أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد حياوي المبارك - أرنبون















المزيد.....

أرنبون


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4622 - 2014 / 11 / 2 - 14:30
المحور: كتابات ساخرة
    


(أرنبون)

كنت أسكن أول مجيئي لهولندا بمدينة قرب البحر تدعى (ألكمار) وهذه المدينة تحتضن أحد نوادي كرة القدم الهولندية العريقة (أي . زد) وله في مدخلها ملعب متميز برتقالي اللون يلوح لك من بعيد وكأنه النصف الأسفل لبرتقالة .
وإسم المدينة يُنطق ( ألكْ مار) أي لايحتوي (أل) التعريفية كما يظن البعض أو كما ينطقه معلقو كرة القدم العرب ، نبهتنا لذلك آنسة هولندية متطوعة لمساعدة اللاجئين كانت بوقتها (تدكش) عربي ، تعرّفنا عليها في (الكامب) ونشأت بيننا كعائلة وبينها صداقة .

(ماريولاين) وهذا إسمها ، تتميز بطيبة مُفرطة ، وهي معفاة من العمل وتتقاضى مبلغ الدعم الإجتماعي لأنها تعاني إضطراب نفسي بسبب إنتحار شقيقها الوحيد - وهو شاب في الجامعة - حين رفضت الدولة منحه قرض لإستكمال دراسته كون أبوه يتقاضى راتب عالٍ ، وهذا ما يقوله القانون ، مما حدا بكـُليته لإيقافه حتى دفع مستحقاته التي رفض الأب دفعها .
ولمّا وجد الشاب نفسه (في الشارع) وهو الطالب المجتهد ، خرج في يوم شديد البرودة حيث تتجمد التُرع في هولندا بطبقة (رقيقة) من الجليد لا تسمح بالمشي فوقها ، وإختار مَعبَر (قنطرة) وقذف بنفسه ، ليطفو بعد أيام متجمداً .
صُدمتْ (ماريولاين) ، حزنتْ إعتكفت وبقتْ تُبكيه بشدّة مما أربك تفكيرها ، لكنها إتجهت لله وأقسمتْ على مساعدة المُحتاجين رغم إمكاناتها المتواضعة .
دخلتْ الكنيسة ، تدينتْ وصارتْ نباتية ، حتى حين حاول أحد الشباب في (الكامب) التقرب إليها بتقديمه هدية ثمينة لها ـ عبارة عن معطف من الفرو الخالص ـ إعتذرت له قائلة بأنها لا ترتدي أو تنتعل ملابس مصنوعة من الفرو أو الجلد الطبيعي !

و وجدتْ فرصة لملأ فراغها أن تُربي مزيد من الحيوانات ، كلب ومجموعة قطط وأرانب ، طيور في أقفاص واُخرى طليقة في البيت .
وإذا كانت جميع الحيوانات تقيم معها وقد هيأتْ لها أماكن سكن مناسبة من أقفاص وبيوتات خشبية وحتى شجرة داخل البيت ، فإن أرانبها آثرت أن تحفر جحوراً لها في الحديقة لتنام وتتكاثر فيها .
صار موضوع الحيوانات شغلها الشاغل ومبعث سعادة ومادة (دسمة) للتغزل بها وإعتبرتها - بل صارت معها - عائلة واحدة ، وبيتها غدا حديقة مُصغّرة و واعدة تضم مزيد من الحيوانات الأليفة !

يُجاورها دار تقطنه سيدتين لبنانيتين (عانستين) ، قضَتْ معهُن معظم وقتها ، وقد إجتذبها حديثهن بالعربية وأثار فيها حُب الإطلاع للغة الجميلة التي تخترق مسامعها ، وهو أمر قد فتح آفاق جديدة أمامها لتبدء تعلمها بمودة وشَغف .
وذهبت أبعد من مدينتها حين تعرفتْ على مُدرس لغة عربية مُحترف ومُتقن الهولندية يسكن مدينة (ماسترخت) في أقصى الجنوب ، وتلقّتْ على يدهِ وعن طريق مواقع الأنترنيت والأقراص المدمجة (سي دي) التي تصلها منه بالبريد مزيد من دروس اللغة ، وبدأت بتأدية بعض الإختبارات وبدا عليها تطوّر ملحوظ

ولأنها متدينة ولا تسمح بأن يلمسها أحد رغم تجاوزها الثلاثين ، فقد كانت حَذرة بإختيار أصدقاء جُدد ، خصوصاً بعد إنتقال جارتيها اللبنانيتين لمدينة اخرى ، وبقيتْ متأثرة بهنّ لدرجة أنها تلبس وتتصرف كفتاة شرقية ، يُسعدها التعايش بين شرقيين ، وهو ما جعل لغتنا وثقافتنا وعاداتنا الشرقية تستهويها وتناسبها

كنا متفقون حين نلتقي أن تتكلم هي العربية معنا ، في حين نجيبها بالهولندية وبقدر ما نستطيع ، وغالباً نصل لطريق مسدود فنرجع الى القاموس ، ولهذا فقد أهدتنا قاموس هولندي عربي فأهديناها آخر عربي هولندي .

في إحدى المرات كنا نتحدث في داخل سوق ، تملـّك أحد البنات الصغيرات فضول شديد ، فبينما تشاهدنا كاُناس بملامح شرقية نتحدث الهولندية ، لاحظتْ أن إمرأة وبملامح هولندية تتكلم بلـُغة غير مفهومة ، تتفاهم وتتبادل حديث ، فأسرعت لأمها مستفسرة !
وعندما إنتقلنا للسكن بعيداً عن (ألِكـْمار) كنا نتبادل الزيارة كلما سمحتْ الضروف ، ونتبادل الرسائل بالعربية بإستمرار ، وقد شكتْ لنا من أنها تعاني من قراءة رسائلنا لها
فمثلاً حين سألتها برسالة (يبدو أن دراستكِ لم تنتهي بعد ؟) أجابتْ بأن إتقان العربية أمل يراودُها لكنه بعيد المنال ، لكنها عقّبت ـ لكي تُثبت براعتها في اللغة ـ بأن كلمة (ألم) تأتي إما للسؤال أو بمعنى (وَجع) ، وقالت كذلك أنه كان عليّ أن أحذف الياء من كلمة (تنتهي) لتصبح (تنته) لأنها مبنية على حذف حرف العلة .

وكان من الغريب في ردّها أن تُنبهني لصعوبة تعاني منها في قراءة رسائلنا المكتوبة بخط اليد ، وهو وضع النقاط على الحروف ، فلكي تكون كتابتنا بالعربية دقيقة وتُقرأ صح ، يجب توخّي الحذر بوضع الحروف فوق (كراسيها) وإلا لضاعت الكلمة عليها .
و وجهة نظرها صحيحة ، فرغم أن الكلمة مخزونة بعقلنا بالممارسة ومنذ الصغر كشكل وصورة ، نقرأها مباشرة وليس تهجّياً ، لكن ذلك الأمر بالنسبة لمستشرق يكون غاية في الصعوبة ، فكلمة (تنته) مثلاً ، تأخذ النقاط فيها أكثر من إحتمال !
أجبتها بأن ذلك قد يكون صحيح لكنه يسير على ما يُرام بالممارسة وبحكم سياق بالجملة .
وأعطيتها مثال ...
فكلمة عذر وكلمة غدر مُتشابهتان ااى حد بعيد، ومجرد أن (تقفز) النقطة من الغين للدال، أو عودتها من الذال للعين، تتغير الكلمة، ونحن مستخدمو اللغة بالفعل لانحرص بدقة على وضع النقطة بمكانها مئة بالمئة، لكن يبقى المعنى سيد الموقف، لنتفحص الجملتين ...
ليس (الغدر) من شيمنا.
سأمنحك (العذر) لو تأخرت في موعدكَ.
لايمكن أن تُقرأ الاولى ثانية ولا العكس، وهو ما يتبادر للذهن دون اللجوء لتفحص مكان النقطة.

تـ نـ تـ قل العائلة الى سكن جديد .
تـ تـ نـ قل العائلة كثيراً بين المدن .
وهنا لا يصح وضع النقاط بالعكس بحكم المعنى حتى وإن تخالفت النقاط أو زحفت بسبب الإستعجال .
لكنها بالنسبة لمتدرب يعتبرها مأخذ على العربية في التقيّد بضرورة الحرص الشديد على وضع النقاط عند الكتابة بسرعة بخط اليد !

و لـ (ماريولاين) معضلة تُجاهد في التغلب عليها تُكمن في التأنيث والتثنية وهو ما لا يتواجد - حسب علمي - بلغات اُخرى ، إضافة لمسألة (عويصة) اُخرى في طـُرق الجمع المتعددة .
تقول أن المشكلة ليس في جمع المذكر والمؤنث السالم لوجود قواعد ، لكنها بالشواذ أو ما يسمى ... بجمع التكسير وتفرعاته !

هو فعلاً (تكسير) لمعنويات الدارسين ، لأنهم يعرفون بسهولة أن جمع تفاحة هو تفاحات لانه جمع مؤنث سالم كما هي بنت بنات وبيضة بيضات ، وأن جمع مُعلم معلمون بالرفع ومعلمين بالنصب والجر ، لأنها جمع مذكر سالم كما هي مهندس مهندسون ومهندسين .
وإذا كانت كلمة (تفاحة) تُجمع بسهولة (تفاحات) بإضافة ألف وتاء مثلما نضع حرف الـ (أس) بالأنكليزية لجمع معظم كلماتهم دون عناء ، لكن بالعربية تُجمع (تفاحة) أيضاً جمع تكسير (تفاح) ، والدارس بحاجة هنا أن يحفظ كلمتي جمع بدل الواحدة ، وهذا وسّع اللغة وأعطاها صعوبة ومرونة أيضاً !

مشكلتها أنه في العربية كثيرة هي جموع التكسير ومتنوعة ، وإذا هي سهلة علينا فلأننا خبرناها مذ صغرنا ، فالأرنب يُجمع أرانب والكلب كلاب والقط قطط والطير طيور ، كلها جموع لاتتبع قاعدة ، قلت ذلك وقد شعرتُ بصعوبة لُغتي وانا أشرح لصديقتنا (المُستشرقة) داخل الـ (زوووووو) المُصغّر في بيتها كيف تُجمع أسماء حيواناتها !

× ××

كان يوم 6 كانون ثاني عام 1982 ليس فقط عيد الجيش بالنسبة لي ، فهو يوم تَخرُجي من كلية الضباط الإحتياط ، وكان علينا نحن الخريجون ترديد القسم في قاعة الكلية بمعسكر الرشيد ، وقد تمت الإستعدادات اللازمة من قبل إدارة الكلية لذلك .
لكني وزميلين لي (ثامر ومكّي) فضّلنا وقبل الترديد ، أن نملأ بطوننا بفطور مُعتبر ، نفر كباب بساحة عقبة بن نافع القريبة !
وكان الخط السريع لجسر الدورة العابر لنهر دجلة قيد الإنشاء ، فتسبب الزحام بمدخل معسكر الرشيد بتأخرنا ، ولمّا وصلنا كان الجميع قد دخل القاعة واُغلقتْ الأبواب !
ولمّا خرج جماعتنا وقد أصبحوا (ضباط) ، وجّهوا لنا إنتقاد أنه ما دمنا لم نُردد (القسم) فنحن لسنا بضباط ، وأننا سنتحمل المسؤولية فيما لو (سَرّبَ) أحدهم لإدارة الكلية خبر غيابنا .
إذاً كان علينا الخروج من هذا المأزق ...
- وبينما قالوا أن الإدارة قد وزعت هدية (السيد العميد) القيـّمة لكل الخريجين عبارة عن بطانية (فتاح باشا) درجة اُولى - وقد حُرمنا منها ، عقّب صاحبي ...
- هيّ هسة نمّونة البطانية ، السّوك مليان ... بطاطين !
وهنا ضحك الجميع ونَسيَ (مخالفة) عدم الحضور ، وراح يُحلل هل جمعْ بطانية هو بطانيات أم بطاطين ؟
ولما قال البعض أن طريقتـَي الجمع واردتين باللغة ، حلل آخرون أنه لو كان جمع بطانية هو بطانيات وبطاطين ، معناها جمع كلمة (بطارية) التي هي على وزن بطانية هو بطاريات و ... بطاطير !
وكانت فرصة ان تأخذنا قواعد اللغة بعيداً وأن تُنقذنا لغتنا الجميلة وتُنسي (الخبثاء) ما يمكنهم (جلغهُ من وايرات) علينا ، وعليه فحسبونا ضمن من ألقوا القسم ، وكنّا أول ضباط بجيش العراق نحمل الرتب دون أن نردد القسم ، وبسبب نفر الكباب راحت علينا ... البطاطين !

× × ×

قبل أيام تلقينا رسالة ملونة ومعطرة ومكتوبة بخط عربي جميل من صاحبتنا الهولندية المجتهدة (ماريولاين) تُلقي بها التحية وتُخبرنا فيها ...

... إنني في تطوّر سريع باللغة العربية ، وقد نجحتُ بإختبار أون لاين على الكومبيوتر ، ولا أنسَ أبداً مساعدتكم لي وأشكركم جداً ، لأنني لم أخطأ في جمع التكسير أبداً ...
حيواناتي كلها بخير ، لكنني حزينة قليلاً لوفاة أحد ... الأرنبون !
صديقتكم ماريولاين


عماد حياوي المبارك
هولندا



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد حياوي المبارك - أرنبون