أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (64)














المزيد.....

منزلنا الريفي (64)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4618 - 2014 / 10 / 29 - 22:42
المحور: الادب والفن
    


إلى المفكرين المغاربيين العظيمين :
- المفكر التونسي العفيف الأخضر المعروف بنقده الجريء .
- إلى المفكر والمناضل المغربي المهدي بن بركة الذي تم اختطافه منذ 49 سنة، مع أملي الكبير في محاسبة الجناة الذين ارتكبوا هذه الجريمة النكراء .
أهدي كل محاولاتي الإبداعية لمن يقول : لا .

الفاميلة الزينة (1)*

كانت الشمس قد ذابت في كبد السماء، أعقبتها ظلمة مهدت لليل طويل، تأخرت الأمطار عن الهطول، فبات الجفاف يقرع طبوله في ربوع القرية، يوم تبعه يوم آخر حتى شارف الخريف على الانتهاء، وفي كل يوم يمر ينقطع خيط الأمل، فلا علامات ولا إشارات غير ركام من الحزن ما فتئ يكبر كل لحظة، لم يكن هذا الركام في بداية الأمر باديا للعيان، بل كان مكتنزا في الصدور، إلا أن طفا ذات يوم فوق الصخرة الصفراء الطافحة بالموت، فتقمص لونا أسودا كالغربان.
كانت رجلاه حافيتين، في حين كان صدره مثقوبا، ورأسه حليقا تتخلله شذرات من الجروح، يحط فوقها بعض الذباب بين فينة وأخرى، أما جلبابه المثقوبة فحينما وضعها فوق ظهره تطايرت بين ثناياها زوبعة من الغبار. كان يتكئ على الصخرة الجرداء، ومن حين لآخر يدندن بعض المستملحات، لقد كانت تفوح منها رائحة الحزن، فمنزله مهجور، والضربة التي تلقاها في تلك الليلة، والخريف يثقل عليه، فيئن أنين الأرض التي تجثم على صدرها الجبال والصخور، حتى قضيبه اللعين، مازال ينتصب من حين لآخر، فرغم أنه شيخ ضالع في السن، نجب من زوجته حسينة التي ماتت منذ عام عشرة أولاد، فإن قضيبه مازال يتوق إلى المؤخرات المكتنزة والصدور الضاوية، فليكن الخريف، وليكن الحزن ...كل شيء يذوب فيه، إنها هي، هاته التي تمر أمامه، ذات البشرة الحمراء، والنهدين الطافحين، والصدر الطروب ...إنه يأمل أن يبرأ، فيعود إليها.
إنها الزكورية ذات العقد الخامس، كانت تتردد على الغابة من أجل جلب الحطب، لكن لا أحد كان يشك في خيانتها لزوجها، ربما قضيبه تلاشى في واد الموت، ربما أنامته هي، فالنساء يمكن أن يعجزن في كل شيء ما عدا تعجيز القضيب، إنهن يستطعن ترويضه. في كل مرة تمر أمامه، كان شعيبة يبادر إلى مساعدتها، كانت تقبل ذلك على مضض، تكررت المحاولة، فكان يأخذ معه نعاجه العجفاء قرب الصخرة التي تمر جوارها، ذات مرة كان يجلس مرددا دندناته وتأوهاته المفعمة بالحزن، ساردا معاناته في أرض كرزاز، فهو الغريب بينهم، والخماس في أرضهم. طفت الزكورية، تجر وراءها مؤخرتها المكتنزة، وصدرها الضاوي، ورأسها المملوء توقا إلى القضيب، كلما اقتربت من الصخرة كان يظهر لها رأس شعيبة الأصلع البراق كرأس قضيب (برقالة) مستعدا للإيلاج. لم تذهب في ذلك اليوم إلى الغابة، بل راحت تحضر السرير، وأخبرته أن زوجها الرعديد سيذهب إلى القشلة، ومن هناك سيأخذ رحلة نحو موطنه الأصلي في بلاد سوس من أجل التعزية في أحد أقاربه، شعر شعيبة بسرور كبير، ومع حلول الليل أدخل أغنامه إلى الحظيرة، واستلقى على الأريكة، وراح يفكر في خطته، فإذا به يجد نفسه بين شعاب متشعبة، ووديان لا منبع لها، وجبال لا حد لها، استسلمت الزكورية لذلك القضيب الأصلع، فتركته يفتح الخنادق والأنفاق حتى بزغ عفريت من باطنها أردى شعيبة غارقا في غيبوبته، هاربا يتغوط الدم، ويتقيأ القيح ...لم يذهب الزوج .
هذا هو سحلوت كحل العفطة هههه، أحد أبناء شعيبة، كان ينتظر بفارغ الصبر أن يموت والده، فالضربة كانت قاتلة، اخترقت قفصه الصدري، كما كان يكن له كرها كبيرا، لقد قضى سحلوت حياته حافي القدمين، عاريا ينخره الجوع، خماسا في بلاد الكرزازيين، راعيا لأسياده، أجل إنه يريد أن يستولي على الإرث وحده، لهذا السبب كان يتقرب من والده مبديا نوعا من الحنان الذي يفتقده أصلا سحلوت، فهو لقب بهذا الاسم تعبيرا عن مكره وخداعه، ففي غضون الفجر الباكر، كان الوالد يأخذ معه سوطا، ويجثم على أبنائه حاثا إياهم على الذهاب إلى (مسالق) جنوب الدوار من أجل الإتيان برزم الزرع والتبن، لكن سحلوت كان يستيقظ، ويوهم والده وإخوته بذهابه، سرعان ما يعود ليتمم نومه، بل حتى الإله يلعب معه هذه اللعبة، ففي القيظ القائظ، وأثناء الدراس، وخلال رمضان، كان سحلوت يأخذ قنينة ماء ويسكبها في بطنه، فهو لا يخاف من جهنم، فالحياة التي يعيشها هي جهنم، فهو لا ينام جيدا، ولا يأكل إلا لماما، ناهيك عن الضرب المبرح، والإهانات التي تلحقه من الكرزازيين. لقد ماتت أمه في عز شبابها من جراء خطأ طبي، أما أخته الكبرى ماتت محروقة من جراء إهمال عائلي، وأخته الصغرى ماتت من جراء السعال الديكي، ناهيك عن الأصل المختفي، إن سحلوت قذف في هذا العالم، فوجد نفسه يحمل اسم البراني، الشيظمي، ولهذا السبب كان الكرزازيون يصنفون والده في الدرك الأسفل من المجتمع، فكان كلما أراد أن يشتري الأرض، كانوا يرفضون طلبه، فكم مرة وعدوه بذلك، ثم فيما بعد يتراجعون، إلا أن جاء ذلك اليوم واشترى الأرض، لكنه عاد دون جلباب، حتى بردعة الحمار أخذوها، وهكذا تمكن أن يضمن مكانه بين الكرزازيين .
-------------------------------------
* قصة واقعية دارت فصوله سنة 1978 بقرية بني كرزاز الواقعة في الجنوب الغربي لمدينة بنسليمان .

عبد الله عنتار / 29 أكتوبر 2014/ واد زم - المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منزلنا الريفي (63)
- حلمة الأثر
- منزلنا الريفي (62)
- منزلنا الريفي (61)
- منزلنا الريفي (60)
- شمس الخريف
- كئيب الروح والحياة
- منزلنا الريفي (59)
- زهرة الناي
- منزلنا الريفي (58)
- منزلنا الريفي (57)
- رحلة إلى فضالات ...غبن يرتدي معطف الاستحمار
- منزلنا الريفي (56)
- رحلة إلى بوزنيقة ...رحلة بين أحضان الرعاع
- على شاطئ الموت
- دموعي من دموع غايا *
- أحلامي المقصوصة - قصيدة شاعر كرزازي مجهول
- منزلنا الريفي (55)
- رحلة بطعم الهدر
- قريتي العائمة


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (64)