أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد احمد الغريب عبد ربه - البحث عن كافكا















المزيد.....


البحث عن كافكا


محمد احمد الغريب عبد ربه

الحوار المتمدن-العدد: 4622 - 2014 / 11 / 2 - 19:05
المحور: الادب والفن
    


كان متمرداَ، شحيح الروتين، يميل الي التماسك العاطفي والانفتاح علي التجربة بشراهة، يتحدث ليلا نهارا في العبث، يتنفسه بشكل مكثف اكثر من الاكسجين، في احد زياراته لمنزلي لمح رواية لكافكا:-
• ما هذا الاديب، يا محمد.
• انه عبثي الكتابة يتميز بالدقة في اللاجدوي، هو عنوان عالمنا المعاصر دون نقاش.
• هذا يخصني كل الخصوصية، ومن الواجب عليك أن تمنحه لي دون تردد أو خذلان من جانبك.
• نعم يا رامي هو يناسبك لدرجة كبيرة، وقرائته واجبة عليك دون تردد، فسيشبعك كل الاشباع، وسيكون لك خير مرشداً ودليلاً في افكارك الرائعة..
• هل تعتبر يا غريب أني افكاري رائعة، وان كافكا يناسبني لهذه الدرجة.
• اكيد، اكيد.
انفاسه المتسارعة شقت حوائط الغرفة، واصبحت تتصفح كافكا دون توقف، وعيناه الزائغتين رمقني بنصف رغبة في اقتناء كافكا، ولكني وضحت له ان ذلك شئ صعب المنال، فقال لي في ود ورجاء:
• لماذا يا غريب، انا دائما احافظ علي كتب الاخرين وافكارهم قبل كل شئ أخر، لا تخف.
• هناك اسباب تمنعني من ذلك.
• ما هي.
• اسباب متعددة.
• ارجوك منك كل التوضيح.
• اسباب لا حصر لها.
• اذكر منها واحدة علي الاقل يا غريب، لكي اتفهم موقفك، أو اسعي بكل جهدي لتجاوزها والوصول الي كاكفا من خلالك.
• الوصول لكافكا صعب المنال.
• لماذا؟.
• كافكا ليس سهلاً.
• كيف ليس سهلاً.
• يحتاج الي جهود عظيمة، وبحثاً طويلاً للوصول له، وجود كافكا في مكتبتي يا رامي، لا يعني أني حصلت علي كافكا.
• ولكنه عندك بالتمام والكمال.
• ليس كما تظن.
• قول اي شئ.
كان غموضا ليس مقصودا حول كافكا تجاه رامي، كل المؤشرات تؤكد حتمية موقفي، كل العقلاء اذا جاءوا شاهدوا ما حدث بيننا سيعطون لي جوائر كثيرة، سيسمعونني دائما دون توقف، انا احتاج من رامي تضحيات كثيرة لكي اساعده للوصول الي كافكا، وهناك فراغات اريد اشباعها من جانبه.
وجلسنا في الصالة بعدالة لا شئ يظلم أحدنا، فالأريكتين لا يمكن التفرقة بينهم، وحتي الضوء كان متساوياً بيننا، وقال لي:
• لن اتحدث معك عن كتب كافكا التي لديك بالداخل، ولكني اسألك، لماذا لم تخبئ كاكفا عن الانظار.
• ليس لهذه الدرجة، فأذا رأيت كاكفا لا يعني انك اقتربت منه.
• ولكني اشعر أنه قريب للغاية مني، بل هو العالم نفسه.
• لا اخالفك الرأي في ذلك، ولكن...
• ليس هناك لكن،، ان الامر واضح للغاية، كاكفا هو العالم المعاصر، وليس هناك شئ اخر يعارض ذلك..
• ولكني استغرب للغاية، لماذا تقول ذلك، وأنك لم تقرأ له شيئاً.
• اسمه وعناوين رواياته تكفي لاثبات كلامي.
اقتربت منه، وأكدت بابتسامة هادئة، أن الامور ستكون جيدة، والمستقبل سيكون من أجل البحث عن كافكا.
انتهي لقائنا، واصبح هناك امراً جديد يشغلنا معاً، أنه البحث عن كافكا، فالبحث عن كافكا أهم المهام، بل هي كل المهام، وليس هناك مهمة اخري تسترعي الاهتمام والاحترام.
ذهبت الي الحجرة التي يوجد بها كافكا، وقرأت بعض افكاره، بعض راوياته، طعناً في الاخرين وفي العالم، وشعرت براحة تفوق الوصف والخيال، اصبحت اكثر من كاكفا في آن واحد، ولم انام الا بعد الفجر بعدة دقائق، حتي احلامي لم تخلو من كافكا واشباه وكوابيسه وعوالمه المزعجة السوداوية.
وعند استيقاظي رتبت امور حجرتي بكل نظام وسلوك جيد، حتي انبهرت من ادائي لهذا اليوم، وقد اتصل رامي وقال:
- هناك مسرحية هامة في النقد السياسي والاجتماعي.
- هل هي تستحق الاهتمام والمشاهدة لبضعة ساعات بالخارج.
- لا اعرف ولكني اريدك ان تشاهد هذه المسرحية من اجل الفهم والتسلية حتي تخفف عنك رؤيتك السوادوية للعالم والبشر.
- لا شئ يخفف من هذه الرؤية يا عزيزي رامي، هذا امر محال، ولكن اليوم كنت معتدل المزاج الي حد ما وهذا امر اثار حيرتي ولكني تركته دائما مثل الامور التي اتركها لصعوبتها تفاصيلها وفهمها.
- ولكن هذا الامر جيد يا محمد غريب، ولا يحتاج الي فهم وتفاصيل ضخمة للسرد والاستيعاب.
- لا اظن كل شئ غامض وضخم التفاصيل ويجب ان تتركه اذا صعب الفهم والاستيعاب.
قابلت رامي وكان يرتدي ملابس جيدة المظهر لا تعبر عن مكنونه الداخلي السوداوي، وحضرنا مسرحية عدو لابسن هنري، كانت دعوته رائعة، لا اعرف هل فهم رغبتي في ملئ فراغاتي الذاتية، وانه بذلك يسعي للاقترب من تحقيق رغبته في الحصول علي الرواية، تركت كل هذه الهواجس علي قارعة الطريق، وجلسنا سوياً نحتسي الشاي علي مقهي منخفض التكاليف بذئ المظهر والجالسين عليه ليسوا احسن حالاً منه، وامتلكني انتصارا ضخماً وارسلت له نظرات مليئة بالسادية وحب الذات، وقلت له عبرها انك مازالت في البداية، وعليك أن تقدم المزيد والمزيد من الغنائم وملئ الفراغات.
ارسل لعابه في الهواء، بأنه فهم رسائلي علي اكمل وجه، وانه سعيد بهذه الخطوات التي اجتازها، ومرة واحدة، قال لي:
- العبث تتضح ملامحه في لقاءاتنا وحديثنا المستمر عن الحياة والحب والاصدقاء، وانظمة الحكم البالية، وهذا يجعلني اشعر بالسعادة والانتعاش، .
- يا عزيزي رامي انت مخطأ للغاية، بل الحزن والاكتئاب عنوان الجلسة.
وجذبته من يده وذهبنا للبحث عن كافكا في احدي المكتبات، فبعض ما قاله جيد وينم عن عبث وصيغ عفن للحياة.
تركته يحفو وحده نحو المكتبات حيث كاكفا ينتظره كما يظن، كل توسلاته لم تصنع شيئاً جديداً لكي اذهب معه، فمازال في البداية، ودائما غرائزي المشوهة تتحرك بعد منتصف الطريق، البدايات عنوان الضعف والميول السادية، تأملت خطواته نحو كافكا، نحو العبث واللاجدوي، اينما ذهب لن يجده، لأنه قابع بداخله، ولكنه لن يعترف بذلك امامي وامام الجميع، كانت خطواته جادة سريعة لا تخطف الانظار، لم يهتم بها الا انا فقط، فلا زال يمثل لي الكثير، فهو عالم جيد لاشباع غرائزي واهات الحسرة.
قبل أن يذهب، وعدني بكل حزم، انه لن يتحدث أمام المكتبات عني، ولن يرفع صوته عالياً باحثاً عن كافكا، سيظل اكثر هدوءاً واتزاناً، فالمهمة ليست في بدايتها، وملامحها اصبحت واضحة، وقال لي:
- سأتذكرك جيداً مع كل مكتبة، سأمحنك مهمة البحث عن كافكا".
نظرت له بابتسامة هادئة وكلمات مسحوبة بالامتنان وطلبت منه قائلاً:
- عليك أن تحكي عن كل تفاصيل مجهوداتك، وسيكون عندي بعض المفاجأة السارة عن كافكا، بل سيكون هناك امراً نضج ويستحقك دون أي شئ اخر.
- هذا تشجيع كثيرا منك، ويدل علي اهتمامك ورغبة المستمرة في وصولي الي كافكا.
- يا عزيزي رامي انت تستحق التشجيع والدعم.
في الصباح بعد ليلة متعبة ومجهود رائع من رامي، صافحني بيديه التي امتلئت برائحة كافكا، اشرت اليه بالشكر والعرفان علي هذا المجهود، وقدمت له مزيد من التقارب، مزيد من المستقبل الحائر، وغموض مكثف، قلت له :
- "انت قطعت شوطاً كبير من اجل كافكا، سامنحك اليوم معلومات جديدة ستفيدك في مهمتك، المعلومات هذه، هي المفاجات السارة التي وعدتك بها، ستكون في احسن حالة عندما تسمعها، لن تندم ولن تتراجع عن مهمتك خطوة واحدة للوراء، ستظل إلي الامام حتي تجد كافكا.
الابتسامة ارتسمت علي ملامح جسده قبل وجه، واشار بيديه بعلامة النصر والتحدي، واصبح كفارس يرتدي كثير من اوراق الكتب، ويمسك في احد يديه صورة لغلاف المحاكمة لكاكفا، وفي اليد الاخري، صورة لكافكا وهو صغير، رامي اصبح تمثالاً لكافكا، وفي هذه اللحظة اصبحت لا استغني عنه، لن اتركه يذهب ابداً من عالمي، لذا علي أن افكر في ايجاد قيود لكي اقيده في عالمي، سأندم كل الندم اذا وجد كافكا وترك عالمي.
احضرت له طعاماً، وبعض السجائر، وسرد كل تفاصيل ليلته المتعبة في بحثه عن كافكا في المكتبات، فقد زار أكثر من عشرة مكتبات، ولم ينم حتي الان، وبحث في كل الكتب التي رأها، ماعدا بعض الكتب التي كانت ضخمة الجحم وموجودة في ارفف عالية تحتاج الي سلم، وكانت موجود هذه الكتب في اخر مكتبة زارها، ويبدو انها مهمة وقد تساعده في وجود كافكا، ولكنها بدون عناوين، ولم يستطيع الاقتراب منها مطلقاً غير بالنظرات الحائرة، فالعاملين في المكتبة رفضوا اعطائه هذه الفرصة، رغم أنهم سمحوا له بقراءة كل عناوين الكتب ما عدا هذه الكتب.
افرغ ما بداخله من تفاصيل هذه الليلة، وكانت تدل علي ارهاق شديد في الجسد والروح معاً من أجل انجاح مهمة البحث، فاكتشفت انه جاد للغاية لكي يجد كافكا، ولكنه لم يعلم أن قيوده في عالمي تزداد لحظة بعد لحظة، كلمة بعد كلمة، مجهود بعد مجهود، لذا قدمت له مائدة من التشجيع للاستمرار في مهتمه، اقتربت منه ومسحت علي اعلي رأسه لكي يشعر أني معه في هذه المهمة، بل جزء منه، ولكن عينيه بكت وقال لي :
- لماذا لا تمنحي رواية كافكا التي تملكه يوماً واحداً.
فقلت له في سذاجة الماضي.
- لست مؤهل لهذه المنحة، فأمامك الكثير من الوقت والجهد.
- ولكني بالأمس قد بذلت الكثير والكثير من الجهد وأنا الآن استحقها دون شك او تردد منك.
بعد قطرات العرق التي رأيتها علي جبينه من كثرة البحث، من كثرة الكتب التي حملها لرؤية عناوينها، تحرك بداخلي قليلاً من هرمون المساعدة، ولكني لا اعرف هل تحرك من أجل رامي، أم من أجلي أنا في الدرجة الاولي، مددت له عنوان لمكتبة، قد توجد عندها رواية لكافكا، فصرخ وقال:
- المستقبل بدأ يحمل رائحة كافكا، قد أجده خلال ايام قادمة او شهور بدئت في البزوع وتنتهي وانا اتلمس حروفها وكلماته.
وقدم لي مزيدا من الشكر والمرح. حتي أن وجهه لم يتوقف عن السعادة والصراخ بأسم كافكا، لم يعلم ان عنوان المكتبة ينقصه الكثير، فالعناوين لوحدها لا تكفي، سيكتشف أن هناك تفاصيل كثيرة للوصول الي كافكا، وهذا لا يعني ان هذا العنوان لا يدل علي كافكا، ولكن كيفية الوصول هي احد اسرار كافكا التي لا تمنح الا لمن اتقن لغة العبث.
رغم اقتناعي بأن الفرد وحده هو المسئول عن نفسه، عن تفاصيل طريق الوصول الي الاشياء، عن فهم ما تبقي منه في لحظات الصمت، الا هرمون المساعدة تحرك مرة أخري، اصبح اكثر ظهورا مما سبق. وقلت لرامي:
- ينقصك شيئا ما للوصول الي كافكا.
فرد ببراءة:
- كبيرة ومدهشة ما هو؟.
- كارنية الدراسة لاثبات انك طالب اعتيادي، وان تعليمك محلي.
- ماذا يعني ذلك؟.
- يا رامي البحث عن كافكا ليست من مهمة اصحاب التعليم الراقي.
- ولكن.
- ليس هناك لكن، اسمع كلامي، فأنا اعرف كل الصحيح والجيد لك.
طلبت منه التوقف عن مهمة البحث عن كافكا، والجلوس في هدوء دون كلام بعض الوقت، حتي يحصل علي بعض الراحة والهدوء وليستأنف بعد ذلك بعض الجهود للبحث عن كافكا، كان هادئاً بالفعل، لا يتحدث كثيراً، وكان كلامه القليل عن معاناته في الدراسة والعمل، فقلت لنفسي الي هذا الحد، يكون عبثي الهوي، وينغمس في الحياة دارساً وعاملاً، قد يكون كذلك من أجل مواجهة العبث، أو أنه يريد استكشاف المزيد منه في هذه المجالات.
قام من جلسته المستريحة وقال:
- أريد الآن الذهاب للبحث عن تجربة جديدة، بعيداً قليلاً عن تجربة البحث عن كافكا.
- هل انت بذلك تركت جانباً مهمة البحث عن كافكا.
- أنا دائما ارتدي صفة التغيير في أفعالي وأقوالي حتي لا انغرس في العبث بشكل كامل.
- يبدو أنك ستترك البحث عن كافكا إلي الابد.
- دائما يا عزيزي غريب الفرد لا يعرف كنهة الامنيات والمستقبل
راقبته يسير علي الطريق بعد أن تركني وانا ملئ بالأمنيات بأن يستمر في البحث عن كافكا، متو جساً من طبيعته المتغيرة واحتمالات تركه لهذه المهمة الكبيرة، كنت واقفاً في البلكونة، وفجأة هاجمه مجموعة من الاشخاص يبدو عليهم أنهم ادباء هذا العصر، وقيدوه بقيود لا حصر لها، حتي كدت لا اراه بتاتاً، ولم اعرف ماذا حدث له بعد ذلك.
عدة دقائق مرت حتي ارتديت ملابسي واسرعت للبحث عنه، وذهبت الي اخر الشارع، فوجدته يجلس معهم علي مقهي معروف أن الادباء يجلسون دائما للتناقش وتبادل الافكار في الادب، ولم اكن اعرفها اسمها دائما، مجرد معلومة بسيطة عن هويته، وبالرغم وجود فرصة كبيرة لمعرفة اسمها، ولكني لم اسعي الي ذلك علي الاطلاق.
حاولت الجلوس معهم ولكنهم رفضوا رفضا كبيراً، فكانوا اكثر من عشرة ادباء، اجسادهم مختلفة الاحجام، بعضهم حلق لحيته، والبعض الاخر يمسك في يديه كتب تراث، والاخر كتب لافكار معاصرة، شعرت بالفرحة لأني في جو ثقافي جيد، وقال احدهم لي:
- نحن في اجتماع مغلق يا سيد غريب، عليك ان تقف عن بعد وتسمع فقط، ولكن لا تتدخل في شؤون هذه الجلسة، أو تقف بجانب رامي صديقك
- ولكني اريد المساعدة في كل الاحوال.
- نعرف ذلك، ولكن الامر مهم للغاية ولا يمكن تأجيله أكثر من ذلك.
- ولكني لا اقف في طريقكم، انا هنا من اجل فعل اي شئ للادب والثقافة الرصينة.
لم يرد علي أحد منهم علي تواسلاتي المتعددة، بل زاد الأمر سوءاً ووجدت في أعينهم كل انواع التحدي والشر، حتي هددوني بالطرد، اذا لم اقف عن بعد واكتفي بالاستماع فقط لهم دون الاقتراب، وقاموا عدة دقائق واحاطوا برامي، ولم اري شيئاً منه، فقط يداه ترتفع الي اعلي، ولا يري منها الا اظافره، وذلك اشعرني قليلاً بالارتياح، وذهبت لشرب شئياً يهدأ من اهتزازي الداخلي والجسدي.
ثم جلست علي أحد الكراسي بالقرب منهم للاستماع الي حديثهم المفيد للادب، وقال أحدهم لرامي، وكان يرتدي ملابس كلاسيكية وفي يده روايات لهنريك ابسن:
- هل انت تبحث عن كافكا كما سمعنا.
فرد عليه رأمي في خوف وارتجاف:
- نعم ابحث عن كافكا منذ فترة قصيرة.
- هذه مهمة جيدة تستحق التقدير والاحترام.
- شكرا لكِ، ولكن ما اسمك ومن انت.
- نحن ادباء الكتابة الرصينة، والاسماء ليست مهمة.
- هل تمثلون مدرسة ادبية معينة.
- نحن مدارس مختلفة.
وجاء اخر كان ضخم الجسد الي حد ما، ويلبس جوارب كبيرة، وبنطلون قصير، فكان اقرب الي الكتابة الشعرية وقال:
- بحثنا كثيرا عن كتب كافكا في المكتبات ولم نجدها، اين ذهبت النسخ.
فرد عليه رامي في دهشة:
- لماذا كل هذا البحث والجهد من اجل كافكا.
- نريد التزود من افكار فهي خير معبر لواقعنا الحالي.
- هل هذا صحيح.
- نعم انه حقيقة مؤكدة يا رامي، وتأكد من صديقك الذي يجلس عن بعد.
- سأسأله في وقت اخر، ولكن الان، ماذا افعل.
- ليس عليك شئ تفعليه سوي الاستمرار في البحث عن كافكا.
- وهل هناك اخرون غيركم يبحثون عن كافكا.
- نعم الكل يبحث ولكن دون اعتراف منهم بذلك، ونحن موكلون عنهم بالبحث والقراءة.
- تقصد ان العالم كله يريد كافكا.
- اكثر من العالم نفسه، كافكا ايضا يبحث عن كاكفا.
ملئ هذا الحديث آذني بالتفائل وأن الجميع يشتركون في مهمة عظيمة، وكما اقول دائما مهمة المهمات، وتأكدت الآن انها المهمة الاكثر اتساعا وانتشار بين البشر، هذا السرور الذي انتابني جعلني اطلب مشروباً من الشاي الدافئ.
انقطع الحديث، واصبحت النظرات كلها موجه للأرض، والكل يجلس في دائرة ورامي في منتصفها ينظر إلي أعلي.
دقائق مرت، اشخاص تجاوز عددهم المائة، فاصبحت أمام جمهور يبدو عليه التقلب وعدم التجانس، ولكنهم مصابون بالارتباك وعدم الاطمئنان، يمليون الي الشذرات البشرية التي تقطعت الي اجزاء بعد عراك ضخم، بخلاف رامي ظل اكثر صلابة.
اقتربوا من رامي ومن يجلس معهم، ومعهم اكياس من الاطعمة الفخمة، وملابس عالية الجودة، وقال اكبرهم جسدا وخبرة:
هذه الاشياء من اجل التوقف عن البحث عن كافكا.
فسأله أحد اللذين يجلسون مع رامي، وقال:
• من انتم:
• نحن ادباء اخرون، نقرأ دائما للجميع، ودون توقف، عكس طبيعتكم الهادئة الجيدة.
• هل انتم ادباء الشهرة.
• نعم، نحن ما نشكل وعي الجميع، ونعمل من اجل مصلحة الثقافة العامة.
• وما داخل كافكا في عملكم الوطني، ولماذا اتيتم في هذا الوقت.
• نحن جئنا من اجل ايقاف رامي عن مهمته، لا نريد كافكا، لا نريد أن يظهر للجميع ويقرأ.
• انتم لا تمثلون المجتمع جميعا.
• بل نحن ما نشكل المجتمع ونعرف احتياجاته بشكل تام.
• اعتقد ان مهمة رامي في مسار اخر، لن تؤثر علي مهمتكم.
• لا اريد المزيد من الكلام، هذه المرة احذر فقط، واذا توصل رامي لشئ، أو كلمة من كلمات من كافكا، الجميع سيعاقب، ولن ننتظر حتي يحدث ذلك، سيتم التعامل معاكم بحسم اذا تحركتم الي الامام من أجل كافكا، سيتم حبسكم في حياتكم القديمة، في ذكريات روتينية.
لم استطع سماع باقي النقاش لاسباب غير واضحة بالنسبة لي علي الاقل، وقلت لنفسي بكل شجاعة وجرأة سأنتظر حكاية مليئة بالجديد والغذاء السادي بعد انتهاء هذا الاجتماع الملئ بالثرثرة الغير المجدية، وقد وضعوا ستارة علي اجتماعهم، كانت ستارة ضعيفة شفافة للغاية، لذا استطعت رؤيتهم دون اي صعوبة.
استرحت دون تفكير في رامي أو الجالسين وطلبت مشروب القهوة، وناديت علي النادل بكل قوة، ولكنه لم يرد، كنت اراه يذهب هنا وهناك ويوزع المشروبات علي الجميع دون ان يقترب مني، ثم تركت المكان في هدوء.
سرت في الشوارع والطرقات للبحث عن كافكا حياً، بدلاً من كتبه المتجمدة التي تملئ مكتبتي الضخمة التي لا فائدة عامة للجميع لها لأنها لم تعمم، ووجدت كافكا متراصاً علي الارصفة، متراصاً علي اسطح المنازل، وجدت الاف النسخ الحية من كافكا في كل مكان، ولكني لم استطيع الوصول إليه، والتمسك بأطرافه وانامله حتي ابتعد عن التكرار والحكاية اليومية، فهو يختفي كلما ظهر لي فجأة، من كثرة التعب ومحاولات الوصول لكافكا، قررت الاكتفاء بالقراءة وتركت البحث عنه لصديقي المغيب.
كانت خطواتي مليئة بكل شئ ما عدا كافكا، ففي هذه اللحظة تحديداً ظهر سؤال للسطح يغتال كثير اليقين داخلي تجاهه، هل البحث عن كافكا في كتبه وافكاره، ام في وجود حياً.
فتحت باب الشقة بكل هدوء ودون اي عثرات، ودخلت وجلست علي أريكة ضعيفة للغاية، كانت هي نفس الاريكة التي جلسنا عليها أنا ورامي من قبل، وتحدثت مع نفسي عن رامي وما حدث له، هل استطاع ان يكسب ود وثقة الجميع، وكسب منهم مساعدات لكي ينجح في مهمته، أم استسلم وقرر عدم اكمال مهمته.
كل هذه الاحاديث والهواجس اصبحت لا قيمة لها، فرسالة قصيرة الكلمات قوية المعني وجدتها علي احد الطاولات، ومكتوبه عليها من صديقك المغيب الباحث دائما عن كافكا، وفتحت الرسالة فوجدتها تفوح بالتالي:
"الجميع يبحثون عن كافكا، ولكنهم لا يعترفون بذلك، يخافون من القول انهم يشتاقون اليه وفهم افكاره، ولكن قلة هي التي تبحث معي عن كافكا، وقد ارسلوا معي مساعدين اكفاء لهذا الغرض، يجب ان تنضم الينا في البحث عن كافكا ميدانياً".
انتهيت من القراءة وتمنيت أن اكون معهم بكل ما املك، وقلت لصديقي المغيب:
" سأكون معك بكل قلبي، فعالمك في البحث عن كافكا اصبح اكثر اتساعا عما سبق وهذا يستوجب مني مراقبته وتقديم لك افضل النصائح والارشاد حتي تكمل المهمة".



#محمد_احمد_الغريب_عبد_ربه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صندوق الاصدقاء
- مكان الاجتماع
- ماركس ضد فرويد وكافكا
- الحضارة واقوال اخري
- تحديات ثقافية للثورة المصرية
- تاريخ الشفقة لدي نيتشة والثورات العربية
- فلسفة الشفافية في كتاب هكذا تكلم زرادشت
- منطق الكذب في الحب
- تاريخ الفلسفة اليونانية
- هكذا تحدث فرويد : الحب والجنس
- الوعي الإنساني بالعلوم بالإنسانية
- سؤال التفلسف وسؤال الاصلاح
- الكتابة الفلسفية والكتابة النهضوية


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد احمد الغريب عبد ربه - البحث عن كافكا