أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - معتز حيسو - شتاء السوريين القارس: ابحثوا عن سياسات تحرير الاقتصاد















المزيد.....

شتاء السوريين القارس: ابحثوا عن سياسات تحرير الاقتصاد


معتز حيسو

الحوار المتمدن-العدد: 4613 - 2014 / 10 / 24 - 08:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لم يعد خافياً أن الميول النيو ليبرالية قادت إلى تعميق التناقضات الاجتماعية والاقتصادية. هذا في وقت ساهمت فيه السياسات الإعلامية في إخفاء الأسباب المحددة للميول الاقتصادية والتناقضات الاجتماعية الناجمة عن ذلك. وقد ساهمت سياسات تحرير الاقتصاد في تزايد حدة الاستقطاب الاجتماعي وتقليص الدور التنموي للدولة. وقد حذرنا في أكثر من مناسبة، من أن الاقتصاد يعاني أزمة بنيوية يستحيل تجاوزها بسياسات نيو ليبرالية.

وبناءً على ذلك كنا نؤكد على دور الدولة التنموي وعلى ضرورة إطلاق الحريات السياسية لضبط التحولات الاقتصادية.
إن السوريين يقفون على أبواب شتاء يُرجّح أنه سيكون الأقسى والأشد وطأة. وهذا لا يتعلق فقط بتداعيات رفع سعر ليتر المازوت من 60 إلى 80 ليرة، مع العلم أن المواطن يدفع سعر ليتر المازوت مبلغاً يراوح بين 83 و85 ليرة (في حال توافره)، فيما يتجاوز سعره في السوق السوداء عتبة 200 ليرة. وهذا يضع السوريين في وضع كارثي، فهم عاجزون بالمعنى الحرفي للكلمة عن تأمين قيمة الـ400 ليتر التي خصصتها لهم الحكومة، والتي لم توزّع منها إلا كميات قليلة جداً. مع العلم أن الحكومة وجّهت للبدء بعمليات التوزيع اعتباراً من بداية الشهر السابع لكن الكميات التي جرى توزيعها حتى اللحظة لا تكفي حاجة الموطن في الحدود الدنيا. وهذا يعني أن عدم تسلّم المواطن لمخصصاته قبل حلول الشتاء بات أمراً واقعاً، وذلك نتيجة عدم قدرة الحكومة على توفير الكميات اللازمة، والعجز المالي للمواطن ومستوى الإفقار الذي بات يعانيه. وهذا يُرعب السوريين، فاقتراب الشتاء يعني حرفياً اقتراب وقوع كارثة إنسانية. والعجز عن تأمين المازوت للتدفئة يعني بالنسبة إلى الأسرة تراجع وتيرة الحياة الطبيعية، وانتشار الأمراض وارتفاع معدل الوفيات، تحديداً عند الأطفال وكبار السن.
إن الحد الأدنى لحاجة أسرة مكونة من خمسة أشخاص لا تقل عن 5 ليترات يومياً، وتتضاعف هذه الكمية في المناطق الداخلية، وفي حال وجود أطفال ومسنين أو حالات مرضية. وهذا يعني أن الأسرة بحاجة يومياً إلى مبلغ يراوح بين 410 و830 ليرة سورية وفق السعر النظامي، وشهرياً بين12300 و24300 ليرة. فالمبلغ الأول يعادل حوالى 50% من متوسط الدخل، أما الثاني، فإنه يعادل تقريباً كامل الدخل. وهذا يعني أن المواطن سيكون عاجزاً عن تأمين احتياجاته الأساسية بما فيها الغذائية. أما إذا «فكّرت» الأسرة بشراء حاجتها من المازوت من السوق السوداء، فإنها تحتاج إلى مبلغ يراوح بين 1250 و2500 ليرة يومياً. أما شهرياً، فإنها بحاجة إلى مبلغ يراوح بين 37500 و75000 ليرة. وبالتأكيد فإن أصحاب الدخل المحدود ومن يمارسون العمل الحر يعجزون عن توفير مبلغ كهذا. وحتى أصحاب الدخول المرتفعة سيجدون صعوبة بالغة في توفير الحد الأدنى من حاجتهم من السوق السوداء. وهذا يعني أن أكثر من 90% من المجتمع السوري سيكونون عاجزين عن تأمين المازوت للتدفئة، أي إنهم سيكونون مجبرين على «الاختيار» بين احتمال البرد أو الجوع. والطامّة الكبرى أن كلا الأمرين مفروض بقوة الواقع على الأسرة السورية.
الحد الأدنى لحاجة أسرة من 5 أشخاص لا يقل عن 5 ليترات مازوت يومياً


وفي حال التفكير في بدائل عن المازوت فليس من خيار سوى الاعتماد على الحطب أو الكهرباء. الخيار الأول مستبعد بشكل كبير، أولاً لعدم قدرة المواطن على شراء مدفأة حطب، وخاصة لأن سعرها يفوق دخله الشهري، ثانياً لأن سعر كيلو الحطب في فصل الشتاء يتجاوز الـ 35 ليرة، وهذا يعني أن الأسرة بحاجة إلى مبلغ يومي يتجاوز 500 ليرة أي 15000 ليرة شهرياً وهذا الخيار سيترافق مع مزيد من الأمراض الصدرية، وفي ما يتعلق بالتدفئة عن طريق الطاقة الكهربائية فدونها المزيد من العقبات، أولاها ارتفاع تسعيرة الكيلو واط ساعي والضرائب المترتبة على الاستهلاك. الثانية: ارتفاع تسعيرة الاستهلاك وحجم الضرائب طرداً مع ازداد الاستهلاك. الثالثة: تراجع إنتاج الطاقة الكهربائية وازدياد ساعات التقنين. بالتأكيد سيزداد معدل التقنين مع ازدياد الاستهلاك بسبب عدم توافر القدرة على تغطية الاستهلاك الزائد. وهذا يرتبط بداهة بتوقف العديد من محطات التوليد الكهربائي نتيجة الصراع، وعدم توافر الكميات اللازمة من الفيول والغاز اللازم لتوليد الطاقة الكهربائية.
المحصلة أن الأسرة السورية ستقع في أزمة كارثية. فهي ليست قادرة على توفير مصادر الطاقة للتدفئة، وإن حصل فإنه سيكون على حساب معيشة أفراد الأسرة. ويجب التذكير بأن أعدادا كبيرة من الفقراء والأطفال بشكل خاص كانوا قبل الأزمة يمضون جلّ وقتهم في البحث عن بعض العيدان أو بقايا البلاستيك لإشعالها علّها تبعد عنهم شبح البرد. أما الآن، فإن ازدياد معدلات الفقر والارتفاع المخيف للأسعار سيجعل من هذه الظاهرة أكثر انتشاراً. وقد تكون مترافقة مع ارتفاع معدلات القتل بسبب انهيار الآمان.
وإذا حاولنا أن نحدد آثار ارتفاع سعر حوامل الطاقة على الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية والقطاع الصناعي والخدمي، فإن كارثة أشمل وأعمق ستكون في انتظارنا. وآخر انعكاسات رفع سعر المحروقات تجلى في احتجاج صناعيي مدينة حلب، وهؤلاء يشترون وفق تصريحاتهم ليتر المازوت بـ 150 ليرة. وبالتأكيد فإن هذا سينعكس على استمرار العملية الإنتاجية وتكاليف الإنتاج وبالتالي على الأسعار، إضافة إلى تراجع القدرة التنافسية أمام البضائع المستورد. وهذا يهدد بإفلاس الباقي من الصناعات الوطنية وتوقّفها عن العمل. أما القطاعات التي ستستمر في الإنتاج فإن رفع سعر منتجاتها سيكون أمراً مؤكداً. وهذا سينعكس بأشكال سلبية على شرائح اجتماعية واسعة بمزيد من الإفقار والبطالة والتهميش. وهذه الفئات بالأساس لم تعُد منذ زمن بعيد قادرة على تأمين احتياجاتها. أما القطاع الزراعي فإنه سيشهد حالات إفلاس حقيقية. وإذا كان كثير من المزارعين سيهجرون أرضهم ويتركون زراعتهم، لكنهم بالتأكيد لن يستطيعوا الهجرة إلى محيط المدن كما حصل في عام 2008 عندما رُفع سعر المازوت إلى 25 ليرة لليتر الواحد. وهذا يعني بالتأكيد أن المستهلك سيشهد فاقة لم يشهدها من قبل.
إن رفع سعر المازوت إلى 80 ليرة، سيوفّر للخزينة دخلاً سنوياً إضافياً يقدر بـ 100 مليون دولار، وهذا العائد ناجم فقط عن فرق السعر في استهلاك المازوت في التدفئة المنزلية. وأكثر من ذلك نتيجة رفع سعر ليتر البنزين من 120 إلى 140 ليرة. إأما العائد الناجم عن رفع سعر المازوت في الزراعة والصناعة والخدمات، فإنه سيكون أكثر من ضعف العائد الناتج عن الاستهلاك المخصص للتدفئة. ومهما يكن العائد المالي، فإنه لا يعادل الضرر الذي ستتعرض له القطاعات الإنتاجية، ذلك من جهة ارتفاع تكاليف الإنتاج (أجور عمالة، تكاليف نقل وتسويق، سعر مواد أولية...) وانخفاض القدرة التنافسية. ولن يكون بمنأى عن ذلك القطاعات الخدمية. ويبدوا أن الحكومة عاجزة عن إيقاف تدهور مستوى المعيشة، وجنون الأسعار. وكل هذا يجري مع صمت الحكومة عن تعديل الأجور بما يتلاءم مع ارتفاع الأسعار. هذا مع علمنا بأن أي زيادة على الأجور، ستكون اسمية، أي سيقابلها ارتفاع مباشر في معدل التضخم، ارتفاع الأسعار، تراجع القيمة الحقيقية للدخل، انخفاض قيمة الليرة، تراجع القدرة الشرائية. وهذا يعني بالمحصلة النهائية ازدياد معدلات الفقر والبطالة. إن تراجع معدلات الإنتاج، ودمار القطاعات الإنتاجية، والحصار الاقتصادي، وتراجع الاستثمار في مصادر الطاقة، والإثراء القائم على النهب والقتل والخطف... كلها عوامل تدفع المواطن إلى أزمة كارثية تُنذر بمزيد من التحلل القيمي والتفكك الاجتماعي وتخلع البنى الاجتماعية والمؤسسات المدنية. وهذا ينبئ أيضاً، بمزيد من الكوارث الاجتماعية نتيجة الفقر الذي وصل حدود المجاعة، ونتيجة تفتت البنى الاجتماعية في سياق إعادة تشكّلها في إطار تجمعات مذهبية وعرقية وطائفية عشائرية.



#معتز_حيسو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شتاء السوريين
- في مقدمات انهيار الدولة
- في نهايات «الربيع السوري»
- سوريا: من ثقافة التغيير إلى سياسة التحرير
- في غزة: حرب على التاريخ والهوية
- من يتحمّل نتائج ارتفاع الأسعار في سوريا؟
- سوريا: من نتائج لغة السلاح
- الحدود السياسية لدولة «داعش»
- إلى «رموز» المعارضة السورية في الخارج... كفى
- في سؤال الهوية
- ما بين الاقتصاد والسياسة في سوريا
- سوريا: عندما تكون الحرب مدخلاً إلى السياسة
- أوقفوا إرهابكم عن الجامعات السورية
- في سوريا... الكارثة تكشفها الأرقام
- سوريا 2011 - 2014 من الحرية إلى انهيار الأطر الوطنية
- من إشكاليات الفكر العربي
- عندما يتحوّل «جنيف» إلى منصّة لقتل السوريين
- قراءة أولية في ظاهرة التضخم
- إعادة الإعمار مدخل إلى النهب النيوليبرالي في سوريا
- المثقف السوري زمن الأزمة


المزيد.....




- مادة غذائية -لذيذة- يمكن أن تساعد على درء خطر الموت المبكر
- شركة EHang تطلق مبيعات التاكسي الطائر (فيديو)
- تقارير: الأميرة كيت تظهر للعلن -سعيدة وبصحة جيدة-
- عالم روسي: الحضارة البشرية على وشك الاختفاء
- محلل يوضح أسباب فشل استخبارات الجيش الأوكراني في العمليات ال ...
- البروفيسور جدانوف يكشف اللعبة السرية الأميركية في الشرق الأو ...
- ملاذ آمن  لقادة حماس
- محور موسكو- طهران- بكين يصبح واقعيًا في البحر
- تونس تغلق معبر رأس جدير الحدودي مع ليبيا لأسباب أمنية
- ?? مباشر: تحذير أممي من وضع غذائي -كارثي- لنصف سكان غزة ومن ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - معتز حيسو - شتاء السوريين القارس: ابحثوا عن سياسات تحرير الاقتصاد