أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - العجوز الحلقة الثامنة عشرة















المزيد.....

العجوز الحلقة الثامنة عشرة


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4615 - 2014 / 10 / 26 - 15:22
المحور: الادب والفن
    



مثل كل مرة تكون فيها أمام النول، تغني ساذجة، حفيدة العجوز:

إذا ما جاء الليل
جاءني حبيبي
إذا ما جاء الليل

إذا ما جاء الليل
ضمني حبيبي
إذا ما جاء الليل

إذا ما جاء الليل
قبلني حبيبي
إذا ما جاء الليل

إذا ما جاء الليل
أبحر بي حبيبي
إذا ما جاء الليل

كانت تغني، وتحلم، وتنسج حُلُمًا. وعندما تندفع هكذا إلى ما وراء الأشياء المرئية، كانت لا تسمع نداء آخر غير النداء الذي يسكن حُلُمَهَا. وعلى الخصوص، عندما يغطي الليل الكون، وتقترب ساعة لقائها بمن اصطفاه قلبها.
- يا عاشقة!...
ولم تسمع. كانت ساذجة من تلك الفتيات اللاتي يستغرقن في ما يحببن من أعمال حتى الضياع ونسيان كل شيء، وأكثر من هذا عندما يتعلق الأمر بالحب. كانت قادرة على التضحية بنفسها كليًا تحت سلطان العواطف، بشرط أن تكون متبادلة، وألا تكون سعادتها مركزة بأنانية على نفسها، وإنما متدفقة على كل من هم حولها.

إذا ما جاء الليل
جاءني حبيبي
إذا ما جاء الليل

إذا ما جاء الليل
................

عاد الصوت ينادي بنبرة بَرِمَة:
- يا عاشقة!...
وساذجة مشدودة إلى عَمَلِها، تمامًا. كانت الخيوط الملونة تلعب في يديها ككلمات الأغنية على شفتيها، وفي النسيج حكاية جدتها أيام شبابها، حكاية بقيت معلقة، لما فجأة طار حجر، وتكسر زجاج. نظرت ساذجة إلى قطعة الزجاج الأخيرة، وهي تسقط، فجمعت نفسها، ونهضت بسرعة.
من النافذة، تفحصت حواشي البيت: حركة بعيدة بين الأشجار اليابسة، تبتعد، وتذوب كموجة في الرمل. هل هو عندليب، حبيبها؟ جاء قبل موعدهما؟ ولكن لماذا فر هكذا لو كان هو؟ في كل مرة، كان يخشى أن يلقوا القبض عليه، فهو لم يكن من عندهم، كان يأتي من بعيد، من مدينة ساحلية، وبما أنه يشبه البرابرة، ويتكلم لغتهم، كانوا يتركونه يمر. أعادت غلق النافذة، وهي تفكر أن ذلك من حظه أن يشبه البرابرة، وعادت إلى نولها. ترددت قليلاً، وهي تجيل النظر بين النول وقطع الزجاج، تلك المراكب الراسية على الساحل، ثم انهمكت في عملها. تباطأ رِفْلٌ من ضوء النهار، وما لبث بحرٌ دامسٌ أن صعد، وجرف كل شيء: المراكب والساحل والنجوم. فكرت، وهي صغيرة، أنها حاولت عدها، تلك النجوم التي لا تعد ولا تحصى، وأنها أحست، في ذلك الوقت، إحساس المرتبك الحائر، بالخوف من الضياع في المطلق.
أشعلت ساذجة القنديل، وانشغلت بنولها. تغضنت عيناها تحت ما تبذله من جهد، وهي تتابع حركة الخيوط والصور في الحبكة. ثم، بشرود، رفعت رأسها، وهذه المرة، ارتعدت من قمة الرأس حتى أخمص القدم من الرعب. كانت قامة سوداء تقف في وسط الحجرة...
- هذه أنا!
بذلت ساذجة جهدًا لتستعيد هدوءها.
أسقطت القامة السوداء الملاية عن رأسها، فبان وجه متهدل شائخ قبل الأوان لصهباء، أختها البكر، مع أنها لم تتجاوز بعد الخامسة والعشرين من عمرها.
صهباء هنا، والباب مغلق! لم تنتظر زيارتها لها قبل وقت طويل... في الواقع، منذ بعض الوقت، لم تلتق الأختان: حكاية بنات. بدافع الغيرة ما في شك، لم تشأ صهباء أن تسمع بحبيب لأختها الصغيرة. وبدافع القرف من الحب كذلك. أو بدافع اليأس. فتاة منفرة مثلها لن يحبها أحد. تقدمت صهباء بقدم مصممة من النول، وبينا بقيت ساذجة مشلولة في مكانها غير قادرة على الإتيان بأقل حركة، أنشبت أظافرها في النسيج، وأخذت تمزق الخيوط ضاربةً الحبكة. لم تجد ساذجة ما تقول غير الترداد بضعف وبصوت هش:
- لا! لا! كفى! كفى!
بينا صهباء تتلف كل القصص والحكايات، انحنت الأخت الصغرى على نفسها، وبكت. تحطمت كل حكاية العائلة عبر جميلة، كل حكاية المقاطعة، كل حكاية الأرض، حكايتك، يا صهباء، ما تمزقين.
استقامت الفتاة القبيحة أمامها، وساذجة لا تتوقف عن البكاء، وترفع نحو أختها وجهًا محزونًا:
- ماذا فعلتُ لكِ، قولي لي؟ ماذا فعلتُ لكِ؟
كل شيء. بدون علم منك ككل مرة. أمسكتها الأخرى، وأخذت تهزها، فتقاذفت ساذجة تقاذف البحر للمراكب، حتى قنعت صهباء بإتمام عملها. ليس كل عملها. في الغالب ما كانت هناك بقية معها. حصة الشائخة، ثم حصة الشابة. عمل مزدوج على صورة جسدها.
- هذا لا شيء غير عقاب، عقاب صغير، قالت صهباء بنبرة نصف متكسرة. لم تريدي تعليمي النسيج، لهذا، ولأروِّض قلبك.
لأجل هذا، لترضي تلك الغيرة، تلك الغيرة العمياء. على عكس صهباء، كانت ساذجةُ جميلةً جدًا، بسذاجة مزعجة. أمسكت صهباء القنديل، وسارت إلى المرآة المعلقة على الحائط. أرادت النظر إلى نفسها. كانت تعرف تمام المعرفة وجهها، ولكن لإرضاء تلك الغيرة الغبية ولإذكاء حقدها على ساذجة والجمال، أرادت إثارة أختها الصغيرة حتى السُّخْط. رفعت القنديل حتى مستوى وجهها، وتأملت نفسها مليًا. كانت دميمة بالفعل. هزت رأسها، وقالت متهكمة:
- لقد ازددت جمالاً، أنا، أجمل النساء، أنثى الريح، العاصفة العفنة!
آه! لو تستطيع أن تتحول إلى زوبعة لتزيل بنفخة كل هذا العفن، عفن شيخوخة بالقوة في غابة من غابات الدمع والشوك! استدارت برأسها نحو أختها:
- ماذا تقولين؟
أبقت القنديل قرب وجهها، لترغم ساذجة على قول عكس ما تفكر، فأبرز الضوء الشاحب دمامتها، تجاعيدها، وفاقم أفكارها. أمسكت صهباء المرآة، وعادت تسأل أختها:
- ألا ترين أنني ازددت جمالاً، أنت، أيتها الدميمة؟
تقدمت، متهكمة، جلست على الركبتين، واقتربت بوجهها أقرب ما يكون من وجهها. نظرت كل واحدة من الأختين في عيني الأخرى بحثًا عن أكذوبة.
- ليس باستطاعتك لفظ كلمة واحدة تؤكد ما أقول، لأنك دميمة، نعم، دميمة، دميمة بفظاعة! قالت البنت الفظيعة.
وصفعت ساذجة صفعة هائلة.
بشعرها الشَّعِثِ، داومت ساذجة على النظر إلى أختها، وفي صدرها شعور مزدوج من الشفقة والقسوة.
- قولي، صاحت بها الأخرى.
فصاحت ساذجة مجبرة ومرغمة:
- ولكن بلى، أنت الأجمل!
- أليس كذلك؟
- أجمل فأجمل!
- وأنت؟ انظري إليك!
وضعت صهباء المرآة تحت أنفها:
- كيف تجدينك؟
وجه نقي وصاف كقمر نائم بين ذراعي المساء، عينان واسعتان لم تزل الدموع تتلألأ فيهما، قطرات ندى على وجنتي المخمل، شعر شَعِث يغطيها بالضوء كنجم هارب في الفضاء، كل هذا، وذلك الحزن الذي تحمله في سر قلبها، يعطيها ألقًا غريبًا مشعًا، ألقًا أسود يجعلها تسطع بجمال سماوي. أمام كل هذا الجمال، بقيت الأخرى، الدميمة، منذهلة، فاغرة الفم، ثم:
- لماذا لا تقولين إنك دميمة، يا أختي الجميلة؟
- إذا كان هذا يمتعك...
- يمتعني، كثيرًا.
- أنا بالفعل أكثر دمامة. هل أنت راضية؟ اتركيني بسلام الآن.
اقتربت ساذجة من النول.
- ماذا تفعلين؟ طلبت صهباء بصرامة.
لتبدي تفوق الأخت الكبرى، وتمنعها من الخلق.
- سأعيد عملي.
ليكون المرء مشوهًا كصهباء كل خلق يعني دونية.
- لن تعيدي عملك!
- سأجعله ينطق بحكايتك، يا صهبائي المسكينة!
- لن تجعليه ينطق بشيء!
محاصرة بكل هذه الممنوعات، أحست ساذجة بالاختناق، بالتهديد. لن تعيدي، لن تجعلي... وأطاعت. هذه المرة، أصابت صهباء هدفًا. اتجهت الأخت الصغرى إلى النافذة، الهواء المثلج، ما كان يلزمها. ولتطرد الأرواح الشريرة، كما كانت تقول جدتها.
- إلى أين أنت ذاهبة ثانيةً؟
- سأفتح النافذة لأتنفس قليلاً وأطرد الشيطان من بدنك.
- لن تفتحي النافذة! لن تتنفسي! لن تطردي أحدًا!
- وماذا أيضًا؟
- كما أقول لك.
- إذن سأفتح الباب لتخرجي... لا كما دخلت.
- لن تفتحي الباب وسأخرج كما دخلت.
- كيف دخلت، يا صهباء؟ هلا أخبرتني؟
- ليس هذا شغلك.
- كنتِ هنا، اعترفي، يا صهباء. دخلت خلال غيابي. لماذا لا تقولين لي شيئًا؟ خلعت الباب.
- الباب لا ينفع لشيء، لا أكثر من النافذة! لا شيء ينفع لشيء!
بالفعل، لا شيء ينفع لشيء. ومع ذلك، كل هذه الأوامر، كانت تضيقها. اعتادت أوامر أزلام الحاكم، ولكن بين أخوات! أقل ما يقال، لديها الحق، صهباء، لا شيء ينفع لشيء. كانت الحال مثيرة لأكبر غضب، وعلى النقيض من ذلك، خطت ساذجة بضع خطوات باتجاه النول، وفي رأسها دومًا فكرة "تخليد" جدتها. حقًا وسائلها متواضعة، لكن هذا يشغلها، يخرجها من كل هذا الجو المكرب، ومن هذا العالم المداجي، هذا العالم الزائف الذي تحيا فيه، زائف كوجه صهباء الزائف. انحنت على خيوط مِغزلها المتشابكة، فصاحت الأخرى بها:
- توقفي!
- أريد التقاط الخيوط.
- قلت لك توقفي! هي حيايا بين يديك!
حيايا زائفة. توقفت، و، ببطء، استقامت. حدقت في وجه أختها، هذا الوجه الزائف الجميل. قبل كل شيء، هي أختها، هذه الصهباء التعسة. من المحتمل لأنها اعتادت هذا الوجه الفائق للعادة، لا تجده ساذجة كريهًا إلى هذه الدرجة. قِناعها. هناك شيء جميل في وجه صهباء الدميم. خلف العادة مع ذلك، هناك الصبر الذي تديره ساذجة وقد كواها في أعماقها وفجر غضبها نارًا: ارتعش وجهها، فتحت فمها، وبكل قوة نقاء طال قمعه، انفجرت:
- لا تكوني شريرة! اتركيني بسلام!... من غير الممكن أن تكوني أختي!... من غير المعقول!... من غير المعقول!
وأخذت تتراجع أمام صهباء، وهذه تميد من الغضب، وتهمهم بصوت خشن قائلة كلمات غامضة تختلط بأصوات غير ملفوظة بوضوح:
- إذن... من أنا؟... هاه؟... من أكون، يا ترى؟... قولي!... نغلة!... ثمرة اغتصاب!... أم ابنة عاهرة؟...
من غير الممكن أن تكون غير أختها، وهي لم تكن شريرة إلى هذه الدرجة. هذا لأنها تعيسة جدًا، صهباء، وحيدة جدًا، مبعدة، مستبعدة، ملفوظة من الجميع. ارتكبت ساذجة بتهور ما ارتكبت، فتراجعت إلى أعماق الحجرة، وصهباء تلاحقها برأس منخفض:
- ابنة عاهرة! قولي، أنت الجميلة جدًا، النقية جدًا! ترين أنني أقول عنك، أنا، مليكة العناكب! أقول بصوت عال ما تفكرين! أتظنين أن أمك لم يلذها ذلك، المرة الأولى التي ضاجعها فيها أول جندي؟... قطعت شعرها، وذرفت بعض الدموع، لكنها ما لبثت أن نامت مع ثانٍ، ثم مع ثالثٍ، ثم مع أربعين آخرين! كانت امرأة منكاحة، أمك العاهرة!... كان لها الفن والأسلوب اللذان يلذان عشرات الجنود، هذه القحبة! انظري إليّ، يا حلوتي، أنا نتيجة هذه اللذة الحيوانية التي تحملها فيها... أنا العار، الحرام، الحقارة، ثمرة الاغتصاب! تمامًا كما تفكرين!
فجأة، إذا بها تبكي، تتمرغ على الأرض، وتشد شعرها.
- لهذا السبب ولدتني أمي على مثل هذه البشاعة. أنت، أعطتك الجمال، وأنا الدمامة! أنت، أعطتك الشباب، وأنا الشيخوخة! أنت، غمرتك بالعطف والحنان، ببعض العطف والحنان على الأقل، أما أنا، أنا، فكرهتني، ولولا الحياء لرمتني في الحقول.
غزت الشفقة قلبها، قلب الأخت الصغرى، شفقة من غير قسوة، فجلست إلى جانب صهباء التي تناولت رأسها، وجذبته إلى الوراء:
- انظري إليّ! ازرعي عينيك في هذه الجيفة الفظيعة! لربما امحى القليل من شكلي المرعب! هل أخيفك إلى هذه الدرجة؟
لم يعد للكذبة مكان، وإنما للحقيقة، فقط للحقيقة. مدت ساذجة يدها، وراحت تداعب وجه أختها، هذا الوجه المسالم الفظيع.
- كم أنت طيبة، يا ساذجة! همهمت البنت الفظيعة وقد لانت، كم أنت جميلة، كم أنت لطيفة!
أدارت وجهها لعارها من نفسها. كان باستطاعتها أن تقول كلامًا رقيقًا، وتعبر عن مشاعر طيبة. لم تكن سيئة إلى هذه الدرجة، ولم تكن قوية إلى هذه الدرجة. لتغطي على الضعف، على عبء العواطف والشهوات، حاولت النهوض والهرب، إلا أنها لم تصل إلى ما تريد. أنهكها هذا الجهد، هي الضعيفة جدًا، وفي النهاية استقامت كصارية تترنح. وهذا الصوت المتكسر المتصادي:

إذا ما جاء الليل
جاءني حبيبي
إذا ما جاء الليل

قالت ساذجة كمن في حلم:
- اصغي!
أصغت صهباء.
- اصغي، يا صهباء، يا حبيبتي، اصغي!
ارتعش حاجباها لهزة خفيفة، ونظرت من النافذة:
- أسمع لكني لا أرى أحدًا، لا أرى شيئًا! لا شيء غير الأشجار والحجارة!
- أحدهم يغني لي.
- أحدهم؟
- عندليب. حدثتك عنه ذلك اليوم، ولم تريدي سماعي,
- آه! نعم، عندليب.

إذا ما جاء الليل
ضمني حبيبي
إذا ما جاء الليل

- سآتي به، قالت ساذجة بحركة لهفة.
- تأتين به؟
- نعم.
- وهل يريد المجيء؟
- سأعود معه. رافقيني لو أردت.
- لا، لن آتي. سأبقى هنا، أتعرفين أين... في أعماق العتمة، في الظلام.
- لماذا لا تريدين مرافقتي؟
- تعرفين جيدًا لماذا.
ثم أضافت، وهي تخفض عينيها، كما كانت تخفض عينيها بنتًا صغيرة، تلك البنت الصغيرة الحيية التي أكربتها دمامة الطبيعة قبل أن تجعل منها دمامة الأفئدة امرأة ساقطة:
- الكل يكرهني، أنا عنكباة! أنا ضائعة من ضائعات شارع الأقحوان!
- سيحاول انتزاعك من المصير الذي لك، هو، حبيبي...
- انتزاعي من المصير الذي لي؟
- إنقاذك.
- إنقاذي!
- نعم.
- إنقاذي مِمَّ؟ ممن؟ عندما يسعى الناس إلى الانتقام، لا يجدون وسيلة أفضل مني لجذب الشر. بالعمل على تعذيبي يصل الناس إلى الانتقام من الآخرين، من كل أولئك الأوغاد الذين يزرعون الأضاليا في أرضنا، الذين يعذبون الأقاقيا في مقهانا، الذين يضاجعون الأقحوان في شارعنا.
- أنت لست سيئة بالقدر الذي تدعين، يا صهباء! ربما وجد علاجًا لدمامة وجهك، فتعودين نضرة مثلي، جميلة مثلي. نعم، يا صهباء، مثلي!

إذا ما جاء الليل
قبلني حبيبي
إذا ما جاء الليل

شاخت صهباء أكثر، دفعة واحدة... دومًا ما يبدو عمر القلوب على الوجوه.
- سيجد لك علاجًا.
- علاج! جرعة سحرية؟
- وغدًا...
- سيجد لي علاجًا؟
- وغدًا سيختفي هذا القناع.
- هذا القناع هو لحمي.
- سيجد طريقة، يا صهباء! سيجد حتمًا طريقة، وسيعود لوجهك نقاء اللؤلؤة. إلى اليوم، والناس يتباهون بلآلئ جدتنا السوداء. هل تذكرين هذه اللآلئ الإمبراطورية، النادرة، هذه اللآلئ النقية؟ سيكون لك نفس النقاء.
- سيكون لي نفس النقاء؟
- سيكون لك نفس النقاء.
- تبدو عليك الثقة، يا صغيرتي المسكينة، ساذجة!
- صدقيني، يا صهباء.
- سيكون لي نفس النقاء...
- نعم، يا صهباء، سأقول له...
- لن تقولي له شيئًا، يا ساذجة، لن يقول لك شيئًا، هو أيضًا!
- سأقول له، ولن يسكت، سيكرس وقته لحالتك.
- مستحيل! لن يلبث الشر أن يستعيدني. يا لساذجة الصغيرة المسكينة، تبدو عليك الثقة. في هذه اللحظة، غادرني الشر. هذه الرغبة في تدمير كل شيء، هذا الميل إلى تعذيبكم: لهذا تجدينني هادئة ورحيمة، كما تستطيعين ملاحظة ذلك. ولكن لا تكوني ساذجة إلى هذه الدرجة!
- سيقتل شرك.
- أنت متأكدة من نفسك كثيرًا، يا ساذجة! واثقة من نفسك كثيرًا!
- سيكون كما أقول لك.
- ليس جيدًا أن يكون المرء واثقًا من نفسه كثيرًا.
- سيقتل شرك، كما أقول لك.
- أنت واثقة من نفسك كثيرًا، أنت واثقة من نفسك كثيرًا جدًا!
- سينتزع الشر الذي فيك.
- الشر يسري في دمي.
- سيصفي دمك.
- إذن سيقتلني.
- لا تقلقي، يا صهباء. سيعطيك حقوقك، حقوق الأقحوان، حقوق الحياة.
ساذجة التي تريد الدفاع عن حقوق أمها كذلك، تقول فجأة:
- اسمعي، يا صهباء، يا أختي. لم تكن أمنا، على كل حال، سوى ضحية، فلا تدينيها! ليست ذئبة ولا حية ولا فرس! عامليها باحترام، هذه الأم التعسة.
والأخرى تسمع، وتحس بأختها، أختها الصغيرة، واثقة من نفسها كثيرًا، واثقة من نفسها كثيرًا جدًا.
- سأجلب لأمنا عقدًا من الفل، وسأقول لها العقد منك، وفيما بعد سأزرع ورودًا من كل نوع في حقلنا، وستغدو للورود براعم، الورود التي تحبين.
- لم أعد أحب الورود، قالت صهباء بنبرة مُكَدَّرَة.
- لم تعودي تحبين الورود؟
- لم أعد أحب الزهور، كل الزهور.
- لماذا؟
- لأني... لأني فأس، لهذا. لأني فأس هائمة على وجهها.
- والقمر؟
- أيضًا.
- لا تحبين القمر؟
- أنا عواء الذئاب.
- والعسل؟
- أنا ملح الحجر.

إذا ما جاء الليل
أبحر بي حبيبي
إذا ما جاء الليل

- هل تسمعينه؟ سأذهب.
- له صوت رقيق، عندليبك، حلو، هش، يُسمع بالكاد، أصداؤه لا تُسمع، لا تهز الورق...


يتبع الحلقة التاسعة عشرة



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العجوز الحلقة السابعة عشرة
- العجوز الحلقة السادسة عشرة
- العجوز الحلقة الخامسة عشرة
- العجوز الحلقة الرابعة عشرة
- العجوز الحلقة الثالثة عشرة
- العجوز الحلقة الثانية عشرة
- العجوز الحلقة الحادية عشرة
- العجوز الحلقة العاشرة
- العجوز الحلقة التاسعة
- العجوز الحلقة الثامنة
- العجوز الحلقة السابعة
- العجوز الحلقة السادسة
- العجوز الحلقة الخامسة
- العجوز الحلقة الرابعة
- العجوز الحلقة الثالثة
- العجوز الحلقة الثانية
- العجوز الحلقة الأولى
- العجوز مقدمة الطبعة الجزائرية
- العجوز مقدمة الطبعة الفرنسية
- موسى وجولييت النص الكامل نسخة مزيدة ومنقحة


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - العجوز الحلقة الثامنة عشرة