمبرادورية، لأنها أنشئت بنضالات الجماهير الشعبية وليس برغبة ذاتية من دولة المعمرين الجدد.

وكخلاصة لما سبق، فإن نشأة الجامعة المغربية كانت لها عوامل موضوعية وذاتية، تجلت الأولى في الفراغ الذي تركه المستعمر بعد الاستقلال الشكلي من جهة، وعدم قدرة الجامعات الأجنبية والخاصة على إنتاج الأطر الكافية لتغطية هذا الفراغ من جهة أخرى، أما الثانية فتجلت في نضالات الجماهير الشعبية ومن ضمنها الحركة الطلابية من أجل الحق في التعليم المجاني والعمومي، لأنها كانت محرومة منه في عهد الاستعمار المباشر .


2- تطور الجامعة المغربية


لقد وصلنا سابقا إلى خلاصة مفادها: أن الجماهير الشعبية قد فرضت على البرجوازية إنشاء الجامعات المغربية المجانية والعمومية، لكي يتمكن أبناؤها من استكمال دراستهم الجامعية والحصول على الشواهد العليا التي كانوا محرومين منها في مرحلة ما قبل الاستقلال الشكلي، ولكنه سرعان ما ستتحول هذه الجامعات إلى أداة في يد التحالف الطبقي المسيطر يحافظ من خلالها على تواجده ويضمن بواسطتها إعادة إنتاج نفس علاقات الإنتاج القائمة.

فكيف انتقلت إذن الجامعة المغربية، من مكسب تحقق عبر سيرورة نضال مرير وطويل للجماهير الشعبية، إلى أداة في خدمة التحالف الطبقي المسيطر؟.

إن تحول الجامعة المغربية من خدمة الجماهير الشعبية وأبنائها، إلى أداة إديولوجية في يد الدولة، ليس إلا انعكاسا للبنية التحتية على البنية الفوقية، كما أن تبعيتها لجهاز الدولة ليس إلا وجه خاص من تبعية الصراع الاديولوجي للصراع السياسي (مهدي عامل/ مقدمات نظرية، ص : 49-50-51/ بالتصرف)، فهي من حيت أنها أداة إيديولوجية، تخدم الممارسة السياسية للتحالف الطبقي المسيطر، من أجل حفاظه على سيطرته الطبقية، وذلك بتوفير الشروط المناسبة لإعادة إنتاج الشروط المادية للإبقاء على هذه السيطرة، إضافة لمحاولة طمسها لهذه الحقيقة الطبقية للصراع الإيديولوجي، وذلك بإظهاره كصراع بين إيديولوجيات متناقضة ليس لها أي جدور في الواقع "وكان موضوعية الفكر، هي في أن يكون الفكر في حياد عن الصراع الطبقي " (مهدي عامل/ مقدمات نظرية، ص : 51).

وهذا ما تحاول البرجوازية جاهدة فعله في الجامعة، بحيث أنها تريد دائما إظهار الأفكار وكأنها أفكار متناثرة توجد في دهن الإنسان بشكل فطري ومستقل عن جذورها الطبقية والاجتماعية، وبفعلها هذا تستطيع خداع الطبقات الكادحة، وبالتالي إخضاعها لإيديولوجيتها الرجعية المسيطرة.

ومن هنا، كان لزاما على الفكر الماركسي الثوري أن يقوم بتعرية الجذور الطبقية للثقافة البرجوازية الرجعية، التي تموه وتطمس الصراع الطبقي في مستواه الإيديولوجي بين التحالف الطبقي المسيطر والتحالف الطبقي النقيض، وذلك بدفاعه عن الثقافة الشعبية، وإرجاعه للدور التحرري الذي يجب على الجامعة أن تلعبه، والمتمثل في إنتاج ونشر الثقافة التحررية والشعبية، ضدا على ثقافة عملاء الاستعمار الجديد، التي لا تعبر إلا عن تعميق التبعية للدوائر الامبريالية .

وهذا ما جسدته الحركة الطلابية المغربية ومنظمتها الصامدة اوطم تاريخيا في المؤتمر الخامس عشر - الذي شكل قفزة نوعية في مسار تطور الحركة الطلابية- في مجموعة من الشعارات والمواقف التقدمية التي كتفت بشكل خلاق للدور التحرري الذي يجب أن تلعبه الحركة الطلابية في سيرورة الثورة المغربية وذلك مثل :

- موقفها من التعليم بحيث عبرت عنه بشعار "تعليم شعبي عربي ديمقراطي علماني وموحد"، وذلك انسجاما ومطلبها التاريخي في تعليم شعبي ديمقراطي، ولقد أعاد الطلبة القاعديين صياغة هذا الشعار وعبروا عنه بتعليم شعبي ديمقراطي علمي وموحد.

- موقفها من الثقافة، والذي انتقدت فيه الثقافة الرجعية السائدة، التي ينشرها النظام في صفوف الجماهير الشعبية وضمنها الطلابية، ودعت إلى "جامعة موازية من أجل ثقافة شعبية".
- موقفها من معارك و قضايا الجماهيرية الشعبية، و الذي عبرت عنه بشعار "لكل معركة جماهيرية صداها في الجامعة"(الأرضية السياسية والتنظيمية للطلبة القاعديين التقدميين/ ص : 6).

ومن هنا، فإن من بين المهام الأساسية للحركة الطلابية المغربية، هي فضح وتعرية إيديولوجية التحالف الطبقي المسيطر، من أجل الحفاظ على الدور التحرري للجامعة المغربية ونشر ثقافة شعبية، قادرة على المساهمة في دفع حركة الصراع الطبقي إلى مستواه السياسي.

ولقد ساهم تطور الجامعة على المستوى الكمي، في جعل التوازن بين التطور الاقتصادي وبين تطور قوى الإنتاج يختل، نظرا لأن الجامعة ليست منفصلة عن تطور المجتمع وبنيته الاقتصادية، التي تعتمد في تواجدها على قطاعات غير منتجة، مما يجعلها غير محتاجة إلى عدد كبير من القوى المنتجة.

ولهذا السبب ستظهر الجامعة في منتصف العقد السادس من القرن الماضي، بمظهر انعزالها عن الواقع، نظرا لأن القوى المنتجة التي صارت تتخرج منها، أصبحت بحكم نمط الإنتاج التبعي قوى غير منتجة.. وكيف تصير قوى منتجة والبرجوازية الكومبرادورية عاجزة عن إنتاج عالمنا المادي !!.

ومن هنا، فإن نشأة الجامعة في نظام إنتاج تبعي يعتمد على عدد قليل من قوى الإنتاج، سيجعل مجموعة كبيرة من أبناء الجماهير الشعبية، بعد تخرجها تصير عاطلة عن العمل، مما سيهيئ الشرط المناسب لإدعاء البرجوازية بأن التعليم قطاع غير منتج، وبالتالي بدءها بنهج سياسة التخطيط في حقل التعليم، التي ليست إلا لجما لتطور قوى الإنتاج، أي الحد من وصول أبناء الجماهير الشعبية إلى الجامعات المغربية وحرمانها من حقها المقدس في التعليم.

نستنتج مما سبق، أن كون الجامعة أصبحت أداة إيديولوجية في يد النظام القائم في المغرب، لا يعني قيامها بهذا الدور بكل حرية، فهناك الحركة الطلابية المغربية التي تفضح باستمرار إيديولوجية النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي، وتنشر الثقافة الشعبية عن طريق نضالها اليومي إلى جانب الجماهير الطلابية، سواء فيما يخص مطالبها المادية أو الديمقراطية، وذلك لأن "الحركة الطلابية كانت دائما ولازالت تستوعب في صفوفها الأغلبية الساحقة داخل القطاع الطلابي و تفرض الانحدار وحتى التلاشي على ما دونها، أي الأقلية المطلقة التي تشكل أحيانا قاعدة لمشاريع معادية وتخريبية لتوجه الحركة"(الأرضية السياسية والتنظيمية للطلبة القاعديين التقدميين/ ص : 4)، كما أن محاولة البرجوازية التبعية حرمان أبناء الجماهير الشعبية من حقهم في التعليم، عن طريق وضع الحواجز المادية والبيداغوجية، لا يعني أيضا قدرتها على خوصصة الجامعة، وذلك لأن الحركة الطلابية بقيادة خطها الكفاحي والتقدمي، شكلت ولا زالت الصخرة التي تكسرت و ستتكسر عليها جميع السياسات والمخططات الرجعية للبرجوازية التبعية وأسيادها الامبرياليين.


3- السياق التاريخي لظهور الميثاق


بعدما بدأت البرجوازية الكومبرادورية بنهج سياسة التخطيط في حقل التعليم، والتي ظهرت بوضوح في سنة 1965، وذلك اثر قرار وزير التعليم أنداك، والهادف إلى حرمان التلاميذ الذين تجاوزوا سن الثامن عشر من حقهم في الانتقال إلى التعليم الثانوي، ستندلع انتفاضة شعبية في 23 مارس من نفس السنة في مدينة الدار البيضاء والنواحي، تحدت فيها الجماهير التلاميدية والطلابية والجماهير الشعبية مدافع ورشاشات النظام القائم، بحيث سيسقط أكثر من 1400، شهيد وشهيدة تحت طلقات الرصاص الحي، إضافة إلى عدد كبير من الجرحى والمعطوبين والمعتقلين.

ولقد استطاعت هذه الانتفاضة أن تفرض على النظام الرجعي التراجع على مخططه الهادف إلى حرمان أبناء الجماهير الشعبية من حقهم في التعليم، كما أنها أعطت رسالة واضحة إلى عملاء الامبريالية، مضمونها أن الشعب المغربي لن يتخلى عن مكسبه التاريخي المتمثل في مجانية وعمومية التعليم، وخاصة بعدما تم التراجع على مجموعة من مكتسباته التاريخية التي حصنها في مسيرة نضاله ضد المستعمر، ولقد شكلت هذه الانتفاضة نقطة تحول هامة في تاريخ مغرب ما بعد 1956، بحيث عبرت الجماهير الشعبية عن رفضها المطلق لـ"لملكية" ورفعت شعار الجمهورية المغربية.

وبعد هذه الانتفاضة ستتكرر محاولات الإجهاز على قطاع التعليم وخوصصته، وخاصة مع إصلاح 1975 ، الذي تصدت له الحركة الطلابية بشجاعة لا مثيل لها، والذي تلته إجراءات 1982 و 1983 مباشرة بعدما تم فرض الحظر العملي على اوطم، والتي ستمهد الطريق بدورها لإصلاح 1985.

ولقد توجت هذه المخططات الطبقية بـ"الميثاق الوطني للتربية والتكوين"- ونسخته المشوهة المخطط الاستعجالي- الذي مر بدوره بسيرورة ابتدأت مند بداية التسعينات من القرن الماضي إلى سنة تطبيقه، فما هي هذه السيرورة إذن؟.

لقد رأينا سابقا، أن الاقتصاد المغربي هو اقتصاد تابع للامبريالية العالمية، و سيتم إغراقه بديون هذه الأخيرة في إطار صراعها مع الاتحاد السوفياتي، ومن أجل محاصرة المد الشيوعي الذي اجتاح العالم بكامله ومن ضمنه المغرب، وعندما حسم الصراع - بشكل مؤقت طبعا - لصالح الرأسمالية، نتيجة التراجعات التي أبدتها التحريفية السوفياتية بعد وفاة الرفيق ستالين، استقر الوضع للدوائر الامبريالية مما جعلها تضغط على عملاءها الرجعيين من أجل استرجاع ديونها.

وفي هذا السياق سيأتي تقرير "البنك الدولي" عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغرب، والهادف إلى خوصصة القطاعات العمومية ومن ضمنها التعليم، بحيث سيرد عليه الكومبرادور-الحسن الثاني- برسالة إلى رئيس البنك الدولي، تتضمن مجموعة من النقط من بينها إصلاح السياسة التعليمية في المغرب، وسيطلب فيها من البنك الدولي تقديم مجموعة من التوصيات، أو سياسة تعليمية دقيقة يمكن تطبيقها في حقل التعليم لكي تتوفر على نسبة كبيرة من النجاح.

وانسجاما مع ما سبق، فإن البنك الدولي سيرد بضرورة إصلاح التعليم وهذا ما جسدته التوصية 23 من تقريره حيت يرى بأنه " سيصبح قطاع التعليم في سنة 2010 ناقصا وغير ملائم وستظل نسبة المتمدرسين منخفضة، وستساهم ميزانية التعليم في إنهاك الميزانية العامة ،(التسطير لي) ولن يستجيب المتخرجون من مراكز التكوين المهني لحاجيات المشغلين ولن يكون بمستطاع المغرب أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين".

نستنتج من هذه التوصية، أنها تريد أن تعمم التعليم وتزيد من نسبته، كما أنها تشتكي من الميزانية التي تخصصها الدولة للتعليم، أي أنها تطرح ضمنيا تخلي الدولة عن التعليم وتفويته للقطاع الخاص، وبهذا فكيف يكمن أن نتحدث مع هؤلاء المشعوذين والمفترين عن تعميم التعليم في غياب مجانيته !!.

ولكي يغطي البنك الدولي على هذه التناقضات، فإنه يستدرك ويقول في التوصية 37" بأنه لا يمكن أن تنجح الإصلاحات في قطاع التعليم والتكوين كيفما كان نوعها، إلا إذا قبلت من طرف كل طبقات المجتمع والجماعات المعنية، وبالتالي يجب وضع إستراتيجية للوصول إلى هذا الالتزام الشامل".

كما أنه يجب حسب التوصية 40 " الإجماع والانسجام الحكومي"، قبل فتح أي حوار شامل حول قضية التعليم، وذلك من أجل تكوين "اللجنة الملكية للتربية والتكوين"، كترجمة للتوصية 39 التي تقول "من الأحسن إسناد صياغة هذه النظرة - السياسة التعليمية - إلى مجموعة صغيرة من المسئولين ذي مستوى عالي، ويعملون تحت إمرة شخصية ذات سلطة محترمة على الصعيد الوطني " وهذه الشخصية لن تكون سوى شخصية الكومبرادور طبعا .

إن هذه التوصيات شكلت السيرورة التي ستمر منها صياغة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، بحيث سيتم إنشاء "اللجنة الملكية للتربية والتكوين" في مارس 1999، والتي ستسند أشغالها لأحد عملاء الكومبرادور، وهو "عبد العزيز مزيان بلفقيه"، ولقد ضمت هذه اللجنة ممثلوا 14 حزبا يتراوحون مابين اليمين و"اليسار"، بالإضافة إلى اثنين من المؤسسة الدينية الرسمية، وثمانية ممثلين عن النقابات البيروقراطية الصفراء، وتسعة من كوادر النظام القائم من بينهم عضو في "النقابة الوطنية للتعليم العالي".

وبالتالي تكون "اللجنة الملكية" قد تكونت من 34 شخصا، مهمتهم الأساسية هي خلق إجماع وطني مزعوم حول الميثاق، تطبيقا لأوامر التوصية 40 من تقرير البنك الدولي، وذلك من أجل إخراس كل من يجابه هذه السياسة التعليمية، بدعوى" الإجماع الوطني" لشرذمة من المرتزقة والانتهازيين أبناء وأحفاد الخونة وعملاء الاستعمار.

وهنا لن يفوتنا ذكر أن هذه المراسيم تمت بسرية تامة، ما عدا فضح الحركة الطلابية لها، وذلك لأن هذه اللجنة قد راسلت كل الجرائد والمجلات الصفراء- التي تتغنى دائما بالاستقلالية- لتطلب منها أن تلزم الصمت حتى الانتهاء نهائيا من صياغة الميثاق، تفاديا لخلق نقاش لدى الجماهير الشعبية حول قضية التعليم.


4- ما هو الميثاق؟ وما هي أهدافه؟


يعتبر الميثاق الوطني للتربية والتكوين مخطط طبقي، أنزله التحالف الطبقي المسيطر على أبناء الجماهير الشعبية من أجل حرمانهم من حقهم المقدس في التعليم، وذلك عن طريق تطبيق مجموعة من البنود التخريبية، سواء فيما يخص الشق المادي أو الديمقراطي أو البيداغوجي، وهو يتكون من قسمين يتحدث الأول عن "المبادئ الأساسية" والتي تضم "المرتكزات الثابتة" و" الغايات الكبرى" و "حقوق وواجبات الأفراد والجماعات" و"التعبئة الوطنية لتجديد المدرسة"، أما القسم الثاني فيتناول "مجالات التجديد" وهي عبارة عن خمس مجالات تتكون من 19 دعامة.

يهدف الميثاق في "مرتكزاته الثابتة" إلى خلق "المواطن المتصف بالاستقامة والصلاح والمتسم بالاعتدال والتسامح، الشغوف بطلب العلم والمعرفة في أرحب أفاقها والمتوقد للإطلاع والإبداع والمطبوع بروح المبادرة الايجابية والإنتاج النافع".. يا سلام على هذه السياسة التعليمية !!. فماذا يعني إذن المواطن المتصف بالاستقامة والصلاح... ، عند هؤلاء السادة؟.

إنه ببساطة المواطن الخنوع والمسالم لسياساتهم، والشغوف بتلقي إيديولوجيتهم الطبقية، والمتسامح مع مصاصي دمائه والمطبوع بروح المبادرة الايجابية، فما هي إذن هذه المبادرة الايجابية؟.

إنها ليست سوى مراكمة ثروات البرجوازية الكومبرادورية، وعدم فعل أي شيء من شأنه أن يعكر صفو سيطرتها الطبقية، وما يزيد الطين بلة هو دعوتهم الصريحة لهذا المواطن بدون خجل أو إستحياء إلى التمسك بـ"الملكية وثوابتها".

فلتنضروا معي إلى هذه الخسة، إلى هذا الكذب والتلاعب بالكلمات، وستستنتجون أنه لا وجود لفكرة محايدة، كل شيء مرتبط بالصراع الطبقي، كل شيء مرتبط بالصراع حول وسائل الإنتاج، ولهذا فهم يرتعدون دائما عندما نردد على مسامع الجماهير الطلابية والشعبية الحقيقة الخالدة بقدر خلود النظام الرأسمالي الآيل حتما للسقوط ، بأن هذه السياسة : سياسة طبقية، بأن هذا التعليم : تعليم طبقي.. فليرتعدوا إن موعدنا قريب جدا، فليس لنا ما نخسره إلا قيودنا وأغلالنا.

أما بالنسبة "للغايات الكبرى" للميثاق فهي تتمثل في فتح المؤسسة التعليمية على محيطها، وأي محيط ستفتح عليه !!. إنه ليس سوى المقاولة، ولهذا فمن بين الغايات الأساسية للميثاق هي جعل المتعلم قادر"على التعلم مدى الحياة "، أي بالتوازي مع التطور الذي سيحصل للآلة، وجعل الجامعة تابعة للمقاولة يعني القضاء على الفضاء العلمي للجامعة من جهة، وتسييرها من طرف الرأسماليين وبالتالي خوصصتها من جهة أخرى.

وانطلاقا مما سبق، أي من "المرتكزات الثابتة" و"الغايات الكبرى" التي تهدف إلى خلق مواطن مسالم وخنوع ومستلب من طرف الإيديولوجية البرجوازية، وإلى خوصصة الجامعة وربطها بالمقاولة، يمكننا أن نقسم الميثاق كسياسة طبقية، تستهدف أبناء الشعب المغربي في حقهم المقدس في التعليم، إلى شق بيداغوجي ومادي وديمقراطي.


أ-الشق البيداغوجي

إن الميثاق يهدف إلى ربط المؤسسة التعليمية بالمقاولة، وهذا يعني أنه سيتم القضاء على الشعب الغير التقنية، والتي لا تخدم أهداف الرأسمالي أو صاحب المقاولة، وبالتالي ستتحول الجامعة من فضاء للعلم والمعرفة إلى مكان للتكوين المهني، أي أنه سيتم القضاء على دورها الإشعاعي والتحرري، كما أن الميثاق بحكم أنه سياسة تعليمية طبقية جاء ليطمس التاريخ المشرق للشعب المغربي، بحيث أنه لا نجد في المقررات الدراسية أي محطة مهمة من تاريخ الشعب المغربي كانتفاضة الريف، انتفاضة 23 مارس، انتفاضة 1981 ... وغيرها من المحطات النضالية المهمة والتاريخية في سيرورة نضال الشعب المغربي، وفي المقابل نجده يضخم و يعظم من دور الأشخاص الدين لعبوا أدوارا خيانية في تاريخ الشعب المغربي بدءا من الكومبرادور وعائلته وانتهاء بسلالة الفاسي أو لنسميه أحسن الفاشي السيئ الذكر .

وبالإضافة إلى هذه البنود التي تريد أن تشل تفكير الطالب، نجد البنود الأخرى التي تعرقل سيره الدراسي وتحرمه من حقه في التعليم وذلك مثل :

- النقطة الاقصائية التي تحرم الطلبة من حقهم في الدورة الاستدراكية.
- النقطة الاستدراكية التي لا تتجاوز 20/10.
- الحضور الإجباري.
- المراقبة المستمرة.
- الطرد في حالة تكرار بعض الوحدات لمدة أربع سنوات.
- نظام الوحدات.
- العراقيل التي تضعها الإدارة في حالة إعادة التسجيل،...


ب- الشق المادي

لقد استهدف الميثاق مجانية التعليم بشكل كلي، وذلك عن طريق محاولته خوصصة الجامعة بصفة خاصة والمؤسسات التعليمية بصفة عامة، لحرمان أبناء الجماهير الشعبية من ولوجهم للجامعة، والتي يتعذر عليهم ولوجها في الواقع حتى وهي مجانية وعمومية، وهذا ما نلاحظه عند الدخول المدرسي بحيث أن الجماهير الشعبية تتكبد الهموم عند بداية كل موسم دراسي.

وبهذا فهو يهدف إلى رفع الدولة يدها عن التعليم وتركه للسماسرة الرأسماليين، وهذا ما يتجلى بوضوح في الفقرة 24 من "دعاماته الأساسية" التي تقول : "يشمل نظام التربية والتكوين، التعليم الأولي والتعليم الابتدائي والتعليم الإعدادي والتعليم الثانوي والتعليم العالي والتعليم الأصيل ويقصد بتعميم التعليم تعميم تربية جيدة على ناشئة المغرب بالأولي من السن 4 إلى 6 سنوات والابتدائي والإعدادي من سن 6 إلى 15سنة ".

وهذا يعني أن الدولة رفعت يدها نهائيا على التعليم الثانوي والتعليم العالي، أما التعليم الابتدائي والإعدادي فهي تعول على الجماعات المحلية والشركاء التربويين (الرأسماليين) والمنظمات الغير الحكومية والقطاع الخاص... في تمويله والإسهام في تعميمه.

كما أن تعميم التعليم إلى سن 15 ليس اعتباطيا، وذلك لأن هذا السن، هو السن القانوني للشغل، بحيث سيرمى بأبناء الجماهير الشعبية في شوارع المدن، وفي أحسن الأحوال سيسقطون تحت نير الرأسماليين الذين سيستغلونهم بأبخس الأثمان، لأن أبواب الثانويات والجامعات، لن يدخلها إلا أبناء البرجوازية وعملاء الامبريالية والصهيونية .

وفي هذا السياق سنورد مقطعا من خطاب الكومبرادور يقول فيه " أما بالنسبة للتعليم العالي فلن تفرض رسوم التسجيل إلا بعد ثلاث سنوات من تطبيق المشروع مع إعطاء منح الاستحقاق للطلبة المتفوقين المحتاجين"( خطاب الكومبرادور في مدينة الرباط/ في 8 أكتوبر1999، و يزكي الميثاق هذا القول في المادة 177)، وهذا يعني بشكل مباشر خوصصة التعليم الجامعي أو العالي.

ولكي يستبلد واضعوا الميثاق الجماهير الشعبية وأبنائها الكادحين، فإنهم قد وضعوا قروضا للطلبة من أجل إتمام دراستهم.. فكيف يا ترى سيأخذ أباء وأولياء الطلاب والتلاميذ قروضا وهم لا يجدون ما يأكلون!! وإن وجدوا فبئس الأكل الذي يأكلون!!. وحتى وإن افترضنا أن الطلبة سيأخذون قروضا، من هذا البنك الساذج الذي سيقترضون منه، وما هي الضمانات التي سيقدمونها للاقتراض: دفاترهم، أقلامهم أم صحون القطاني التي لا يأكلون غيرها !!.

إن كل هذه الادعاءات التي جاء بها الميثاق، ليست سوى من أجل در الرماد في الأعين، لأنه حتى المنحة التي يعول عليها أغلبية الطلبة لاستكمال دراستهم، لن تعطى إلا للمتفوق المحتاج.. يا سلام على ذكاء هؤلاء السادة الامبرياليين !! إنهم يجمعون بدون خجل وبدون حياء وبكل وقاحة بين التفوق والاحتياج!!.

إن هذا ليس سوى سفسطة المراد منها هو حرمان أبناء الجماهير الشعبية من حقهم في المنحة، لأنه حتى ولو افترضنا أنه يمكن لبعض المحتاجين أن يشكلوا استثناء، وأن يتفوقوا نسبيا في دراستهم، فإن الأغلبية الكادحة والغير المتفوقة لن تأخذ المنحة وبالتالي سيتم ضرب أحد المكتسبات التاريخية للطلبة.

كما أن الميثاق لم يستثني الأحياء الجامعية، فهي أيضا أخذت نصيبها من الخوصصة، وبالتالي فهو لم يكتفي بحرمان الجماهير الطلابية من المنحة، بل سعى إلى حرمانها حتى من السكن، وذلك بغية ضرب الأساس المادي لتواجد أبناء الجماهير الشعبية في الجامعة، والمتمثل أساسا في : المجانية والمنحة والسكن، ومن هنا يمكن القول بأنه لو تم تطبيق البنود التخريبية للميثاق فسيتم القضاء نهائيا على التعليم العمومي والمجاني .

أما بالنسبة لربط الجامعة بمحيطها الاقتصادي، فنقول للأذكياء الذين وضعوه متى كانت الجامعة مستقلة عن الواقع، أي عن اقتصاد المجتمع الذي توجد فيه !؟!. فلقد نشأة الجامعة المغربية في نظام إنتاج تبعي وتطورت في ظل هذا الإنتاج، وهكذا فهي دائما كانت تعكس جميع التناقضات التي كانت ظاهرة بوضوح فيه، بل وحتى الخفية منها، وظهور الجامعة بمظهر استقلالها عن الواقع ناتج عن أن نظام الإنتاج التبعي يعتمد على قطاعات غير منتجة ولا تحتاج إلى قوى منتجة بأعداد كبيرة، مما جعلها تقوم بتخريج قوى منتجة غير قادرة على الإنتاج في المحيط الاقتصادي، ليس لأن الشهادة التي تحملها لا تأهلها لذلك، وإنما لأن مراكز أو مناصب العمل كلها مملوءة، وهذا بالضبط هو السبب الذي يجعل من الجامعة تظهر وكأنها مستقلة عن محيطها الاقتصادي، في حين أنها في حقيقة الأمر غير مستقلة عنه، وإنما تابعة لقطاعات غير منتجة، مما يجعل قوى الإنتاج المتخرجة منها قوى غير منتجة.

ولهذا فبدل هذا الشعار "ربط الجامعة بمحيطها الاقتصادي" يمكنهم أن يرفعوا شعار : ربط الجامعة بالرأسماليين والمقاولات المتواجدة في محيطها، فهم لم يكتفوا بمص دم العمال والفلاحين الفقراء وعموم الكادحين، لهذا لم يجدوا أمامهم إلا الطلبة ليمصوا دمائهم، إذا كانوا طبعا لازالوا يحتفظون ببضع قطرات من الدم !!.

ولقد قال أحد وزراء التعليم العالي سابقا، بأنه سيتم تكوين الطلاب حسب نوع اقتصاد المنطقة التي ينتمون إليها " فالجهة الفلاحية لابد وأن تتلقى تكوينا فلاحيا والجهة الصناعية لا بد وأن تتلقى تكوينا صناعيا".

أنضروا معي إلى وقاحة هذا الخبير الاقتصادي النادر !! في أيامنا هذه، و الذي يرسل أبناءه للدراسة في المدارس الأجنبية والخاصة، إنه على ما يبدوا واسع الإطلاع على حالة الاقتصاد المغربي !!. وعلى ما يبدوا أيضا فإنه ليس خبير اقتصادي وفقط، بل هو غيور حتى على مستقبل أبناء الجماهير الشعبية. لهذا فهو حريص على تفويت الجامعة للمقاولة و لكبار الإقطاعيين، حتى يستطيع أبناء الجماهير الشعبية من التكون تكوينا اقتصاديا وفلاحيا !!. ولكن ليس في الجامعة بل في أزقة الأحياء الشعبية.

إن هذا العلامة الخبير في الاقتصاد المغربي، اقتبس هذه الجملة على ما يبدوا من المخططات التعليمية للبرجوازية في الدول الامبريالية، ومن دون أن يكلف نفسه عناء التفكير فيها وجعلها تتلاءم مع الواقع المغربي، فأي اقتصاد وأي فلاحة يتكلم علنها هؤلاء السادة الذين يرسلون أبناءهم للدراسة في المدارس الخاصة وبعدها الأجنبية !؟! و أي محيط يريدون أن يربطوا به الجامعة !؟! فهل سيربطونها باقتصاد تبعي عاجز حتى على تلبية المواد الضرورية لمعيشة الشعب المغربي !! أم بفلاحة لا زالت تعول على تساقط الأمطار !! وفي حالة تأخرها يرفعون أيديهم متضرعين إلى السماء طالبين منها - في مشهد كاريكاتوري يذكرنا بالشعوب التي عاشت تاريخها خيالا في الأسطورة- بأن تجود عليهم ببضع قطرات من الماء !!.

إن ربط الجامعة بمحيطها الاقتصادي في نضرهم، يعني أولا وقبل كل شيء ربطها بالرأسمال العالمي والمحلي وبكبار الإقطاعيين، أي تفويتها للقطاع الخاص عن طريق إنشاء مقاولات جامعية، سيصير فيها الطالب هو المادة الخام، أما السادة الأساتذة فعبارة عن وسيلة إنتاج، ستقوم بتخريج مجموعة من "السلع البشرية" حسب ما يتطلبه السوق وانصياعا لرغبة أسيادهم الامبرياليين.

وخلاصة القول، إن الجامعة المغربية خاصة والتعليم العمومي عامة، سيتم القضاء عليه وتفويته للخواص، وسيكون مصير أبناء الجماهير الشعبية هو الشارع بعدما سيعجزون بشكل حتمي عن أداء رسوم التسجيل، ولهذا فإن النضال الحازم والمستميت ضد السياسية التعليمية هو سبيلنا الوحيد والأوحد للحفاظ على مجانية التعليم وعموميته.


ج- الشق الديمقراطي

لقد شكل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب مند تأسيسه الإطار الوحيد والشرعي للحركة الطلابية المغربية، التي بفضلها تم إفشال مجموعة من السياسات والمخططات الطبقية، التي كانت تهدف إلى حرمان أبناء الشعب المغربي من حقهم المقدس في التعليم، فلولا الروح الكفاحية للحركة الطلابية المغربية بقيادة خطها الكفاحي والتقدمي لما استمرت مجانية التعليم وعموميته، ولما حافظت الجماهير الطلابية على مكتسباتها التاريخية.

وذلك لأن النظام القائم يريد - مند ما قبل سنة 1965- حرمان أبناء الجماهير الشعبية من حقهم في التعليم، ولهذا فليس غريبا أن الميثاق يحاول أن يضرب الحركة الطلابية المغربية وخطها الكفاحي والتقدمي، وذلك عن طريق تجريم العمل النقابي والسياسي في الجامعة، ودعوته إلى خلق "النوادي" و"الجمعيات الطلابية" كبديل عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وفي هذا السياق جاء تأسيس "منظمة التخريب الطلابي" وبعض النوادي المشبوهة، بالإضافة إلى خلق "مجالس الكلية" التي ليست سوى مجالس إدارية لا تعبر عن رغبة وطموح الجماهير الطلابية.

ولقد كان رد الجماهير الطلابية واضحا في أغلب المواقع الجامعية، بحيث زاد التحامها بخطها الكفاحي والتقدمي وتشبثها بإطارها الوحيد والأوحد اوطم، وهذا ما عبرت عنه في معاركها البطولية، التي خاضتها تحت القيادة السياسية والميدانية للطلبة القاعديين من أجل تجميد البنود التخريبية للميثاق وتوفير الشروط اللازمة لمواجهته الطبقية.


5- أفاق تصدي الحركة الطلابية للسياسة التعليمية


بعدما تم التطرق فيما سبق للشروط التي نشأت فيها الجامعة المغربية وكيفية تطورها والسياق الدولي والوطني لتطبيق السياسة التعليمية، لا بد لنا وأن نتناول الآن آفاق الحركة الطلابية في تصديها للميثاق، والأدوار التي من الممكن أن تلعبها من أجل ذلك، حفاظا على مكسب التعليم الذي ضحى من أجله أسلافنا، ومن هنا ما هي الحركة الطلابية؟ وما هو موقعها في حركة التحرر الوطني؟ وأية آفاق لها في تصديها للميثاق؟ وكيف يمكن أن تساهم في مواجهته الطبقية؟.

إن "الحركة الطلابية تستمد مقومات وجودها بالنظر إلى قاعدتها الاجتماعية "والتي تنحدر "من جماهير الشعب المغربي كقطب مستقل تتقاسم كل الفئات والطبقات المشكلة له، واقع الاضطهاد والاستغلال والحيف الاجتماعي بكل أشكاله، وبالنظر كذلك إلى نوعية توجهها المبدئي العام الذي - تبعا للأساس الاجتماعي - يتأصل من المنحى التحرري الذي يشكل وحدة الانتماء التاريخي ضمنه المستقبلي لكافة مكونات الشعب المغربي" (الأرضية السياسية والتنظيمية للطلبة القاعديين التقدميين/ ص : 4.) إضافة إلى "ارتباطها بالصراع الطبقي- بين التحالف الطبقي النقيض والقوى الطبقية الرجعية المسيطرة- في المجتمع المغربي، وإسهامها فيه "( الكلمة الممانعة/ ص :13).

وهذا يعني أن الحركة الطلابية تستمد مقومات وجودها من أبناء الجماهير الشعبية، لأنهم يدخلون في تناقض رئيسي مع السياسة التعليمية التي تستهدف حقهم المقدس في التعليم العمومي والمجاني، إضافة إلى هويتها الكفاحية والتقدمية التي تتأصل تبعا لهذا الانتماء، والتي تجعلها دائما منحازة إلى هموم وقضايا الجماهير الشعبية في صراعها مع النظام القائم.

أما بالنسبة لموقعها في حركة التحرر الوطني، فتعتبر رافدا من روافدها، أي جزء لا يتجزأ منها، وذلك لأن "الفعل الذي تنتجه الحركة الطلابية في إضافته إلى الفعل المنتج من باقي مواقع الحركة الجماهيرية يشكل كلا متكاملا هو بالتحديد تجل لممارسة القطب الطبقي النقيض لصراعه الطبقي في مواجهة القوى الطبقية الرجعية المسيطرة داخل البلاد"(الأرضية السياسية والتنظيمية للطلبة القاعديين التقدميين/ ص :4)، وهذا الكل المتكامل هو القادر على المواجهة الطبقية الشاملة، للمخططات الطبقية للنظام القائم بقيادة الطبقة العاملة وحلفائها الموضوعيين، وذلك لأن هذه المواجهة هي نفسها الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية.

ووفق هذا الفهم تكون الحركة الطلابية غير قادرة على قيادة المواجهة الطبقية الشاملة للميثاق، نظرا لجزئيتها في حركة الصراع الطبقي، إضافة إلى أن الميثاق أنزله التحالف الطبقي المسيطر على أبناء الجماهير الشعبية، وبالتالي فإن المواجهة الشاملة، لن تكون من قبل الحركة الطلابية، وإنما من قبل التحالف الطبقي النقيض بقيادة الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وعموم الكادحين، ومن هنا فإذا كانت الحركة الطلابية غير قادرة على قيادة هذه المواجهة، للأسباب الموضوعية والذاتية التي تم ذكرها فأية آفاق لها في تصديها للميثاق؟.

إن تصدي الحركة الطلابية للميثاق يعتبر مواجهة جزئية، أو لنقل مواجهة من موقعها في الصراع الطبقي لهذه السياسة الطبقية، وتتجسد هذه المواجهة في تجميدها لبنودها التخريبية التي تهدف إلى عرقلة المسيرة الدراسية للجماهير الطلابية، وتتمثل هذه البنود فيما هو مادي وبيداغوجي وديمقراطي، وذلك مثل تجميد بند الطرد أو البند القاضي بخوصصة الجامعة والأحياء الجامعية أو الذي يجرم العمل النقابي والعمل السياسي في الساحة الجامعية أو البنود المتعلقة بما هو بيداغوجي ....، ولقد تم التطرق سابقا لهذه البنود عندما تناولنا الميثاق وحددنا أهدافه، وفي هذا السياق فلقد استطاعت الحركة الطلابية في أغلب المواقع الجامعية أن تقود معارك بطولية من أجل تجميد البنود التخريبية للميثاق، وفرض حرية العمل النقابي والسياسي.

وفي خضم هذه المعارك تأكد صحة التصور القاعدي، بحيث أنه حتى المواقع التي سادت فيها الطروحات الانتهازية اليسراوية المغامرة، التي تفتقد إلى التحليل العلمي، والتي كانت ترى بأن الحركة الطلابية قادرة على قيادة المواجهة الشاملة للميثاق، قد تراجعت عن هذا الموقف بعدما اصطدمت بواقع عدم قدرة الحركة على ذلك، لأن هذا الفعل يفوق إمكانياتها الذاتية والموضوعية، والتي لا تأهلها- أي إمكانياتها- إلا للمساهمة في المواجهة الطبقية الشاملة، أو لنقل في الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية.

وحتى الذين لازالوا متشبثين بهذا الموقف الخاطئ، فإن عجزهم الميداني عن قيادة الحركة ولو في معارك لتجميد بنود الميثاق، فما بالك بمعارك لمواجهته الشاملة، كفيل بأن يجعلهم يراجعون منطق ممارستهم الذي لا يحتكم للتحليل العلمي، وما يستلزمه من التحليل الملموس للواقع الملموس، ومن هنا كيف يمكن للحركة الطلابية أن تساهم في المواجهة الطبقية للميثاق؟.

إن الحركة الطلابية كما رأينا، تقوم في نضالها ضد الميثاق بالمواجهة الجزئية أو بالتصدي لبنوده التخريبية، وذلك عن طريق تجميد بنوده التي تستهدف التواجد المادي لأبناء الجماهير الشعبية في الجامعة وتحرمهم من حقهم في التعليم.

و في خضم تصديها للميثاق تقوم بتوفير الشروط اللازمة لمواجهته الطبقية، من موقعها كحركة طلابية، وفي إطار مساهمتها في الصراع السياسي بين التحالف الطبقي المسيطر والتحالف الطبقي النقيض، سواء انطلاقا من مساندتها الدائمة لمعارك الجماهير الشعبية، أو من مساهمتها في المراكمة لفرز الأداة السياسية الثورية للطبقة العاملة، والتي وحدها قادرة على تنظيم العنف الثوري للجماهير الشعبية في مقابل العنف الرجعي المنضم للطبقات السائدة.

إن مساهمة الحركة الطلابية - كحركة تقدمية ومتقدمة في واقع الجزر النسبي الذي تعرفه الحركة الجماهيرية - ترجع بالأساس إلى إمكانياتها النضالية الهائلة، والتي تؤهل مناضليها، كمناضلين شيوعيين إلى التحريض والتشهير وسط الطبقات والفئات الشعبية المتضررة من هذه السياسة التعليمية.

وفي هذا السياق يمكن أن نضع الشعار الذي قدمه القاعديين التقدميين سنة 1999 لتأطير تصديهم للميثاق، حتى قبل إنزاله في الجامعة، والذي تجسد في شعار : "من أجل تهييئ الشروط اللازمة للمواجهة الطبقية للميثاق".

ولقد خاضت الحركة الطلابية تحت هذا الشعار أول معركة وطنية ضد الميثاق، توجت بالدعوة إلى وقفة وطنية في الرباط، تخاذلت جميع القوى - حتى التي كانت تحسب نفسها على الخط التقدمي- في الحضور إليها.

ولقد سبقت هذه المعركة النضالية الوطنية مجموعة من الخطوات النضالية، تمثلت أساسا في حملة التشهير الواسعة بالسياسة التعليمية والمخططات الطبقية للنظام، عن طريق توزيع المناشير التحريضية والقيام بالنقاشات التعبوية في الأحياء الشعبية وبين صفوف الجماهير الطلابية، ولقد اعتبرت هذه المعركة بمثابة بداية التهييئ لمعارك التصدي للميثاق بعد إنزاله في الجامعة، أي بعد سنة 2003.

وستستطيع الحركة الطلابية بعد ذلك، أن تجمد بنوده التخريبية، وستقوم بمجموعة من المعارك البطولية في أغلب المواقع الجامعية بقيادة الخط الكفاحي والتقدمي، ستحقق من خلالها مكتسبات هامة للجماهير الطلابية تكمن في السكن والنقل والمنحة ... إلى غير ذلك من المكتسبات البيداغوجية، ولعل آخر معارك التصدي للميثاق هي المعركة التي خاضتها الجماهير الطلابية في موقع القنيطرة السنة الماضية، والتي حققت بموجبها مكتسبات هامة وحصنت من خلالها بعض المكتسبات التاريخية للجماهير الطلابية.

وكخلاصة لما سبق، يمكن القول أن مهمة الحركة الطلابية، هي التصدي للسياسة التعليمية عن طريق تجميد بنودها التخريبية، والمساهمة انطلاقا من موقعها في تهييئ الشروط اللازمة للمواجهة الطبقية للميثاق، في إطار مساهمتها في تهييئ الشروط اللازمة للثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، وذلك "لأن نضال الطلاب من أجل جامعة وطنية وثيق الارتباط بنضال العمال والفلاحين من أجل إنتاج وطني، فالنضال الوطني واحد وشامل وتحالف القوى الشعبية التي تقوم به شرط تاريخي لنجاحه، إن القوى المنتجة المنضمة من عمال وفلاحين واعية لضرورة هذا التحالف الطبقي ولوحدة النضال الوطني التحرري، فإذا وعى الطلاب هذه الضرورة الطبقية لنضالهم، أمكن لوعيهم أن يتعمق ويزداد ثورية، فينتقل بذلك من الوعي التمردي إلى الوعي الطبقي"( مهدي عامل/ قضايا التعليم و السياسية، ص : 38-39 ).



#حسام_عزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدلية الاستقلالية وبناء الأداة السياسية الثورية في فكر القاع ...
- قراءة في مسار قضية الشهيد بنعيسى قبل وبعد دخول -البام- على ا ...


المزيد.....




- خمس مدن رائدة تجعل العالم مكانا أفضل
- هجوم إيران على إسرائيل: من الرابح ومن الخاسر؟
- فيضانات تضرب منطقتي تومسك وكورغان في روسيا
- أستراليا: الهجوم الذي استهدف كنيسة آشورية في سيدني -عمل إرها ...
- أدرعي: إيران ترسل ملايين الدولارات سنويا إلى كل ميليشيا تعمل ...
- نمو الناتج الصيني 5.3% في الربع الأول من 2024
- حضارة يابانية قديمة شوه فيها الآباء رؤوس أطفالهم
- الصحافة الأمريكية تفضح مضمون -ورقة غش- بايدن خلال اجتماعه مع ...
- الولايات المتحدة.. حريق بمصنع للقذائف المخصصة لأوكرانيا (صور ...
- جينوم يروي قصة أصل القهوة


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسام عزيز - مساهمة أولية في نقد -الميثاق الوطني للتربية والتكوين-