أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حيدر محمد الوائلي - سلامي من قلبي حُسين















المزيد.....

سلامي من قلبي حُسين


حيدر محمد الوائلي

الحوار المتمدن-العدد: 4616 - 2014 / 10 / 27 - 17:35
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


فُجِعت به أُمي وفجعتني به، تبكي عليه وهي توزع لله في ثوابه غداءاً من رزٍ ودجاج أعدته بعناية، تبكيه بحرقةٍ وألمٍ شديدين دونما معرفة التاريخ والوقائع بالتفصيل فأُمي أُميّة.
تختلط المشاعر بالسيل الهادر من حرقة القلب وألم المصاب أنه مظلومٌ قتلوه في كربلاء لدعوته لأحياء سنة جده رسول الله فكانت عقوبته الحد الأسلامي بإهدار الدم، يتركوه دونما رداء على البيداء في وقتٍ كان امبراطور المؤمنين يداعب في قصر الخلافة قرداً، يملأ جوفه خمراً، يلهمه شيطانه شعراً، يُطربه ما جاءه خبراً، بُشراً قتلوا حسيناً يا يزيد بُشراً.
لم يشفي غليله كل ما رووه له من بشاعة المقتلة فيفزّ ناكزاً بعصاه ثنايا أبي عبد الله الحسين الموضوع رأسه في طشتٍ أمامه، تأخذه غواية الشعر متمنياً أن يشهَد أشياخه ببدرٍ من مشركي قريشٍ ما شَهِد، فلطاروا فرحاً كما طار أن قد عادل دين بدرٍ بكربلاء فلقد لعبت هاشم بالحكم بما يكفي والحقيقة أن (لا خبر كان ولا وحي نزل)، عاملاً بوصية جده من إستسلم يوم الفتح أكثر من كونه أسلم أن تلاقفوا الحكم الأسلامي (تلاقف الطفل للكرة)، تلجمه زينب ابنة علي ذي فقارٍ من حكمة علمها ابوها: (أمن العدل يا ابن الطلقاء سوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد) (وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الازكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء، تهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ولتودن أنك شللت وبُكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت).

كان اعظم مظلوم يكسر حاله القلب في التاريخ، لم يؤتى حقه من تلا قول الرب الجبار في اتيان حق النبي المختار (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)، ولكن من هذا الرب الجبار ليملي على من جعلوه جبار المؤمنين ومالك رقاب المسلمين وغير المسلمين ما يفعله، فهو يجتهد ليخطأ دائماً ودائما له حظ واحد من الثواب في هذا التاريخ الأسلامي المليء بالحظ الواحد من الثواب على الدوام!

ثورة اسلامية على حكم إسلامي جائر في ذلك الوقت المبكر من الرسالة الاسلامية لهي ثورة جمعت عظيم الوعي وعميق الفكر، وأن جوراً إسلامياً في ذلك الوقت المبكر ولازال الكثير من صحابة رسول الله أحياء لهو خطر جسيم، فكان الوقوف بوجه كل ذلك تحدٍ كبير.
كيف تجمعت تلك الألوف المؤلفة من المسلمين الأوائل وقراء القران والمصلين كثيري الصلاة في قتل ابن بنت نبيهم الذي جائهم بالقران رسولاً وعلمهم تلك الصلاة التي صلوها قبل قتلهم الحسين وهم لازلوا يتذكرون قول النبي (حسين مني وانا من حسين) و(الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة)؟!

حالة الحسين يوم العاشر من المحرم (تصعب على الكافر) ولكنها لم تصعب على أمير المؤمنين وولاته على الأمصار وقادة جيشه والجنود، بل كانت سهلة عليهم بل زادتهم فرحاً وسروراً يجمعون الناس في الطرقات والحارات وتُدّق الدفوف طرباً متراقصين شماتة في رأس الحسين ورؤوس أنصاره ورؤوس البقية من ال الرسول المعلقات على الرماح يُطاف بهن وبنساء الحسين قاطعين المدن والقفار من كربلاء العراق وحتى دمشق الشام.
خلال مسيرهم نزلوا في مكانٍ كان فيه ديرٌ فيه راهب، أسند الحرس الرمح وعليه رأس الحسين الى حائط الدير، سألهم: من أنتم، فقالوا: نحن أصحاب ابن زياد، قال: وهذا رأس من؟! قالوا: رأس الحسين بن علي، قال: ابن بنت نبيكم! قالوا: نعم! قال: بئس القوم أنتم! لو كان للمسيح ولدٌ لأسكناه أحداقنا!

تبكيه وحيداً متروكاً على العراء تعصف بجسمه العاري رمال كربلاء تلفحه شمسها ثلاثة أيام، هذا المظلوم المقدس لم يدفنوه كما دفنت كل عشيرة ابناءها وأما هو فلا عشيرة له ولا جاه، فجده من أبيه (مجرد) ابو طالب سيد قريش، وجده من أمه كان (فقط) سيد الأنبياء والمرسلين وخاتمهم من دلى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى (لا غير)، وأبوه كان أخو النبي وأول من امن به ولا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق والحق يدور معه حيثما دار (ليس إلا)، وأما أمه فهي سيدة نساء العالمين (لا أكثر)!
في جاهيلة الأسلام التي هي أشد جاهلية من جاهلية الشرك هذا ليس بشيء يُذكر، بل على العكس كان زيادة على الأصرار وشد العزيمة في بشاعة قتل الحسين والبقية من ال النبي فنزعة الجاهلية تفوق هدى الأسلام، فكيف لو كانت جاهلية مركبة بعنوان إسلامي.

دفنت كل عشيرة ابناءها وتركوا جثة الحسين دون رأسٍ كما جثث اهل بيته على الرمال فصرخت ناعية هذا المسكين المقدس سيد شباب أهل الجنة ولكنه كان أكثر أهل الأرض عذاباً وألماً، صرخت ببني رياح لما اخذوا الحر الرياحي وتركوا الحسين (العشيرة شالته بحر الظهيره... وهم كلمن عليه شالته الغيرة... بس ظلوا الماعدهم عشيرة).
تبكيه حيث النحيب ابلغ الكلام قصيدة من سلاسل دمعٍ على خدٍ أسمر أحرقته شمس المسير لزيارته بعد قتله بمئات السنين. تمشي بهذا الطريق رغم الخطر المحدق به من تفجيراتٍ وقتلٍ وتهديد من قِبَل أتباع من قتل الحسين فيما مضى، تتناقل الذراري وسموم التاريخ والعقائد لتعيد قتل الحسين من جديد فقد وجدوه حياً كثير الحياة أماتهم مجد ذِكره، كبيراً صيّرهم صغاراً، نوراً كشف ظلمات ما فيه يقبعون.

ما هذه العاطفة الجيّاشة التي تغمرها لدى ذكر الحسين؟!
ما عرفت الحسين كما يعرفه العلماء والباحثين، ولم تعرفه كمن كتب المؤلفات في تاريخه، ولكنها تبكيه مجلدات اخلاصٍ وموسوعة حزنٍ لفطرة نقية وكأنها تكتب في الحسين تاريخها الخاص رغم أنها لا تقرأ ولا تكتب فمال هذا البكاء يأتي من الصميم؟
هي نية خالصة لله في تراجيديا الهية بكل ما فيها من بشاعة القتل والتنكيل ارادت حسيناً بمأساته أن ينتصر وينتصر له من له ضمير وتفكر.

(يحسين بضمايرنه) يلتهب الضمير حريقاً من وجعٍ حسيني أن (ياليتنا كنا معكم) حتى (لو قطعو أرجلنا واليدين) تأتيك صارخة (كل قطرة دم بشرياني تهتف بأسمك ياحسين) متوجهة تلقاء كربلاء منادية السيل البشري العارم (جينة ننشد كربلة مضيعينهه ... بيهه زينب كالوا ميسرينهه) تناشد جابراً الأنصاري الذي ناشد أيضاً فكان الجواب (تحيرني وتذكرني يجابر لا تناشدني) يذكرها بأن كانت (زينب تلطم على الراس وتنادي يمهر حسين) تخاطب هذا الكائن الحي وسط تلك المجزرة (كللي يالميمون وين والينه) ماضية في هذا الدرب (اخذ روحي ونظر عيني لأبو السجاد وديني يسجلني).

خرج لا أشراً ولا بَطِراً في أُمة كان الشر ديدنها ودينها وبَطِرَة حد الأفراط، يُهدر دم ابناء الرسول ليهنأ اللصوص بما غنموه من تعب النبي محمد (يا يزيد محمد هذا جدي أم جدك فان زعمت أنه جدك فقد كذبت وان قلت انه جدي فلم قتلت عترته؟!) قالها الناجي الوحيد من تلك المجزرة، العليل ابن الحسين علياً في قصر يزيد لما رفعوا الأذان للصلاة وكانت رأس الحسين ورؤوس اهل بيته وانصاره مُقدّمين هدية ليزيد ليصل المؤذن لفقرة (أشهد أن محمداً رسول الله) ليُلقم يزيداً حجراً من حكمة ال الرسول، فما راعت يزيداً ولا من معه ولم تحرك من مشاعره ولا مشاعرهم قيد انملة بل بالعكس زادتهم تشفياً وغلظة.

هذا المظلوم ينتصر كل يومٍ فيه مظلوم ينتصر، فكل أرضٍ كربلاء وكل يومٍ عاشوراء.
جُدّت يا حسين بالنفس الفانية لتحيا حياةً باقية، في قلوب المظلوين والمحرومين والتعساء والبؤساء والأحرار دماً يتدفق يعطيه فرصة كي يحيا.
يمضي بدرب الشوك يدوس عليه كي يحيا.
يمضي ماسكاً جرحه الدامي كي يحيا.
يدوس برجليه المتقرحتين ليكمل مسيرته ثابتاً كي يحيا.
فدرب حياة الكرامة ملئوه بالشوك والجمر والجراحات فتحمل يا هذا الجسم كي تحيا.

أنت مجد حيث جعلك الأحرار مجداً، بينما لا مجد لمن صنع بيديه مجداً برشاوى المال وبطش السيف حتى لو كتب فيهم الشعراء والكتاب وملئوا الأوراق بأفاعي الكلمات. قد تلقفت عصا ثورتك تلك الأفاعي وألقي الشعراء والكتاب في حضرتك ساجدين، فلا مجد لهم، ولا عذر لهم سوى أنك تستحق الذكر في كل حينٍ، فنجم من كتبوا لأجله أفلّ وبقيت أنت نوراً ساطعاً في سماء الحرية والكرامة.
نروي تاريخك فيعطينا العزيمة حيث الخذلان يتربص بنا في كل مكانٍ وزمان.
في زمانٍ كثير النعام ممن يدفنون الرأس في التراب باحثين عن حشراتٍ يحيوا عليها، ولماّ رفعوا الرأس وجدوك شامخاً تأبى للرأس الكريم إنحناءاً، فدفنوا الرأس من جديد.

ثورتك يا حسين لتغيير الفكر لا لتغيير الحكم، لتحرير الضمير لا لتحرير قصر الخلافة، ثورة لكسب الكرامة لا لكسب الغنائم، فأنتصرت ثورتك رغم قتلك وأنصارك، انتصرت من يومها ولليوم.
سلامي من قلبي لحسين المظلوم الذي ينتصر كل يوم كلما إنتصر مظلوم على ظالم.
سلامي من قلبي لحسين الثائر الذي ما انتصر له ثائر إلا وإنتصر.
سلامي من قلبي لحسين المصلح فأنتصرت له كل دعوة إصلاحٍ وإنتصرت.
سلامي من قلبي حُسين.



#حيدر_محمد_الوائلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات
- بين فكي نقابة الصحفيين العراقيين
- ما خانك الأمين فالخائن أمير المؤمنين
- وشاح الحروف العربية بألوان الاعظمي وشعر طه
- وشاح الحروف العربية بألوان فريال الاعظمي
- الأنتخابات والكلاوات
- رأي في الأحلام وحقيقتها وتفسيرها
- ذئب الأنبار ونعجة ميسان
- عاش ابو خليل
- الزوج لا يسمع وابتلت الزوجة
- إكتسب خبرة من هذا المدير
- الأسلام شرفٌ وصمه المسلمين بالعار ج2
- الأسلام شرف وصمه المسلمين بالعار ج1
- فوك الحمل تعلاوة
- البرلمان وقصة المائدة الكبيرة
- برلمان المستهترين
- احصائية بخسائر العراق على مسؤوليه
- صناعة الأخبار
- بين الفتحة والكسرة فضيحة
- من المستفيدين من قتل العراقيين


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حيدر محمد الوائلي - سلامي من قلبي حُسين